إنه رجل غـني عـن التعريف على المستويين الوطنى والعالمى، فهو من أوائـل المتمدرسين فى حقـبة الإستعمار، ومن أوائل من حالفهم الحظ فى تكميل دراستهم الجامعية فى السنوات الأولى من الإستقلال خارج موريتانا قبل وجود التعليم الجامعى فى موريتانيا. ثم إنه من الرجال البارزين الذين كان لهم دور محوري فى بناء الدولة الموريتانية الحديثة. وبعد ذلك أصبح من أبرز قادة هـيئة الأمم المتحدة ، حيث أوشك أن يُـنتخب أمينا عاما لهيئة الأمم المتحدة. ومع هـذا فإن مسيرته المهنية الحافلة بالنجاحات على كل الأصعدة يُـلخصها البعض فى دوره فى هـيئة الأمم المتحدة، مع أنها أكبر من ذلك وأهم، وقد سطرها هو فى كتاب سهل ومفصل باللغتين العربية والفرنسية. تلك التجربة التى كان من المفـترض أن تكون نموذجا لكل الموريتانيين، ويستحق صاحبها أن يكون مستشاردائما للشؤون الخارجية لدى رئاسة الجمهورية. إنه الوزير السالق و الدبلوماسى المخضرم والمبعوث الأممى أحمدو ولد عبد الله. وحسب رأيى فإن من لم يقرأ هـذا الكتاب لن يعطى للرجل حقه فى كفاحه من أجل بناء الدولة الموريتانية المعاصرة. والكتاب بعنوان: "الموت ولا الدنا" وهو متوفر فى الأسواق الموريتانية.
الرجاء أن تقرأ بقية المقال، لأنه موضوعى جدا، فالدافع الوحيد لكتابتى لهذا المقال هو أننى تأثرت بأداء الرجل ووطنيته وإستماتته فى سبيل تحقيق أهدافه. وعند نهاية قرائتى لكتابه أرتأيت أن أقاسم إخوتى النشوة التى إنتابتى خلال قرائتى له . لذا قررت كتابة هـذا المقال الذى سيجد فيه ، بإذن الله، من لم يحظ بقراءة الكتاب ملخصا لمضمونه، بالإضافة إلى المعلومات التالية:
1- معلومات هامة عن تاريخ موريتانيا المعاصرة لا تتوفر إلا فى كتاب "الموت ولا الدنا".
2- كيف يمكن لك أن تكون متميزا فى حياتك المهنية والإجتماعية.
3- كيف تكون مفيدا لمجتمعك أو لأمتك بإمكانيات متواضعة.
من المؤكد أن كل الموريتانيين الذين واكبو حقبة ما بعد الإستقلال يعرفون أحمدو ولد عبد الله ولكن أغلب مواليد السبعينات فما بعد ذلك ، إن لم أقل كلهم، لا يعرفون عن الرجل سوى أنه من الأطر الموريتانيين البارزين على المستوى الدولى. وهـذا فى رأيى خطأ جسيم فى حق الرجل وفى حق الوطن. فمن جهة من حق كل مواطن بذل مجهودا متميزا فى سبيل بناء وطنه أن يُـكرمَ تناسبا مع حجم وقـيمة التضحية التى قـدَّم للوطن ومن جهة أخرى فإن لكل مواطن موريتانى الحق فى معرفة كل حقبة من تاريخ بلده، ومعرفة من كان لهم الحظ فى بذل جهد متميز فى سبيل خدمة الوطن. وتجدر الإشارة هنا أنه يمكن الحصول على معلومات متفرقة، من مصادر مختلفة، عـن فترة ما قبل وبعد إستقلال الدولة الموريتانية ، ولكن تلك المعطيات تنقصها الدقة تارة والموضوعية تارة أخرى. لذا يجب على الباحث أو المطالع لتاريخ موريتانا أن ينتبه لما يقرأ كما ينبغى له أن يقارن المعطيات ولا يقبل إلا المعلومات التى تستند إلى مصادر موثقة وموضوعية .
