بداية جديدة لأفغانستان مع نهاية الحرب الأمريكية المباشرة.... تبديل معادلات التوازن بين القوى الكبرى والصراع على الثروات

ثلاثاء, 2021-08-24 00:38

ماذا بعد ؟ ومن ألخاسرون والرابحون ؟ وغيرها، أسئلة تطرح في غالبية أنحاء العالم خاصة منذ يوم الأحد 15 أغسطس 2021 بعد أن دخلتقوات حركة طالبان العاصمة الأفغانية كابل بعد أن بسطت سيطرتها على جل مناطق أفغانستان دون أن تواجه مقاومة تذكر وإنهارت أمامهابقايا الجيش التابع للحكومة الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية برئاسة أشرف غني.

لم يتوقع تلك النتيجة إلا قلة عبر العالم. الأجهزة الأمريكية أختلفت فمنها من قدر أن حكومة كابل ستصمد لمدة تصل إلى سنتين في حين أفادتقرير لجهاز المخابرات المركزية أن حكومة غني ستسقط خلال ستة أشهر بعد إتمام الإنسحاب الأمريكي المقرر نهاية شهر أغسطس 2021. وحدها المخابرات الباكستانية حسب ما هو معلوم حتى الآن ومحللون لا يتجاوزون عدد أصابع اليد توقعوا سقوط كابل خلال أيام قليلة،وإنهيار الجيش المكون من أكثر من 300 الف جندي الذي عملت على تكوينه واشنطن خلال 20 سنة وأنفقت من أجل ذلك عشرات الملياراتمن الدولارات.

كثير هي السيناريوهات التي قدمت للتطورات في أفغانستان ما بعد سقوط نظام كابل الذي أقامته واشنطن. البعض تحدث عن حرب أهليةبين طالبان والمكونات المعارضة لها وذلك أساسا على قواعد طائفية وذهبوا إلى توقع تقسيم البلد، آخرون أنتظروا أن تتحول أفغانستان إلىقاعدة لتصدير الإضطرابات والصراعات العرقية والدينية إلى الصين وإيران وجمهوريات آسيا الوسطى التي كانت جزء من الاتحادالسوفيتي، وبذلك تحقق واشنطن مكاسب.

مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين نقلت عن مدير المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز قوله أثناء زيارته لإسرائيل خلال شهرأغسطس 2021 أنه ينتظر أن تتحول أفغانستان إلى صومال آخر بعد رحيل القوات الأمريكية.

في 30 أبريل 1975 عندما سقطت سيغون عاصمة جمهورية جنوب الفيتنام في قبضة القوات المشتركة للفيتكونغ وجيش هانوي حاول ساسةواشنطن تغطية فداحة خسارتهم بعد أكثر من عقد من التدخل العسكري المباشر بتوقعات سلبية لمستقبل ذلك البلد الآسيوي الذي قدم أكثرمن مليوني قتيل ودمارا هائلا ليتحرر ويعيد توحيد بلاده، غير أن الأيام أثبتت فشل إنتظاراتهم وتحولت فيتنام الموحدة إلى قوة إقتصاديةناهضة ضمن من يوصفون بنمور آسيا.

لا ينكر أحد أن هناك فروقا وإختلافات عديدة بين حربي الفيتنام وأفغانستان ولكن هناك في نفس الوقت أوجه تشابه.

 

هزيمة ونهاية حقبة

 

أكد الكاتب البريطاني، بيتر أوبورن، في مقال له على موقع “ميدل إيست آي” نشر في الثلث الأخير من شهر أغسطس أن ما يحدث فيأفغانستان، لا يعتبر إذلالا للولايات المتحدة فقط، إنما قد يكون نقطة تحول في تاريخ العالم ومستقبل الإمبراطورية الأمريكية.

وشدد أوبورن على أن إخفاق أمريكا الاستخباراتي في أفغانستان، والسقوط السريع للبلد في يد طالبان، رغم أكثر من ترليوني دولارأنفقتها الولايات المتحدة هناك طوال نحو 20 عاما، بينها نحو 100 مليار دولار لبناء قوات الأمن الأفغانية التي انهارت بسرعة، سوف يفزعأصدقاء أمريكا ويريح خصومها.

