ترجَّل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من طائرته في السعودية مبتسما، وازداد ابتساما وهو يصافح وزير الدفاع السعودي الأمير محمد أبن الملك سلمان. لم يناقض ابتسامته، سوى تجهُّم وجه عبد الملك الحوثي زعيم انصار الله وهو يلقي خطابه الليلة.
الأكيد ان لا ابتسامة الاول ولا تجهم الثاني بعد ليلة القصف السعودي بغطاء عربي باكستاني تركي وأميركي، تقرران مقبل الأيام، خرجت اللعبة من أيدي اليمنيين، وباتت مفتوحة الآن على احتمالات اقليمية ودولية أكبر من اليمن وشعبه الفقير.
السؤال الأول : هل حسب عبد الملك الحوثي ضربته جيدا قبل التوجه الى عدن التي حدد الخليجيون خطوطها الحمر عبر نقل سفاراتهم اليها ؟ اذا كان قد حسبها جيدا، فهو كان يدرك أن الملك سلمان الذي اشرف طويلا في السابق كما ولي ولي العهد الامير محمد بن نايف على الملف اليمني ، سيكون أكثر حزما من سلفه الملك عبدالله. ولو حسبها جيدا كان يدرك أيضا ان السعودية نسجت في الشهرين الماضيين خيوط جبهة جديدة تشمل مصر وتركيا وباكستان ومعظم دول الخليج ( قد نستثني سلطنة عمان) . فهل حسبها جيدا عبد الملك الحوثي، وأراد بالتالي توريط المملكة بحرب مباشرة في اليمن لاستنزافها لاحقا كما حاولت هي استنزاف ايران في سورية والعراق وغيرهما ؟ أم أنه لم يحسبها، فدفع ايران الى موقف مُحرج تماما لأن تدخلها المباشر قد يؤدي الى حرب اوسع بخلفية “سنية شيعية” وعدم التدخل أصعب لأنه سيضع كل محورها أمام لحظة ضعف .
السؤال الثاني : هل توقع عبد الملك الحوثي ردا عسكريا بهذا المستوى ؟ اذا كان حسبها، فمن المفترض أنه أعد ردودا عسكرية قد تظهر تباعا داخل الاراضي السعودية، أما ان لم يكن قد حسبها، فهذا يطرح أكثر من علامة استفهام حول قدرة الحوثيين على الاستمرار في ادارة المعركة خصوصا ان ايران تعرف الموانع الكثيرة لتدخلها المباشر في اليمن .
السؤال الثالث : حين يطلب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من ايران الانسحاب من اليمن، ويعرب عن الاستعداد لتقديم الدعم اللوجستي ل” عاصفة حزم ” ( اسم حزم بالمناسبة يعود الى جملة قالها مؤسس الملكة الملك عبد العزيز آل سعود : الحزم أبو اللزم أبو الظفرات… )، وحين يلتقي كلام اردوغان مع استعداد مصري للمساعدة، ومع عزم باكستاني على العون، هل يعني ان جبهة الدول ” السنية” اكتملت لمحاولة وقف الدور الايراني قبل الوصول الى باب المندب. فهذا المعبر المائي يكاد يوازي ولو بنسبة اقل مضيق هرمز للملاحة البحرية العالمية ونقل النفط تمر فيه أكثر من 21000 قطعة بحرية كل عام .
على الارجح نعم، هذه الجبهة تريد وقف التقدم الايراني، وتوجه رسالة الى اميركا بضرورة عدم الاندفاع اكثر بالتحالف الاستراتيجي مع الدول ذات الثقل الشيعي . لنلاحظ مثلا ان السعودية سبقت عملياتها ليس بتعزيز العلاقات مع دول الخليج ومصر وتركيا وباكستان فقط وانما أجرت لقاءات مهمة ايضا في الجزائر ومع الرئيس السوداني عمر حسن البشير .
السؤال الرابع : هل أن التدخل العسكري السعودي، سيدفع ايران الى الرد، وكيف ؟ وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف اكتفى بالحديث عن ضرورة “الوقف السريع للعمليات العسكرية في اليمن والشروع بحوار لحل الأزمة”. مؤكدا ” ان العملية الحالية تزيد التشنج ولن يكون لها أي نفع لأي دولة تقوم بالمشاركة فيه، وقد تشجع داعش والارهاب ” . اما المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم فرفعت اللهجة اكثر بقليل معتبرة ان ما حصل “خطوة خطرة” تتعارض مع القوانين الدولية . أما الاكثر هجومية فكان رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الايراني علاء الدين بروجردي الذي قال ” ان دخان نيران الحرب في اليمن سيذر في عيون السعودية، ” محملا ايضا اميركا مسؤولية ما يجري .
وغدا يرفع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اللهجة أكثر ويستخدم لغة اقسى، لكن الجميع سيؤكد على ضرورة العودة الى الحل السياسي . لن يصل الكلام الايراني مطلقا الى حد تهديد السعودية او ادخال المنطقة في مواجهة اوسع .