يحتوى هـذا الكتاب على كلمة شكر و مدخل ومقدمة : وكلمة الشكر مقتضبة ولا يذكر فيها الكاتب إلا أسماء يبدو أنهم ساهموا فى هـذا العمل الجبار. أما المدخل والمقدمة فيتضمنان تهيئة القارء لمضمون الكتاب، وذلك عن طريق توضيح للأسباب التى دفعته لإنجاز هـذه التحفة التاريخية، وعرض للوضع الدولى والوضعية التى كان ما يسمى ب"أرض البضان" تمربها قبل وإبان إستقلال ما عرف فى ما بعد بالدولة الموريتانية . كما ذكر الكاتب فى المدخل أنه كان مولعا بالتاريخ خلال دراسته الإبتدائية والثانوية، وأن إهتمامه به زاد خلال المرحلة الجامعية، ولهذا ربما أصبح يدون كلما يرى فيه أهمية تارخية. وتبين من خلال إنجازه لهذا الكتاب أنه إحتفظ بكل مذكراته حتى الآن. وهـذا هو ما يميز كتاب "الموت ولا الدنا".
ويتكون الكتاب من ستة فصول مرتبة حسب الإطار الزمنى للتطور التعليمى والمهنى للكاتب، ولكنه مليئ بالإيحاءات التى لا تخرج عن السياق بل تفصله وتعمق فهم القارء للموضوع الذى هو بصدد الكلام عنه. فمثلا ، يستطرد الكاتب فى الفصل الثانى أنه ومجموعة من الطلاب جاءوا من جامعة داكار فى السنغال ، بطلب من الحكومة الموريتانية لمناسبة إستقلال البلاد، لمساعدتها فى إستقبال الوفود الخارجية حيث أن أطرالدولة الذين يتكلمون الفرنسية أو الإنجليزية كانوا قلائل فى تلك الفترة، وأنه خلال مزاولته لعمله فى هيئة الأمم المتحدة سنة 1995 إلتقى بصحفى أمريكى "جوناتان سى راندال" من جريدة "هـيرالد تريبون" فى "بوروندى" وأن السيد "راندال" أخبره أنه كان ضمن الوفد الأمريكى لتغطية حدث إستقلال موريتانيا، وأنه أي الصحفى إستفسرأحد القادة الفرنسيين خلال حفل الإستقلال عن الأسباب التى جعلت فرنسا تمنح لموريتانيا الإستقلال مع أنه لم يرى مواطنين موريتانيين يعملون، فكل من كان يعمل حينئذ هم إما من الدول المجاورة "السنغال ومالى" أو فرنسيين. وأن القائد الفرنسى رد عليه بما محتواه " نحن نعلم أن البضان لا يعملون، ولكن ذلك لا يهمنا، ولا يهمنا إن كانوا مستعدين للإستقلا أم لا، لأننا نريد أن نذهب".
أما الفصل الأول فيخصصه الكاتب لوصف مرحلتين مهمتين من حياته وهما: أولا البيئة والظروف التى ولد فيها وقضى فيها أولى سنوات حياته، وثانيا أولى تجاربه خارج مسقط رأسه والتى تمثلت فى تجاربه فى المدرسة الإبتدائية فى " تمبدق" والمرحلة الإعدادية والثانوية فى "روصو" والسنغال، والتى كان من أبرز معالمها تعامله مع أساتذة فرنسيين "أنصار" ومعاشرته لأطفال جيئ بهم من مختلف أنحاء المنطقة من أجل الإنضمام للمدرسة الفرنسية . وشرح الكاتب كيف كان مجتمعه بدويا ومنعزلا، وضرب مثالا غاية فى البلاغة فى ذلك الشأن، حيث روى أنه، وهو لما يـبلغ بعد سن التمدرس، كاد يرمي نفسه فى بئر كان يسقى منه عندما أبصر عن بعد ولأول مرة "نصرانى" أي فرنسى وهو قائد المنطقة الإستعمارية فى تلك المنطقة عندما كان فى زيارة لمسقط رأسه " حاس عبد الله".