وكتب أوبورن أنه منذ ثلاثة عقود فقط تقريبا، اندحر الاتحاد السوفييتي من أفغانستان في حدث مثل لحظة من الذل الوطني الأسطوري. وبعد اثنين وثلاثين عاما، تعرضت الولايات المتحدة هذا الأسبوع للمصير نفسه تماما.

واعتبر أن ما حدث تكرار لنفس الحكاية: قوة عالمية عظمى تهزم على يد جيش من القرويين في واحدة من أفقر البلدان في العالم. ووصفهابأنها لحظة تاريخية عالمية، تثير تساؤلا كبيرا: هل سينهي انتصار الطالبان الولايات المتحدة كقوة عالمية؟

ويرى أوبورن أن هناك من الأسباب ما يكفي لافتراض أن الإجابة ستكون بنعم.

ويرى أوبورن أن أحداث أغسطس، أثبتت أن الولايات المتحدة لن تجد حرجاً في التخلي عن حلفائها، وأنه حتى أوروبا تحتاج لأن تعيدالتفكير في كيانها الأمني، فيما تتحول تحالفات الشرق الأوسط ببطء نحو غرب آسيا.

ويشير الكاتب إلى أن هنري كيسنغر، وزير الخارجية الأمريكي السابق، قال ذات مرة إنه “قد يكون خطيرا أن يكون المرء عدوا لأمريكا، ولكنأن يكون صديقا لأمريكا فهو أمر قاتل”.

 

لغة مزدوجة

 

بعد سقوط كابل المدوي إتبعت الادارة الأمريكية اسلوب الخداع، فمن جهة تعلن أنها ستنسحب من أفغانستان وتترك لشعب البلد تقريرمستقبله بنفسه، وفي نفس الوقت تشن حربا من نوع جديد ضد السلطات الجديدة.

أقدمت الإدارة الأمريكية على إتخاذ سلسة إجراءات هدفها شل أفغانستان إقتصاديا. حيث جمدت الحكومة الأمريكية والاحتياطي الاتحاديمليارات الدولارات من الاحتياطيات الأفغانية.

وذكرت صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن مطلعين على الأمر طلبوا حجب أسمائهم أن الإجراء محاولة لمنع حكام أفغانستان الجدد، في إشارةإلى حركة طالبان، من مليارات الدولارات.

وذكر رئيس البنك المركزي الأفغاني أجمل أحمدي، الذي فر، بعد وصول طالبان إلى السلطة، على تويتر يوم الأربعاء 18 أغسطس، إن حوالي7 مليارات دولار من الاحتياطيات محتجزة في البنك المركزي الأمريكي. وأضاف أحمدي، أن هناك ملياري دولار آخرين يستثمران في أماكنأخرى على الصعيد الدولي.

وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ألغت شحنات كبيرة من الدولارات المتجهة إلى أفغانستان.

ونقلت الصحيفة عن مطلعين على الأمر أن الولايات المتحدة تمنع طالبان أيضا من الوصول إلى الحسابات الحكومية التي يديرها مجلسالاحتياط الاتحادي والبنوك الأمريكية الأخرى، وتعمل على منع الحركة من الحصول على احتياطيات بحوالي 500 مليون دولار، في صندوقالنقد الدولي.

وتواجه طالبان ضغوطا هائلة لتظهر للأفغان والعالم أنه بإمكانها تسيير البلاد بشكل جيد وحل مشاكله خاصة الاقتصادية، وأنه يمكنها دفعأجور موظفي الخدمة المدنية وشراء الوقود وجمع القمامة وإدارة المستشفيات وتطوير بلد أكثر حداثة وتحولا منذ أن حكمت الجماعة لأول مرةفي الفترة بين عامي 1996 و2001.

والمشكلة الأكثر إلحاحا هي أن اقتصاد أفغانستان، وهي واحدة من أفقر دول العالم، اقتصاد نقدي، حيث ليس لدى السكان البالغينحسابات مصرفية سوى لنحو 10 في المئة منهم، وفقا لتقرير البنك الدولي لعام 2018 .

وكان يتم دعم العملة المحلية الأفغانية عبر ضح شحنات منتظمة من الدولار الأمريكي القادمة من الخارج كل بضعة أسابيع إلى البنك المركزيالأفغاني.

