
إلى متى سيستمر تطبيق وقف إطلاق النار بشكل متقطع في غزة قبل أن تعود إسرائيل إلى الحرب الشاملة ؟.
سؤال يطرح تقريبا في كل أنحاء العالم بعد المشروع الأمريكي الذي قدمه الرئيس الأمريكي ترامب وعقدت يوم الاثنين 13 أكتوبر 2025 بشأنه قمة في شرم الشيخ المصرية بمشاركة أكثر من 20 زعيم ورئيس دولة وعدد آخر من المسؤولين الدوليين.
يوم الاثنين 13 أكتوبر 2025 وخلال ما وصف إعلاميا خاصة في شبكات الإعلام التي يتحكم فيها المحافظون الجدد، بقمة السلام لإنهاء الحرب في غزة، وقع الرؤساء الأمريكي دونالد ترامب والمصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على وثيقة بشأن الاتفاق بين إسرائيل وحماس.
يختلف السياسيون بشأن خطة ترامب حول غزة البعض يرى أنها تتضمن كل ما تريده إسرائيل ولم تتمكن من إنجازه خلال حرب إبادة استمرت 24 شهرا، وآخرون يقدرون أنها تحمل في طياتها بعد ما تريده المقاومة الفلسطينية، وما بين هذين الرأيين المتضاربين، تصاغ متاهة من المواقف والتصريحات المتناقضة خاصة أمريكيا، بينما يريد ساسة الكيان الصهيوني ويصرون على تصفية الوجود الفلسطيني في غزة والقضاء على المقاومة الفلسطينية، ويسقط الكثيرون حتى عربيا في فخ التصنيف الغربي لحماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية كتنظيمات مسلحة لا تتمتع بالصفة الشرعية المضمونة في ميثاق الأمم المتحدة كحركة شعب في مقاومته للاحتلال.
ملحمة طوفان الأقصى التي انطلقت في 7 أكتوبر 2023، مرتبطة ومتكاملة عمليا مع المواجهة الأوسع على الصعيد العالمي بين أنصار النظام العالمي القديم القائم على أحادية القطب، وبين الساعين لنظام عالمي جديد قائم على تعددية الأقطاب ونهاية مرحلة التحكم الأمريكية في مصائر الدول.
ترامب وطاقمه السياسي اليميني التوجه ومن معهم من قوى المركب الصناعي العسكري يواجهون تحديات توصف بالمصيرية، فالبيت الأبيض وليس فقط في عهدة ترامب يريد تركيز جهوده سياسيا واقتصاديا وعسكريا على مواجهة الصين ومنعها من أن تحل مكان الولايات المتحدة منفردة أو عبر تحالفها مع روسيا كالقطب العالمي الأكثر قوة، ولكن المشكلة بالنسبة للمحافظين الجدد أن مقومات القوة التي يمكن أن تمكنهم من تحقيق هذا الهدف لم تعد تقريبا موجودة، وهذا ما يفسر مخاطرة السير على حافة الهاوية من جانب جزء كبير من القوى الغربية كبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة.
الوضع المتفجر في الشرق الأوسط الذي صنعته ملحمة طوفان الأقصى والذي تصور ساسة البيت الأبيض أنه يمكن تأجيل وقوعه باتفاقيات التطبيع والدمج في نسيج المنطقة العربية، نسف أو أجل مشاريع نقل الثقل الغربي الأمريكي أساسا نحو آسيا، وأجبر مع الحرب في وسط شرق أوروبا على الساحة الأوكرانية وقدرة طهران على امتلاك السلاح النووي واشنطن على التركيز على ساحات مختلفة. ومخطط ترامب لشهر أكتوبر 2025 بشأن غزة يمكن اعتباره محاولة لكسب الوقت وربما البحث عن معادلات تحالفات مختلفة مما يتيح إعادة التركيز على مواجهة الصين.
في الربع الأخير من سنة 2025، وبعد تعثر جهود الناتو لعكس مسار الحرب على الساحة الأوكرانية، واضطراب المشهد السياسي في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وبروز مخاطر أزمة اقتصادية غربية تفوق تلك التي سجلت سنة 2008، وتفاقم مشاكل إسرائيل الاقتصادية والهجرة المعاكسة بسبب حرب غزة، وتسارع العد العكسي لنهاية احتكار إسرائيل للسلاح النووي في الشرق الأوسط، والفشل في إجبار صنعاء على وقف حصارها لإسرائيل وتمكن حزب الله اللبناني من استعادة توازنه تدريجيا، وتعثر جهود واشنطن لنزع سلاحه رغم النجاح المرحلي في سوريا. كل هذه المعطيات تصنع متاهات خطرة للجميع ولكن في نفس الوقت فرصة تحقيق مكاسب.
حماس اختارت إنهاء ورقة التفاوض على ما بقي من الأسرى الإسرائيليين بعد أن أصبحت عملية رعايتهم وتأمينهم غير ذات مردودية مناسبة خاصة وأن هؤلاء كانوا يشكلون في ظل عمليات التوغل العسكرية الإسرائيلية في القطاع تجميدا لقدرة ما يناهز 500 من مقاتليها على المشاركة في المواجهات، زد على ذلك أن الحركة الداخلية في الكيان الصهيوني التي تضغط على حكومة نتنياهو من أجل عقد صفقة مع حماس بدأت تفقد زخمها.
