لحوار السياسي الخالص"...الطريق الشرعي،الممكن و الوحيد. المختار ولد داهى

خميس, 2015-04-02 16:38

 

أعلم أن العنوان كبير، واسع و حمال أفكار يصلح أن يكون عنوان كتاب أو أطروحة نقاش ومع ذلك فقد اخترته عن وعي ثاقب لهذا "المقال- التدوينة" و الذي يعتبر بمثابة "وجبة سريعة للتفكير" Fast food for thought)موجهة إلي أهل النظر و الفكر والبصيرة و ما أنا منهم و إن كنت  أسمح لنفسي بالعتب عليهم حين بدا أنهم نذروا  مؤخرا صوما عن الكلام في موضوع الحوار السياسي بين الموالاة و المعارضة.

ذلك الحوار الذي يعتبر " محطة تاريخية بامتياز" في الحياة السياسية للبلد تحتاج إلي الترشيد و التحصين من لدن أهل الفكر و النظر فهو حوار بالغ الأهمية ويتطلع  إليه الموريتا نيون -علي اختلاف مستوياتهم و مواقعهم و مواقفهم و ألسنتهم- بكثير من الحدب والترقب و الأمل و شيئ غير قليل من الريبة وعدم الثقة و الإحباط المسبق.... 

ذلك الشعور بالريبة و الإحباط المسبق لدي فئة غير قليلة من المواطنين اتجاه نجاح الحوار السياسي يعود أساسا إلي تضافر و تلاقي جهود "طائفتين من الموالاة و المعارضة" حول التشكيك في جدوائية الحوار السياسي و توقيته.

حيث أن من الموالاة جماعة قليلة العدد كثيرة الحركة  تستغرب  دعوة النظام المعارضة السياسية  إلي الحوار -و هو الغني عن ذلك-  فيما يبدو أنه إما أن يكون جهلا من هؤلاء أن الحوار هو "مخ الديمقراطية" و ركنها الذي إذا فقد فقدت الديمقراطية كلها  أو يكون غيرة علي مصالح ذاتية لا يمكن أن تتحقق إلا في ظروف الاستقطاب السياسي الحاد و تلك عادة في التراث السياسي المحلي أمارة فئة قليلة جدا من السياسيين لا تنتج فكرا و لا تملك ظهيرا  جماهيريا و لا تتقن إلا "فن البرقيات الأمنية". 

كما أن من "غلاة المعارضة" من يشكك في جدية النظام في الحوار أيضا و هم قلة قليلة العدد كثيرة الكلام لا تنتمي  إلي حزب سياسي واحد بل تتوزع بين الأحزاب و أغلبهم من المنظمات المستقلة الصديقة لقطب المعارضة تنقسم إلي صنفين صنف يحاكم نيات الأغلبية ممارسا "رياضة الكسل الفكري" المحيلة دائما إلي نظرية المؤامرة و صنف آخر أشبه ما يكون بمن  ينتظر "أمرا ما" يدفع به إلي الواجهة من غير حساب و لا حوار ولا انتخاب...

إن علو ضجيج  فئة من يمكن أن نسميهم " الخائفين منالحوار" هؤلاء الساعين إلي وضع العصي في الدواليب يستوجب من  أهل الفكر و النظر الإفطار من صومهم عن الكلام و الجهر بالوقوف إلي جانب الحوار السياسي باعتباره الطريق الشرعي، الممكن و الوحيد لتجاوز حالة " اللاتفاهم السياسي" الحالية.

كما أنه القاطرة الوحيدة لإ ستعادة الثقة بين الفرقاءالسياسيين سبيلا إلي إرساء مؤسسات ديمقراطية"إجماعية تحظي بثقة الجميع و يشارك فيها الجميع حتى يتفرغ  الجميعأهل الرأي الفكري و الرأي السياسي و "الرأي الثالث"- لمعركة درء"التهديد حتي لا أقول الخطر الاجتماعي" ذلك أني أحسب أن اللغط و الصخب الحاصل حول الشأن الاجتماعي الآن  واصل خط "التهديد" و لما يصل بعد درجة "الخطر الاجتماعي". 

