الحرب في أوكرانيا تدفع العالم نحو زلزال اقتصادي غير مسبوق.... هل يصبح الاتحاد الأوروبي ضحية المواجهة الروسية الأمريكية ؟

خميس, 2022-05-19 00:11

بينما تستمر منذ 24 فبراير 2022 المواجهات العسكرية الكبيرة في وسط شرق أوروبا وتتحول بسرعة إلى مواجهة على الأراضي الأوكرانية بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وأنصارها في حلف الناتو من جهة أخرى، يدخل العالم في نفق خطير مظلم مشحون بالأزمات الأمنية والاقتصادية والغذائية والاجتماعية.

يتزايد اعتراف واشنطن بأن الحصار الاقتصادي الذي يسعى الغرب لفرضه حول روسيا يتعثر ولا يحقق المبتغى منه وأن له انعكاسات سلبية حتى على الأطراف التي تنفذه. فالأسعار ترتفع بسرعة في دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا والتضخم يبلغ في أمريكا مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من أربعين سنة والركود يهدد الاقتصاد الغربي بشكل عام بينما تعاني بقية دول العالم بدرجات متفاوتة على أصعدة مختلفة، والدولار الأمريكي واليورو الأوروبي العملتان الأكثر استخداما في النظام المالي العالمي يسيران على حافة منحدر خطير قد يعصف بمكانتهما.

الدعم الغربي العسكري والاقتصادي الذي يقدم لحكومة كييف والذي فاق أمريكيا حتى منتصف شهر مايو 2022 حوالي 41.45 مليار دولار والأوروبي 3.5 مليار يورو والمتوقع أن يستمر لأسابيع أخرى يضغط سلبا على اقتصاد المانحين ويساهم في زيادة التضخم لديهم ويعطل تنفيذ العديد من عمليات التصحيح الاقتصادية. محاولات واشنطن ولندن خاصة لإقناع الدول الأوروبية بالتخلي عن الاعتماد على النفط والغاز الروسي ولدت انشقاقا بين الأوربيين الغربيين وجعلت الكثير منهم يرفض الإملاءات الأمريكية ويقدر هؤلاء الرافضون أن البيت الأبيض يسير عمليا على طريق التضحية بالمصالح الأوروبية الاقتصادية وتحويل القارة العجوز إلى درع في مقدمة طوابير المواجهة مع الكرملين، تماما كما تفعل بعض التشكيلات المسلحة في استخدام الدروع البشرية لحماية نفسها.

دوليا وبعد نجاحات في البداية تعترف الإدارة الأمريكية بتعثر جهودها لجر بقية دول العالم إلى مشاطرتها في جهود الحصار الاقتصادي على روسيا، وبينما تكرس واشنطن ثقلها الأكبر لمواجهة الكرملين في القارة الأوروبية وتسعى لتوسيع عضوية حلف الناتو، تخسر في ساحات أخرى، ففي الشرق الأوسط تعمق الشق بين السعودية والإمارات مع رئيس البيت الأبيض ورفضت الرياض وأبو ظبي تحذيرات واشنطن من سياستهماللتقارب مع الصين وروسيا ومواصلة رفض زيادة إنتاج النفط. وفي آسيا التي قررت الحكومة الأمريكية منذ عهد الرئيس السابق أوباما جعلها مركز ثقلها توسع الصين دائرة نفوذها وبكين وموسكو يطردان عمليا النفوذ الغربي والأمريكي في القارة الأفريقية، وفي نصف الكرة الغربي تتمرد المكسيك تدريجيا وتسير البرازيل عملاق أمريكا اللاتينية على درب المواجهة مع البيت الأبيض خاصة بعد القدوم المنتظر لليساري لولا دا سيلفا الذي ترأس البلاد لفترتين والملقب برئيس الفقراء. وفي جنوب آسيا ترفض الهند وباكستان وماليزيا وفيتنام وآخرين تجميد علاقاتهم الاقتصادية مع روسيا الاتحادية.

السلاح الأمريكي والغربي المتدفق على أوكرانيا بشكل لا يمكن سوى وصفه بالفوضوي أصبح سيفا ذو حدين حيث كثرت التحذيرات حتى داخل الإدارة الأمريكية من تسربه وبيعه خارجيا بسبب الفساد المستفحل ووصوله إلى ساحات قتال مثل ليبيا وأفغانستان، وتقول مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين أن تجار أسلحة دوليين يعقدون صفقات منذ منتصف شهر أبريل لتوصيل صواريخ ستينغر وجافلين ومعدات أخرى لزبناء في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.

وسط هذه المتاهات من المشاكل تكثر التوقعات في الأجهزة الغربية عن قرب انكسار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وحتى عن انهيار روسيا كدولة موحدة وحدوث انقلاب عسكري ضد الرئيس بوتين.

خبير عسكري ألماني سار عكس التيار الغربي الدعائي وقال أيها الأغبياء ألا ترون أنكم تسقطون في فخ نصبه الكرملين:

تمتلك روسيا 4 آلاف طائرة مقاتلة، وهي من بين الدول الأكثر امتلاكا للطائرات في العالم، كما أنها من بين الدول التي تمتلك أكثر عدد طائرات مقاتلة متقدمة من الجيلين الرابع والخامس في العالم كذلك.