إن القراءة المتأنية لمضمون خطة ترامب تكشف أنها أقرب إلىهدنة تقنية منها إلى تسوية سياسية شاملة. فالبند المتعلّق بـتبادلالأسرى يبدو الشق الوحيد الواضح والقابل للتنفيذ فعلا، فيماتبقى البنود الأخرى (مثل نزع سلاح المقاومة، وإنهاء وجود حركةحماس والفصائل الأخرى، وإدارة القطاع عبر لجنة دوليةوتكنوقراط محلّيين) بنوداً إشكالية يصعب تطبيقها عملياً، كما أنهامرفوضة فلسطينيا، على الأقل بصيغتها الحالية كما وردت فيخطة ترامب. انهاء قضية الأسرى تحرم تل أبيب من أحد الأعذارالتي تقدمها لمواصلة الحرب التي انهكت الجيش الإسرائيليوكبدته خسائر أضعاف ما اعترف به.
القمة الروسية الأمريكية التي يجري الحديث عن عقدها في بودابست قبل نهاية سنة 2025، كمحاولة لوقف حرب روسيا والناتو في وسط شرق أوروبا وإعطاء الرئيس ترامب فرصة للإعلان عن نجاحه في إنهاء حرب أخرى، هي جزء من مناورة أكبر تستهدف كسر التحالف الصيني الروسي بأساليب مختلفة، ومقايضة مع موسكو على تسويات في الشرق الأوسط وتجاه إيران التي يتعزز تحالفها مع القوى المتنافسة مع الغرب.
تقلبات
يوم الأربعاء 15 أكتوبر نفى ترامب وجود حاجة إلى مشاركة الجيش الأمريكي في نزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس.
وأكد ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي أن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل في هذا المسعى.
وأضاف أن الولايات المتحدة تريد من حماس التخلي عن السلاح في إطار اتفاق غزة.
ويوم الأربعاء كذلك قال الرئيس ترامب لشبكة (سي.إن.إن) إنه سيدرس السماح للقوات الإسرائيلية باستئناف القتال في قطاع غزة إذا لم تلتزم الحركة باتفاق وقف إطلاق النار.
وأضاف ترامب لسي.إن.إن في اتصال هاتفي مقتضب عندما سئل عما سيحدث إذا رفضت حماس نزع سلاحها “ستعود إسرائيل إلى تلك الشوارع بمجرد كلمة مني. إذا كان بوسع إسرائيل الدخول إلى غزة والقضاء عليهم، فسيفعلون ذلك”.
يوم الخميس 16 أكتوبر قال الرئيس الأمريكي في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي إنه إذا استمرت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في قتل الناس في غزة “فلن يكون أمامنا خيار سوى الذهاب إلى هناك وقتلهم”.
وأضاف إن جثثا أخرى لأسرى إسرائيليين كانت تحتجزهم حماس أعيدت إلى إسرائيل، لكنه حذر من أن تحركا بدعم من الولايات المتحدة ربما يكون ضروريا إذا لم تلتزم الحركة باتفاق وقف إطلاق النار.
في تناغم مع التصريحات الصادرة من واشنطن قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الخميس إن إسرائيل ستحقق جميع الأهداف التي سعت لتحقيقها من الحرب على غزة.
وأضاف خلال مراسم رسمية لإحياء ذكرى الجنود الذين سقطوا خلال المواجهات التي استمرت عامين مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) أن أعداء إسرائيل أدركوا أن كل من يرفع يده ضدها سيدفع ثمنا باهظا.
يوم السبت 18 أكتوبر 2025 أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها أبلغت الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بوجود "تقارير موثوقة" دون الكشف عن مصدرها تشير إلى انتهاك وشيك من قبل حماس لاتفاق سلام غزة.
وقالت الخارجية الأمريكية في بيان إن "الهجوم المخطط له ضد المدنيين في غزة يشكل انتهاكا مباشرا وخطيرا لاتفاق وقف إطلاق النار، ويقوض التقدم الكبير الذي تحقق من خلال جهود الوساطة". وأضافت الخارجية الأمريكية أن "الدول الضامنة لاتفاق غزة تطالب حماس بالوفاء بالتزاماتها بموجب بنود وقف إطلاق النار"، موضحة أنه "إذا مضت حماس في الهجوم فسيتم اتخاذ إجراءات لحماية من سمتهم سكان غزة والحفاظ على وقف إطلاق النار".
وأكدت أن "الولايات المتحدة والجهات الضامنة الأخرى تظل ثابتة في التزامها بضمان سلامة المدنيين والحفاظ على الهدوء على الأرض وتعزيز السلام والازدهار لشعب غزة والمنطقة ككل".
ولم يقدم البيان أي تفاصيل عن "التقارير الموثوقة" التي استشهدت بها وزارة الخارجية الأمريكية.
يذكر أن حماس، قد أكدت في بيان يوم السبت، أن قرار نتنياهو بمنع فتح معبر رفح حتى إشعار آخر يعد خرقا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار وتنكرا للالتزامات التي تعهد بها أمام الوسطاء والجهات الضامنة.
وأفادت بأن "استمرار الاحتلال في ارتكاب التجاوزات والاعتداءات والتي بلغت حتى الآن أكثر من 47 خرقا موثقا خلفت 38 قتيلا و143 مصابا، يثبت مجددا نواياه العدوانية ومواصلة سياسة الحصار بحق أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة".