السؤال الخامس : هل ان التدخل العسكري السعودي بدعم اميركي، سيدفع ايران للانسحاب من التفاوض مع اميركا والغرب ؟؟؟ الاكيد لا ، فهذا ملف منفصل اولا عن كل شيء، ثم ان مصلحة ايران تماما كمصلحة اميركا تكمن بالاستمرار في التفاوض ، وهي تعتقد ان هذا الاتفاق هو الذي يغضب جدا السعودية ودول الخليج لانه يفتح المنطقة على احتمالات استراتيجية كبيرة .
السؤال السادس : هل ستستمر المعركة السعودية في اليمن طويلا في محاولة لانهاء الحوثيين، ام المقصود اضعافهم لارغامهم لاحقا على القبول بحل سياسي بشروط أضعف ؟؟؟؟ هذا سيكون مرهونا بالرد الحوثي وطبيعته . فقد كان واضحا من خلال الناطق العسكري السعودي اليوم ان العمليات مستمرة ، كما كان لافتا ان الدول العربية حضرت مسودة تفعيل التعاون العسكري سيتم طرحها في القمة العربية في مصر قبل نهاية الاسبوع الحالي
السؤال السابع : هل تنجح دول الخليج بتحييد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي اصدر حزبه الليلة بيانا يدعو ” الاخوة الخليجيين ” والحوثيين الى وقف العمليات العسكرية …. هل هذا تراجع عن التحالف مع الحوثيين ام مناورة من مناورات الرئيس صالح التي اتقنها طويلا ؟؟؟
ما هو المنتظر ؟؟؟
لا شك ان الحوثيين تلقوا ضربة موجعة، وهم الآن في وضع صعب لا يمكنهم القبول به ومن الأصعب تصور ما يمكنهم فعله. فهم امام طيران وليس قوات برية، والشيء الوحيد الذي يمكنهم القيام به هو العبور صوب الاراضي السعودية. لعل هذا سيكون بالغ الصعوبة امام الجبهة العسكرية التي تشكلت ضدهم . لكنهم سيردون بطريقة او باخرى .
أما ايران، فهي ليست من النوع الانفعالي، خصوصا ان دولا كبيرة كباكستان حذرت من انها ستقف الى جانب السعودية اذا ما تعرضت لاي تهديد . ستدرس الرد على مدى طويل ، او تحاول توظيف ما حصل لصالح محورها في الجبهات الاخرى المفتوحة .
الاكيد ان الحوثيين سيستمرون بالتحرك داخل اليمن وبوتيرة اكبر، وقد ترتفع حرارة المعارك ، ولعلهم سيحاولون تحقيق مكاسب على الارض بسرعة رغم وجود الطيران فوق رؤوسهم. لكن الاكيد أكثر ان ايران ستعمل على خطين، اولهما اعادة الاعتبار لمحورها على الارض ليس بالضرورة في اليمن وحدها دون ان يكون في ذلك مواجهة مباشرة مع السعودية، وثانيها الاستمرار في المفاوضات مع اميركا . لنراقب مثلا الوضع في سورية او العراق . ولنراقب ايضا مواقف ايرانية حيال البحرين قريبا .
لا شك ان كل قتيل يمني خسارة لهذا البلد العربي الطيب والعريق بحضارته الضاربة في جذور الانسانية جمعاء، لكن قد تكون الايجابية الوحيدة لما حصل في اليمن، انها أوصلت الامور الى درجة تخطي الخطوط الحمراء ، ما يعني اننا امام احتمالين، اما انفجار اوسع، وهذا لا يريده اي طرف ، او العودة الى طاولة التفاوض الاقليمي بوساطة بعض الدول الراغبة باطفاء الحرائق على غرار سلطنة عمان مثلا، خصوصا ان شروط التفاوض الخليجي بعد ما حصل في اليمن قد تكون تحسنت عن السابق ، ولعل هذا هو المطلوب .
اللافت ايضا ان روسيا دخلت على الخط عبر دعوة للوقف الفوري للعملية العسكرية والقتال ، واللافت اكثر ان دعوة الرئيس فلاديمير بوتين هذه جاءت بعد اتصال مع نظيره الايراني حسن روحاني . في هذا دلالات كبيرة على ان اليمن صار هو الاخر جزءا من صراع محورين اقليميين ودوليين .
لكن هل يلتزم عبد الملك الحوثي ببرودة الاعصاب الايرانية؟ ربما عن ، وربما لا … ففي اليمن ، الثأر والسلاح زينة الرجال …. لعله لن يستطيع السكوت على الضربة ، وفي هذه الحال فان التطورات قد تفلت من الخطوط الحمراء . لكنها في كل الاحوال لن تفلت طويلا … ليس لمصلحة احد حربا طائفية مباشرة بين ايران والجبهة الاخرى .
اما المؤسف الوحيد في ما يحصل في اليمن وقبله في سورية وليبيا والعراق وغيرهم، اننا وصلنا الى اسوا مرحلة عربية في تاريخ هذه الامة حيث المسلم يقتل المسلم، والمسلم يهجر المسيحي، وكل منهم يدعي انه صاحب الحق، بينما لا شك ان اسرائيل تضحك، وان كل هذه الاسلحة التي ظهرت في اليومين الماضيين كان ينبغي ان تكون صوبها وليس في اليمن الفقير العريق الطيب .