وبالإضافة إلى البنية التحتية الهائلة للقوات الجوية التي تمتلكها روسيا من مطارات ورادارات، فإنها أيضا تمتلك ترسانة كبيرة من الصواريخ والقنابل الجوية الذكية والموجهة بالليزر. زد على ذلك أنه في 1 يناير عام 2008، تم تحديد عدد أفراد القوات المسلحة الروسية بعدد 2019629 فرد، ويشمل ذلك 1134800 فردا من العسكريين. في عام 2010 قدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) أن القوات النشطة في الجيش الروسي يبلغ عددها حوالي 1040000 فرد، بينما قوات الاحتياط هي في نطاق 2035000 فرد مكونه إلى حد كبير من مجندين سابقين.

لدى الجيش البري نحو 15 ألفا وخمسمائة دبابة، و27 ألفا و607 عربات عسكرية، ونحو 3781 منصة إطلاق صواريخ من مختلف الأنواع.

ولكن في العملية الروسية في أوكرانيا لم تستخدم موسكو سوى 150 ألف جندي وأقل من 950 دبابة و 75 طائرة، وهذه القوات تتحرك ببطء مريب وتطبق تكتيك القضم التدريجي لأراضي الخصم وتعطي انطباعا أنها تريد مد أمد الحرب. هذا يدفع للسؤال عن الهدف اللغز.

وتحدث الخبير الألماني عن القدرات الروسية الضخمة التي تستخدم بتحفظ مشيرا مثلا إلى اتهام الأوروبيون والولايات المتحدة رسميا السلطات الروسية، يوم الثلاثاء 10 مايو، بتنفيذ هجوم إلكتروني على شبكة من الأقمار الاصطناعية تمهيدا للعملية العسكرية في أوكرانيا في 24 فبراير.

وقد اعترف مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية، جوزيب بوريل، في بيان نيابة عن الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة بــ"وقع الهجوم الإلكتروني قبل ساعة من الهجوم الروسي مما سهل العمل العسكري". وأضاف أن "الهجوم تسبب في اضطرابات كبيرة في الاتصالات أثرت على الخدمات العامة والشركات والمستخدمين في أوكرانيا، كما أثرت على العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

كما اتهمت واشنطن خبراء الإنترنت في الجيش الروسي "بنشر عدة مجموعات من برمجيات خبيثة" تسمى "وايبر" تقوم بمحو جميع البيانات من أجهزة الكمبيوتر المستهدفة "في شبكات الإدارة الأوكرانية والقطاع الخاص".

 

تحليل الاستخبارات الأمريكية

 

يوم الثلاثاء 10 مايو 2022 ذكرت مديرة أجهزة الاستخبارات الأمريكية أفريل هينز، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن ينهي حرب أوكرانيا بعملية دونباس، بل سيواصلها حتى ترانسنيستريا المعلنة استقلالها عن مولدوفا وأضافت: "تفيد تقييماتنا بأن بوتين يعد لنزاع مطول في أوكرانيا ينوي من خلاله تحقيق أهداف تتجاوز دونباس".

وتابعت قائلة أمام مجلس الشيوخ إن "الرئيس الروسي يرى على الأرجح أن لدى روسيا إمكانيات ورغبة في مواجهة التحديات تتجاوز تلك التي يتمتع بها خصومه، ويعول على الأرجح على تراجع تصميم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع تدهور الأوضاع في ما يتعلق بنقص الغذاء والتضخم وأسعار الطاقة".

وذكرت أن واشنطن ما زالت تعتقد أن الرئيس بوتين لن يأذن باستخدام الأسلحة النووية إلا إذا رأى تهديدا وجوديا لبلاده.

كما أكدت أفريل هاينز، أنه "من غير المحتمل إجراء مفاوضات ناجحة للتسوية في أوكرانيا على المدى المنظور، وأن التصعيد محتمل". وأضافت أن "بؤر التوتر الأكثر ترجيحا للتصعيد في الأسابيع المقبلة تدور حول المحاولات الروسية المتزايدة لاعتراض المساعدات الأمنية الغربية المتدفقة إلى أوكرانيا، والانتقام من العقوبات الاقتصادية الغربية أو تهديد للنظام في الداخل الأوكراني"، دون أن توضح النقطة الأخيرة.

وقالت هاينز إن موسكو يمكن أن تستخدم السيف النووي، أو حتى التدريبات النووية، في محاولة لردع الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي عن زيادة الدعم الفتاك لكييف، لكنها أكدت مجددا أنه من غير المرجح أن يلجأ بوتين إلى الأسلحة النووية ما لم يدرك أن حكمه أو روسيا نفسها في خطر.

وأشارت إلى أنه "خلال الأشهر القليلة المقبلة، وفي سياق الوضع حول أوكرانيا، من الممكن التحرك نحو مزيد من عدم القدرة على التنبؤ والتصعيد المحتمل".

 

استنزاف ترسانة

 

ذكر مسؤولون أمريكيون إن مسعى واشنطن لتسليح أوكرانيا يضغط على ترسانة الأسلحة الأمريكية. وهذا هو أقل المخاطر الناجمة عن إمداد كييف الهائل بالأسلحة الغربية.

