قبل سنوات، تردد الحديث عن إنشاء مشروع صناعة مكونات للطائرات في موريتانيا وهو حديث خَفَتَ الكلام عنه مع مرور الأيام، مع أنه كفكرة تستحق كل تشجيع من طرف الدولة والمجتمع، لأن في مقدورها توطين الصناعات في بلادنا، وفي الوقت نفسه إفادة المستثمر من مواد أولية وعمالة غير مكلفتين، وهنالك توجه دولي عام لنقل الصناعات من الدول الغربية إلى الدول النامية والأسواق الناشئة، لتقليل تكاليف الإنتاج، بسبب غلاء العمالة في الغرب وقوة نقاباتها وكثرة امتيازاتها وحقوقها في دول الرفاه.
ويمكننا التخطيط لاقتصاد يستقطب المستثمرين الصناعيين خاصة، فنحن دولة منجمية في الأساس، وكذلك تطوير قطاعات إعادة التصدير و"الأوف شور" وتعظيم إسهامها في الناتج الوطني الخام. ويستحق أي مستثمر صناعي أجنبي، عموماً، علينا الترحيب وتسهيل إجراءات عمله، مع إعفاء كامل لمشروعه خلال السنوات الأولى من كافة أنواع الضرائب والتعقيدات البيروقراطية.
إن علينا الاستفادة من موقع بلادنا كواجهة أطلسية للوطن العربي والقارة السمراء. فصادراتها تذهب مباشرة في البحار الآمنة المفتوحة وتصل في وقت قياسي إلى الأسواق الأوروبية والأميركية دون حاجة إلى المرور بالبحار والخلجان الواقعة في مناطق التوتر والنزاعات، ودون دفع أية فواتير ورسوم مرور مكلفة في المضائق والقنوات البحرية التجارية.
وفي بلادنا أيدٍ عاملة مؤهلة، وغير مكلفة، وعندنا واجهة أطلسية تزيد على 700 كلم، وننتج كافة أنواع الخامات المعدنية عالية الجودة من مكورات الحديد والنحاس والذهب، وعندنا خامات نيكل ويورانيوم وفلزات ومعادن نادرة أخرى كثيرة تدخل في الصناعات الدقيقة. ويمكن تخيير أي مستثمر بين مواقع كثيرة على الساحل الأطلسي أو قريباً منه، لبناء مدن صناعية متخصصة في مجالات معينة.
إن سنغافورة في الحقيقة مجرد مدينة منفصلة عن ماليزيا، ولا تمتلك أية موارد أو خامات، ولا حتى عمقاً جغرافياً وراء المدينة، ومع ذلك تعتبر من أنجح الدول في عالم اليوم من حيث التقدم الاقتصادي والتنمية الإنسانية والثروة الكلية. والسبب أنها عرفت كيف تبني الإنسان، وكيف توظف إطلالتها البحرية أحسن توظيف، وكيف تجعل نفسها وميناءها عقدة حاكمة وحجر زاوية في المواصلات والتجارة الدولية.
ونحن في موريتانيا نمتلك كل ما تفتقده سنغافورة من موارد طبيعية ومعدنية، وعمق جغرافي، وموقع استراتيجي، ولا ينقصنا سوى بناء إنسان مبدع، وإرادة سياسية قوية وحكومة ذات خيال سياسي، مع قدر من الإدارة الذكية للموارد المتاحة. ولو عرفنا كيف نستقطب مشاريع صناعية كبيرة وكيف نوطّن أنواعاً عالية العائد من الصناعات النوعية غير التحويلية في بلادنا، فسنخطو بثقة خطواتنا الأولى على طريق كسب رهان القرن الموريتاني الجديد.
الأستاذ حسن احريمو