ما الذي يعنينا، نحن العرب، عندما تكتب نعومي كلاين في كتابها الأخير المعنون " ليس كافياً أن نقول لا " عن بلاد تعيش منذ عقود إيديولوجية بالغة الخطورة والقسوة واللاإنسانية، وعن رئيس لديه كل الاستعداد للاستفادة الانتهازية من كل ما تطرحه تلك الإيديولوجية من أفكار وشعارات ووسائل؟
البلاد هي الولايات المتحدة الأميركية، والرئيس هو دونالد ترامب.
في تلك البلاد ترسَخت الثقافة النيولبرالية التي تقول بأن الطمع صفة حميدة، وأن منطق السوق هو الذي يحكم، وأن المال هو المهم في الحياة، وأن الرجل الأبيض هو الأفضل، وأن الطبيعة وثرواتها هي للإستغلال والنهب، وأن الفقراء والضَعاف يستحقون مصيرهم البائس، والواحد في المائة من ساكني الأرض الذين يعيشون حياة الترف والبذخ هم الأنموذج الأفضل والأشطر والأذكى، وأن الخدمات العامة التي تقدمها الدولة لعموم المواطنين يجب أن تكون في حَدها الأدنى إذ أنها مصدر للكسل والتواكل، وأن مهمة الدولة الأساسية في هذا العالم هي حماية المصالح الذاتية الأنانية بكل الطرق والحيل، حتى إذا أقتضى ذلك خوض الحروب والصًراعات.
إنها ثقافة بائسة خطرة، لكنها تتجذر ولديها مراكزها وقواها ومريديها وإعلاميها الذين ينشروها ويبرًروا ضرورة تواجدها من أمثال عرًابها الأكبر ميلتون فريدمان ومدرسة شيكاغو.
أما الرئيس فان تاريخه الشخصي، خصوصاً ممارساته في حقلي المال والتجارة، وحاضره يشيران إلى تصًرفات تحمل الكثير من علامات الاستفهام من جهة وإلى انتماء كامل للمدرسة النيولبرالية الرأسمالية البالغة التوحُش. الكتاب كله عن شخصية الرجل وتاريخه وأقواله، ولذلك سنكتفي بذكر النقاط التي تهمًنا
فالرجل يوصف بأنه أحمق وجاهل، يكُن احتقاراً واضحاً للمرأة، مراوغاً في حديثه، مؤمناً بأن فقر الفقراء هو بسببهم أنفسهم وقلة طموحهم وكسلهم، مختالاً بأن ثراءه الفاحش يعطيه الحق في أن ينتخب كرئيس للدولة، متبجحًاَ أمام ناخبيه بأنه أفضل من يصلح العفن في الدولة الأميركية لأنه يعرفها من الداخل فقد مارس أحياناً دفع الرشاوي للسياسيين ونجح في عدم دفع الضرائب المستحقة عليه، مبدياً عدم الحساسية الإنسانية تجاه المعوقين من مثل استهزائه بصحفي بقسوة وعدم مبالاة.
وفي الحاضر، بعد استلامه الرئاسة، أبانت تعييناته لأعضاء حكومته ولكبار مستشاريه ولموظفي البيت الأبيض وغيرهم بأنه يريد إدارة أميركا من قبل أصحاب البلايين والملايين، ومن قبل من لهم صفات القسوة في إدارة مختلف المؤسسات، ومن لهم تاريخ مخجل في تعاملهم مع المرأة. كمثال على ذلك هو العدد الكبير من المعنيين ممًن كانوا موظفين كبار فــــــــي مؤسسة جولد مان ساخ المالية العملاقة وفي شركات البترول من مثل إكسون – موبايل.
ومع ذلك فان هذا الرئيس لا يتوانى عن طرد موظفيه بصورة غير لائقة، بل ومذلًة، بل وعن طريق التويتر الشخصي أحياناً.
هناك الوف التفاصيل التي جاءت بها الكاتبة الأميركية – الكندية عن ذلك البلد وذلك الرئيس.
ما يهمنا، نحن العرب، من ذكر كل تلك التفاصيل المملًة هو طرح السؤال التالي: هل أن هذا بلد وهكذا شخصية كانا يستحقان ذلك التتويج من قبل رؤساء أربعين دولة عربية وإسلامية والاعتقاد بأنهما جديران بالثقة والاعتماد عليهما في المستقبل؟ هل أن أيديولوجية البلد وصفات وتصرفات رئيسها وخلفية غالبية مسؤوليها تجعل الإنسان مطمئناً إلى صدق ما قاله الرئيس في خطابه الشهير، وإلى متانة ما التزم به، وإلى عدم الاستدارة الكلية في المواقف والالتزامات إذا وُجد إن ذلك في مصلحة الدولة الأميركية ومصلحة مؤسَساتها المالية والاقتصادية والعولمية؟
أليس في المواقف الأميركية المنحازة كلياً للكيان الصهيوني، وفي الإستباحات والأكاذيب والألاعيب الأميركية في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها مايؤكًد هذا الخوف من أيديولوجية تلك الدولة ومن تاريخ وحاضر قائدها الحالي؟
يسأل الإنسان نفسه بحسرة وشبه يأس: هل أن المعنيين في بلاد العرب وقادتها يـــقرأون ما يكتب، ويتابعون ما يقال، ويتعلمون من أحداث التاريخ وواقع الحياة الدولية؟
عندما يفعلون ذلك سيكتشفوا أن هذا النظام الأميركي اليميني إلى حد الجنون وقادته سيمارسون مع العرب سياسات الصدمات المتتالية في الاقتصاد والأمن والسياسة للانتقال إلى سياسات الابتزاز المبرمج، وذلك الى آخر دينار أ ودرهم في جيوب العرب، وإلى أكبر انتصار للصهيونية العالمية.
د. علي محمد فخرو