في مثل هذه الأيام التي تشهد "غربياً" وستشهد "شرقياً" احتفالات عيد ميلاد السيّد المسيح، عليه السلام، ، يتكرّر استخدام قوله: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام". وهو قولٌ يجمع بين ما هو حتمي لا خيار إنساني فيه (المجد لله) وبين ما هو واجب مستحق على البشر تنفيذه، أي تحقيق السلام على الأرض. هو قولٌ يُلزم المؤمن بالله ومجده أن يعمل من أجل الخير والسلام على الأرض، تماماً كما هو الأمر في العقيدة الإسلامية لجهة التلازم بين الإيمان والعمل الصالح.
لكن هناك أيضاً ما هو سلبيٌّ مشترَك الآن بين "الشرق الإسلامي" و"الغرب المسيحي"، وهو حجم المسافة الشاسعة بين ازدياد عدد الممارسين للشعائر الدينية، وبين قلّة عدد من يطّبقون ما تدعو اليه الرسالات السماوية من قيم وأعمال صالحة ومن واجب نشر روح المحبة وتحقيق السلام بين البشر.
ولعل المأساة تظهر جليّةً الآن من خلال حروب وفتن حدثت تحت "شعارات دينية" في أكثر من مكان شرقاً وغرباً. بل إنّ كل مُشعِل الآن لحربٍ أو لفِتنة على الأرض يختبئ وراء مقولات تستند إلى ادّعاءات الوصل بالأديان، والأديان منها براء. الكلُّ يتحدّث عن "الإيمان بالله تعالى" بينما على "الأرض الحرب" من الذين يبحثون عن مجدهم فيها.
وهاهو العالم اليوم يعاني أيضاً من غياب "المسرّة" بين الناس ومن تجاهل مسألة "السلام الاجتماعي" على الأرض وغياب العدل بين النّاس وحق كل إنسان في لقمة العيش والعمل والسكن والضمانات الصحّية والاجتماعية بعدما انشغلت الأمم في صراعات حول قضايا "الدين والقومية والديمقراطية"، وفي ظلّ مشكلة انحسار المفاهيم الصحيحة لهذه القضايا الكبرى المعنيّة بها البشرية جمعاء. فالرسالات السماوية كلّها حضّت على العدل بين الناس وعلى رفض الظلم والطغيان والجشع والفساد والأستعباد للبشر، وعلى إقرار حقّ السائل والمحروم، بينما تتحوّل المناسبات الدينية الآن إلى "سوق تجاري كبير" وإلى موسم رحلات سياحية!!
ومع بدء كلّ عام جديد، يتجدّد عند الأفراد والشعوب الأمل بتغييرٍ في حياتهم وظروفهم نحو الأفضل، دون إدراك أنّ "الزمن" وحده لا يُغّير الحال، وبأنّ سياسة "حسيبك للزمن" ربّما تنجح عاطفياً، لكنّها لا تُغيّر عملياً من الواقع شيئا. قد يحدث ربّما العكس، حيث يؤدّي تراكم السلبيات مع مرور الزمن إلى مضاعفة المشاكل والأزمات.
إنّ نهاية عام، وحلول عام جديد، هي مسألة رقمية رمزية لا تغيّر شيئاً من واقع حال الإنسان أو الطبيعة في أيّ مكان أو زمان. لكن المعنى المهم في هذا التحوّل الزمني الرقمي هو المراجعة المطلوبة لدى الأفراد والجماعات والأوطان لأوضاعهم ولأعمالهم بغاية التقييم والتقويم لها.
فالنّاس هم المسؤولون أولاً وأخيراً عن حصاد كل عام، وستكون كل سنة هي استمرارٌ لما قبلها ما لم تتدخّل الإرادة الإنسانية لوقف التداعيات ولبناء مستقبلٍ أفضل.
وكل عام وأنتم بخير!
صبحي غندور"مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
[email protected]