ذلك التهديد المتمثل في غليان الدعوات العنصرية و الشرائحية و الفئوية و الذي يتربص بنا الدوائر و مواطن الضعف و مواقيت الاستقطاب السياسي الحاد و حالات التراجع الاقتصادي و ارتدادات الأزمات العالمية و انعكاسات الاضطرابات المناخية و سخونة النضال النقابي... محاولا استغلالها لتحقيق مآربه في خلق عدم الاستقرار مستعينا "بنقص المناعة الفكريةلقلة قليلة من أبناء وطننا و مستندا إلي " عدم ترشيد العاطفة البريئة"لثلة أخري من أبنائنا و مدعوما من أجندات إقليمية و دولية غير صديقة لبلادنا و أمتنا و  المشروع الحضاري الذي ننتمي إليه.

إن الحوار السياسي الذي تجري الاستعدادات و تعقد اللقاءات و يتم تبادل أوراق العمل حوله كممهدات لانطلاقه يجب علينا جميعا أن ننتبه أيضا بعد التوافقالمطلوب و المستعجل علي الممهدات  إلي تشخيص و تفادي"الطبات" التي قد تعترض سبيله أو تنحرف به إلي غير أهدافه فتؤدي به إلي طريق مسدود أو تهوي به  لا قدر الله- إلي قاع من  الصراخ و الضجيج و السباب غير محسوب و لا محسوم العواقب.

و يمكن في هذا المقام لفت الانتباه إلي خمس مطبات يتعين التوافق علي تحصين الحوار المرتقب منها و هي:-

أولا: عدم حصرية الحوار علي الشأن السياسي فقط: لا أظن أن أحدا من رشداء البلد يجادل في أن الهدف الأكبر للحوار المنشود هو " اتخاذ الضمانات القانونية و التنظيمية و الأخلاقية الكفيلة بتكافئ تام لا شية فيه لفرص كافة الفاعلين السياسيين في الاستحقاقات الانتخابية تكافئا يهنئ فيه المغلوب الغالب راضيا مقتنعا و متطلعا إلي فرصة أخري".

و إذا تمهد ذلك فيتعين حصر الحوار السياسي المرغوب علي الشأن السياسي و الشأن السياسي فقط بما يضمن التحقيق  الكامل للهدف المبين سابقا؛ و تعتبر أية إضافة لمواضيع غير ذات صلة بالموضوع السياسي انحرافا عن الطريق المستقيم المفضي إلي تحقيق الهدف المطلوب  قد يؤدي بالحوار إلي طريق مسدود.

ثانيا: حوار أصحاب "الدرجة السياحية": تأسيسا علي ما سبق من توضيح محورية الحوار السياسي باعتباره صمام أمان ضد تأثير العوامل الخارجية علي الاستقرار السياسي في البلد فمن الواجب لضمان نجاحه أن لا يكون حوار خبراء و لا حوار أصحاب "الدرجة السياحية" من أهل القرار لأن ذلك مفض إلي فشله و الإيحاء للرأي بعدم أهميته و جديته .

بل يلزم أن يكون  "حوار أمراء" لا "حوار خبراء" و أن يكون طرفا الحوار فيه من "الدرجة الأولي" من أصحاب القرار حتي يشي ذلك للرأي العام و لأطراف الحوار السياسي نفسه بأن الأمر في غاية الجدية و المحورية و الاستعجال.

ثالثا:تمييع الحوار:كما أسلفت فإن الحوار السياسي المرتقب محطة بارزة في تاريخ البلد يتطلع إليها كافة الموريتانيين باعتبارها تطبيعا للمشهد السياسي سبيلا و تمهيدا لتوافق وطني  سيكون عاصما إن شاء الله من التهديدات الاجتماعية.

لذلك فإن إدراج مواضيع لا أقلل من أهميتها  و منها ما يرقي فعلا إلي مرتبة الشأن الوطني- و لكنها  أقرب إلي الجزئيات منها إلي الكليات ذات التأثير المباشر علي تحقيق الهدف الأسمي المرسوم للحوار قد يفهم منه  الرأي العام نوعا من تمييع الحوار يتعين تفادي البعض منه سيما و أنه من الأكيد أن مخرجات الحوار الناجح كفيلة بتسوية تلك الملفات و إنصاف أصحابها من خلال مؤسسات ديمقراطية إجماعية.

و مع ذلك  أعتبر أن تصحيح الأخطاء  في حق الأفراد و الجماعات إن وجدت و حررت و ثبتت من شأنه المساعدة في بناء مناخ ثقة و طمأنينة يشجع علي التنازلات التي لا غني عنها لبناء التفاهمات السياسية.