وتوقف شحنات الدولار، يعني أن البلاد تعاني بشدة من شح العملة الصعبة والقدرة على استيراد السلع الأساسية من الخارج والحفاظ علىقيمة العملة الوطنية. وتعمل واشنطن في المرحلة الحالية على منع وصول النفط إلى أفغانستان بهدف تعطيل الكثير من منشآتها وخاصةمحطات توليد الطاقة وتصفية وتوزيع المياه، إضافة إلى قطع الغيار.

من جانبه أعلن صندوق النقد الدولي أن أفغانستان لن يكون بمقدورها الوصول إلى موارد الصندوق، بما في ذلك تخصيص جديدلاحتياطيات حقوق السحب الخاصة، بسبب الافتقار إلى الوضوح حيال الاعتراف بحكومتها.

وقال متحدث باسم صندوق النقد في بيان: "كما هو الحال دائما، فإن صندوق النقد الدولي يسترشد بآراء المجتمع الدولي… يوجد حالياعدم وضوح داخل المجتمع الدولي فيما يتعلق بالاعتراف بحكومة في أفغانستان، ونتيجة لذلك فإن هذا البلد لا يمكنه الوصول إلى حقوقالسحب الخاصة أو أي موارد أخرى لصندوق النقد الدولي".

والأربعاء 18 أغسطس، أعلنت شركة “ويسترن يونيون” المتخصصة بالحوالات المالية، أنها علقت مؤقتا كل التحويلات المالية إلى أفغانستان،علما أن هذه التحويلات تشكل مصدر تمويل حيوي للسكان. وبحسب البنك الدولي، بلغت هذه التحويلات نحو 789 مليون دولار عام 2020.

 

ضغوط

 

زيادة على الحرب الاقتصادية تمارس واشنطن ضغوطا على عشرات الدول حتى لا تعترف بحكومة أفغانستان الجديدة التي تعمل طالبانعلى تشكيلها.

البنتاغون والاجهزة الأمنية الأمريكية بدأت في تقديم معلومات استخبارية ومعدات اتصال وغيرها لمجموعة من المسلحين بقيادة أحمد شاهمسعود وبعض ساسة النظام القديم الذين تجمعوا في وادي بانشير شمال كابول في محاولة لبدء مقاومة مسلحة ضد طالبان.

وقد أطلق هؤلاء على أنفسهم إسم “جبهة المقاومة الوطنية”، وصرح المتحدث باسم الجبهة علي ميسم نظري لفرانس برس في مقابلة أن“جبهة المقاومة الوطنية” مستعدة “لصراع طويل الأمد” لكنها ما زالت تسعى للتفاوض مع طالبان حول حكومة شاملة.

وقال نظري إن “شروط اتفاق سلام مع طالبان هي اللامركزية وهو نظام يضمن العدالة الاجتماعية والمساواة والحقوق والحرية للجميع”.

والتقطت وكالة فرانس برس صورا تظهر عشرات المجندين يجرون تدريبات اللياقة الروتينية، ومجموعة من عربات "الهامفي" تشق طريقها عبرالوادي.

وفي مقابلة مع قناة “العربية” بثت يوم الأحد 22 أغسطس، قال مسعود إن “قوات حكومية قدمت إلى بانشير من عدة ولايات أفغانية”. وحذرمن أنه “إذا رفضت طالبان الحوار فلا مفر من الحرب”، مضيفا “طالبان لن تدوم طويلا إذا استمرت في هذا الطريق. نحن مستعدون للدفاععن أفغانستان ونحذر من إراقة الدماء”.

في رد على هذا التحرك أعلنت طالبان الأحد 22 أغسطس شن هجوم واسع النطاق على وادي بانشير، المنطقة الوحيدة التي لا تزال خارجسيطرتها في أفغانستان.

وكتبت الحركة في تغريدة على حسابها على تويتر بالعربية “مئات من مجاهدي الإمارة الإسلامية يتوجهون نحو ولاية بانشير للسيطرة عليها،بعد رفض مسؤولي الولاية المحليين تسليمها بشكل سلمي”.

خبراء عسكريون في الغرب يقدرون أن حظوظ نجاح المقاومة المسلحة المناهضة لطالبان ضئيلة رغم الدعم الأمريكي.

 

كسب الحرب الاقتصادية

 

السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تستطيع حركة طالبان كسر الحصار المالي الغربي، وتخطي الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد؟.

الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، قال إنه على الرغم من ضعف بنية الاقتصاد الأفغاني الذي يعتمد على المعونات بشكل رئيسي، وفي ظلإحجام من قبل الدول الغربية عن الاستمرار في تقديم المعونات كما أعلنت عدة دول، إلا أن الصورة ليست قاتمة تماما.

وأشار الولي، إلى تدني نسبة الدين الحكومي للناتج بأفغانستان لأقل من 8 بالمائة، ووجود موارد خاصة تصل إلى طالبان، منها ما كانتتفرضه من ضرائب بالمقاطعات التي كانت تحكمها وخبرتها في هذا المجال.

وأضاف: "إلى جانب أن الصين في سعيها لملء الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الأمريكية، ستدخل من باب التجارة لتقديم جانب منالاحتياجات اليومية من السلع ولو بتسهيلات، ويمكن أن تكرر تركيا ذلك بشكل أقل حجما، كما أن ما تزخر به أفغانستان من معادن نادرةيمكن أن يكون أحد مجالات التعاون لاستخراجها".

وأردف: "كذلك فإن التحويلات المالية التي تعتمد عليها مئات الآلاف من الأسر، تصل عن طريق وسائل متعددة بخلاف شركة ويسترن يونيون،منها المصارف والإرسال مع زملاء العمل عند سفرهم للبلاد ووسائل أخرى".

وتوقع الولي أن تنتهج الدول الغربية بعض المرونة مع نظام طالبان، كي لا تدفعه للارتباط أكثر بالصين وغيرها من الدول التي لها مصالحمتعارضة معها، خاصة مع الإشارات الإيجابية التي صدرت منه حتى الآن.

وتابع: "ومن مصلحة باكستان أيضا استقطاب نظام طالبان حتى لا يندفع نحو الهند بما بينهما من خلاف، وما أعلنت عنه طالبان منالسماح للشيعة بممارسة طقوسهم الخاصة، يمكن أن يخفف من تشدد إيران معها".

ولفت الولي إلى أن تراجع معدلات الفساد المتوقع مع حكم طالبان، سيساهم في توفير نفقات كبيرة كانت تضيع على الموازنة، وأيضا خفضالإنفاق على الدفاع والأمن.

 

قوة عسكرية

 

استولت حركة طالبان مع وصولها إلى السلطة في جميع أفغانستان على عدة مئات الملايين، وربما مليارات الدولارات من المعدات العسكريةالأمريكية، التي كانت في السابق مملوكة للقوات الأفغانية.

وأظهرت لقطات من المناطق التي استولت عليها الجماعة العديد من المقاتلين وهم يحتفلون بالسيطرة على مدرعات أمريكية الصنع ومدافعمسييرة وطائرات هليكوبتر من نوع بلاك هوك.

تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” تحدث عن قلق الخبراء من أن طالبان ستكون مسؤولة الآن عن تكنولوجيا متطورة، بما في ذلك الأجهزةالتي يستخدمها الجيش الأمريكي لتحديد المواقع.

وعلى حد تعبير كاتب التقرير، آدم تايلور، ما حدث صفقة مثيرة للإعجاب لمجموعة تم اعتبارها ذات يوم عصابة من سكان الريف عندما ظهرتفي التسعينيات، ولكن على الرغم من تفسيراتها المتشددة للإسلام ورفضها الكثير من ممارسات “المجتمع الحديث”، فقد أظهرت طالبانمرونة عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، كما أنها نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، وعناصرها ليسوا غرباء عن المعداتالعسكرية الأمريكية.

وذكر روبرت كروز، الخبير في شؤون أفغانستان بجامعة ستانفورد :” لقد استخدمت طالبان بالفعل معدات عسكرية متطورة استولت عليهامن قوات الأمن الأفغانية في السنوات الأخيرة، لقد استخدموا كل شيء من نظارات الرؤية الليلية والمناظير إلى بنادق القنص والمدرعاتوالمدفعية”.

وعلى الأقل، يعتبر الاستحواذ على التكنولوجيا انتصارا رمزيا لطالبان، التي قاتلت لعقود بأسلحة بسيطة وعاشت في ظل الخوف من القوةالجوية الأمريكية والقوة التكنولوجية، ولكن الخبراء قالوا إن اللقطات لها آثار عملية ايضا.