وطالبت حماس الوسطاء والجهات الضامنة للاتفاق بالتحرك العاجل للضغط على الاحتلال لفتح معبر رفح فورا، وإلزامه بكافة بنود الاتفاق، ووقف جرائمه المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
أيلم حاسمة
كشف مسؤول أمريكي لموقع «أكسيوس» يوم الاحد 19 أكتوبر أن الولايات المتحدة حثت إسرائيل على «الرد بشكل متناسب على مقتل جنودها في رفح جنوب قطاع غزة ولكن مع إظهار ضبط النفس».
ونقل الموقع عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين قولهم إن إسرائيل أبلغت إدارة الرئيس، دونالد ترامب، مسبقاً، بالغارات التي شنتها على رفح، ردا على مقتل جندييها، من خلال مركز القيادة الأمريكي الذي يشرف على وقف إطلاق النار.
وذكر أحد المسؤولين الأمريكييين، لـ«أكسيوس»: «كنا نعلم أن هذا كان يزداد توتراً. وكلما طالت فترة السماح لهؤلاء الناس بمهاجمة بعضهم البعض، زادت هجماتهم المتبادلة»، مؤكدا أن «لا أحد يريد العودة إلى الحرب الشاملة. الإسرائيليون يريدون أن يظهروا لحماس أن هناك عواقب، دون تدمير اتفاق السلام».
وكشف المسؤول أن مبعوث الرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، وصهره جاريد كوشنر، أجريا مكالمة مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، ومسؤولين آخرين لتنسيق ومناقشة الخطوات التالية، معتبرا أن «الأيام الـ 30 المقبلة ستكون حاسمة». وقال: «نحن الآن المسؤولون عن ما يحدث في غزة فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاق. نحن من سيقرر».
وتابع «أكسيوس» نقلا عن أحد المسؤولين الأمريكيين أن «الاشتباكات يوم الأحد هي بالضبط نوع الحوادث التي كانوا قلقين منها ويتوقعونها خلال فترة الانتقال الحالية»، مضيفا أن «الوضع لا يزال هشا للغاية. حماس، أو ما تبقى منها، كانت تعتقد أن الأمور ستعود إلى طبيعتها. والإسرائيليون كانوا يظنون الشيء نفسه. لذا يجب علينا ألا نسمح لهم بالفشل. دول الخليج تشعر بنفس الشيء».
استئناف الحرب
يوم الأحد 19 أكتوبر 2025 شنت إسرائيل 20 غارة جوية على مناطق مختلفة من قطاع غزة وهو ما اعتبر نهاية لبرنامج ترامب للتسوية، غير أنه بعد ساعات قال الجيش الإسرائيلي إنه سيعاود تطبيق وقف إطلاق النار. وجاء في بيان له أنه بناء على توجيهات المستوى السياسي وبعد شن سلسلة غارات بدأ الجيش إعادة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار بعد أن تم خرقه من قبل "حماس". وردت الحركة بأنها ملتزمة وقف إطلاق النار وأنها ليست على علم بوقوع اشتباكات في رفح.
من جانبه صرح الرئيس ترامب الأحد إن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس" ما زال قائماً، وذلك بعدما شنت إسرائيل عشرات الغارات على أهداف لـ "حماس متهمة" إياها بمهاجمة قواتها.
وذكر ترمب لصحافيين في الطائرة الرئاسية عندما سئل عما إذا كان وقف إطلاق النار ما زال قائماً "نعم إنه كذلك" مشيراً إلى أن قيادة "حماس" لم تكن متورطة في أي خروق وألقى باللوم على "بعض المتمردين داخل الحركة". وأضاف "لكن على أي حال، سيتم التعامل مع الأمر كما يجب. سيتم التعامل معه بحزم، لكن كما يجب".
وفي وقت سابق، أكد مسؤولون إسرائيليون أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ضغطت على إسرائيل من أجل دفعها إلى التراجع عن قرار إغلاق معابر قطاع غزة، بحسب موقع "أكسيوس". وقالوا إنه بموجب ذلك سيتم إعادة فتح المعابر واستئناف دخول المساعدات إلى قطاع غزة صباح الإثنين بالتوقيت المحلي.
وأفاد الدفاع المدني في غزة إن الغارات الإسرائيلية أوقعت 45 شهيدا، فيما تحدث الجيش الإسرائيلي عن مقتل اثنين من جنوده في مواجهات في رفح، في جنوب القطاع.
وأظهرت مشاهد لوكالة الصحافة الفرنسية فلسطينيين يهربون بحثاً عن ملجأ أثناء القصف الإسرائيلي، فيما كانت سحابة دخان تنبعث من مبان دمرتها الغارة. ونقل القتلى والجرحى إلى مستشفى دير البلح (وسط). جاء هذا التصعيد فيما يتوقع أن يصل إلى المنطقة الأسبوع المقبل الموفد الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف لمتابعة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار. ودخل وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر.
سلاح حماس
يوم الأحد 19 أكتوبر 2025 أكد الرئيس الأمريكي بشأن الخطط المستقبلية للتعامل مع "حماس"، أنه "ليس هناك جدول زمني" لنزع سلاح الحركة، ولا خط صارم، مشيرا إلى أن الأمر يعتمد على كيفية تطور الأوضاع.
