
اني ببالغ الحزن و الاسى قد بلغني اليوم 15 يوليه 2021 وفاة المغفور له فاضل ولد سيد الهادي، ذلك الرجل الفاضل كما سموه والديه تفاؤلا و كان فعلا اسم طبق الاصل .
اني قد تعرفت على المرحوم في صيف سنة 1972 شبه صدفة حيث كنا يومها في بداية تأسيس فرع للحركة الناصرية في انواذيبو و قد كنا جماعة قليلة العدد اذكر من ضمنها المرحوم شكرودْ ولد التلمودي و مدحيد و و المرحوم محمدو ولد محم بوبه و سيدي ولد محمد عبد الله و سيدي احمد لبات و الطالب جدو ممين و ادومو ولد احمد سيدي و اسلم ولد مانا.
و قد كان برنامجنا حينئذ يقتضي ان على كل واحد منا ان يكون خلية خاصة به من الشباب و أن يخلق مع كل واحد منهم صلة خاصة تحقق الثقة بينهما، منطلقين في ذلك من واقع كل فرد و ما مدى اهتماماته و ربط كل ذلك بواقع بلادنا القريبة العهد بالاستقلال و كذا الانتقال من البادية الى المدينة و متطلبات ما يقتضي كل ذلك من تعليم و عمل !
في اطار ذلك البحث عن الشباب القابل للإرتباط بالحركة لاحظنا انا و ادومو امد الله في عمره ان فاضلا العامل في شركة (ميفرما) انه عضو فاعل في نقابة عمالها و له تأثير واضح على عمال الشركة، و دون تفكير طويل في محاولة اجتذابه الى صفوفنا فقد قررنا ان نستغل ليلة الاحد تلك التي صبيحتها عطلة الاسبوع، و قد كانت تلك اليلة منعشة الهواء بسبب تقلب رياح البحر و رذاذ الندى.
و تحت ضوء قمر باهت اقتحمنا على المرحوم منزله و هو قريب العهد بالزواج من سيدة تدعى التاگيب بنت ماسيره و قد و لجنا عليهما بوابة منزلهما و هما في خلوة تامة كعروسين جديدن و كان نعم الاستقبال من طرفهما، و اللذين طفقا كل منهما يعد جانبا من ضيافة الغريبين الجسورين، و قد بدأت التعاگيب تعد الشاي و هو الشراب، و أثناء احتسائنا للشاي تناولنا مع المرحوم واقع البلاد و ظروف الشركة الاستعمارية المستغلة للعمال و كذا مشكل البطالة المتفشي و التفرنس و الذي لا يمكن العمل في البلاد بدونه.
و حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل وبعد نهاية الشاي و ( وتزيف المواعين ) خرجنا تباعا نحن و هو من بوابة المنزل و وقفنا نصف ساعة من الزمن تقريبا و نحن نتحدث باسهاب انا و ايدومو عن امكانية حل مشاكل و طننا بالتجربة الناصرية التي ستضيف لنا عمقا عربيًا استراتيجيًا فيه من التكامل -في حالة انضمامنا اليه- أن تنطلق نهضتنا الوطنية الثقافية و السياسية.
و اثناء وداعنا له تمسك بيدي اليمنى و ربما بيد ايدوم ايضا هو الاخر و قال لنا اريد ان اصحح لكما هذ الامر لان هذه الافكار التي اتيتما بها فإنها كانت من ضمن افكاري الخاصة الناتجة عن تأملاتي في واقع وطني و مستقبله، و ان كان المرحوم جمال عبد الناصر قد سبقني في بلورتها و جعلها في حيز مكتوب يمكن تطبيقه.
و من ذلك اليوم قد اصبح فاضل بالنسبة لنا عصا نتوكؤ عليها و جدار نسند عليه ظهورنا و منزله مأوى لنا نلوذ به كل ما قررنا ان نقوم بنوع ما من النضال مثل المظاهرات و الاحتجاجات و الاضرابات و الكتابة على الجدران و لما ننتهي من كل ذلك فإننا نأوي الى بيت المرحوم فاضل و نبقى فيه عدة ايام حتى ينقشع غبار البحث عنا.
و ظل هاكذا دواليك يقابلنا ببشاشة و صدق و كرم و احترام و البسمة لا تفارق محياه دائما تنير ما بين عينيه مما يزيح عنا قتام اليأس و القنوط من عدم امكانية ايجاد وطن مستقر و مزدهر و مندمج في احضان امته العربية و الاسلامية .
فهذه كانت بعض رحلتنا مع المرحوم الى ان سافرنا خارج البلاد بحثا عن الدراسة و لما عدت شخصيا من الدراسة و صرت عضوا مؤسسا في حزب التحالف الشعبي التقدمي، و كان هو منسقه حينئذ في انواذيبو ، وقد خاضنا معا انا و هو الحملة الانتخابية سنة 1992 و انا كنت امثل يومئذ المرحوم الرئيس المصفى ولد محمد السالك.
و في الاخير لم يبق لي الا ان اقول بأن (كل نفس ذائقة الموت) ولن يبقى في هذا الكون الا الله عز وجل ثم اقول انا لله و انا اليه راجعون على فقداننا لهذا الطود العظيم المتفاني في خدمة و طنه و دينه، و الذي اتمنى له من الله عز وجل ان يتغمده برحمته الواسعة و ان ينير قبره و ان ينزل عليه شآببة رحمته و ان يلهم ذويه الصبر و السلوان و ان يجعل من ذريته ما كان هو يريد ان يحققونه في هذه الدنيا و الاخرة، كما نطلب الصبر و السلوان ايضا لكافة افراد الحركة الناصرية و كذا المجتمع الموريتاني بصفة عامة لما قدم لهم هذا الرجل من ايادي بيضاء تخدم مصالحهم في الامن و التقدم و الازهار .
ذ/ اسلم محمد المختار ولد مانا