ووفقا لصحيفة الغارديان، قدمت الولايات المتحدة لأوكرانيا دعما عسكريا وتقنيا جبارا، بما في ذلك صواريخ جافلين وستينغر ومدافع الهاوتزر وغيرها من الإمدادات التي يجري تسليمها عبر أوروبا الشرقية لتجديد قدرات القوات المسلحة الأوكرانية.

ومع استمرار الصراع الأوكراني، يتزايد القلق، فتتولد أسئلة من نمط: هل تستطيع الولايات المتحدة الاستمرار بتسليم كميات هائلة من الأسلحة إلى أوكرانيا مع الحفاظ على ترسانتها الخاصة؟.

وفقا لكبير المستشارين في المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والدولية، العقيد المتقاعد من مشاة البحرية والمتخصص الحكومي السابق في إستراتيجية ميزانية البنتاغون والتمويل العسكري والمشتريات، مارك كانتشيان، فإن الولايات المتحدة قدمت حوالي 7000 قاذف جافلين لأوكرانيا، بما في ذلك تلك التي تم تسليمها خلال إدارة ترمب، ما يشكل حوالي ثلث الاحتياطات الأمريكية.

ويرى المحللون أيضا أن الولايات المتحدة أرسلت إلى أوكرانيا ربع مخزونها تقريبا من صواريخ ستينغر المحمولة. وقد أخبر الرئيس التنفيذي لشركة Raytheon Technologies، غريغ هايز، المستثمرين، نهاية شهر أبريل 2022 خلال المناقشة ربع السنوية، أن شركته التي تصنع هذه الأسلحة لن تكون قادرة على زيادة الإنتاج حتى عام 2023 بسبب نقص المكونات.

وذكر كانيشيان، لوكالة أسوشيتد برس: "هل سيكون ذلك مشكلة؟ الإجابة باختصار "على الأرجح نعم".

ويوم 10 مايو اعترفت متحدثة البنتاغون، كريستين ورموت، في جلسة استماع بمجلس الشيوخ، بأن الولايات المتحدة قد تحتاج لأكثر من عام لتعويض ترسانة الأنظمة المضادة للدبابات التي تم نقلها إلى أوكرانيا. وذكرت ورمورت، "بالنسبة إلى جافيلين، أعتقد أن شركة Raytheon تحاول تسريع الإنتاج لتواكب في غضون عام. لست متأكدة، لكنني أعتقد أن الأمر قد يستغرق وقتا أطول قليلا"، مؤكدة: "إننا نعمل بنشاط مع ممثلي الصناعة".

ووفقا لها، فإن توقيت تجديد الولايات المتحدة لترسانات الأنظمة المضادة للدبابات المنقولة إلى أوكرانيا "يعتمد كليا على الأنظمة" ولذلك في حالة صواريخ ستينغر المضادة للدبابات، التي تم تعليق إنتاجها حاليا، سيعتمد التوقيت على ما إذا كان سيتم اتخاذ قرار بتحديثها أو إنتاجها بناء على النماذج الحالية.

وأضافت المسؤولة الأمريكية: "لم يكن لدينا إنتاج نشط لستينغر لبعض الوقت، هناك بعض مخزونات الصواريخ التي يمكننا نقلها، ولكن ما هو مؤكد هو أننا سنحتاج إلى تقرير كيفية المضي قدما: ما إذا كان يجب تطوير الصواريخ الموجودة أم ابتكار جيل جديد من ستينغر، والذي أعتقد أنه سيستغرق وقتا أطول قليلا".

 

فائدة محدودة

 

في واشنطن أكد الضابط السابق في المخابرات الأمريكية سكوت ريتر أن عدم قدرة الجيش الأوكراني على صيانة وإصلاح المعدات العسكرية التي نقلتها الولايات المتحدة إليه، سيجعلها عديمة الفائدة.

وأشار ريتر إلى القرار الأخير الذي اتخذه الرئيس الأمريكي جو بايدن بتحويل 33 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا.

وأكد أن القوات الأوكرانية يجب أن تتلقى الأسلحة الثقيلة وبشكل خاص المدافع والعربات المدرعة التي تدربت عليها، وأن الهواة يتحدثون عن الإستراتيجيات، بينما يتحدث المحترفون عن اللوجستيات.

وأشار إلى أنه في حال تعطلها لن يتمكن الأوكرانيون من استخدام أو اصلاح الأسلحة الأمريكية. ووفقا له فإن مدفعية M177 أخف من سابقتها M198، مما جعلها غير مستقرة عند الإطلاق وتتآكل ماسورتها بسرعة كبيرة جدا في القتال ويجب استبدالها.

كما تتراجع الفعالية القتالية لـM177 في اليوم الرابع من الاستخدام، وتصبح المدافع غير فعالة في القتال في غضون أسبوع.

وشدد على أن نفس الصعوبات تنتظر القوات الأوكرانية في المدرعات الأمريكية M133 والفهود الألمانية.

