يهدف هـذا المقال إلى إقناع المسلمين بالإستمرار فى الدفاع عن نبي الإسلام (عليه الصلاة والسلام) كما يحث من يريد نقد الإسلام ورموز الإسلام بدراسته دراسة وافية ومكثفة قبل الشروع فى نقده. ولا يتضمن نقاش حكم المسئيين على رموز الإسلام لأن الخوض فى ذلك يجب أن يقتصر على المختصين.
لم يتعرض محمد (صَلىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ) إلى أي نوع من أنواع المضايقة قبل البعثة النبوية، حيث عاش عليه الصلاة والسلام فى مجتمعه القرشى فى سلام وأمان ووقار إلى أن أرسله الله بشيرا ونذيرا. ومع أن رسالته واجهت جميع أشكال الإنتقاد والتكذيب، إلا أن هـذه الإنتقادات لم تصل أبدا إلى الطعن فى صدقه ولا أمانته ولاعفته ولا نبله. بل كان خصومه يعترفون له بكل الخصائل الحميدة. وتميزت شخصيته (عليه الصلاة والسلام) بالنبل والكرم وكان يكنى بالصادق الأمين فى مجتمع ظالم لا يعرف الرحمة. وكانت محاولات النيل من جنابه، بعد البعثة – والتى جاءت أولا على شكل رفض وتكذيب لرسالته على لسان عمه "أبولهب"- مقتصرة على المس من محتوى الأوامر الربانية التى أُمِرَ بتبليغها لعشيرته أولا ثم للناس كافة. إذن فمن البديهى أن أيَ نقد أو سَبً أو محاولة تشويه لجناب الرسول الكريم لا يمكن بأي حال من الأحوال فصله عن محتوى الرسالة المحمدية الخالدة. ومن هـذا الإطار ينبع وجوب الدفاع عن رسول الإسلام (صلى الله عليه وسلم) على كل مسلم ومسلمة كل حسب مستواه الفكرى وقدرته المالية أوتأثيره الإجتماعى. وأي تقصير عن الدفاع عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يمكن أن يكون دليلا على درجة من ضعف الإيمان أو مرحلة من النفاق أعاذنا الله وإياكم من تلك المراحل وتلك الدرجات. فطابق على المسئين قوله تعالى: (قل أبالله وءايته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم). وعلى الذين ينصتون ولا يحركون ساكنا قوله تعالى من سورة البقرة (14): (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ). ومع أن المجتمع الموريتانى، المعروف بتشبثه بالدين الإسلامى وحرصه على تطبيق أبسط التعاليم الدينية، لم يكن خاليا من بعض الأفراد الذين قد يرتكبون – من حين لأخر- بعض من المخالفات إما جهلا للأحكام الشرعية : مثل بعض الممارسات التى تتعلق بالعبادات أو المعاملات إلا أنه كان وإلى وقت قريب خال من ما نلاحظه هـذه الأيام من كفر ونفاق تمثلا أساسا فى سب الجناب النبوى ونقد لبعض الممارسات الدينية. والغريب فى الأمر أن كل المنتقدين للدين الإسلامى وللجناب النبوى لم يقْـدِمو إلى ما قَـدِموا عليه إلا جهلا للدين الإسلامى وخصائص رسوله الكريم. فمن درس مبادء الدين الإسلامى وسيرة رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) سوف يحوله ذلك من سب أو أنتقاد محمد (صلى الله عليه وسلم) ولو تعرض لظلم من بعض المسلمين أو تهميش من بعض من المجتمعات الأسلامية. فهـذه (ليزلى هازلتون) الأمريكية من أصل بريطانى وعرق يهودى، والتى تصرح بإلحادها تعترف فى جميع الكتب التى كتبت عن الإسلام وعن محمد (صلى الله عليه وسلم) أنه كان صادقا فى قوله، عادلا فى حكمه، أمينا مع أمته، مجاهدا وبطلا فى كل معاركه. كما ترفض الكاتبة البريطانية ( كارين أرم سترونغ) محاكمة رسول الأسلام (صلوات الله وسلامه عليه) فى القرن الواحد والعشرين بقوانين ونظم لم تصغ إلا بعد الحرب العالمية الثانية وما صاحبها من عنف وبربرية وإخفاق فى إحترام أبسط حقوق الإنسان بل الإنسانية جمعا. وقد وصف كل المستشرقين وكل الباحثين عبر العصوربما فيهم الباحثين المعاصرين كل تصرفات رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) بالحكيمة والضرورية لإنجاح مهمته فى إرساء العدل والمساوات فى مجتمع متخلف جاهل ووثنى. فمثلا: بالرغم من أن كل القوانين الغربية المعاصرة تجرم التعددية الزوجية فقد أتفق الباحثون المتخصصون فى التاريخ الإسلامى أن ما قام به رسول الإسلام (عليه الصلاة والسلام) من زواج بعد البعثة كانت تمليه عليه الظروف والإستراتيجية الحربية، لأنه لم يتزوج قط على زوجته الأولى فى حياتها (أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها). كما أعطوا مبررات هادفة لتصرف الرسول (عليه الصلاة والسلام) مع يهود المدينة المنورة (يثرب قديما) وهم يهود بنى قينقاع ويهود بنى النضير ويهود بنى قريظة. والغريب أنه مازال بعض المسلمين (أو المنافقين) الذين لا يريدون أن يبذلوا أي جهد فى فهم وتفسير وتحليل الأحداث التاريخية المواكبة للبعثة النبوية ولكن يأخذون ما طاب لهم من الأحداث ويفصلونها عن سياقها التاريخى لكي يبرروا بها معتقداتهم التى كثيرا ما تكون مؤسسة على هوى شخصى أو بسبب سلب حضارى لا يوفر بديلا للمشاكل الدنيوية ولا للدار الأخرة. وفى هـذا الإطار تعيش بلادنا هـذه الأيام تجربة فريدة وخطيرة، حيث أقدم أحد المدونين الموريتانيين (ولد لمخيطير) إلى كتابة مقال ونشره فى الصحف الإلكترونية سب فيه الجناب النبوى. ومع أن المسيئ سُجن وحوكم، وتسببت هـذه الأحداث فى غليان الشارع الموريتانى لدرجة لم يسبق لها مثيل حيث كان المتظاهرون يتجمعون تلقائيا وبالألاف وكانوا يتشكلون من كل أطياف الشعب الموريتانى بعلماءه ورجاله ونسائه وكباره وصغاره وبأبيضه وأسوده . ومع أن هـذا أمرا ضروريا ، وواجب كل مسلم ومسلمة إلا أنه من الضرورى أن تستمر تلك التظاهرة ولكن بصورة سِـلْمِيَّةٍ. وذاك للحفاظ على مكتسباتنا الدينة وللحيلولة دون إنتشار الكفر والنفاق فى مجتمعنا. و من الضروري أيضا أن تـتضمن هـذه التظاهرة شرح لجميع جوانب السيرة النبوية والأحكام الشرعية التى تتعارض مع القوانين الغربية بطريقة منهجية ، كما يجب التركيز فى هذا الإطار على الجوانب التى إعتاد أعداء الإسلام الدخول منها لإنتقاد الفكر الإسلامى وذلك من أجل تحصين الشباب الموريتانى من الإنجراف فى سيول الضلالة التى تصاحب موجة المطالبة بالحريات الغير مقيدة القادمة من أساسا من الغرب.
والله ولي التوفيق.
د. السالك ولد السنهورى.