منذ وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، تخلى الملك الجديد عن النهج الاقتصادي الذي كانت تتبعه المملكة آنذاك، والذي كان يهدف إلى تحقيق عضوية السوق الأوروبية المشتركة. وبناءً على استشارات من فريقه الجديد ( المكوّن في غالبيته من زملائه في المدرسة) أعاد توجيه البوصلة الاقتصادية نحو الجنوب فبدلًا من أن يكون المغرب مجرد سوق لتصريف البضائع الأوروبية من خلال الانضمام للسوق الأوروبية، قرر الملك عكس المعادلة: بناء قاعدة إنتاج قوية داخل المغرب، واستغلال موقع المملكة وثرواتها لغزو الأسواق الإفريقية بمنتجات مغربية،!!
هكذا بادر الملك الجديد بزيارة موريتانيا (زيارة قطعتها احداث 11 سبتمبر) و استغاث بطوب الأرض لتنفذ موريتانيا طريق نواكشوط - نواذيبوا و تدعم فتح ثغرة الكركرات ! منذ ذلك الحين رأي المغرب في موريتانيا سوقا (صغيرا) لكنه ممر إجباري تجب المحافظة عليه مهما كان الثمن ......
هكذا استثمرو في الاتصالات (موريتل ) و شكلوا أكبر مستخدم لمطار نواكشوط (الخطوط المغربية) و في الاسمنت (اسمنت الساحل) وفي الغاز (اشترت شركة مغربية BSA gaz) و في توزيع المحروقات (اشترو فرع توتال) و في البنوك (التجاري بنك و يسعون حاليا لشراء فرع سوسيته جنرال) مع عدة شركات في مجال ( دقيق السمك ) ناهيك عن 2% يمتلكها مكتب حكومي مغربي في سنيم !! و سعوا (ولا زالو يسعون) للاستحواذ علي مشروع سكر فم لكليتة عبر شركة كوسيمار ...الخ
و استغلوا نهم مسؤولينا للعمولات (كومسيوهات) وحصلوا علي صفقات في الأشغال العامة (الطرق ، المياه و الكهرباء ...الخ) و صفقات أخري مع الحكومة في شتي المجالات (معلوماتية ، استشارات، أجهزة طبية ...الخ) و مع كبريات الشركات كذلك (سنيم ، تازيازت ...الخ) و ربطوا علاقات مع القطاع الخاص الموريتاني بحيث لا يوجد مصنع و لا فندق إلا و يعتمد علي المغاربة إما عمالا أو موردين لمواد أولية أو لقطع غيار أو لتنفيذ أعمال صيانة . ..الخ
ثم أغرقوا السوق بالصنف الثاني (بعد أن يتم تصدير الصنف الأول لأوروبا و الخليج) من الخضروات و الفواكه و الزيوت و الأدوية .. بتشجيع من الدولة إذ تعوض " وكالة التنمية الفلاحة " مبلغ عن كل طن تم اخراجه من المغرب جنوبا . و لتعزيز نفوذهم شكلوا شبكات توزيع موازية فلم يعد يخلوا شارع أو حي ..من حانوت تجزئة مغربي يبيبع الخضروات و الفواكه !! و انشأوا سلسلة مقاهي مغربية علي طول الطريق من "بير كندوز" حتي "كوكي الزمال " لتوفير خدمات لشاحناتهم (حتي لا يتم انفاق درهم واحد خارج حلقتهم المغلقة ) !!
رسميا أعلنت المغرب 2022 أنها صدرت لموريتانيا قيمة 300 مليون دولار (أي بعبارة أخري هناك 120 مليار أوقية غادرت موريتانيا باتجاه المغرب).
من ناحية أخري استغلوا ضعف امكاناتنا السياحية و انفتاحنا "الغير متوازن " علي الحياة العصرية ، إذ تتجه مئات الأسر سنويا لقضاء العطلة الصيفية في المغرب .. و لك أن تتخل أن 450 طلبا في اليوم (كما صرحت السفارة ) اي 10000 اسرة في الشهر ... كل أسرة تنفق علي الأقل 4 الي 5 ملايين أوقية ... فهذا يعني أن هناك ما يقدر ب 100 مليار أوقية سنويا تنفقها الأسر الموريتانية في شهرين من العطلة الصيفية في المغرب .
ناهيك عن ما يصرفه المرضي و الطلاب و المسافرين " ترانزيت " نحو الخليج ...الخ
ثم غزونا بجيش من الحرفيين ك " الحلاقة " و عمال " الطلاء و الديكور " و أصحاب المقاهي و المطاعم و الجزارين و حتي خدمات المنازل ...الخ بالكاد ينفقون جزءا صغيرا مما تحصلوا عليه من أموال !! و إن إنفقوا ففي دائرة مغلقة بينهم ( مقهي و مطعم و حوانيت و مجازر مغربية...الخ ) و يحولون الباقي الي المغرب الذي يراهن على أبنائه المهاجرين لإنعاش اقتصاده و لديه استراتيجيات رسمية و خطط تحفيزية تجعل المغربي " يكسب الأموال في البلد المضيف و يقوم بتحويلها نحو المغرب " ..وهو ما جعل 20% من الودائع في البنوك هي لمغاربة الخارج !
و رغم عملية الإمتصاص الممنهجة هذه :
لا تصدر موريتانيا شيئا سوي بضع (دراريع و ملاحف و حزم من تجمخت..الخ) لسكان الصحراء الاقل كثافة سكانية من بين كل مدن المغرب !! حيث يسمح المغرب بإنفتاح تجاري محدود لمناطق الصحراء علي موريتانيا لأسباب عديدة أهمها ( إحراج موريتانيا التي تعترف بسيادة البوليساريو علي تلك المناطق ) !!
و حين يستورد المغرب الأغنام للأضحية (يستورد من البرتغال و اسبانيا و رومانيا) و حين يريد أن يستورد التمور (يستورد من مصر) و يستورد الحبوب (الدخن أو الزرع ، الشعير) من جميع انحاء العالم إلا موريتانيا المجاورة حتي (آدلكان يستورده من الأرجنتين!!)...... و أما أن يسمح لموريتاني بفتح "دكان سقط " في مدن المغرب (بإستثناء الصحراء ) فتلك من عاشر المعجزات... !! كما أن مجرد التفكير بالمشاركة في الصفقات أو الحصول علي تراخيص الاستثمار فتلك " جريمة لا تغتفر لأي موريتاني " ...و لعل في تجربة سابقة لبعض رجال الاعمال الذين حاولوا الاستثمار في مصنع صغير جدا (قاعة) لتبريد الأسماك في الداخلة موعظة و عبرة لكل من تسول له نفسه تجربة تلك الطريق!!
رغم كل ماسبق لا تزال نظرتنا لجارنا (الذي لا يضيع أي فرصة مهما كانت ) متجمدة عند " حرب الصحراء " و ليست لبلادنا استراتيجية لا تجارية و لا إقتصادية للتوازن معه .. سوي " التباهي بالحياد في الصراع حول الصحراء "
المهندس أبوبكر أحمد