 

ما يخشاه السياسيون

 

ذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية يوم 15 مايو 2022: إن الاتحاد الأوروبي بات متخوفا جراء تداعيات أزمة أوكرانيا من الركود الاقتصادي، مع وجود شكوك في أن البنك المركزي الأوروبي سيكون قادرا على تجنبه.

وجاء في تقرير "الوكالة": "الركود هو كلمة تحاول البنوك المركزية والقادة السياسيون تجنبها. ووفقا للمستثمرين وقادة الشركات، فإن خطر حدوث ركود حقيقي وارد، لا سيما في أوروبا"، إذ حذر كبار المديرين والخبراء في أكبر المؤسسات المالية، مثل "JPMorgan Chase" و "HSBC" و "Goldman Sachs"، من خطر حدوث ركود في منطقة اليورو".

وتابعت الوكالة "لقد برز خطر الركود في المقدمة وسط الرياح المعاكسة الرئيسية التي تواجه اقتصاد منطقة اليورو: استمرار التضخم المرتفع، والأزمة المستمرة في أوكرانيا، وأزمة الطاقة المتفاقمة المرتبطة بها. إلا أنه لا يزال البنك المركزي الأوروبي متفائلا، معتقدا أنه سيكون قادرا على إيجاد طريقة للخروج من التحفيز الاقتصادي في عصر الأزمة".

ولكن، كما تقول الوكالة، فإن "هناك شكوكا في أن البنك المركزي الأوروبي سيكون قادرا على تجنب الركود" الذي يخاف منه الجميع.

وأوضحت الوكالة أن "الدول التي تدعم أوكرانيا وتفرض عقوبات على روسيا تضر أيضا باقتصادياتها. إذ تظهر المصانع الأوروبية علامات محنة، وسط الزيادات القياسية في الأسعار وتقلص الطلب الذي تفاقم بسبب الإغلاق الصارم في الصين. فتعرضت أوروبا لضغوط من جميع الجهات، مما أجبر المستثمرين على المراقبة والتردد لمعرفة ما إذا كانوا يدفعون بالاقتصاد الهش بالفعل إلى الركود". 

في نفس الوقت حذرت مؤسسات بحث أمريكية الرئيس بايدن من أن تصاعد الأزمة الاقتصادية الداخلية ستجعل من الصعب على البيت الأبيض مواصلة تخصيص الأموال لأوكرانيا وستعرض للخطر الموقع الدولي للورقة الخضراء.

 

مكاسب

 

بينما تواجه واشنطن تحديات كبيرة يبقى موقف موسكو الاقتصادي إيجابيا يفوم الثلاثاء 17 مايو 2022 جاء في تقريرلوكالة الانباء الالمانية  "د ب ا": ارتفع فائض ميزان الحسابالجاري لروسيا خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022 بأكثرمن المثلين مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021 إلى حوالي 96 مليار دولار حسب بيانات البنك المركزي الروسي، وذلك بفضلارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والنفط وتراجع واردات روسيا نتيجةالعقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب حربها فيأوكرانيا.

ويعتبر ميزان الحساب الجاري المقياس الأوسع نطاقاً للتجارةالخارجية للسلع والخدمات لأي دولة.

وهذا الفائض في ميزان الحساب الجاري لروسيا هو الأعلى منذ1994 على الأقل. وكان الفائض خلال الأشهر الأربعة الأولى منعام 2021 يبلغ 27.5 مليار دولار.

وساعد تدفق الإيرادات من صادرات الطاقة والسلع الأخرى، إلىجانب السيطرة على خروج الأموال، في دعم الروبل الروسي أمامالعملات الأجنبية، لتصبح العملة الروسية الأفضل أداءاً بينعملات العالم خلال العام الحالي.

وقال أنطون تاباخ، كبير المحللين الاقتصاديين في مؤسسة"إكسبيرت آر.أيه" للتقييم الإئتماني ومقرها في موسكو "في ظلهذه الظروف سيخفف البنك المركزي السيطرة على العملياتالجارية وهو ما سيخفف الضغط على الروبل".

وذكر البنك المركزي الروسي أن السكان الروس والمقيمين منالدول الصديقة سيتمكنون من تحويل العملات الأجنبية للخارجبما يعادل 50 ألف دولار شهريا، ارتفاعاً من الحد الأقصىالسابق الذي كان عشرة آلاف دولار.

وأضاف أن المقيمين من الدول غير الصديقة سيتمكنون الآن منإرسال عملات أجنبية للخارج بما يعادل قيمة رواتبهم أو دخولهممن الخدمات التي يقدمونها دون حاجة إلى فتح حسابات، لاغياًالحد الأقصى السابق الذي يصل إلى عشرة آلاف دولار شهريا.

 

خطر حظر صادرات النفط

 

اعتبر الخبير الاقتصادي، جوليان لي، أن الاتحاد الأوروبي لن يكون قادرا على خفض صادرات النفط من روسيا إلى الصفر، لأن ذلك "ببساطة بعيد عن الواقع وغير عملي".

ولفت الخبير في مقالة له بموقع "بلومبرغ" إلى موقف هنغاريا وسلوفاكيا وكرواتيا المعارض لحظر النفط الروسي خلال ستة أشهر.

