قبل أيام أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تقريره بشأن قضية الصحراء الغربية، وكان لافتا أن الأمين العام الأممي شدد على أهمية الدورين الجزائري والموريتاني في إيجاد حل لهذا الصراع المستمر منذ عدة عقود، ورغم الإشارات الخجولة لضرورة احترام حقوق الإنسان في الأقاليم الصحراوية وفي المخيمات بتندوف أيضا، إلا أن تداعيات الخلاف الأخير مع المغرب كانت حاضرة في ثنايا تقرير بان كي مون، فالرجل يبدو أنه لم يغفر للمغرب ما اعتبره تجاوزات طالت شخصه ومنصبه خلال مظاهرات شهدتها الرباط قبل أسابيع، ومع ذلك يبدو كما لو أن الأمين العام الذي يستعد للانصراف يريد أن تشهد ولايته حلحلة لصراع ظل الطابع الستاتيكي الثابت هو سمته الأبرز..
تقرير كي مون يأتي وسط جدل وحراك نشط يشهده موضوع الصحراء الغربية، حراك ولدته زيارة الأخير للمنطقة والتي أثارت حفيظة المغرب الشعبي والرسمي خصوصا بعد إعلانه التضامن الشخصي مع الصحراويين، وهو أمر رأت فيه الرباط انحيازا واضحا من مسؤول أممي يتوخى منه الحياد والوقوف على مسافة واحدة من كافة الأطراف وردت عليه بإجراءات حاسمة وعبرت عن غضبها على أعلى المستويات…
الحراك الحالي في قضية الصحراء يعيد إلى الأذهان أهمية تجاوز حالة الجمود والأفكار الثابته بشأن الحل والتي أصبحت تعرف ما يشبه جدلا بيزنطيا، فالمغاربة يصرون على الحكم الذاتي بوصفه الخلطة السحرية للحل، بينما لا يرى الصحراويون طريقا سوى استفتاء تقرير المصير المفضي إلى الاستقلال، وبين هذا وذاك تصر الجزائر، في موقف غير مقنع إطلاقا، أن علاقتها بالقضية هي علاقة دعم فقط، بينما الواقع يقول أكثر من ذلك بكثير، ووسط هذه اللخبطة، لا يزيد الموقف الموريتاني الأمور إلا تعقيدا عبر الإصرار على حياد لا معنى له في قضية مهما فعل الموريتانيون فإنهم سيبقون معنيون بها حاضرا ومستقبلا..
التهديد المتبادل بين تندوف والرباط بإعادة إشعال الأوضاع واللجوء لصوت السلاح من جديد، لايعدو كونه فرقعات للاستهلاك المحلي وربما لكسب نقاط على طاولة التفاوض، فالطرفان لا يملكان رفاهية الدخول في مغامرات عسكرية، والأطراف الإقليمية والدولية لن تسمح بزج المنطقة في أتون حرب جديدة، لن تلد إلا مزيدا من القلاقل، وستفتح الأبواب مشرعة أمام الجماعات الإرهابية لتصنع موطىء قدم جديد ..
بقدرما تقول النظريات الأخلاقية والسياسية، في طبعتها المثالية جدا، أن موضوع الصحراء الغربية هو قضية تحرر وطني بالنسبة للصحراوويين، إلا أن لغة الواقع وهي الأصدق إنباء تخبرنا أن الحرب الباردة بين عملاقي المنطقة الجزائر والمغرب تغذي هذا الصراع وتنفخ فيه، وأن أي حل واقعي لا يمكن إطلاقا أن يرى النور مالم تدرك الرباط والجزائر أن عهد الزعامات الإقليمية المتفردة قد ولى، وأننا أمام عصر جديد يفرض التكتل وتناسي الخلافات والبحث عما يجمع لا ما يفرق، وهو أمر لا يبدو في الأفق أنه في وارد الحصول، فكلا النظامين المغربي والجزائري بنى عقيدته السياسية على ما يشبه العداء للطرف الآخر، وهو أمر بدأ، للأسف، يتسلل للإنسان العادي وللأدبيات الشعبية مما ينذر باستمرارية حالة الجفاء بكل ما يعنيه ذلك من ديمومة نزاع الصحراء الغربية مفتوحا كجرح نازف..
وبالإضافة إلى أهمية وصول الرباط والجزائر إلى قناعة كاملة بضرورة إيجاد حل لقضية الصحراء، فإن نواكشوط مطالبة هي الأخرى بالخروج في التعامل مع هذا الملف من حالة “السلبية” و “انعدام الوزن” عبر طرح مبادرات جريئة وجادة والاستفادة من الدبلوماسية الشعبية والتمازج الثقافي بين الموريتانيين والصحراويين، في فرض وجهة نظر مقبولة ومنصفة تنهي حالة “الاستاس كو” التي تعيشها المنطقة منذ أربعة قرون…
محمد سعدن ولد الطالب كاتب عربي مقيم في موسكو
[email protected]