من يتابع الصراع الذي تخوضه الجيوش الالكترونية الجزائرية والمغربية على وسائل التواصل الاجتماعي ضد بعضهما البعض، وما تحتويه من اتهامات بالتخوين والتقسيم والتهريب، تصل أحيانا الى درجة البذاءات، يخرج بإنطباع مفاده ان البلدين يتجهان الى الحرب في أي لحظة، ومخزون الكراهية المتضخم لا يحتاج الا الى عود ثقاب لتفجيره على شكل مواجهات دموية.
لا نعتقد ان هذه الجيوش الالكترونية التي تقف خلفها أجهزة استخبارات تعتقد ان من مصلحتها توتير الأجواء بين البلدين الجارين، تمثل الشعبين المغربي والجزائري اللذين ينتميان الى نفس الديانة، ونفس المذهب، ونفس الطموحات، ويواجهان نفس المشاكل أيضا، فأواصر التقارب، وارث المحبة اكبر بكثير، واعمق من الخلافات.
بالأمس وضع السيد الأخضر الابراهيمي الدبلوماسي والخبير الاممي، واحد ابرز حكماء العصر، وضع اصبعه على الجرح عندما دعا الى فتح الحدود المغلقة بين الشقيقتين الجارين في ندوة في المدرسة العليا للشرطة وسط العاصمة الجزائرية، وتحدث عن التكلفة الاقتصادية العالية بينهما بسبب هذا الاغلاق.
نضم صوتنا في هذه الصحيفة “راي اليوم” التي تكن كل المحبة للبلدين وشعبيهما، الى صوت السيد الابراهيمي في المطالبة، ليس فقط بإعادة فتح الحدود، وانما بالانطلاق نحو بناء تكتل اقتصادي ضخم يضم الدول المغاربية جميعا، يحقق طموحات شعوبها في التعاون والتكافل وحرية التنقل دون أي قيود.
فالدول الأعضاء في الاتحاد المغاربي تملك كل أسباب القوة الاقتصادية من حيث النفط والغاز والثروات المعدنية والزراعية والصناعية والسياحية، ولو جرى توظيف كل هذه الاعمدة الاقتصادية الأساسية لاي بناء تنموي ناجح، فإن هذا الاتحاد سيصبح الأقوى إقليميا وربما عالميا أيضا، وستعم الخيرات والرخاء على كل شعوبه.
ربما يجادل البعض بأن ما نتحدث عنه هنا يصب في خانة التمنيات الانشائية العاطفية، بالنظر الى الخلافات الحدودية بين الدول الأعضاء، وخاصة الدولتين العظميين، أي الجزائر والمغرب، وهذا الجدل صحيح لا يمكن ان ننفيه، ولكن هذه المشاكل، وابرزها النزاع في الصحراء الغربية، يمكن التوصل الى حلول له، واذا تعذرت هذه الحلول، فأن “تجميده” ربما يكون الخيار المؤقت، لمصلحة التركيز على آفاق التعاون، مثلما اقترح السيد الابراهيمي في ندوته.
هناك دول عديدة في افريقيا وأوروبا وامريكا الجنوبية وآسيا تعاني من خلافات حدودية او سياسية، ولكنها نجحت في تجاوزها، او تجميدها، للتماشي مع لغة العصر الدارجة وهي التعاون، ولعل التقارب الاقتصادي الهندي الصيني المتصاعد الذي صب في مصلحة الشعبين، رغم الخلافات الحدودية بينهما هو احد الأمثلة النموذجية في هذا المضمار.
نتمنى على البلدين الشقيقتين، المغرب والجزائر ان يرسلا البعثات المشتركة الى دلهي وبكين لدراسة هذه التجربة، والاستفادة من دروسها، ومن تجارب أوروبية أخرى مماثلة، وتطبيقها، جزئيا او كليا، على ارض الواقع، وبما يحقق التعاون والتقارب، ويخلق ارضية صلبة لمجلس تعاون مغاربي حقيقي وليس صوريا، مثلما هو الحال حاليا.
علينا ان نتخيل المردود الاقتصادي والإنساني الضخم في حال تحقيق هذا الهدف، وفتح الحدود بين الجزائر والمغرب، فمن العيب ان يحتاج المواطن الجزائري او المغربي الذهاب الى باريس جوا ومنها الى الرباط، او الجزائر العاصمة او أي مدن أخرى في البلدين.
الحدود جرى اغلاقها عام 1994 بين الجزائر والمغرب، وهذا يعني 22 عاما من المعاناة لمواطني البلدين، وبسبب نوبة غضب نزقة من قيادتيهما، ولا نريد الخوض في التفاصيل.
نأمل ان تجد صرخة السيد الابراهيمي في فتح الحدود صدى في الرباط والجزائر، وبما يحقق مصالح الشعبين في التكافل والعيش المشترك.
“راي اليوم”