وفى الفصل الثانى والثالث تطرق فيهما الكاتب إلى تجربته كمسؤول سام فى الحكومة الموريتانية الناشئة، التى بدأ فيها سنة 1969 بوظيفة "مدير ومستشار لدى وزير الصناعة المناجم ومسؤول عن قطاع الصناعة". وظل يشغل هـذا المنصب إلى أن عين فى أغصطس من سنة 1971 وزيرا للتجارة والنقل. ولأن كاتبنا ، كما سبق ذِكـرُ ذلك، كان متعودا أخذ مذكرات خلال تجاربه المهنية ، فإنه أعطى أمثلة من مذكرات كان قد أخذها خلال مجالس الوزراء التى كان يحضرها . وأوضح أنه لم يكن يتوقع فى تلك الفترة أن تلك المذكرات قد تصبح يوما ما مصدرا تاريخيا مهما، وإنما كان يستعين بها لتحضير عمله الروتينى. ومن أغرب ما أورده فى مذكراته أنهم، خلال جلسات مجالس الوزراء، كانوا يُـدلون بآرائهم بكل حرية وكأنهم فى أرقى ديموقراطيات العالم مع أنهم ، يضيف الكاتب، كانوا فى إطار الحزب الواحد "حزب الشعب" وكانت الكلمة الأخيرة لرئيس الدولة المختار ولد داداه. وظل يشغل هـذا المنصب إلى أن عُـيِن سفيرا مزدوجا: حيث مثل موريتانيا فى واشنطن وكذلك لدى هيئة الأمم المتحدة فى "نيويورك" ليُـنقـل بعد ذلك إلى "بروكسيل"، ليمثل بلادنا لدى كل من "بلجيكا، وهولندا ولوكسمبورك" بالإضافة إلى الإتحاد الأربى. ولم يخفى أنه كان من مؤيدى إنقلاب العاشر من يوليو 1978 لذا تابع عمله فى "بروكسيل" حتى بعد الإطاحة بالرئيس الاسبق المختار ولد داداه. كما ظل يعمل لصالح الحكومة الموريتانية حتى وضعه الرئيس محمد خونه ولد هيدالة رهن الإقامة الجبرية فى أوجفت لمدة ثلاثة أشهر بعد أن شغل منصب وزيرا للخارجية فى حكومته ومديرا عاما لشركة "سنيم". وخلال هـذين الفصلين أعطى الكاتب شروحا وافية، وبكل موضوعية، عن الوضعية التى كانت الدولة الموريتانية تمر بها فى تلك الفترة. وأوضح أنه كان ولا يزال ضد إعتماد عُـمْلة وطنية "الأوقية" فى فترة كانت الدولة الموريتانية ضعيفة على كل الأصعدة، كما شرح الأسباب التى جعلته يأخذ موقفا مضادا لقراريْ الرئيس المختار المتعلقين بتأميم شركة "ميفرما" ولاحقا ضم الجزء الجنوبى من الصحراء الغربية "وادى الذهب" والذى كان سببا فى إندلاع ما عُـرف فيما بعد "بحرب الصحراء". كما شرح فى الفصل الثالث الأسباب التى جعلته يقرر الهجرة عن وطنه والعمل خارج موريتانيا، والتى يرى أن من أهمها موقف الرئيس هيدالة منه بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة فى السادس عشر من مارس سنة 1981 المعروفة "بكوماندوز 16 مارس".
وخصص الكاتب فصلا كاملا لمعالجة مشكلة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وحركة "البوليزاريو" و هى الممثل الوحيد للشعب الصحراوى المدعومة من الجزائر، والذى أعتبرها أكبر مشكلة واجهتها موريتانيا خلال العشرية الثانية بعد الإستقلال. وتطرق الكاتب فى الفصل الخامس لتجربته فى هيئة الأمم المتحدة التى بدأها بوظيفة فى الأمانة العامة للأمم المتحدة فى "نيويورك"، ثم ترقى فيها حتى أصبح مبعوثا خاصا لدى الأمين العام لمعالجة أكثر مشاكل القارة الإفريقية إشكالا وتعقيدا مثل الأزمة البروندية والصومالية.
وناقش الكاتب فى الفصل الخامس والأخير أمورا فى غاية الأهـمية يرى أنها هي أهم عقبات التنمية والإستقرار فى دول العالم الثالث، مثل الرشوة، وتبذير المال العام، والعدالة، والأمن العالمى. وأعطى تحليلا وافيا عن الأسباب التى من الممكن أن تكون سببا فى هـذه المشاكل مرفوقة بإجرائات من شأنها أن تساعد فى الحد من هـذه الظواهر السيئة التى تفشت فى مجتمعـاتنا حتى أصبحت تهدد الأمن الإقليمى والدولى وتعيق كل محاولات النهوض بدول الساحل الإفريقية للمضي فى ركب التطور والإزدهار.
د. السالك ولد السنهورى.