وبحسب ما ورد في تقرير”واشنطن بوست”، قال إبراهيم بحيس، المستشار في مجموعة الأزمات الدولية والخبير في شؤون طالبان إنالجماعة تعرف قيمة الأسلحة المتطورة للغاية، مشيرا إلى أن الجماعة كانت تدير قوة جوية محدودة خلال فترة حكمها الأول في كابول فيالتسعينيات، وأضاف بحيس أن الملا يعقوب، رئيس اللجنة العسكرية لطالبان ونجل مؤسسها محمد عمر، دعا قادة الظل في الجماعة علناإلى حماية المطاردات الجوية.

وبالنسبة إلى طالبان، يمكن أن تكون التكنولوجيا الأكثر فائدة هي التكنولوجيا المنخفضة التعقيد، وليست دائماً تلك المصنوعة في الولاياتالمتحدة، ولكن قدرتها الفائقة على استخدام مدفعية هاوتزر والكثير من المعدات يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الإحراج لواشنطن.

وأشار التقرير إلى أن المعدات الأمريكية هي مخلفات مشروع ضخم لتعزيز قوات الأمن الأفغانية كلفتها 83 مليار دولار، وفقا لمكتب المفتشالعام، الذي قال إن القوات المحلية كانت تمتلك أكثر من 40 طائرة مروحية أمريكية من طراز “إم دي-530-30” قبل أن تستولي عليها طالبان،وكانت هناك ايضا أكثر من 23 طائرة هجومية.

مراقبون عسكريون يشيرون أن باكستان حليفة طالبان الأساسية طوال سنوات الحرب التي دامت عقدين دربت آلاف الأفغان على استخدامالأسلحة بمختلف أنواعها كما أنها لن تتخلف عن إرسال تقنييها لدعم وصيانة المعدات التي أصبحت في ملكية طالبان.

 

الرابح الأكبر

 

جاء في تقرير أمريكي نشره موقع الحرة في 16 أبريل 2021 أي ثلاثة أشهر قبل سقوط كابل: باكستان دخلت الحرب مترددة في 2002، ولمتكن يوماً على قناعة بالمهمة الأمريكية هناك، حافظت على تحالفها فوق وتحت الطاولة مع حركة طالبان والقبائل الحدودية طوال تلك الفترةوكانت ملاذاً لأسامة بن لادن. الحدود الطويلة بين الجانبين، دور الاستخبارات الباكستانية (ISI) بدعم طالبان منذ السبعينات وحتى اليوم،إلى جانب الحاجة الغربية والأمريكية لإسلام آباد في مرحلة ما بعد الانسحاب، يجعلها صاحبة الأوراق الأثمن اليوم.

اليوم طالبان تخرج منتصرة فوق أشلاء الدولة المركزية في كابل، ومن خلال مفاوضاتها مع الأمريكيين عبر قطر وتركيا وباكستان. حتى لو لمتعد طالبان إلى الموقع القيادي الذي كانت فيه قبل الغزو في 2001، فهي القوة المسلحة الأكبر على الأرض وستهيمن على الأقل في جنوبالبلاد.

واشنطن تدرك انتصار طالبان وتراهن على انقسامات داخل الحركة نفسها وقنوات دبلوماسية ومقايضات معها تمنع العودة إلى تحالفها معالقاعدة. هناك تقاطع بين أمريكا وطالبان، في ضمان تفاهم اقتصادي يتيح وصول المساعدات الإنسانية لأفغانستان، وحتى في المناطقالتي تسيطر عليها الحركة. 

من هنا يأتي أيضا مكسب باكستان من الانسحاب الأمريكي وكالطرف الخارجي الأقرب لطالبان. فإسلام آباد لا تريد انهيار أفغانستانوفوضى تمتد إلى حدودها، وبالتالي ستستخدم نفوذها داخل الحركة لضمان مصالح الاثنين.

في هذه المعادلة تقف باكستان لحصد مكاسبها بعد الانسحاب الأمريكي من تحالف قديم العهد مع طالبان، الطرف الأقوى في الداخلالأفغاني، وكشريك ضروري جغرافيا واستخباراتيا للغرب بعد خروجه من "مقبرة الإمبراطوريات".

