لسنا بحاجة ، نحن معشر العرب، أن نُـذكر أنفسنا ولا أن نذكر المجتمع الدولى أن إسرائيل دولة مستبدة ،إستعمارية ، وظالمة، إغتصبت الأرض وإخترقت القانون الدولى، وجميع الأعراف الإنسانية لأنها هي نفسها معترفة بذلك، فالسلطات المحلية الإسرائيلية تسمى المناطق المحتلة بإسمها (الضفة الغربية وقطاع غزه)، وتتعمد ذلك وتستمر فى النزوح يوميا للإستيلاء على مزيد من الأراضى. ولأنه لم تعد هناك قوة عربية تضاهى قوة الدولة الصهيونية فإن عملية الإستلاء على الإراضى الفلسطينية تتم الآن بطريقة ممنهجية ومستمرة. ويبدو أن السبب فى عدم ضم كل الأراضى الفلسطينية إلى دولة إسرائيل هو عدم قدرة الدولة الصهيونية تسيير أكثر من 1،8 مليون عربى (هو عدد العرب الإسرائيليين فى الوقت الراهن) وتكتفى ببناء مزيد من المستعمرات كوسيلة لسرقة الأرض الفلسطينية على مرآ ومسمع من المجتمع الدولى. ولكن لا عجب فالدولة الصهيونية مدعومة على المستويين الإقتصادى والعسكرى من طرف كل الدول الغربية. ولا يهم هنا الأسباب الكامنة وراء هـذا الدعم، فالمهم لدى القادة الصهاينة هي النتيجة، فهم يعرفون أن الأربيين ومن ورائهم الأمركيين والكنديين لا يدعمونهمم من أجل سواد عيونهم ولكن من أجل الخدمات التى يقدمونها لهم من فينة إلى لأخرى. إذ لم يكن بإمكان الصهاينة بناء دولة فى الأرض الفلسطينية دون الدعم الغربى. فالآراء مجمعة أن الأربيين هم من هيؤوا وعملوا من أجل تمرير قرار هيئة الأمم المتحدة رقم 181 الصادر سنة 1947، والقاضى بتقسيم الأراضى الفلسطينية التى كانت تحت الإنتداب البريطانى إلى قسمين أحدهما لليهود، من أجل إقامة دولة لهم، وفى نفس الوقت إخراجهم من أربا التى تسببوا فى إشعالها مرتين (الحرب العالمية الأولى والثانية). ومهما كانت أسباب ودوافع الدعم الغربى لليهود فإنه لم يتوقف عند إنشاء الدولة الإسرائيلية فحسب فى قلب الأمة العربية ، بل جعل هـذا الكيان من أقوى إقتصاديات العالم، فهو يصنف الآن على أنه الرابع والثلاثون ضمن أقوى إقتصاد فى العالم، كما أن شعبها يُحظى بأعلى مستوى معيشى فى الشرق الأوسط رغم قلة مواردها الطبيعية. فبالرغم من أن مساحة المملكة العربية السعودية تفوق مساحة دولة إسرائيل بمائة وثلاثة مرات ونصف، والناتج المحلى للأولى يفوق الناتج المحلى للدولة الصهيونية ب حدود 600 ألف مرة إلا أن المقارنة بين إقتصاد الدولتين غير وارد لأن إسرائيل متفوقة على الدول العربية مجتمعة وعلى كل المستويات. وبسبب القوة الإقتصادية، والعسكرية والإستقرار السياسى فإن الدولة الصهيونية إستطاعت ، رغم عدم مشروعيتها أصلا، أن تجذب الأنظار إليها من كل أرجاء العالم: لإسرائيل الآن علاقات دبلوماسية مع 158 دولة بينما لا تعترف بالدولة الفلسطينية التى أنشأت سنة 1988 إلا 136 دولة فقط.
ولكن لماذا نلوم الدول (معظم دول العالم) التى تربطها علاقة دبلوماسية مع إسرائيل ولماذا نلوم الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، اللتىان تدعمان إسرائيل فى كل النواحى، إذا كان من بين العرب أنفسهم من له علاقة وطيدة مع إسرائيل وآخرون يغازلونها عن طريق التودد إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فهـذه جمهورية مصر العربية قد وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل سنة 1979، وتلك هي المملكة الأردنية الهاشمية التى وقعت معاهدة سلام مع دولة إسرائيل سنة 1994، دون ذكر الدول التى تربطها علاقة غير معلنة مع الكيان الصهيونى. ولماذا نلوم الرئيس الأمركى "أترامب" على قراره الإعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، إذا كان البرلمان الأمريكى قد وافق على هـذا الإجراء منذو 37 سنة. فبدل لَـوْمِ هـذا والتوسل إلى ذلك فإنه من الأجدر بالعرب بناء كيان لهم من خلاله يكون بإمكانهم مُساومة الآخرين على حقوق شعوبهم وإحترام مقدساتهم. وإذا أمكن للعرب بناء تلك القوة التى من شأنها أن تعـتمد على قوة إقتصادية وأخرى عسكرية فإنه سوف يكون بإمكانهم الدفاع عن الأرض العربية وحقوق اللجئيين الفلسطينيين وهم مرفوعى الرؤوس. ولكن لأجل تحقيق ذلك فعليهم أن يتخذوا أسلوبا غير شراء المنازل الفاخرة فى الغرب، وإقتناء اليخوت و اللوحات الفنية المتناهية الغلا (والتى بلغ سعر بعضها أكثر من 450 مليون دولار أمريكى) وبدل ذلك إستخدام ذلك المال للإستثمار فى الأرض العربية التى يعانى شعبها من التخلف والجوع فى بعض الأحيان. فمثلا بواسطة مليوني دولار أمريكى فقط يمكن بناء مصنع لإنتاج بعض المواد الإستهلاكية ، التى ينفق العرب أموالا طائلة لإسترادها من الصين وسنكابور. فبواسطة أربع مائة وخمسون دولارا أمريكى، مثلا كان بإمكان أحدهم إقامة عشرون مصنعا فى كل دولة عربية معترف بها دوليا (22). ففى موريتانيا مثلا: مليوني دولار تساوى 470 مليون أوقية، وهـذا مبلغ يكفى لبناء مصنع لإنتاج اللبن، أو إنتاج مواد أبلاستيكية لمختلف الأغراض. كما يمكن لهـذا النوع من المصانع أن تجذب إليها 30 عاملا على الأقل أي ما يقارب خلق وظيقة لأكثر من 600 مواطن فى كل دولة عربية أي 13،000 وظيفة فى العالم العربى . ولو إنفقت كل الأموال العربية التى تذهب الآن لشراء المنازل الفاخرة أو اللوحات الفنية إلى غير ذلك لكان بإمكان العرب أن يساوموا على قضاياهم من موقف قوة . لأن ذلك من شأنه أن يساعد على بناء إقتصاد قوي يضاهى إقتصاد إسرائيل بل يضاهى حتى الإقتصاد الأمريكى أو الألمانى. فلم يحقق اليهود ما حققوه إلا بالتركيز على بناء قوة إقتصادية وعسكرية، وإلا لما كان بإمكان 8،6 مليون يهودى ليَّ أيدى 370 مليون عربى. وقديما قال الشاعر العربى:
من يَهُن يسهُل الهوانُ عليه ##### ما لجُرح ميتٍ إيـــــلام
د. السالك ولد السنهوري