من الموريتانيين قومٌ حُوًلٌ قُلًبٌ تَحُوًلَ و تَقُلًبَ مناخ نواكشوط الذي يراوح بين الحر العنيف و البرد اللطيف علي مدار الساعة يُصْبِحُ ساخنا و يَقِيلُ باردا. فمن هؤلاء من عَهْدُكَ به منعدم الزاد العلمي فإذا به من دون فترة نقاهة و لا وقفة "مراجعة" و لا فاصل إعادة تأهيل واعظا جَهُورًا و مُحَدِثا وقورا.
و منهم طائفة أخري كان الناسُ يَتَحسّرون علي فَقدهم الأمل في فُرَصِ العمل حين سَلّموا أنفسهم لليأس و القنوط فأسندوا ظهورهم لجذوع شجر الساحات العمومية القليلة و الصغيرة الباقية بنواكشوط -بعد عَبَثِ أَرَضَةِ القطع الأرضية من الموظفين و "فرسان السندات العقارية"- وهم يلعبون طول النهار و زُلَفا من الليل لُعْبَةَ "العيدان و البَعْرِ"!!.
و بين غمضة عين و انتباهتها إذا بهم يركبون آخر صَيحاتِ موضات السيارت الرباعية الفارهة و يملكون من حُمُرِ النعم الآلاف و يُنَافِسُوَنَ علي رئاسة قبائلهم و الكل يَرْقُبُ بين حَامِدٍ و حَاسِدٍ و غَابِطٍ و ليس منهم مستغربٌ و لا متأففٌ و لا مستنكرٌ فالنقود عند بقية العالم بلا رائحة و عندنا في موريتانيا رائحتُها دوما نقيةٌ زكيةٌ!!
لكن الأكثر إثارة هم جماعة أخري غادروا قاعات الدرس الإعدادي مُطَأْطِئِي رُؤُوسِهم وبعد فترة من التيه دَلَفُوا إلي الأسواق بَيْعا و شراء و وساطة تارة يربحون و كثيرا ما يخسرون تحولوا بضربة عصا سحرية إلي نجوم رُفُوفِالمكتبات العلمية و المقالات الفكريةّ و الحوارات التلفزيونية و الندوات الثقافية وُجوهُهُمْ من فولاذ مُخَصًبٍ لا يعرف الحياءُ إلي قلوبهم طريقابِضَاعَتُهم العلمية مُزْجَاةٌ يجادلون فيما ليس لهم به علمٌ و هم "المُثَقًوُنَ الجُدُدُ"!!
و يمكن تصنيف ما هو متواجد بالمشهد السياسي و الإعلامي و الثقافي من المثقفين الجدد إلي عدة فئات أذكر منها مثلا لا حصرا:-
أولا:فئة المفكرين و المؤلفين: و هم جماعة تُفاجئ الرأي العام بين الفينة و الأخري ببعض المُؤلفات و الكتب تُعجبك "أجسامُ"تلك الكتب حَبْكًا و غلِافا و وَرَقا و السائل عن مضمونها حاسدٌ حاقدٌ مُكْثِرٌ!! تملأُ أسماء جماعة المفكرين هؤلاء رُفوفَجناح الكُتًابِ الموريتانيين في المكتبات التجارية بالوطن و بالخارج لا يُعرف عنهم اهتمامٌ سابق بتحصيل العلوم و لا تعليمها يشاع أنهم يستأجرون بعض الأدمغة و الأقلام فيكتبون لهم كُتُبا حول بعض المواضيع المستجدة سعيا منهم إلي الانتساب لدوحة المفكرين و المؤلفين.
ثانيا: طائفة كُتابِ المقالات و رواد السجالاتالكتابية: وهؤلاء جماعة يَعْمُرُون كل الجرائد و المواقع الألكترونية بالمقالات و السجالات الكتابية حول كل المواضيع دَيْدَنُهم مدحُ جماعة أو فرد أو الدفاع عنهما، إذا دُعوا إلي حوار مباشر امتنعوا و أحْجَمُوا و ألقوا المعاذير تَقْرَأُ لهم كثيرا و لا تسمع منهم مطلقا.
يَستغرِب الناس من مواهبهم الخفية و "الغير مباشرة" و من الناس من يجزم بأنهم أُمٍيُونَ أو أشباه أميين يؤجرون أقلاما تفكر و تكتب لهم .و من أماراتهم أنهم دائما يَصْحَبُونَ كتابا معهم يحفظون عنوانه و اسم مؤلفه و لا يفقهون شيئا عن مضمونه، إن سألتهم عنه أجابوك بأنهم اقتنوه للتو ولو أنهم تَأَبًطُوهُ و تَأَنًقُوا به منذ أشهر!!
ثالثا: جماعة نُجومِ الفضائيات و الندوات والملتقيات و الجَلَسَاتِ : و من أبرز صفاتهم غلاءُ و أناقةُ الملبس مُتمثلين قول الإنجليز أن "حُسْنَالملبس مفتاحٌ لكل باب"Good clothes open all doors لا يخلو منهم مَحفل و لا مُلتقي و لا مَجلس إذا رأيتهم حسبتهم دكاترة مُبَرزِين، مُتنطِعُون لم يَدْرُسُوا قط علما أفكارهم مهلهلةٌ: فكرةٌ شرقيةٌ و أخري غربيةٌ و يعرفون من كل فن نِتَفًا أغلبُهم لا يتقنون مهارات القراءة و لا الكتابة