 

معاقبة باكستان

 

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز خلال الثلث الأخير من شهر أغسطس 2021: شكلت باكستان على امتداد عقود مضت، ملاذا آمنا للعديد منمقاتلي حركة طالبان الأفغانية، الذين يعرفون تضاريس حدود بلادهم مع جاراتها جيدا، حيث أقر مسؤولون سابقا بأن مقاتلي طالبانيمتلكون منازل وعائلات في باكستان، بمأمن من دموية ساحات الاقتتال الأفغانية.

ولم تظهر حكومة رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان – وفقا للصحيفة موقفا علنيا ضد التجمعات المؤيدة لطالبان في بلاده، ولم تدن حتىالفظائع التي ارتكبتها طالبان خلال زحف الجماعة نحو كابل.

يوم 16 أغسطس اقترح مايكل روبين كاتب العمود في مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، أن تعاقب الولايات المتحدة باكستان بعد فشلمهمة واشنطن في أفغانستان.

وأضاف هذه الهزيمة ليست ناجمة عن الإخفاقات العسكرية الأمريكية، ولكن عن سياسات واشنطن الفاسدة وقصيرة النظر.. هذه ضربة كانمن الممكن تجنبها لكن بما أننا تلقيناها يجب ألا نتركها دون رد".

وتابع قائلا: "ببساطة، حان الوقت لفرض عقوبات على باكستان".

وحسب روبين فإن "السبب الحقيقي لفشل كابل في الحرب لا يكمن في الفساد، ولكن في حقيقة أن إسلام آباد ساعدت "طالبان"، وفيالوقت نفسه تعاونت باكستان مع الولايات المتحدة وحصلت على 23 مليار دولار منذ عام 2001 لدعم التحالف الغربي الذي قاتل فيأفغانستان المجاورة".

وأضاف: "إنني مقتنع بأن ذنب باكستان واضح منذ عهد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وكذلك منظم سلسلة الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 خالد شيخ محمد الذي اعتقل عام 2003 خلال عملية مشتركة بين الخدمات الأمريكية الخاصة والاستخبارات المشتركة بينالإدارات الباكستانية في مدينة روالبندي.

وقال: "الضربة الحالية لأفغانستان لم تحدث من فراغ هذه نتيجة الخداع، أقنعت إسلام آباد واشنطن بأنها كانت تروج لمفاوضات السلام،لكنها في الواقع كانت تعد "طالبان" للاستيلاء على دولة مجاورة".

بالإضافة إلى ذلك إلى أن "باكستان تتمتع بعلاقات وثيقة مع الصين، وهذا يمنح بكين الوصول إلى المحيط الهندي ويؤثر على المحيطينالهندي والهادئ حيث تدرب جمهورية الصين الشعبية أجهزة استخبارات إسلام آباد، وقد أقامت القوات المسلحة الباكستانية وجيش التحريرالشعبي الصيني علاقات قوية".

وذكر: "حقيقة أن الولايات المتحدة تزود هذه الدولة الواقعة في جنوب آسيا بالمعدات العسكرية هي مفارقة يجب على إدارة بايدن أن تضع حدالها".

كما اقترح روبين استبعاد باكستان من قائمة الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة خارج الناتو ورفض تقديم قروض إسلام آباد من صندوقالنقد الدولي وبنك التنمية الآسيوي والبنك الدولي وفرض عقوبات على ضباط المخابرات والجيش الباكستانيين المتورطين في دعم "طالبان" وغيرها من الجماعات الإرهابية.

ووجه رسالة للرئيس الأمريكي جو بايدن حيث قال: "سيدي الرئيس اجعل باكستان تدفع".

جاء في بحث نشر يوم الأحد 22 أغسطس 2021 كتبه حسين حقاني هو مدير منطقة جنوب ووسط آسيا في معهد هدسون الأمريكي، وعملسفيراً لباكستان في الولايات المتحدة من 2008 إلى 2011.

تتوقع باكستان انتصاراً لـ"طالبان"، حتى مع استمرار قادتها في الحديث عن الحاجة إلى المصالحة بين الأفغان. وعلى الرغم من أنالتصريحات العلنية من إسلام آباد ستواصل الإشارة إلى رغبة باكستان بالسلام، من غير المرجح أن يصدق المسؤولون الأمريكيوناعتراضاتها على استيلاء الحركة العسكري على السلطة في أفغانستان. ويبدو أن العلاقة بين البلدين مهيأة لمزيد من تدهور الثقة في الأعوامالمقبلة.

