يَُنْدُرُ أن يتناجي ثلاثة من الموريتانيين أو أكثر حول الحاضر المُتغير و المستقبل المُحيرِ لهذا البلد إلا أخذ الحديث عن الإستقالة "الإكراهية لا البُطُولِيًةِ" "لنخب الدرجة الأولي" من دورها وأمانتها و رسالتها نَصِيبَ الأسد ذلك أنها تركت حَبْلَ المشهد الفكري و الثقافي و المجتمعى علي الغَارِبِ لصالح نُخَبِ "الدرجة السياحية".
فَمَوْتْ تلك النخب "بالنقاش العمومي" إلي دَرَكَاتِ "الإِخْبار" و "الإِبلاغِ" و "الغًيبَة ِالسياسية" و نَهْشِ الأعراض و الخَلْطِ بين "حُرْمَةِ" الحياة الخاصة و "إِبَاحَةِ" الحياة العامة والتأزيم الساخن الدائم بلا سبب و "الأخبار العاجلة الخاوية" و تضميد الجروح قبل تطهيرها و الإستغراق في االأعراض و الظواهر والإعراض صَفْحًا و عجزا عن استكناهالخلفيات و المآلات...
و قد بلغني أن سائلا سأل أحد أعلام نخب الدرجة الأولي ببلدنا عن سبب تقاعسه عن الاضطلاع بأمانة ترشيد و توجيه الشأن العام من خلال الكتابات و الأحاديث التلفزيونية فأخبره أن الأمر يعود إلي أسباب متعددة فصلها تفصيلا مقنعا استوقف الراويً منها ما بَيّنَهُ المَرْوِيٌ عنه من استفحال ظاهرة "الرأي الغموس".
ويمكن تعريف ظاهرة الرأي الغموس بأنها"إعادة تصنيع و تحويل الرأي العلمي المحايد الناصح و الصادر عن طيب نية و طهارة طَوِيّةٍ وغَيْرََةٍ وطنية إلي رأي مستهزئ ناقد نقدا سلبيا بَاطِنُهُ أَشْنَعُ من ظاهره و ذلك بفعل تحريف المحرفين و إِبْطَالِ المُخبرين فَيَغْمِسُ ُالرأيُ المُحَوًلُ و المُعَادُ تَصْنِيعُهُ صَاحِبَهُ في مُسْتَنْقَعِ غضب جماعة أو جهة أو قبيلة أو سلطة أو فرد ما."
فكم من رأي فكري سطره أحد أعلام الفكر بالبلد شوهته ألسنة و أقلام المحرفين فأثار زوبعة اجتماعية كادت تؤدي إلي فتن قبلية أو عرقية أو طائفية أو مذهبية أو حركية؟ و كم من رأي سياسي ثاقب ناصح أَعْمَلَتْ فيه مَعَاوِلَ و "مَخَابِرَ" الإِسْفَافِ و الإِرْجَافِ حذفا و إضافة و تحويرا مما أدي إلي "مراء سياسي" لا ينقطع؟.
لذلك فإن نخب الدرجة الأوليَ تَنْصَحُ بالصوم عن إبداء الرأي مطلقا إيثارا للسلامة واتقاء للندامة و ذلك ما لم تتحسن حالة الأجواء الوطنية الملبدة منذ عقود أربعة تقريبا بِسُحُبِ الدخان المُلَوِِثِ للأخلاق و السكينة العامة المُنْبَعِثِ ِمن مصانع الغيبة السياسية و الإفك و "الإرهاب الاجتماعي" و "شيطنة أهل الفكر و الرأي" التي تُشغلها -مِلْءَ طَاقاتها- لُوبْيَاتٌ من الجنسين و "ثالثِهما" وَاطِئَةِ التكوين العلمي و الرصيد الأخلاقي!! .
و لقد انعكست استقالة نُخَبِ الدرجة الأولي من المشهد الوطني العام علي جودة المخرجات الفكرية و الثقافية و السياسية فلا يَسْتَغْرِبَنّ ًأحد اليوم أن يقرأ مائة مقال و يتصفح مائة كتاب و يشاهد مائة حوار تلفزيوني و يحضر مائة لقاء "فكري" فلا يصطاد فكرة مُقنعة واحدة و لا عبارة أَخًاذَةً يتيمة و لا مصطلحا جديدا فَرْدًا...!!