رابعا: إغراق الحوار: من أخطر ما أدي إلي فشل حوارات بدول أخري من العمق العربي و الإفريقي هو إغراق الحوار السياسي بمواضيع كبيرة شديدة الحساسية، و ما يشاع  من مطالبة البعض أن يعالج الحوار السياسي مواضيع ما يسمي "بمراجعة أو تحيين العقد الاجتماعي" من قبيل "الوحدة الوطنية" و "الوئام الاجتماعي" و "لهوية الأحادية أو التعددية" و التوازن المناطقي،... هو محاولة لإغراق الحوار بمواضيع شديدة الحساسية و تتطلب معالجتها مناخا سياسيا هادئا و طبيعيا و أوزانا سياسية محددة بما يعني مشروعية ديمقراطية.

فمن غير المعقول مثلا  معالجة هذه المواضيع بالغة الحساسية في ظل مناخ سياسي تتساوي فيه أراء أحزاب سياسية ذات تمثيل برلماني وبلدي معتبر و أحزاب أخري لن يتسني لها في حال تنظيم انتخابات توافقية الحصول علي أي مقعد برلماني و لا بلدي حيث لا تعدو كونها ظواهر إعلامية فحسب.

لذلك يلزم حسب نظري تفادي الخوض في المواضيع شديدة الحساسية و أن يتم حصر الحوار في اشأِن السياسي ذي الصلة بضمان تكافئ الفرص في الاستحقاقات الانتخابية علي أن تطبيع المشهد السياسي سيكون لا شك مناسبة لتنافس الفرقاء السياسيين إبان المواسم الانتخابية من خلال مشاريع مجتمعية هادفة إلي إصلاح أو تحيين العقد الاجتماعي بما يتلاءم و مقتضيات التحولات الاجتماعية الكبيرة التي شهدتها الدولة و عرفها المجتمع.

خامسا: عدم تحديد السقف الزمني للحوار: من البداهيات اليوم في فن " تسيير المفاوضات" أن  يتم دراسة "الكلفة الزمنية" و تقديرها و تحديد سقف أعلي  يتحتم التوصل إلي اتفاق قبله و ما لم يتم ذلك تكون المفاوضات نوعا من الترف الفكري و الرياضة الذهنية و قتل الوقت... 

و تفيد التجارب السياسية أن من أكثر العوامل إفشالا للحوارات السياسية عدم تحديد سقفه الزمني حيث يؤدي ذلك إلي تخصيص الكثير من الوقت للتفاصيل و الجزئيات المسكونة عادة بالشياطين و إلي فتح "صندوق الباندورا": "صندوق الشرور" الشهير كما في الميتافيزيقا الإغريقيةBoite à pandore-Pandora’s boxكما يفضي إلي التسويف من بعض الأطراف تحينا لمواسم رواج سياسي لهم أو كساد سياسي لنظرائهم.

وفي حالة الحوار السياسي عندنا يتعين تحديد سقف زمني أعلي اعتبارا لحصرية الموضوعات محل النقاش و التي يمكن الإحاطة بها في وقت معقول و مقبول و نظرا أيضا لاستعجال الموريتانيين لتطبيع المشهد السياسي و إنهاء حالة الاستقطاب السياسي غير المبررة في بلد ذي عمق عربي و إفريقي ملتهب جيوسياسيا و ذيتركيبة  اجتماعية داخلية متعددة ومتنوعة داخل التعددو تحتاج إلي مراجعات متأنية و رشيدة محصنة بإجماع سياسي رصين و متين.  

تلكم بعض الإضاءات علي طريق تأمين حوار سياسي جامع لا مراء في أنه الطريق الشرعي،الممكن و الوحيد للخروج ببلدنا من حالة الاستقطاب السياسي غير المبرر، حوار طالب به النظام و تتطلع له المعارضة و لا يختلفان كثيرا حول عناوينه و مضامينه بقدر ما يتجاذبان حول شكله وممهداته    .

في حين ينتبذ أهل الفكر و النظر و الذين تقع علي عواتقهم مسؤولية التسهيل و التوجيه و التحصين علي ما يبدو مقاعد قصية في مكان المتفرجين مع أن دورهم محوري "كخزان أفكار"THINK TANK في خلق رأي عام ضاغط من  أجل تقوية فرص نجاح الحوار وتذليل عقباته و تحييد العناصر القليلة من قطبي المعارضة و الموالاة الخائفة من الحوار المتضررة منه، التي تقتات إداريا أو إعلاميا أو سياسيا علي الاستقطاب السياسي الحاد و التي تتحالف عن بعد ومن غير قصد وتعمل وتراهن علي خلق مناخ إعلامي معاد للحوار و نجاحه.