وأوضح لي أن المصافي في هذه البلدان بنيت خصيصا لمعالجة الخام الروسي، وأن البحث عن بديل سيخلق مشاكل خطيرة لها. وأشار إلى أنه يمكن الحصول على نظير لنفط Urals الروسي، باستخدام مزيج من المواد الخام من أنواع أخرى، ولكن هذا سيكلف أكثر، وستنخفض إنتاجية وربحية الشركات. 

كما أعرب عن ثقته في أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يقدم استثناءات من العقوبات لهنغاريا وسلوفاكيا وكرواتيا، مشيرا إلى أن هذا يعني فشل سياسة القيود، ولكن على العكس، سيسمح لهذه الدول بأن تظل قادرة على المنافسة والربح.

ومع ذلك، أشار لي إلى أن الصعوبات لا تنتهي عند هذا الحد، لافتا إلى أن حظر النفط الروسي سيجبر الأوروبيين على البحث عن بديل، وأن المنتجات النفطية المكررة، تحتاج مواد خام ذات خصائص معينة، مما يضيق نطاق الموردين المحتملين، محذرا من أن "الأسعار سترتفع، وسترتفع للجميع".

وحث الخبير على تحديد ما هية المشتقات النفطية الروسية موضحا أنه إذا تم إنتاج الوقود من النفط الروسي في مصنع هندي سيصبح هنديا.

وأضاف أنه من المستحيل تحديد أصل المواد الخام وأن فرض عقوبات ثانوية ضد المشترين قد يكون وسيلة لفرض حظر كامل، لكنه حذر من أن هذا السيناريو خطير.

وأوضح أنه "في سوق عالمي حيث العرض محدود وخاصة لوقود الديزل، سيكون هذا انتحارا اقتصاديا"، مشيرا إلى أنه حتى لو تم فرض مثل هذه القيود، سيواصل النفط الروسي التدفق إلى السوق، على الرغم من أن النقل سيصبح أكثر تكلفة، وشكك في أن مثل هذه الإجراءات سيتم اتخاذها.

يذكر أن وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، كانت قد صرحت أن بلادها تريد حرمان روسيا من عائدات النفط، ولا تسعى لحظر النفط الروسي في الأسواق العالمية لأن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع أسعاره.

وقالت يلين في جلسة استماع في اللجنة المصرفية بمجلس الشيوخ الأمريكي: "أعتقد أنه من مصلحتنا حرمان روسيا من عائدات بيع النفط في الأسواق العالمية، وهذا يختلف إلى حد ما عن القول إننا نريد إبقاء النفط الروسي خارج الأسواق العالمية، لأنه في هذه الحالة قد يؤدي ذلك إلى زيادة أسعار النفط عالميا، وبالتالي زيادة عائدات روسيا".

من جانبه قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة، هانز كريستوف فون سبونيك، إن الغرب فشل في إقناع معظم دول العالم بفرض عقوبات ضد روسيا على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا وأشار في مقابلة مع صحيفة "إزفستيا" يوم 10 مايو إلى أن البرازيل والصين والهند وإيران وباكستان ودول إفريقيا والشرق الأوسط، رفضت دعم مطالب الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي ضد موسكو، لافتا إلى أن "محاولات إيجاد أغلبية عالمية تدعم العقوبات ضد روسيا باءت بفشل ذريع".

 

تضخم خارج السيطرة

 

أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن، يوم الاثنين 9 مايو، أنه يضع "التضخم على رأس أولوياته الوطنية"، ويشعر بمعاناة الأمريكيين بعد أن بلغ التضخم أعلى معدل له في أربعة عقود.

وبحسب "الفرنسية"، قال بايدن في كلمة في البيت الأبيض، "يتعين على البنك الاحتياطي الفيدرالي القيام بعمله وسيؤدي وظيفته. أعتقد أن التضخم هو التحدي الاقتصادي الأكبر لدينا الآن وأعتقد أنهم يرون ذلك أيضا".

لكنه ذكر أن بعض "جذور التضخم.. خارجة عن سيطرته"، مشيرا إلى جائحة كوفيد - 19 وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.

وأشار إلى أنه "يبحث" رفع الرسوم الجمركية التي فرضها سلفه دونالد ترمب على الصين، لكن لم يتم التوصل بعد إلى قرار.

ويتعرض بايدن لضغوط من بعض الجهات لإزالة هذه الرسوم في محاولة لخفض التضخم الكبير في الولايات المتحدة عن طريق جعل الواردات أرخص.

يأتي ذلك في وقت قال فيه جون ويليامز رئيس مجلس احتياط نيويورك الاتحادي إن قرارات مجلس الاحتياط الاتحادي "البنك المركزي" الأمريكي لزيادة أسعار الفائدة ستساعد في كبح جماح التضخم دون أن تؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة.

ونقلت وكالة بلومبيرغ للأنباء عن ويليامز قوله خلال المشاركة في حلقة نقاشية في ألمانيا إن "التحدي بالنسبة للسياسة النقدية واضح، وهو خفض التضخم مع المحافظة على اقتصاد قوي.. رغم أن المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة".