بالنسبة إلى أولئك الباكستانيين الذين يرون العالم من منظور المنافسة مع الهند، فإن انتصار "طالبان" يبعث على قدر من الارتياح. وفيحين أن أداء إسلام آباد في المنافسة مع نيودلهي لم يكن جيدا على معظم الجبهات، يبدو أن وكلاءها في أفغانستان ينجحون حتى لو لمتستطِع باكستان السيطرة عليهم بشكل كامل.

لكنه نصر باهظ الثمن، وستبعد هذه التطورات باكستان أكثر عن سكة العودة إلى حالة "الدولة الطبيعية." وسيؤدي هذا إلى تفاقم الاختلالاتالداخلية ويحصرها في سياسة خارجية يحددها العداء تجاه الهند والاعتماد على الصين. من ناحية أخرى، يهدد التشابك المتبادل والطويلالأمد بين واشنطن وإسلام آباد في أفغانستان بإضعاف العلاقات الأمريكية الباكستانية. لذا، من غير المرجح أن تسامح الولايات المتحدةباكستان قريبا على تمكينها لـ"طالبان" على مدى عقود. وسوف يجادل الباكستانيون لأعوام مقبلة في ما إذا كان مفيدا بذل كل ذلك الجهدللتأثير في أفغانستان من خلال وكلاء الحركة، عندما كان بوسع بلادهم، بعد 11 سبتمبر، تأمين مصالحها من خلال الانحياز الكاملللأمريكيين.

 

سياسات ملء الفراغ

 

جاء في تقرير نشر في لندن يوم الأحد 22 أغسطس: انتقلت الأوضاع في أفغانستان خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى صدارة أولوياتالسياسة الروسية. وعلى النقيض من اعتقاد كثيرين من المراقبين بشأن "مفاجأة" إعلان موسكو استعدادها للاعتراف بحركة "طالبان"، وماأعرب عنه سفيرها لدى كابول من ارتياح لمبادرة الحركة إلى حماية مقر السفارة الروسية في كابول، فإن هناك مؤشرات تفيد بوجود "تنسيقغير معلن" توصل إليه الكرملين مع "طالبان" قبل دخولها كابول. وربما تجد موسكو في ذلك "ملئاً للفراغ" الناجم عن رحيل القوات الأميركيةعن المنطقة.

وكشفت الأيام القليلة الماضية عن كثير من القرائن والأدلة التي تقول إن موسكو تتعجل استعادة مواقعها في المنطقة، في إطار تمسكهابسياسات "ملء الفراغ" التي تنتهجها منذ أعوام الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي السابق. ومن هذا المنظور البراغماتي الطابع،سارعت روسيا إلى الإعلان عن احتمال اعترافها بحركة "طالبان"، بل استعدادها للتعاون معها من أجل تجاوز المرحلة الراهنة والتحول نحوحماية الأمن والاستقرار في منطقة آسيا الوسطى، وإن كانت لا تستبعد احتمال بروز الأخطار من جانب الحركة. وأكد سيرجى شويغو، وزيرالدفاع الروسي، أن قوات "طالبان" تسيطر على المناطق المتاخمة للحدود مع طاجيكستان وأوزبكستان. وهو ما يفسر ما استبقت به موسكودخول الحركة العاصمة الأفغانية، من مناورات ثنائية ومتعددة الأطراف في المناطق المتاخمة للحدود مع أفغانستان وشاركت فيها قوات منظمةبلدان "معاهدة الأمن الجماعي"، تحسبا لاحتمالات تسلل عناصرها إلى الأراضي الطاجيكية والأوزبكية، إلى جانب ما تتعرض له هذه الأيامطاجيكستان من نزوح الآلاف من الأفغان.

 

الصين والاستثمار

 

الصين بدورها تبحث عن فرص على أنقاض المشروع الأمريكي في أفغانستان حيث تسعى بكين إلى حماية استثماراتها وضمان أمنمواطنيها.

يشير انفتاح بكين على "طالبان" إلى محاولة لتحقيق الاستفادة القصوى من الانهيار السريع للمشروع الأمريكي في أفغانستان. لكنالمحللين يقولون إن بكين ستظل متيقظة حيال الحركة المتشددة التي تولت زمام الأمور في كابل، بخاصة أن البلاد تحاذي مقاطعة شينجيانغ،موطن الإيغور.