وأضاف ترامب في معرض حديثه عن التعقيدات التي تحيط بالصراع: "لقد عاشوا هناك لفترة طويلة. إنهم عنيفون للغاية".
كما علق على القدرة التجديدية للحركة بالقول: "يمكن لإسرائيل أن تقول لقد قتلنا 50 ألفا وبالتالي ستقول إنها مجموعة كاملة من البشر. وهذا صحيح. لكنهم يعوضونهم بأشخاص آخرين شباب".
الجدير ذكره، أن حصيلة ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة ارتفعت إلى 68159 شهيدا و170203 مصابين منذ السابع من أكتوبر 2023 أغلبهم من الاطفال والنساء والشيوخ، وسط الغارات الإسرائيلية الجديدة، حسبما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية يوم الأحد.
تكتيك متكرر
في تقرير نشر على الشبكة العنكبوتية صرح الخبير العسكري العميد حسن جوني إن التصعيد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة يأتي ضمن إستراتيجية معدة مسبقا في غرف عمليات جيش الاحتلال، مشيرا إلى أن هذا التصعيد "كان فعلا أكثر منه رد فعل" على ما حدث شرقي رفح جنوبا. وأوضح جوني -خلال تحليله المشهد العسكري في غزة- أن العقل الأمني الإسرائيلي كما حدث في جنوب لبنان "لا يقبل الالتزام التام بوقف إطلاق النار"، معتبرا أن جيش الاحتلال يستغل أي حدث أمني كذريعة لتنفيذ خططه العسكرية المعدة مسبقا واستهداف بنك أهداف واسع. وأشار إلى الخطاب الرسمي الإسرائيلي، الذي يصف القصف بأنه "إزالة تهديدات وبنى تحتية"، يعكس السردية والعقيدة الأمنية التي تستخدمها إسرائيل في لبنان والجبهات الأخرى، إذ توظف الأحداث الأمنية لتبرير العمليات العسكرية. وأعرب عن قناعته بأن هذا النهج يجعل من الصعب التنبؤ باستقرار وقف إطلاق النار في القطاع، ما لم يتم وضع آليات ضمان دولية فعالة.
اختبار
جاء في تقرير نشر في العاصمة اللبنانية بيروت يوم الاثنين 20 أكتوبر 2025:
تستخدم إسرائيل الغطاء الأمريكي لتبرير تصعيد معد مسبق في غزة، مستغلة وقف الحرب لتحديث أهدافها وفرض معادلات جديدة ترسخ "السيناريو اللبناني".
استغل جيش الاحتلال وقوع «حدث أمني» في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، لفتح بوابة النار مجددا على القطاع. وتباينت الروايات التي نقلها المراسلون العسكريون بشكل كبير، إذ زعم الإعلام العبري في البداية أن قوة من «كتائب القسام» كانت في طريقها لتنفيذ إغارة على مخبأ العميل ياسر أبو شباب في رفح، ففوجئت بقوة عسكرية إسرائيلية، وقامت بإطلاق صاروخ مضاد للدروع أو تفجير عبوة ناسفة بآلية عسكرية ثم الاشتباك مع الجنود الإسرائيليين، ما أدى إلى مقتل جنديين وإصابة ثلاثة آخرين بجروح متفاوتة.
غير أن تلك الرواية فندتها «كتائب القسام» في تصريح صحافي، أكدت فيه أنه لا علم لها أو علاقة بـ«الحدث الأمني» الذي أعلنه العدو. وقالت «القسام»: «نؤكد على التزامنا الكامل بتنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه، وفي مقدمته وقف إطلاق النار في جميع مناطق قطاع غزة، ولا علم لنا بأي أحداث أو اشتباكات تجري في منطقة رفح، حيث إن هذه المناطق حمراء، تقع تحت سيطرة الاحتلال، والاتصال مقطوع بما تبقّى من مجموعات لنا هناك، منذ عودة الحرب في مارس من العام الجاري».
في المقابل، دعا كل من وزير «الأمن القومي» إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إلى العودة المكثفة إلى الحرب حتى تحقيق أهدافها المتمثلة في القضاء على حركة «حماس» وتهجير الفلسطينيين من القطاع، وضمان أن لا تشكل غزة أي تهديد أمني على إسرائيل. وبينما كانت الطائرات الحربية تشن غارات على أهداف متفرقة، أعلن مكتب رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، إغلاق كلّ معابر القطاع في وجه المساعدات الإنسانية حتى إشعار آخر.
وتحمل التطورات التي شهدها القطاع، جملة مؤشرات تدلل على ما سيحكم المشهد في المرحلة المقبلة * يجتهد جيش الاحتلال في تحديث بنك أهدافه، مستغلاً حالة التراخي الأمني التي رافقت الإعلان عن وقف الحرب.
* يريد رئيس وزراء الاحتلال البعث بعدة رسائل: الأولى، إلى الداخل الإسرائيلي، لتوضيح ماهية الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في شرم الشيخ، بوصفه يمنح إسرائيل فرصة دائمة لاستخدام النار كلّما سنحت الفرصة، ويعيد إنتاج «السيناريو اللبناني» في قطاع غزة على نحوٍ أكثر سوءاً. أما الثانية، فإلى حركة «حماس»، ومفادها أنها تجاوزت الخط الأحمر المسموح لها به في إعادة السيطرة على القطاع وبناء وقائع ميدانية تحفظ وجودها في المرحلة المقبلة.