وعرض رئيس مجلس احتياط نيويورك سيناريو ستساعد فيه زيادة أسعار الفائدة في خفض التضخم إلى نحو 4 في المائة قبل أن يتراجع إلى 2.5 في المائة في عام 2023 ليصل إلى المستوى المستهدف بالنسبة لمجلس الاحتياط الاتحادي وهو 2 في المائة في 2024.

وكانت البيانات الاقتصادية الصادرة في شهر أبريل قد أظهرت ارتفاع معدل تضخم أسعار المستهلك في الولايات المتحدة خلال مارس بأعلى مستوى له منذ أواخر 1981، وهو ما يؤكد الارتفاع المؤلم لنفقات المعيشة ويعزز الضغوط على مجلس الاحتياط الاتحادي "البنك المركزي" الأمريكي من أجل زيادة أسعار الفائدة وربما بوتيرة أسرع وأكبر.

وذكرت وزارة العمل الأمريكية، أن مؤشر أسعار المستهلك سجل خلال مارس ارتفاعا 8.5 في المائة بعد ارتفاعه 7.9 في المائة سنويا خلال فبراير. كما بلغ معدل التضخم الشهري خلال الشهر أبريل 1.2 في المائة وهي أعلى معدل شهري منذ 2005.

وبلغ معدل التضخم الأساسي بعد استبعاد أسعار الطاقة والغذاء الأشد تقلبا 6.5 في المائة سنويا و0.3 في المائة شهريا، وذلك على خلفية أكبر تراجع في أسعار السيارات المستعملة منذ 1969، وتباطؤ وتيرة ارتفاع أسعار فئات السلع الأخرى.

وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد رفع نسب الفائدة الرئيسة نصف نقطة مئوية، في إطار جهوده لاحتواء أعلى معدل تضخم يسجل في البلاد في غضون أربعة عقود.

إذا كان الاقتصاد الروسي يحقق مكاسب رغم العقوبات فإنالدول الغربية تتأرجح على حافة هوة اقتصادية نتيجة التضخموارتفاع أسعار كثير من السلع واضطراب سلاسل الامدادات وقدانعكس ذلك بشكل واضح في الأسواق المالية فقد قضى الانهيارالذي يشهده سوق الأسهم الأمريكي في عام 2022 على أكثر من7 تريليونات دولار من القيمة السوقية للأسهم القيادية في مؤشرستاندرد آند بورز 500، الذي انخفض بنسبة 18 في المئة تقريبًامنذ نهاية ديسمبر 2021، وبالكاد يكون فوق مستويات السوق"أي انخفاض بنسبة 20 في المئة من أعلى مستوى إغلاق أخير"،وكذلك انخفض مؤشر داو جونز بأكثر من 13 في المئة عام 2022 أيضا.

 

تصعيد ينذر بعواقب وخيمة

 

جاء في تقرير نشر في واشنطن يوم 14 مايو 2022: تهديدات متبادلة، عقوبات اقتصادية، تحالفات عسكرية، وتخوفات من تداعيات كبرى مستقبلية.. هكذا تتسارع التطورات على الساحة السياسية الدولية، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في أجواء تكاد تطابق تلك التي عاشها العالم في "حقبة الحرب الباردة"، في ظل تصعيد روسي غربي يعد الأكبر منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

وتشكل تلك التداعيات "واقعا جديدا خطيرا"، وتنذر بـ"حرب باردة جديدة"، قد تكون أقل عالمية من نظيرتها في القرن العشرين، لكنها قد تكون "أكثر خطورة"، وفقا لمجلة "فورين أفيرز".

الخبير بمركز تريندز للبحوث والاستشارات في الإمارات، يسري العزباوي، قال إن مفهوم الحرب الباردة الجديدة يعبر بشكل كبير عما وصلت إليه حالة الحرب بين روسيا وأوكرانيا. 

وأشار إلى أن أسباب الغزو الروسي لأوكرانيا لا تتعلق فقط بانضمام كييف إلى التحالفات والتجمعات الغربية، ولكنها تتعلق أيضا بالمجال الجيوسياسي والأمني والثقافي والعرقي والديني والمصلحي الذي تريد روسيا ترسيخ أقدامها فيه.

 

ضعف أوروبا عسكريا

 

الحرب في أوكرانيا كشفت أن الاتحاد الأوروبي يوجد في وضع ضعف عسكري أمام الآلة العسكرية الروسية، وذلك وفق مسودة وثيقة للمفوضية الأوروبية، هذه الأخيرة التي تطالب بضرورة إعادة النظر في التسليح والتنسيق بين الدول الأعضاء لمواجهة أي مغامرة من طرف موسكو مستقبلا كما يحدث الآن في أوكرانيا.