قبل نحو أسبوعين من سيطرة طالبان على السلطة في هجوم خاطف أذهل العالم، استضاف وزير الخارجية الصيني وانغ يي وفداً من"طالبان" في بكين. وبعد يوم واحد فقط من دخول الحركة إلى كابل، قالت الصين إنها مستعدة لتعميق العلاقات "الودية والتعاونية" معأفغانستان.

وفي حين تعلن بكين أنها لا ترغب بلعب دور في أي تسوية سياسية مستقبلية في كابل، يبدو أنها لمست وجود فرصة للتقدم في مشروع"الحزام والطريق" الضخم الذي تبنيه مع انسحاب الولايات المتحدة.

قال هوا بو، المحلل السياسي المستقل في بكين، إنه مع انتقال السلطة إلى "طالبان"، فإن لدى بلاده بعض المطالب الرئيسة، "الأول هوحماية استثماراتها وضمان أمن المواطنين الصينيين... ثانيا، من الضروري قطع العلاقات مع انفصاليي شرق تركستان "شينجيانغ" وعدمالسماح لهم بالعودة إلى مقاطعة شينجيانغ".

ويبدو أن البراغماتية تتغلب على الأيديولوجيا ومن ثم، تعهد المتحدث باسم الحركة محمد نعيم بأن "أراضي أفغانستان لن تستخدم للمساسبأمن أي دولة".

في الصين، سلطت وسائل الإعلام الحكومية الضوء على إمكانات تنفيذ مشاريع اقتصادية كبرى في ظل النظام الجديد، من مشروع منجمأيناك للنحاس، وهو أكبر مناجم النحاس في أفغانستان والثاني في العالم، إلى حقول النفط الشمالية في فارياب وساري بول، علما أنالشركات المدعومة من بكين كانت قد استثمرت مئات الملايين من الدولارات للحصول على حقوق التعدين والبناء، لكن انعدام الأمن الشديد أدىإلى تجميد معظم مشاريعها.

وفي الوقت ذاته، فإن رواسب الليثيوم الوفيرة في أفغانستان - التي شبهت بما تملكه السعودية من احتياطات النفط - حفزت شركات تصنيعالسيارات الكهربائية لاستثمارها. والصين هي أكبر مصنِع لهذه المركبات في العالم.

وقد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا تشون ينغ للصحافيين الاثنين إن "طالبان" التي ستستفيد إلى حد كبير من توطيد العلاقات معبكين، "تتطلع إلى مشاركة الصين في إعادة الإعمار والتنمية في أفغانستان... نحن نرحب بذلك".

وما زالت سفارة الصين في كابول تعمل، على الرغم من أن بكين بدأت بإجلاء المواطنين الصينيين من البلاد قبل أشهر مع تدهور الوضعالأمني.

المجال الذي تجني فيه الصين فوائد كذلك هو على جبهة الدعاية، مع انتزاع بكين علنا أقصى قيمة دعائية من الفشل المذهل للسياسةالخارجية الأمريكية في أفغانستان.

فقد واصلت وسائل إعلامها الرسمية بث صور الأفغان اليائسين وهم يحتشدون في مطار كابول في محاولة للفرار، في ما يشكل علامة علىالفوضى التي خلفها الانسحاب الأمريكي. 

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هوا إن واشنطن تركت "فوضى مروعة من الاضطرابات والانقسامات والأسر المفككة... إن قوة أمريكاودورها هما في الدمار وليس الإعمار".

وروجت وسائل الإعلام الحكومية الصينية لفكرة أن انسحاب أمريكا المتسرع من أفغانستان يعبر عن بحثها عما هو ملائم بالنسبة إليهاويعكس موقفها تجاه جميع حلفائها، بما في ذلك تايوان التي تتحدى بكين وتسعى إلى تقوية موقفها من خلال الاستعانة بما تقدمه لهاواشنطن من ضمانات أمنية.

يذكر أنه وبعد أن واجه انتقادات بسبب الانسحاب المتسرع، دافع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قراره، قائلاً إن الصين وروسيا كانتافرحتين وهما تشاهدان بلاده تنفق مواردها في مستنقع أفغانستان.

 

عمر نجيب

[email protected]