وقفات ساخطة في الزمن الرديء

أربعاء, 2025-08-06 15:37

صفعة جديدة تُوجّه لنا، شعوبا وحكومات وأحزابا ونخبا من كل نوع وصنف، وذلك بعد صفعة “جنوب إفريقيا”، عندما “بادرت” هذه، وليس أي دولة عربية أو إسلامية، فطالبت محكمة العدل الدولية رسميا بتطبيق اتفاقيّة جريمة الإبادة الجماعيّة على الكيان الصهيوني، وهو ما كان أول ردّ عملي على العدوان الإسرائيلي.

والصفعة الجديدة وجهها لنا الرئيس الإيرلندي، “مايكل هيغينز”، عندما مطالبته الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” بتفعيل البند السابع ضد الاحتلال الإسرائيلي وإنقاذ غزة، داعيا إلى تجاوز الجمود السياسي في مجلس الأمن، وقال إنه، سواء وافق مجلس الأمن أم لا وحتى في حال وجود تعطيل (فيتو)، فإن الحق قائمٌ للأمين العام في السعي إلى تشكيل دفاع دولي.

وحتى الآن وفيما أعرف، لم يرتفع صوت عربي رسمي يؤيد ما طالب به الرئيس هيغينز.

وللعلم فإن الفصل السابع يُخوّل مجلس الأمن صلاحيات واسعة لحفظ السلم والأمن الدوليين في حال وقوع تهديد لهما أو إخلال بهما أو وقوع عدوان.

ووفقاً للمادة 39، يقرر المجلس ما إذا كان هناك تهديد للسلم، ويختار التدابير المناسبة حسب المادة 41 التي تتيح لمجلس الأمن فرض تدابير غير عسكرية، مثل العقوبات الاقتصادية، وقطع وسائل المواصلات، وقطع العلاقات الدبلوماسي، والمادة 42 التي تتيح للمجلس استخدام القوة العسكرية الجوية أو البحرية أو البرية في حال فشل التدابير غير العسكرية في تحقيق الغرض، وتشمل العمليات الحصار، والمظاهرات المسلحة، وغيرها من الإجراءات.

وتُلزم مواد الفصل السابع جميع الدول الأعضاء بتقديم الدعم اللازم لمجلس الأمن، بما في ذلك القوات والمساعدات والتسهيلات عند الطلب، لضمان تنفيذ قراراته وحفظ السلم الدولي.

ولكننا، وكما قال عمر الخيام في سياق آخر، ….لا أطال النومُ عمرًا.

* – لا أظن أن هناك من ينتظر مني اعتذارا عن الحماس الذي استقبلتُ به سقوط نظام “الأسد” في سوريا، ولسبب بالغ البساطة هو أنني تفاعلت مع الفرحة التي عمّت الشارع السوري، فيما رأيته وتابعته، إثر سقوط نظام البراميل المتفجرة والتعسف الأمني والقمع الممنهج، والذي لم يفهم ما قاله “الماغوط” بلسان “غوار الطوش”ي في “كاسك يا وطن” منذ نحو نصف قرن، والذي أتصور أنه كان أساسا، بشكل أو بآخر، تعبيرا عن حالة “إسلاموفوبيا”، رأيناها مع حالة التشنج السلطوي التي كانت نقطة الانطلاق نحو إسقاط نظام العقيد القذافي قبل ذلك.

لكنني أعترف أنني بدأت أراجع نفسي منذ لاحظت وضعية “الشلل الإرادي” التي واجه بها النظام الجديد الهياج التدميري الإسرائيلي الذي حطم أهم القدرات الدفاعية السورية، وذلك في ظل ميوعة الموقف الروسي، التي عرفنا منذ السابع من أكتوبر 2023، والتي أتصور أن من أهم أسبابها حرب “أوكرانيا”، التي يبدو أنها كانت فخّا بالغ الذكاء بالنسبة لموسكو، لا يختلف عن فخ “أفغانستان” الذي كان، وبتعبير الرئيس الشاذلي بن جديد التحذيري في حوار له مع الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف، مثل فخ “فيتنام” بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما سمعته شخصيا من الرئيس الجزائري، وكنت إلى جانبه في المباحثات.

وأتصور أن هزيمة موسكو في أفغانستان كانت نقطة البداية الفعلية لانهيار النظام السوفيتي، ودور التخطيط الأمريكي والتمويل العربي والإدارة الباكستانية في عملية أفغانستان لم تعُدْ من الأسرار.

وأعترف أنمما شجعني على هذه الوقفة الاعتداء على الفنان الشعبي السوري الذي كان إهانة لقلب العروبة، لأنها تقول أن “شبيحة” اليوم لا يختلفون عن “شبيحة” الأمس.

وبالتالي فإن ما تعرفه سوريا اليوم وما سوف تعرفه غدا يُذكّر ببيت الشعر الشهير الذي قاله من دعا على “عمرو”.

