يقولون أن المرأة أساس المجتمع لأنها الأم والزوجة والإبنة والأخت ولأنها البوصلة التي تحدد طبيعة المجتمع، فإن هي جاهلة، مضطهدة، بائسة، فالمجتمع كذلك، وإن هي متعلمة، مثقفة، كريمة، فعالة وسعيدة فالمجتمع يكون كذلك أيضآ.. ونحن الْيَوْمَ بصدد مجتمع عربي يعاني كوارث وأزمات متعددة تصبح المرأة ضحيتها، كالبؤس والتشرد والوجع والموت..
تطالب التيارات الفكرية المعاصرة والمنظمات الدولية المتعددة منذ اكثر من ثمانين عامآ بحرية المرأة، أعني حرية التعلم والعمل، اختيار الزوج والسفر، حرية التفكير والتعبير وصنع القرار، حرية الانتخاب والعمل السياسي وممارسة المعتقد. وانطلقت دساتير متعددة محلية وعالمية لتقنين حقوقها ومساواتها مع حقوق الرجل (النصف الآخر من المجتمع)، لكن ممارسة تلك القوانين على ارض الواقع كانت دائمآ هزيلة، مغيّبة ومهمّشة..
في زمن السلم والاستقرار ترتاح النفوس وتزدهر العقول وتتفتح الأذهان وتكثر الجهود لصيانة حقوق الإنسان عامةً، والمرأة خاصة...أما في زمن الحرب والقلق يصبح المواطن والقانون عرضةً للإنتهاك والطعن والابتزاز وينتشر الخوف والرعب والتشرد والفقر والمرض...
لقد اقرّت استطلاعات هيئة اللاجئين في الأمم المتحدة ان ثلاثة ارباع عدد اللاجئين السوريين هم من النساء والأطفال وقد ذكر الدكتور منيف الأتاسي (فيما نشرته "الحوار") أن اللاجئين العرب يشكلون ٥٨٪ من عدد اللاجئين بالعالم، أما نسبة البطالة فهي ٢٥٪ وهي أعلى نسبة في العالم.
أما في سياق المرأة السورية الْيَوْمَ ومعاناتها فهو حدث جلّ ومرعب. لقد حصلت المرأة في سورية على تمثيلٍ جيد في مشاركتها بقطاعات متعددة كالعمل في التعليم المدرسي والجامعي وفي الشأن الصحي والقطاع المالي والحكومي والقضائي والتعلم بالجامعات وحصلت على امتيازات كثيرة لكني، وبالرغم من ذلك، رأيتها تفقد زوجها وابنها وأخيها تحت طائلة الرصاص والتسلح وتفقد بيتها واستقرارها وعملها وممتلكاتها فهي مشردة في الداخل ولاجئة في الخارج، تتقاذفها مطامع الشهوة والأبتزاز من رجال لا تعرفهم وتجار حرب يقايضون على أوجاعها، ومرتزقة يقذفون بها في قوارب ضعيفة وبحار هائجة لتفنى وترضخ. وإني لا أَجِد للمرأة السورية تمثيلآ ملحوظآ في صياغة المفاوضات والتحضير لفترة ما بعد الأزمة... فهل ستبقى المرأة العربية تترقب ما سيمنحها الرجال (صانعوا القرار) في الزمن القادم؟ وهل ستبقى ضحية تفكيرٍ قبليّ وهيمنةٍ ذكريةٍ وقمع اجتماعي يستعمل كل المبررات لدفعها إلى الخلف والبقاء وراء الجدران لتطيع وتستسلم؟
يؤسفني أن اذكر هنا ان الدول العربية التي أصيبت بفجيعة الحروب والكوارث والدمار في الوقت الحاضر كانت الرائدة بين الأقطار العربية الأخرى حيث كان تمثيل النساء فيها سياسيآ ومهنيآ وثقافيآ مقبولآ وجيدآ.
إن ما يحدث الآن في المجتمعات الغربية وفي الولايات المتحدة الاميركية تحديدا من مظاهرات نسائية تطالب بتطبيق المساواة والحقوق المدنية والعملية بشكل مطلق هو صرخة مدوية وقويه وصحوة يجب أن تسبب العدوى لكل امرأة في العالم على الرغم من أنها تمثل تناقض ملحوظ في بلد هو الأقوى في النفوذ الدولي والصناعي والمالي والعلمي وهو مركز لمؤسسات دولية وعالمية لحقوق الإنسان المدنية والعدالة الاجتماعية والتي تنص القوانين والمعايير والمقاييس لتطبيق هذه الانظمة في أنحاء العالم ، تجد المرأة العاملة فيها وغير العاملة في حالة غليان وسخط وغضب وشعور بعدم المساواة في الأجور والتمثيل السياسي والاحترام وفرص العمل لتتكافأ مع الرجل كي تكون مواطنة تتمتع بنفس الحقوق والمسؤوليات أيضا ... أقول مسؤوليات لأن الإنسان الذي يعيش في ظل قانون عادل يشعر بمسؤولية المشاركة والعطاء في مجتمعٍ يحترم حقوقه ويصونها.
وأريد أن ألقي الضوء على دورنا نحن كمثقفين ومثقفات نتمتع بانتمائنا إلى حضارة عريقة الجذور تمتد في بلادنا الأم امتداد وجود الإنسان بجميع حضاراته وإبداعاته وأيضا بانتمائنا إلى مجتمعٍ جديد يفتح لنا الفرص ويمنحنا القدرة على التطور والتعلم والإنتاج والعيش الكريم والحريات المتعددة ...
فهذا كله يضعنا أمام مسؤولية حقيقية أذكر منها:
١- العمل جنبآ إلى جنب مع النصف الآخر من المجتمع، أي الرجل، لنصعد معآ سلم الحضارة الإنسانية بتوفير وتشريع وتطبيق قوانين جادة ترفع المجتمع الإنساني في جميع فصائله وأطيافه إلى مستوى افضل
٢- علينا أن نستفيد من فرصة بعض التغييرات في الوطن العربي ونحولها إلى منبر جريء نطرح من خلاله المشاكل والحلول ونقدم ما نستطيع من مساهمات ومساعدات، والتي قد تأخذ وقتا طويلا لتغيير المعتقدات القديمة والممارسات الخاطئة لكن الطريق الطويل يبدأ بخطوات ثابتة
٣- على الصعيد المحلي الأميركي، علينا أولآ وثانيآ وثالثآ الإنخراط في العمل العام والحياة السياسية في هذا البلد كي نكون صوتآ عاليآ وصحيآ وإيجابيآ ومسؤولآ مع مجموع الأصوات الآخرى كي نصل إلى مراكز صنع القرار...
٤- أن نفتح أذهاننا وبصيرتنا حين ننشء اجيالا وأبناءً في هذا البلد، وأن نشجعهم على امتطاء النجوم دون تقييد أو ضوابط موروثة تعيق حركتهم...
٥- هذه الكرة الأرضية التي نعيش عليها الْيَوْمَ هي أمانةٌ في أيدينا علينا ان ندافع عن وجودها وسلامتها ونكون فعّالين في عملنا لنحفظ لأولادنا حق الحياة الأفضل عليها.
مركز الحوار العربي في واشنطن