* حاول جيش الاحتلال من خلال هذه الجولة، طمأنة مجموعات العملاء التي تعرضت لضربة معنوية عقب القضاء على بعض الحالات المسلحة التي مثلت تحدياً أمنيا لـ«حماس» في غضون أيام، خصوصا عقب تنفيذ المقاومة عمليات قنص طاولت العملاء في مناطق سيطرة جيش الاحتلال.
* مثّلت جولة التصعيد اختباراً لدور الوسطاء وحدود المساحة المسموح بها أميركياً، إذ عاد جيش الاحتلال إلى الالتزام بوقف إطلاق النار مساء اليوم نفسه، فيما لم يستطع مكتب نتنياهو فرض إغلاق المعابر في وجه المساعدات الإنسانية، ما تسبب بسخط بن غفير الذي وصف الأمر بـ«المخزي».
الحفاظ على السيطرة الأمنية
نقلت وكالة رويترز عن القيادي الكبير في حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) محمد نزال قوله إن الحركة تعتزم الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية في غزة خلال فترة انتقالية، مضيفا أنه لا يستطيع الجزم بنزع سلاح الحركة وهي مواقف تعكس الصعوبات التي تواجه الخطط الأمريكية للتأكد من نهاية الحرب.
وذكر نزال، عضو المكتب السياسي في حماس، أن الحركة مستعدة لوقف إطلاق نار يصل إلى خمس سنوات من أجل إعادة إعمار قطاع غزة المدمر، مع تقديم ضمانات لما سيحدث بعد ذلك ومنح “الأفق والأمل للشعب الفلسطيني” لإقامة دولة مستقلة.
وفي مقابلة مع رويترز من الدوحة، حيث يقيم قادة حماس السياسيون منذ فترة طويلة، دافع نزال عن الإجراءات التي تنفذها الحركة في غزة، ومنها تنفيذ عمليات إعدام علنية يوم الاثنين.
وقال “دائما هناك إجراءات استثنائية في ظروف الحرب، هؤلاء الذين تم اعتقالهم ثم إعدامهم تم إعدامهم بناء على حيثيات وعلى تحقيقات”.
وقال إن الذين جرى إعدامهم مجرمون ضالعون في جرائم قتل.
وسبق لحماس أن عبرت عن هذه الآراء على نطاق واسع، لكن توقيت تصريحات نزال يعكس العقبات الرئيسية التي تعوق الجهود المبذولة لإرساء نهاية كاملة للحرب في غزة، وذلك بعد أيام من الاتفاق على المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.
وتشير هذه التصريحات إلى وجود فجوات كبيرة بين مواقف حماس وخطة الرئيس الأمريكي لغزة، قبل المفاوضات المتوقعة التي ستتناول سلاح حماس وكيفية إدارة القطاع.
وعند سؤاله عما إذا كانت حماس ستتخلى عن أسلحتها، قال نزال في التصريحات التي أدلى بها يوم الأربعاء “لا أستطيع الإجابة بنعم أو لا،
بصراحة، هذا يتوقف على طبيعة المشروع، مشروع نزع السلاح الذي تتكلم عنه، ماذا يعني به؟ لمن سيسلم السلاح؟ لماذا يسلم السلاح؟”.
وأضاف أن القضايا التي ستناقش في المرحلة التالية من المفاوضات، بما في ذلك السلاح، لا تخص حماس وحدها بل تشمل فصائل فلسطينية مسلحة أخرى، وستتطلب موقفا أوسع من الفلسطينيين.
وردا على طلب من رويترز للتعليق على تصريحات نزال، أشار البيت الأبيض إلى تعليقات أدلى بها ترامب يوم الخميس.
وكان ترامب قد قال “لدينا التزام منهم وأعتقد أنهم سيوفون بالتزامهم”، مشيرا إلى أن حماس أعادت جثثا أخرى دون التطرق إلى موضوع نزع سلاحها أو وجودها المؤقت على الأرض.
وأشار نزال إلى أن مفاوضات المرحلة الثانية ستبدأ قريبا.
وأكد نزال وجود تفاهم بشأن وجود حماس على الأرض، دون تحديد الأطراف المعنية، موضحا أن ذلك كان ضروريا لحماية شاحنات المساعدات من السرقات والعصابات المسلحة.
وقال “هذه مرحلة انتقالية.. مدنيا، ستكون هناك إدارة من التكنوقراط كما قلت. على الأرض، ستكون هناك حركة حماس بعد ذلك… بعد المرحلة الانتقالية، رأينا أنه لا بد من الذهاب إلى انتخابات عامة”.
وأضاف نزال أن الوسطاء لم يناقشوا مع الحركة تشكيل قوة دولية لتثبيت الوضع في غزة، والتي جرى اقتراحها في خطة وقف إطلاق النار التي قدمها ترامب.
وينص ميثاق حماس التأسيسي على القضاء على إسرائيل، لكن قيادات في الحركة عرضوا في بعض الأحيان هدن طويلة الأمد مع إسرائيل مقابل دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967. وترى إسرائيل أن هذا الموقف مجرد خدعة.
وأشار نزال إلى أن حماس اقترحت هدنة طويلة الأمد في اجتماعات مع مسؤولين أمريكيين، مشيرا إلى أنها تريد هدنة لا تقل عن ثلاث إلى خمس سنوات لإعادة إعمار قطاع غزة.