وحسب الصحفي حسين مجدوبي انفردت جريدة الباييس الإسبانية في عددها ليوم الجمعة 13 مايو بمضمون مسودة وثيقة تعدها المفوضية الأوروبية حول الوضع العسكري الحقيقي للاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن، وانتهت إلى خلاصات رئيسية مقلقه مفادها تفوق القوات العسكرية الروسية ووجود نقط ضعف في الجيوش الأوروبية. وتشمل نقاط الضعف الجنود إلى التسليح، حيث وقفت عملية التقييم على قلة العتاد العسكري لمواجهة حرب بالطائرات المسيرة وكذلك هجمات من البحر علاوة على صعوبة اعتراض الصواريخ. ويضاف إلى كل هذا صعوبة التحرك اللوجيستي وسط القارة الأوروبية من بلد إلى آخر في حالة إعلان ضعف استثنائي يتطلب نقل الجنود من دولة إلى أخرى بسبب البيروقراطية الإدارية للحصول على التراخيص وبسبب عدم أهلية بعض الطرق لنقل العتاد العسكري من دولة إلى أخرى. كما تعاني أوروبا من غياب شبكة أقمار اصطناعية خاصة توفر اتصالات مشفرة بين الدول الأعضاء وضعف خطير في الحرب السيبرانية رغم خطورة هذه الحرب وتقدم بعض الدول فيها مثل الصين وروسيا. ومن ضمن نقاط الضعف الأخرى، نقص الذخيرة الحربية، حيث تعاني كل الدول الأوروبية في هذا الشأن بعدما قدمت إلى أوكرانيا جزء من الذخيرة.

وتعتبر الوثيقة أن هذا الوضع لم يعد مقبولا على ضوء التطورات الأخيرة المتجلية في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وجاءت هذه الحرب لكي تبرز سوء توظيف ميزانيات التسليح منذ سنوات طويلة بسبب غياب الرؤية الموحدة سواء على مستوى التنسيق أو على مستوى الإنتاج الحربي. وتطالب الوثيقة بضرورة استدراك الأمر من خلال رفع ميزانية التسليح وضرورة رفع مستوى التنسيق بدون بيروقراطية.

وعمليا، يوجد الاتحاد الأوروبي في وضع ضعف حقيقي أمام روسيا نظرا لقوة روسيا نوويا ثم القوة العسكرية الكلاسيكية لاسيما بعدما طورت الصواريخ الفرط صوتية، بينما أوروبا لم تنجح في مجال هذا النوع من الصواريخ. ويرى الخبراء أن أوروبا ستبقى في حاجة ماسة إلى المظلة الأمريكية عبر الحلف الأطلسي لاسيما بعد مغادرة بريطانيا الاتحاد عبر البريكسيت.

 

هل يبقى الغرب موحدا ؟

 

جاء في تقرير نشرته وكالة فرانس برس يوم 14 مايو 2022:

يسجل تباعد متزايد في المواقف الغربية الداعمة لأوكرانيا بين الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين حددتا هدفا استراتيجيا يقضي بإضعاف روسيا، ودول أوروبا الغربية التي تتخوف من عواقب محتملة لمثل هذا الأمر.

ويتجلى هذا التباعد في اختلاف المواقف بين الرئيسين الأمريكي والفرنسي، إذ أعلن جو بايدن في 26 مارس أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لا يمكن أن يبقى في السلطة"، في حين اعتبر إيمانويل ماكرون في 9 مايو أنه لا يمكن بناء السلام بـ"إذلال" روسيا.

وبعيدا من التصريحات، تقدم الولايات المتحدة وبريطانيا إمدادات من الأسلحة لأوكرانيا تفوق بكثير ما تقدمه إليها فرنسا وألمانيا على سبيل المثال. وتفيد تقارير صحافية غير مؤكدة لكنها متواترة، بأن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تقدم مساعدة ناشطة لأوكرانيا.

كما أن واشنطن ولندن أكثر اندفاعا من باريس وبرلين في ما يتعلق بفرض عقوبات على موسكو، ولا تؤمنان إطلاقاً بإمكان إيجاد حل دبلوماسي للنزاع، وهو ما لا يزال الأوروبيون يأملونه.

وقال الباحث إوين دريا من مركز "مارتنز" للدراسات في بروكسل، "العالم الأنغلوفوني ينقذ أوكرانيا، في حين ينقذ الاتحاد الأوروبي نفسه".

وكتب في مقال نشره موقع "بوليتيكو" الإعلامي الأمريكي، "الاتحاد الأوروبي مستمر في المواربة". ورأى جيرار أرو، السفير الفرنسي السابق لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة، أن "الدعم الأمريكي لأوكرانيا يتخذ بعدا مختلفا، وحين ننفق هذا القدر من المال، يكون الهدف تحقيق عائدات على الاستثمار".

وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية لم تؤكد سعيها لـ"تغيير النظام" بعد تصريح بايدن، فإن واشنطن تحاول "إضعاف" روسيا على المدى البعيد، وهو ما أعلنه وزير الدفاع لويد أوستن.

وعلّق أرو متحدثا لوكالة الصحافة الفرنسية، أنه بالنسبة إلى واشنطن التي تبقى المواجهة مع الصين أولويتها الإستراتيجية على المدى البعيد، "إنها فرصة تسنح لها لإضعاف القوة الروسية من دون استخدام أي جندي أمريكي".

وعلّق على موقف المملكة المتحدة فقال إن "البريطانيين يسيرون على خطى الأمريكيين، لم يعد لديهم أي سياسة أخرى ممكنة منذ بريكست".

