‎اغلاق السفارات الاوروبية في تركيا هل هو مؤشر لمرحلة من التفجيرات وعدم الاستقرار؟ وطرد السفير الامريكي من انقرة هل بات وشيكا؟ وهل المصالحة مع روسيا والتطبيع الوشيك مع سورية هو المفجر؟

سبت, 2016-09-17 02:35

هناك ازمة متصاعدة في العلاقات التركية الامريكية بلغت ذروتها يوم الاربعاء، عندما استنكر وزير الداخلية التركي سليمان صويلو تصريحات السفير الامريكي لدى انقرة، جون باس، انتقد فيها تعيين 28 رئيس بلدية جديد في عموم البلاد، معتبرا مثل هذا الانتقاد من قبل السفير تجاوزا للحدود، وتصرفا غير مقبول تجاه تركيا وحكومتها وشعبها.
اقالة رؤوساء البلديات، وآلاف من القضاة، والقادة والجنود، واعتقال الصحافيين، باتت من الامور المألوفة في تركيا هذه الايام، حيث تعتمد الحكومة التركية سياسة “تطهير” لمؤسسات الدولة ومفاصلها، بكل من تشك في عدم ولائه، او وجود صلات تربطه بالداعية التركي فتح الله غولن، المقيم في امريكا، والمتهم الاول بالوقوف خلف الانقلاب العسكري الفاشل.
انتقاد السفير الامريكي لحملات “التطهير” هذه يعتبر في نظر السيد صويلو تجاوزا للحدود، وتصرفا ينطوي على الكثير من الغرور، ولكنه لم يصل الى حد طرده من تركيا او مطالبة بلاده بسحبه، واكتفى بالقول انه يجب على الدول الكبرى مثل امريكا عدم تعيين اشخاص صغار كسفراء لها في دول قوية مثل تركيا.
صحيفة “واشنطن بوست” الامريكية سلطت الاضواء في تقرير لها عن هذه الازمة في العلاقات الامريكية التركية، وكشفت ان الرئيس الامريكي باراك اوباما دعا فريقه للامن القومي الى اجتماع طارىء لمناقشة تطورات الاحداث في تركيا، مثلما عقد اجتماعا مماثلا مع مستشاريه للسياسة الخارجية.
ماذا تعني كل هذه المؤشرات؟ هل نستطيع الاستنتاج بأن الدولتين الحليفين تتجهان نحو الصدام في الايام او الاسابيع المقبلة؟
الصدام غير مستبعد، فالولايات المتحدة الامريكية تشعر بالاستياء من التقارب الروسي التركي المتزايد الذي وصل الى درجة التنسيق الكامل في سورية، فتركيا ما زالت عضوا في حلف “الناتو”، ومن المفترض ان تكون اكثر قربا لزعيمة هذا الحلف، اي امريكا، واكثر التزاما بسياساته، والحال لم يعد كذلك.
في المقابل ترى تركيا ان امريكا هي التي اخترقت معايير الصداقة والتحالف عندما وفرت الدعم والحماية للداعية غولن الذي يقيم في بنسلفانيا، وماطلت في تسليمه الى تركيا وحكومتها بتهمة الوقوف خلف الانقلاب الاخير، مضافا الى ذلك ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يشعر بغضب شديد تجاه احتضان امريكا لاعدائه الاكراد، وخاصة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، وقوات سورية الديمقراطية، ذات الاغلبية الكردية.
نشم رائحة “طبخة غربية” محكمة لزعزعة الاستقرار في تركيا، وحكم الرئيس رجب طيب اردوغان، تحت ذرائع متعددة، ابرزها تراجع الحريات، وتراجع الديمقراطية التركية لمصلحة الديكتاتورية، ونظام القبضة الحديدية، وتكميم افواه المعارضين، والزج بهم في السجون والمعتقلات.
فليس صدفة ان تعلن السفارة البريطانية في انقرة اغلاق ابوابها اعتبارا من اليوم الجمعة، وتقلص المانيا خدماتها القنصلية الى الحد الادنى، وتغلق مدارس ومراكز ثقافة وقنصليات تابع لها، في انحاء تركيا، ولا نستغرب اذا لجأت الى الاجراءات نفسها سفارات اوروبية اخرى تحت عنوان “الاسباب الامنية”.
اغلاق السفارة، وتقليص الاعمال القنصلية، يعني ايصال رسالة للعالم بأسره بأن البلد لم يعد آمنا، وانه مقبل على اضطرابات وتفجيرات ارهابية تشكل تهديدا لارواح السياح، ورجال الاعمال الذين يريدون زيارة البلاد.
المصالحة الروسية التركية تبدو خطا احمر بالنسبة الى امريكا واوروبا، وربما يصبح هذا الخط اكثر احمرارا اذا تأكدت التقارير الاخبارية التي تؤكد حوارا سريا متسارعا بين القيادة التركية ونظيرتها السورية في دمشق، فإنتقال تركيا الى المحور السوري الايراني الروسي يشكل طعنه قاتلة لحلف “الناتو” والاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط.
العلاقات التركية الامريكية تتجه نحو الاسوأ، وامكانية الاصلاح تبدو محدودة، ان لم تكن معدومة، وتفعيل الورقة الكردية ضد الحكومة التركية احد الاحتمالات الاقوى، مما يعني المزيد من الاضطرابات والتفجيرات لزعزعة الاستقرار الداخلي.
اغلاق السفارات في انقرة فأل سيء للحكومة التركية، وانذار بموجة من التفجيرات، والعقوبات الاقتصادية والسياسية المباشرة، وغير المباشرة، وتقويض كل الانجازات التي حققها حزب العدالة والتنمية على مدى 13 عاما من حكمه، واعادة البلاد الى الوضع السابق، حيث الانهيار الاقتصادي والديون والتضخم والحرب الاهلية.
“راي اليوم”