وقال “الهدف ليس الاستعداد لحرب قادمة، الهدف هو أننا نريد هدنة نعيد فيها بناء قطاع غزة، لأن قطاع غزة يحتاج إلى خمس سنوات على الأقل لبنائه”.
وأضاف أنه بعد هذه الفترة، تتطلب الضمانات للمستقبل “أن تقدم هذه الدول الأفق والأمل للشعب الفلسطيني.. الشعب الفلسطيني يريد دولة فلسطينية مستقلة”.
الخطة الأمريكية لجيش عميل
إذا كان الجيش الإسرائيلي قد فشل في هزيمة حماس ومحووجودها مع بقية فصائل المقاومة من قطاع غزة، فإن واشنطنوعبر خطة ترامب تسعى لإنجاز هذا الأمر عبر اسلوب قديم جربتهبدون نجاح في أفغانستان وقبلها في الفيتنام، وهذا الاسلوبيقوم على استخدام فئات من داخل البلد المستهدف لطعن المقاومةمن الخلف عبر تسليحهم وهذا بالضبط ما يسعى اليه مبعوثواالبيت الأبيض.
فيوم الاثنين 20 أكتوبر ونقلا عن صحيفة "نيويورك بوست"، كشفالمبعوثان الأمريكيان جاريد كوشنر وستيف ويتكوف عن تفاصيلجديدة تتعلق بجهود الإدارة الأمريكية لنزع سلاح حركة حماسوإعادة تأسيس قيادة آمنة في قطاع غزة الذي مزقته الحرب.
وشرح كوشنر وويتكوف آلية التفاوض حول الاتفاق المؤلف منعشرين نقطة والخطوات التالية لتنفيذه، وذلك خلال مقابلة فيمقابلة مع قناة "سي بي إس نيوز"، قبيل توجههما إلى إسرائيل.
وحذر كوشنر من أن هناك توقعات بمحاولة "حماس إعادة تشكيلنفسها واستعادة مواقعها" في ظل الفراغ الحاصل في السلطة. وقال إن "نجاح أو فشل هذا المسار يتوقف على قدرة إسرائيلوالآلية الدولية على إنشاء بديل سياسي فعال. فإذا تحقق ذلك،ستفشل حماس، ولن يشكل قطاع غزة تهديداً لإسرائيلمستقبلا".
ولإقناع الحركة بالتخلي عن ترسانتها، قال ويتكوف إنهمسيطلقون برنامجا لشراء الأسلحة وتسليح مجموعات محلية بهدفمنع "حماس" من استعادة السلطة بالقوة في القطاع.
وكشف كوشنر أن الإدارة بدأت بالفعل "بوضع الأسس" لإنشاءهيئة حاكمة مؤقتة في غزة تكون خاضعة لما يسمى "مجلسالسلام" الذي سيرأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مشيراإلى أن المجلس لم يشكل بعد. وأضاف أن اللجنة ستضم"فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين" للمساعدة في إدارة المرحلةالانتقالية.
وأوضح كوشنر أنه "من المبكر الحديث عن إمكانية قيام ديمقراطيةفي غزة"، مؤكدا أن الأولوية الآن هي "جعل النظام الإداري يعملبشكل فعال" خلال مرحلة إعادة الإعمار الحساسة.
وأكد كوشنر وويتكوف أن جميع أنشطة مجلس السلام ستتسمبالشفافية الكاملة لبناء الثقة بين جميع الأطراف.
وقال كوشنر: "لا يمكن استبدال حكومة فاسدة بأخرى فاسدة. نحن، وأنا وستيف والرئيس ترامب، نحاول دوما تحقيق أهدافتبدو مستحيلة لكنها منطقية. هدفنا هو إقامة حكومة شفافةونزيهة. قد يكون ذلك صعباً للغاية، لكننا في المراحل الأولى منمحاولة تحقيقه".
وقال ويتكوف: "ستكون هناك مشاركة أوروبية، وأعتقد أن البدايةالحقيقية للخطة هي كيفية الانطلاق. وهذا ما نعمل عليه أناوكوشنر باستمرار. جمع الأموال سيكون الجزء الأسهل نسبياً،وسينجز بسرعة، لكن التحدي يكمن في إعداد الخطة الشاملة،ونحن نتعاون مع فريق من الخبراء يعملون على هذه الخطط منذعامين".
وأشار إلى أن بعض عناصر خطة السلام بدأ تنفيذها فعليا، بمافي ذلك إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، حيث تم تحريرالناجين وإعادة جثامين القتلى تدريجياً إلى ذويهم.
وقال ويتكوف إن احتمال إرسال قوات أمريكية لنزع سلاح حماس"ضعيف جدا"، بينما أكد كوشنر بشكل قاطع "لا"، بعد أنتراجع عن فكرة أن يكون ذلك "خيارا مطروحا".
وأكد المسؤولان أن "جميع الإجراءات اللازمة ستتخذ لحمايةسكان غزة وضمان استقرار وقف إطلاق النار" في حال وقوع أيهجوم جديد.
وعن تكلفة إعادة الإعمار قال ويتكوف: "التقديرات في حدود 50 مليار دولار.. ونعتقد أن جمع الأموال سيتم بسرعة".
