كشف السيد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس″ في قطاع غزة في لقاء عقده مع الصحافيين استمر لساعتين واتسم بالصراحة، عن ابرو ركائز استراتيجية حركة “حماس″ الجديدة، وعنوانها الرئيسي العودة بقوة الى محور المقاومة، وتوثيق العلاقات مع ايران، ومحاولة “ترميمها” مع سورية.
اهم ما قاله السيد السنوار في نظرنا، ونحن ننقل عنه بالحرف، “ان ايران هي الداعم الأكبر لكتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري) بالمال والسلاح”، واعرابه عن امله في “ان تتفكك الازمة السورية وان يفتح هذا التفكك الأفق لترميم العلاقات معها مع الاخذ في الاعتبار التوقيتات الملائمة”.
أهمية السيد السنوار في التركيبة القيادية الحمساوية، تنبع من كونه على علاقة تنظيمية وثيقة جدا مع جناح القسام العسكري، لانه يعتبر “الاب الروحي” له، ومن ابرز مؤسسيه، وقام بأدوار ميدانية مهمة جدا في الوقوف خلف هجمات استهدفت أهدافا في العمق الإسرائيلي شارك في تنفيذ بعضها، وقضى في السجن 23 عاما.
الإعلان وبشكل صريح، لا مواربه فيه، ان ايران هي الداعم الأكبر لجناح القسام جاء مفاجئا وقويا في الوقت نفسه، لانه يتعارض، بطريقة او بأخرى، مع خط الحركة السابق الذي يتجنب مثل هذه المواقف مجاملة للمعسكر الخليجي، وبدرجة اقل المعسكر الأمريكي، ولتجنب احراج جناح في حركة “حماس″ وقف في الخندق المقابل لإيران وسورية، مجاملة للمؤسسة الدينية الخليجية التي تنطلق من منطلقات مذهبية صرفة في نظرتها للآخر.
***
حركة “حماس″، وحسب معلومات موثقة اعادت ترميم علاقتها بالمقاومة اللبنانية، و”حزب الله” تحديدا، ولا نكشف سرا عندما نقول ان السيد حسن نصر الله استقبل في احد مقراته السيد صالح العاروري، زعيم الجناح العسكري في الضفة الغربية، واكثر قيادات حماس الميدانية دعما للمقاومة المسلحة، وتلى هذا الاجتماع، وبتوصية من السيد نصر الله، بلقاء آخر، أي للسيد العاروري، بقادة الحرس الثوري الى جانب مسؤولين سياسيين آخرين في طهران التي زارها في اطار وفد “حماس″ الذي شارك في حضور احتفالات تنصيب الرئيس حسن روحاني اشلهرالماضي.
لا مشكلة لحركة “حماس″ مع “حزب الله” والسيد نصر الله، لان الأخير حرص على استمرار التعاطي معها كحركة مقاومة ضد الاحتلال، حتى في ذروة وقوف قيادتها السابقة في المعسكر الآخر المواجه للحزب وقيادته، في اكثر من جبهة، والسورية على وجه الخصوص، ولم تصدر أي كلمة مسيئة لحركة “حماس″ في اعلام الحزب في ظل سياسة “كظم الغيظ” التي يتبعها الحزب وقيادته عندما يتعلق الامر بالقضية الفلسطينية، ولكن المشكلة تكمن في علاقة حركة “حماس″ مع القيادة السورية، مما يعني ان احتمالات “ترميم” علاقتها مع سورية ما زالت تواجه صعوبات جمة، رغم الجهود المكثفة التي بذلها “حزب الله” والقيادة الإيرانية لترطيب الأجواء بين الطرفين.
القيادة السورية أبلغت الوسطاء في حزب الله وايران الذين نقلوا رغبة حركة “حماس″ في تلطيف الاجواء مع دمشق، انه ليس لديها أي مشكلة في إتمام المصالحة مع “القيادة الجديدة” لحركة حماس، شريطة ان تبقى الحركة في مكانها، أي عدم عودتها الى سيرتها السابقة، وفتح مكاتب لها في العاصمة السورية بالتالي.
الجرح السوري عميق، مثلما قال احد المسؤولين السوريين الكبار لاحد مراسلي هذه الصحيفة، وسرد سجلا طويلا من “المرارات”، نتحفظ على ذكرها، ليس لطولها، وانما لخطورتها، ورغبتنا في تلطيف الأجواء لا رش الملح على جرح الخلافات، ولكننا نميل الى الاعتقاد بأن هذه المرارات تتآكل، مع المتغيرات المتسارعة في الملف السوري لمصلحة السلطة في دمشق، وحدوث تغيير في الاستراتيجية التركية، بعد شعور الرئيس رجب طيب اردوغان، ان الخطر على بلاده لا يأتي من دمشق وانما الحليف الأمريكي الذي طعنه في الظهر، واختار الاكراد ومشروعهم الانفصالي كبديل ومحور ارتكاز لاستراتيجيته (أي أمريكا) في المنطقة بتوصية إسرائيلية.
***
القيادة الجديدة لحركة “حماس″ تلعب اوراقها بشكل “ذكي” وجيد، فقد حسنّت علاقاتها مع مصر، ونجحت في اللعب على تناقضات حركة “فتح” وانقسامها بين المحورين العباسي والدحلاني، مع توثيق علاقاتها في الوقت نفسه مع الفصائل الفلسطينية الاخرى، والحفاظ على الحد الأدنى من علاقاتها مع قطر، ودون ان تخسر الامارات والسعودية.
الرئيس محمود عباس الذي خفض رواتب اكثر من ستين الف موظف، واحال حوالي 6000 موظف الى التقاعد المبكر، واوقف تسديد فواتير محطة كهرباء غزة في محاولة لتركيع حركة “حماس″، ها هو يتراجع عن كل، او معظم، هذه الخطوات، ويذهب الى إسطنبول لحثها على التوسط مع الحركة، وإعادة احياء اتفاقات المصالحة، لان السحر انقلب على الساحر.
المرحلة المقبلة هي مرحلة الجناح العسكري في حركة “حماس″، والعودة الى منابع المقاومة، وإعادة اشعال فتيلها في الضفة الغربية حيث الاحتكاك الحقيقي مع دولة الاحتلال وقواتها ومستوطنيها، وهذا ما يفسر المقولة التي تؤكد ان ابرز نجوم هذه المرحلة، هم العاروري والسنوار، الذي يجمع بينهما قاسم أخر مشترك، علاوة على عضوية المكتب السياسي للحركة، وهو القرب من جناح القسام، صاحب الكلمة العليا، وتوجيه بوصلة التحالف نحو ايران و”حزب الله”، وربما سورية أيضا.. والأيام بيننا.
عبد الباري عطوان