* – التظاهرات التي تعيشها عواصم الشمال تضامنا مع الشعب الفلسطيني هي تعبير عن وضعية الديموقراطية التي حققها الشمال، والتي سمحت للشارع أن يعبر بكل قوة عن رفضه للتواطؤ الرسمي مع الكيان الصهيوني، متناقضا مع قياداته السياسية.

ويجب أن أذكر هنا بالدور الإيجابي للشارع الأوربي، سواء في بريطانيا أو في فرنسا، إثر العدوان الثلاثي في 1956 والذي أدى إلى سقوط “أنتوني إيدن” في لندن وخلخلة الجمهورية الرابعة في باريس، وهو ما حدث أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية وحَرَم “ليندون جونسون” من الأمل في ولاية ثانية، وكان ضغط الشارع الأمريكي عنصرا مضافا لكفاح الشعب الفيتنامي الذي حققت به “هانوي” انتصارها التاريخي.

وأتصور هنا أن المخابر الغربية عكفت على دراسة سبل التحكم في تضامن شعوبها التلقائي مع حركات التحرر العالمية التي تعكر صفو مصالح الشمال، والصراع العربي مع الكيان الصهيوني في المقدمة، وهنا نجد التفسير الحقيقي لحالة “الفوبيا” التي خلقتها القيادات الغربية، والتي حاولت تجنيد الشارع هناك لمحاربة ما أطلق عليه “الإرهاب”، والذي رُبط بالإسلام على وجه التحديد.

وتكفي إطلالة سريعة على معظم حالات الإرهاب التي تفنن الإعلام الغربي في التخويف من خطورتها، وسنجد أن أغلبية من اتهموا بالعمليات الإرهابية من العرب كانوا شبابا وُلِد في الغرب، وتم تكوينه النفسي والفكري فيه، ومعظمهم لم يعرف البلد العربي الأصلي الذي ينتمي له، وأكثر من ذلك، ثبت أنهم كانوا، بشكل أو بآخر، على ارتباط ما بمصالح الأمن وعناصر الشرطة هناك، وكان المثير للاهتمام أنهم لاقوا حتفهم بما يقترب من عملية إعدام مُمنهجّ خارج الإطار القانوني، ولم يحدث أن قُدّم أحد منهم إلى أي محاكمة علنية نفهم فيها ومنها حقيقة ما قاموا به من عمليات إجرامية.

ويمكن أن نتخيل أن عمليات كثيرة كانت تدبيرا مُحكما استعمل فيه شباب بسيط التعليم سطحيّ التفكير محدود الخبرة، تم اختياره عمدا من بين عناصر تنتسب إلى التيار الإسلامي.

لكن روعة ما حققه “طوفان الأقصى” أنه أضعف نتائج تلك المخططات، وزرع الشعور في الشارع الغربي بأن الإرهاب الحقيقي هو ما تمارسه الاحتكارات العالمية وحكوماتها، وخصوصا الكيان الصهيوني، وهنا أدركت الشعوب الحية أن النازية تبدو بجانب الصهيونية كمجرد تلميذ لا يقل غباء عن أساتذته، وبأن خرافة “عداء السامية” هي، إلى حدّ كبير، مظلومية مفتعلة، ثبت أن هدفها الرئيسي هو الابتزاز السياسي والأخلاقي والمالي.

أما عن جماهيرنا في الوطن العربي والعالم الإسلامي فأقصى ما يمكن أن أقوله عنها، ومع استثناءات محدودة، “ما لجرح بميّت إيلامُ”.

* – لا جدال في أهمية الدور الذي قامت به طهران لدعم المقاومة الفلسطينية، لكنني أرى أن على الأشقاء في إيران اليوم أن يمارسوا عملية نقد ذاتي لما عرفته الجمهورية الإسلامية في السنوات الأخيرة، ومن بين ذلك اغتيال “سيد راضي موسوي” في ديسمبر 2024 وسقوط، أو إسقاط طائرة الرئيس الإيراني في مايو2024، واغتيال “إسماعيل هنية” في يوليو 2024 وعملية “البيجر” في سبتمبر 2024، والذي شهد أيضا اغتيال السيد “حسن نصر الله”، إضافة إلى العديد من الأحداث التي أصابت إيران على أرضها وفي مجال نفوذها.

وأنا أرى أن المهم هنا هو تأكد الأشقاء هناك من أن وضعية الاختراقات قد انتهت إلى غير رجعة، وآمل أن يكون الإيرانيون قد بدءوا يدركون هذا ويتصرفون على ضوئه.

*  –  تصريحاتٌ لشخصيات عربية كبيرة حول مأساة غزة الشهيدة تذكرني بتعبير جزائري يقول إن “النار تلِدُ الرماد”.

وتصريحات إعلامية أخرى تجعلني أتحسر على أن حمرة الخجل أصبحت ماضيا غابرا.

ويعلم الله الصعوبة التي أتحكم بها في ألفاظي، احتراما للمنبر وللقراء.

دكتور محييي الدين عميمور كاتب ومفكر ووزير اعلام جزائري سابق