وأشار إلى أن "هناك حكومات في الشرق الأوسط ستسارع إلىالمساهمة بالتمويل، إضافة إلى مشاركة أوروبية متوقعة"، موضحاأن "المرحلة الأولى من الخطة تتمثل في كيفية إطلاقها فعلياً، وهذاما أعمل عليه".
ورأى أن "تأمين التمويل هو الجزء الأسهل، ويمكن تحقيقه بسرعةنسبية، بينما التحدي الحقيقي هو في الخطة الرئيسية الشاملة"،مؤكدا أننا "نتحدث بالفعل مع مقاولين من مختلف دول الشرقالأوسط، لأننا نعتقد أن الدعم الإقليمي أساسي، وهؤلاء يعرفونالسوق المحلي وآلياته بشكل أفضل".
لعبة نتنياهو
يقدر مراقبون أن خطة ترامب لغزة مرشحة لأن تترك أثارها على الداخل الإسرائيلي، وقد جاء في تقرير نشر في بيروت:
يناور نتنياهو بعد اتفاق غزة لضمان بقائه، مستفيدا من ضعف المعارضة وتوازنات اليمين، لكن فشل الحرب وكارثة أكتوبر يهددان مستقبله السياسي. بعد أكثر من سنتين على «الكارثة الأمنية» التي هزت إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، وما أعقبها من حرب تدمير وقتل ضدّ سكان قطاع غزة، لم تحقق بدورها حسماً عسكريا أو سياسيا واضحا، يجد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، نفسه، اليوم، عند مفترق طرق سياسي، إذ يبدو أنّ الوقت لمواجهة كل التحدّيات التي أخفتها الحرب أو أخرتها، قد حان. على أن السؤال لم يَعدد متمحورا حول ما إذا كان زعيم «الليكود» يستطيع الصمود فحسب، بل إذ ما كان يمتلك ما يكفي ليبقيه في السلطة. وتتراوح التقديرات في هذا الإطار، بين مَن يرى سقوط نتنياهو السياسي أمرا محسوما، وبين من يقول إنه لا يزال قادراً على تجاوز التحدّيات.
وإذا كان من السهل تصوير الأمر كما لو أنّ نتنياهو، في طور السقوط النهائي، لعدّة أسباب في مقدّمها، الفشل الأمني الأخطر في السابع من أكتوبر، ووقف الحرب في غزة من دون تحقيق أهدافها المعلنة، فضلاً عن انقسام الشارع الإسرائيلي، واستنزاف الجيش، والتحديات الداخلية التي لا تحصر، غير أنّ الواقع السياسي يبدو أكثر تعقيداً ممّا يَظهر.
فرئيس الحكومة لا يزال يرأس أكبر حزب في «الكنيست»، حتى أن استطلاعات الرأي، ورغم قسوتها عليه أحياناً، تبقي «الليكود» في موقع الصدارة بين أحزاب اليمين، وهو ما يمنح نتنياهو، ركيزة لا يستهان بها. والأهم من ذلك، أن البديل غير واضح، لا داخل حزبه، ولا طبعاً في صفوف المعارضة.
غير أنّ الائتلاف نفسه، المكون من أحزاب يمينية ويمينية دينية، ويمينية صهيونية أكثر تطرفا، ليس متماسكاً بفعل الولاء لنتنياهو، بل خوفا من العواقب الانتخابية على كل مكون من مكوناته. فحزبا «شاس» و«يهودوت هتوراة»، مثلاً، يخشيان خسارة الوزارات والامتيازات المالية وعدم سن قانون إعفاء الحريديم من التجنيد، وحزبا «الصهيونية الدينية»، برئاسة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، يدركان أن شعبيتهما آخذة في التآكل، وهو ما سينعكس في صناديق الاقتراع لحساب أحزاب صهيونية دينية أخرى.
ومن هنا، فإن صمود الحكومة إلى الآن، لا يعكس استقرارا، بقدر ما يظهر «توازن رعب داخليا»، يستغلّه نتنياهو ببراعة، مقدّماً مكسباً مالياً وتمويليا هنا، ووعدا تشريعيا هناك، وشراء للوقت عبر رشى سياسية لا تتوقف.
ولعل من حظ نتنياهو أيضاً، أن أكبر حليف له، اليوم، هو الفراغ الذي تعيشه المعارضة، التي لا تمتلك مشروعاً بديلاً، بل إنّ أركانها مشرذمون، ويعملون ضد بعضهم البعض أكثر مما يعملون ضدّ نتنياهو نفسه. وهم في الواقع، غير قادرين على تطبيق ما فعله رئيس الحكومة الحالي، ضد سلفه، إيهود أولمرت، بعد «حرب لبنان الثانية» (2006). ولو كانوا قادرين، لكانت الانتخابات المبكرة حصلت منذ زمن ليس بقريب. كذلك، تسهل المعارضة على نتنياهو مهمة بقائه، عبر دفع الائتلاف إلى التمسك به، باعتباره الخيار الأقلّ سوءا.
الفراغ الذي تعيشه المعارضة
ومن بين نقاط قوة نتنياهو أيضا، أن في استطاعته، وهو ما شرع به، استغلال التهدئة النسبية في غزة، ليسرع في تحويل النقاش من الفشل الأمني إلى المعركة الداخلية، عبر إعادة تفعيل خطاب «إصلاح النظام»، وإحياء مقترحات قوانين تضعف المحكمة العليا، وغيرها من «الإصلاحات» التي تدفع القوى السياسية والجمهور على السواء، إلى التركيز على أمور أخرى غير إخفاقاته. وإذا نجح نتنياهو في ذلك، فقد يعيد جزءا من قاعدته اليمينية المترددة، ويحول الانتخابات المقبلة، إلى استفتاء على «الديموقراطية الليبرالية» وليس على مسؤوليّته عن «كارثة أكتوبر».