 

انكشاف أوروبي أكبر

 

أما في الجانب الأوروبي، فأقر الدبلوماسي السابق الإيطالي ماركو كارنيلوس، بأن "هناك شقاقات" بين دول الشرق المعادية جدا لروسيا بالطبع لأسباب تاريخية، وأوروبيي الغرب الذين يدعمون أوكرانيا بوجه الاعتداء، غير أنهم أكثر اعتدالا من واشنطن ومعرضون أكثر منها بكثير لعواقب الحرب.

ولخص كارنيلوس الوضع بالقول، "السؤال المطروح هو أي ثمن يكون الأوروبيون مستعدين لدفعه لقاء تغيير محتمل للنظام في موسكو؟"، موضحا أنه بمعزل عن خطر تصعيد عسكري، فإن "الثمن الاقتصادي لتحقيق الهدف الأمريكي قد يكون باهظاً".

وشرح أستاذ الاقتصاد الصناعي في المعهد الوطني للفنون والحرف سيباستيان جان، أنه "من وجهة النظر الاقتصادية، هناك عدم تناسب حقيقي" بين انكشاف الولايات المتحدة وبريطانيا على العواقب، وانكشاف الاتحاد الأوروبي وفي مقدمته ألمانيا.

وقال، "الولايات المتحدة، كما المملكة المتحدة بدرجة أقل، هما من كبار منتجي الطاقة، وتبعيتهما للواردات محدودة أكثر".

كما أن البلبلة الناجمة عن الحرب تنعكس "بشكل أساسي على المواد الأولية الخام أو المصنعة، بما فيها المواد المهمة للصناعة" مثل البالاديوم والبوتاس والنيكل وغيرها. إلا أن "الصناعة الألمانية القوية جدا لكنها مستهلكة جدا للطاقة، معرضة للغاية لهذه الصدمة. والأمر لا ينطبق بالقدر ذاته على المملكة المتحدة مثلا، لأن صناعتها أقل قوة"، ولا على الولايات المتحدة التي هي أبعد جغرافيا ولديها قنوات إمداد أخرى، وفق أستاذ الاقتصاد. وتابع جان، "هذا ما يجعل النظر إلى المسائل يختلف كثيراً" بين دول أوروبا الغربية الغنية، والأمريكيين والبريطانيين الذين تنضم إليهم دول أوروبا الشرقية.

والسؤال: هل تنقسم أوروبا مرة جديدة؟

كتب المؤرخ العسكري الأمريكي إدوارد لوتواك على "تويتر"، أن "الدعم الأوروبي الكلامي لأوكرانيا يخفي تباينات كبرى في الدعم المادي، تراوح من سخاء بولندا الكبير... إلى عمليات التسليم الألمانية البطيئة جداً والضعيفة جدا، مرورا بإيطاليا في الوسط".

 

احتمالات لتطور الأحداث

 

نشرت "كومسومولسكايا برافدا" يوم 14 مايو نص لقاء مع رئيس تحرير مجلة Fitzroy Magazine، كيريل بينيديكتوف، حول تطورات العملية الروسية في أوكرانيا جاء فيه:

في رأيي، السيناريو الأول، نصر عسكري روسي محدود في أوكرانيا. أي السيطرة على جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، داخل حدودهما السابقة. والتمسك بمناطق جنوب أوكرانيا التي تسيطر عليها الآن القوات الروسية.

الممر البري، خيرسون، بيرديانسك، ميليتوبول، ماريوبول شكل الهدف الرئيسي للمرحلة الأولى من العملية الخاصة، مع احتمال السيطرة على نيكولاييف وأوديسا. سيكون الأمر جيدا جدا إذا حدث كل هذا. لكن هذا الانتصار، بالطبع، ليس حاسما لدرجة أن من الصعب التحدث عن أنه سيشكل نقطة تحول، لأنه لا يشمل السيطرة على خاركوف، والمناطق الوسطى...

سيكون هذا كله حساسا للغاية من حيث القدرة على الحفاظ عليه، وحساسا من وجهة نظر الرأي العام. لأن التوقف، حتى مع السيطرة على زابوروجيه ونيكولاييف وأوديسا، من دون دنيبروبيتروفسك، والأهم من ذلك، من دون خاركوف، يعني قول "أ" والسكوت دون قول "ب". لكن هذا الخيار هو الأكثر ترجيحا من وجهة نظر عسكرية في الوقت الحالي.

كل شيء واضح مع ماريوبول. فهي تستحق ثمن تحريرها. هذه مدينة كان يجب استعادتها في العام 2014. فهي مفتاح الممر البري لشبه جزيرة القرم. تكمن قيمة خيرسون في أنها تفتح الطريق المؤدية إلى نيكولاييف وأوديسا، والسيطرة عليهما تؤدي إلى عزل أوكرانيا عن البحر، وتمنحنا ممرا إلى ترانسنيستريا. وهو الخيار الأكثر ترجيحا، لأن من الممكن تحقيقه تبعا لميزان القوى الحالي، والأقل احتمالا، ولكن الواقعي، أن تسيطر روسيا على معظم أوكرانيا، باستثناء المناطق الغربية.

هذه هي السيناريوهات الرئيسية: الأول أكثر ترجيحا، والثاني مرغوب فيه أكثر، والثالث، قليل الاحتمال، وهو السيطرة على كامل أراضي أوكرانيا، على غرار العام 1922.

 

عمر نجيب

[email protected]