حتى وقت قريب جدّا؛ كان الموريتانيّون يصنَّفون إلى فئتين فقط حسب الناطقين بالعربيّة (الحسّانيّة) هما: البيضان والكُوَار، فكلّ من لغته حسّانيّة فهو بيضاني، بغضّ النظر عن لونه، وما عداه كان يطلق عليه اسم كُوْرِي دون اكتراث الفروق الموجودة بين المكوّنات غير النّاطقة بالحسّانيّة. أتذكّر لمّا كنت صغيرا
كنت أسمع هذا السؤال من البيضان رعاة الإبل (أهل الْكَسِبْ) الذين كانوا يأتون إلى جنوب الموريتاني حينها لفترات متقطّعة ومتباعدة، كانوا يسألوننا دائما ب "كُوْرِي ولاّ بيضان؟" مع أنّ ألواننا تُبيّن هويّتنا إذا كان المعيار باللّون، ولكن المعيار لم يكن باللّون في ذلك الوقت على الأقلّ عند المواطنين البسطاء في البوادي والأرياف، الذين كانوا يعيشون بسلام فيما بينهم، باستثناء بعض الخلافات التي تحدث عادة بين الجيران، وخاصّة تلك التي كانت تحدث بين المزارعين والمنمّين. أتحدّث هنا عن نهاية السبعينيّات وبداية الثمانينيّات القرن الماضي.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو؛ من أين أتى التصنيف الحالي الذي يقسّم الموريتانيين إلى عرب وزنوج وحراطين! بغضّ النظر عن من روّج هذا التصنيف – كي لا أقول تقسيم- الأخير، إلاّ أنّه تصنيف سلبي على المجتمع الموريتاني برمّته، لأنّه يدعو للتجزئة والتفتيت، كما أنّه يكرّس الانقطاع عن الماضي. أغلب الظّنّ أن القومجِيّين من الجانبين هم من روّجوا لهذا التصنيف المقيت الذي لا أساس له، تأثّرا منهم ببعض التيّارات الخارجيّة مثل البعثيّون والناصريّون بالنّسبة للقومجيّين البيضان، والتيّار الزّنوجة بالنّسبة للقومجيّين الكوار، وضربوا عُرض الحائط ما درج الموريتانيّون على تصنيف أنفسهم به. ممّا دعا بعض الثوريّين من شريحة الحراطين إلى البحث عن هويّة أخرى مستقلّة خاصّة بهم، لا تمُتّ بصلة إلى الشرائح الأخرى الموجودة في موريتانيا الآن. كنّا نناقش موضوعا يتعلّق بالشرائح الموريتانيّة؛ في إحدى المجموعات في الموقع التّواصل الاجتماعي المعني بالقضايا الموريتانيّة، قلت أنّ شريحة الحراطين هم كُوَار عرقا، وبيضان ثقافة، وردّ عليّ أحدهم قائلا بأنّ الحراطين ليسوا كُوارا ولا بيضانيّين، وإنّما هم سكّان شمال موريتانيا الأصليّين.
ما أريد قوله هو إنّ هذا التصنيف فيه مغالطة كبيرة، فيما يتعلّق بتسمية السّود الموريتانيّين بالزّنوج من جهة، وعدم إدخال الحراطين في الزُّنُوجة من جهة أخرى. لأنّه إذا كان المقصود من الزُّنُوجة المعنى التّاريخي للكلمة الذي هو ترجمة لكلمة la negritude التي أصلها لاتيني negritudo، فهي كانت تطلق على كافّة ذوي البشرة السوداء دون اعتبار اللغة أو غيرها، وعلى هذا الأساس فإنّ شريحة الحراطين داخلة في الزّنوجة لا محالة. وأمّا إذا كان المقصود بالزّنوجة معناها الأنثروبولوجي، فإنّ السّود الموريتانيين باستثناء ال"وولوف" غير مصنّفين من السلالات الزِّنجيّة. الفلاّن أصلهم غير محسوم من النّاحية التّاريخيّة، إلاّ أنّ تصنيفهم السّلالي محسوم بعدم كونهم زنوجا لأنّهم حاميّون، وكذلك الحال للسوننكيّين الذين هم جزء من ال"ماندنغ" وبالتّالي فهم أيضا لا يصنّفون من سلالات الزّنجيّة. إذن إطلاق اسم الزّنوج على السّود الموريتانيّين (الكُوَارْ) غير عادل من النّاحية الأنثروبولوجيّة، وعدم إدخال الحراطين في التسمية أيضا غير عادل إذا كان المقصود المعنى التاريخي للكلمة. ما الحلّ في هذه الحالة؟ الحلّ يَكمُن في العودة إلى التصنيف السّابق (البيضان والكُوَار) وإن كانت تسمية كوري نفسها أمامها علامة استفهام كبيرة، إلاّ أنّها لا تثير الضغينة مثل الزّنوج. فمنذ أن أصبحنا نصنّف أنفسنا ب عرب وزنوج وحراطين؛ دخلنا في مشاكل كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، فالأسماء في حدّ ذاتها لا إشكال فيها، ولكن خوفا أن يكون وراءها نيّات غير بريئة تريد النّيل من الوحدة الموريتانيّة. من يَدْري!