إلّا أنّ ذلك لا يعني أن الرجل أنهى فعليا، حربه على غزة. فالاتفاق كما هو، قد يكرس واقعاً جديدا يضعف الموقف الإسرائيلي في حال لم يستتبع بإجراءات حاسمة ضدّ «حماس»، في اليوم الذي يلي المرحلة الأولى من الاتفاق (تبادل الأسرى). وإذ سيكون نتنياهو معنيا، والحال هذه، بأن يعود إلى مقاربة أكثر تطرفا، مع العمل على تفعيل روافع الضغط الممكنة لتفكيك «حماس»، ومن بينها الخيارات العسكرية، فمن شأن هذا السيناريو أن يضعه أمام تحد غير سهل، ليس داخليا فحسب، وإنما خارجيا أيضا، حيث يستقر الرأي الأمريكي على ضرورة المضي قدما في المراحل اللاحقة من الاتفاق.
لكن كل المناورات والفرص، لا تلغي التهديدات، التي يمكن إجمالها بما يلي:
أولا: قانون التجنيد، إذ تتصادم المطالب الحريدية بالإعفاء الكامل من الخدمة العسكرية، مع الضغوط العامة والقضائية، ما يعني أن أيّ تأخير في حسم هذا الملف قد يفجر الائتلاف من الداخل. فحتى الآن، انسحبت الأحزاب الحريدية من الحكومة، لكنها أبقت على دعمها لها في «الكنيست»، وهو ما يمكن أن يتغير في حال فشل نتنياهو، في تلبية مطلب إلغاء التجنيد، أو في حد أدنى، تأجيل استحقاقه.
ثانياً: عامل الوقت، مع اقتراب موعد الانتخابات، منتصف عام 2026، واحتمال الدعوة إلى تبكيرها، سيبدأ كل شريك في الائتلاف في حملته الانتخابية الخاصة، والمزايدة والطعن في الآخر، وسيتبدّد عندها التماسك الائتلافي، لتطفو الخلافات على السطح، وهو ما من شأنه أن يضعف قدرة نتنياهو، على المناورة.
ثالثا: «الكارثة الأمنية»، أي الفشل الذي سيظل يلاحق نتنياهو، إذ ومهما قدّم من «إنجازات» صورية أو حقيقية، فإنّ السؤال الذي لن يغيب عن الناخب هو: «أين كنت في السابع من أكتوبر؟»، وهو ما سيشكل محورا رئيساً وعامل تجاذب وتراشق مسؤوليات، عشيّة الانتخابات.
على أنه ليس المطلوب من نتنياهو، الآن، أن يحقق انتصاراً، خصوصاً أنه منح الوقت الكافي لتحقيقه، ولم يخرج بنتائج حاسمة. ولكن الرجل يبدو معنيا بأن يصل إلى عيد الفصح اليهودي المقبل، في أبيل 2026، من دون انتخابات.
وحينها، وإذا ما سقطت الحكومة، سيكون موعد الانتخابات المبكرة بعد التاريخ المذكور، وإذا ما بقيت، سيؤجل الاستحقاق إلى موعده الأصلي. ويظهر أنّ هذه هي المهمّة الوحيدة لنتنياهو، فإذا نجح فيها، قد يجد فرصة لاستغلال التهدئة، وتمرير الموازنة، وربما - وهو ما يأمله - تسجيل «إنجاز» خارجي ما، يعيد إليه بعضا من بريقه ومكانته السياسية داخليا، رغم صعوبة المهمة وتحدياتها.
سكين ذو حدين
بعيدا عن قطاع غزة وفي تصريحات تكشف تصورات الغرب للتسويات على أنها سكين ذو حدين.
أفاد موقع "أكسيوس" بأن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اقترح صياغة اتفاق سلام مع واشنطن بشأن النزاع الأوكراني، على غرار خطة غزة التي اقترحها الرئيس ترامب.
وذكر الموقع نقلا عن مصدر مطلع لم يذكر اسمه أن ستارمر اقترح خلال محادثة مع فلاديمير زيلينسكي وزعماء أوروبيين العمل مع الولايات المتحدة لصياغة اتفاق سلام مماثل لخطة ترامب المكونة من 20 نقطة لقطاع غزة".
وأضاف أن الأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته اقترح عقد مكالمة عاجلة بين مستشاري الأمن القومي الأوروبيين خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وكانت الحكومة البريطانية قد ذكرت في وقت سابق أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تحدث مع فلاديمير زيلينسكي، وكذلك مع زعماء أوروبيين والأمين العام لحلف "الناتو" مارك روته، حيث تم بحث دعم كييف.
والتقى ترامب يوم الجمعة 17 أكتوبر 2025 مع فلاديمير زيلينسكي في البيت الأبيض. وأفاد "أكسيوس" بأن ترامب أبلغ زيلينسكي خلال الاجتماع، أن واشنطن لا تنوي توريد صواريخ "توماهوك" إلى أوكرانيا على الأقل في الوقت الحالي.
عمر نجيب