تدوينة للكاتب الصحفي: الحسن ولد إحريمو بعنوان / تنظيف نواكشوط.. ما أصعـــب المهمـــة!

خميس, 2016-07-14 18:18

قبل سنوات كان من المفارقات إعلان الحكومة الموريتانية عن إصدار قانون لحظر استخدام الأكياس البلاستيكية المسماة شعبياً "زازو"، وقد شغل ذلك القرار حينها الفضاء العمومي بالسجال والجدال حول هذا "الافتئات"، أو هذا "الإنجاز"، التاريخي العجيب... نعم فالأمر من المفارقات فعلاً، حيث إن بلاداً تزدحم على أجندتها أولويات أخرى كثيرة لا حصر لها، كان يفترض ألا تملك ترف التنطُّع أصلاً لمواجهة تحدي الهم الجمالي الكمالي، أو حتى البيئي، بكل هذا الحماس، والصرامة القانونية، والزخم التعبوي، غير المجدي أيضاً في نهاية التحليل.
والأمر أيضاً غريب لأن الحالة البيئية في نواكشوط بدرجة من التردي لم يعد ينفع معها أي علاج، أو تدبير، غير ترحيل جميع سكان العاصمة إلى موقع آخر جديد على بعد عشرات الكيلومترات من موقعها الحالي! وبدون أن نرحل بهذه الطريقة، كما كان آباؤنا يرحلون، فإن كافة أشكال التلوث البيئي ستظل تتراكم إلى أبد الآبدين... لأن عقليتنا غير الصديقة للبيئة وثقافتنا الرحالة الموروثة، ستبقى على الدوام مصدر تلوث وتلويث لعموم المساحة التي يمتد عليها النسيج الحضري لمدينة نواكشوط.
ومع هذا فلم تكن الأكياس البلاستيكية "زازو" يوماً هي مصدر التلوث الأخطر في العاصمة، ولا في الداخل. بل إن "زازو" في المناطق الريفية خاصة يحل كثيراً من المشكلات اللوجستية بالنسبة للمواطنين، حيث إنه يحفظ لهم تموينهم، دون أن يتعرض للبلل أو الاختلاط بالرمل. أما في العاصمة، فلا يكاد ضرره البيئي يقارن بضرر تراكم القمامة، وانتشار مكبات الأوساخ المكشوفة، وانعدام منظومة صرف صحي فعالة، وأكثر من هذا كله كثرة الحيوانات السائمة، والسائبة، والنافقة، وربما المنافقة.
وعلى ما أذكر أن رحالة دولياً –نسيت اسمه الآن- كان يكتب على مدونته منذ أربع سنوات تقريباً يوميات رحلاته عبر القارات الخمس، وكان خلال تلك الفترة يطوف الدول الإفريقية. وعندما زار نواكشوط خصص لها كثيراً من استكشافات رحلته، ولم يتردد للحظة في ترشيحها لكي تكون "أقبح عاصمة في العالم". وقد أهلتها لذلك رثاثة نسيجها الحضري، وشدة تلوث شوارعها، وانعدام مساحات خضراء أو حدائق عامة فيها... وضعف بنيتها التحتية... ويكفي للدلالة على حجم رثاثة الحالة البيئية في العاصمة كل تلك الهالة والأهمية التي تحظى بها السوق القديمة المعروفة باسم "سوق كبيتال" وهي مكان بدرجة مع الاتساخ والتلوث والتهالك يجعل كل من يمر به جديراً بأن يحجز طبياً أربعين ليلة قبل السماح له بمخالطة الناس... على طريقة حجز "الكارنتينا" الشهير.
والحاصل أن تنظيف العاصمة استعداداً لاستقبال الأشقاء في القمة العربية، جهد يذكر ويشكر، ولكنه يحتاج إلى هبّة شعبية مليونية لجسامة المهمة... وطول زمن إهمالها.. فقد ظل هنالك منذ ثلاثة عقود تلوث يتراكم... وهمّ مقيم على الصدور يتفاقم... والتصدي لهذه المعركة لا ينفع فيه الارتجال والاستعجال، الذي يُتخذ بطريقة استعراضية أوبرالية، موجهاً للاستهلاك المحلي أو الدولي... 
ونريد أن تتصف معركة تنظيف العاصمة حتى بعد القمة بروح الاستدامة، لا أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة في اليوم الموالي للقمة.. وهذا ما أعتقد أنه سيقع للأسف.. فالأرجح أن من ذهب بعد القمة بيوم أو يومين حتى إلى مقر الوزارة الوصية على البيئة سيجد فيها أكوماً من "زازو" المتطاير، والوسخ المتناثر، وصُرراً من "سيليا" في "زازو" -الممنوع قانوناً- يُـزرِّق بها المزرِّقون... وسيجد على الأرجح صرر "زازو" أخرى فيها الشاي الأخضر... وربما ثالثة فيها "تشاف" و"بسكويت سرغلة"... وقد يجد خلف ظهر سكرتيرة الاستقبال كيس "زازو" أسود من نوع "الجزيرة" معلقاً وقد أحضرت فيه ملحفة التغيير عند الاقتضاء... وبعد ذلك إن شاء زائر الوزارة رؤية المزيد من شواهد الامتحان فما عليه إلا أن يذهب إلى خلف حائط الوزارة مباشرة، ولينظر إن كان رجلاً أو ابن رجل، فقد تستقبله أرهاط من الكلاب الكاسرة بنباح يخلع من بعيد قلوب الرجال الصناديد. ثم ليضع طرف كمه على أنفه، وينظر ليرى مشاهد أخرى يصير لها عقل الحليم حيران، حيث سيجد ماعزاً نافقة، وحميراً سائمة، وهوام نائمة... وجيفاً عائمة... من كافة الأشكال والألوان... الله المستعان