يتهمنى البعض بالمس من مقامات العلماء المقدسة في نفوس امة تَقَدَّسَ علماؤُها على النقد والتخطئة. فرمونى جزافا بما نقع من سم السيد ولد النيني الذى لولا إكثار الناس على هذا الفضاء الافتراضي من التحدث عن فتواه الاخيرة لفاتني شرف التعرف عليه والاطلاع على مكانته العلمية...
والمفارقة ان فتوى هذا الرجل العالم - غَصْبًا عَنِّى – كانت قد عززت له مكانة جليلة رفعته فى نفسى عن مراتب غيره من العلماء لا لجرأته في الخروج على عقليات الفقه الجامد، منتهى علم علمائنا، بل لمحاولته الجادة في النهوض بالإقتصاد المحلي وانعاشه عن طريق الإستثمار في بورصة الذنوب.. فحاجتنا إلى مثل علم ولد النيني وطرحه المفيد أمَسُّ وآكَدُ من حاجتنا إلى علم غيره من العلماء، هذا من جهة..
ومن جهة اخرى أُنبه جيوش العلماء وحراسهم ان علماءنا بشر مثلنا يصيبون ويخطؤون..
وإذا سلمنا جدلا بأن منسوبَ السموم في لحوم العلماء ارفعُ منه في لحومنا فإن ذلك سيوصلنا إلى حتميةِ أنَّ منسوب السموم في لحوم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم وسلامه ارفعُ منه في لحوم الجميع ...
ولما جاز لنا ان نتحدث عن اخطاء الانبياء عليهم الصلاة والسلام فنقو إن منهم من "عصى ربه فغوى" وان منهم من اتَّهمَ ربه في ابنه، وان منهم من عصى فقتل النفس المحرمة وكاد يكونُ جبارا فى الارض لولا لطف ربه به، ومنهم من سولت له نفسه امرا فكذب على ابيه وجاء على القميص بدم كذب ومنهم من هم بها لولا ان راى برهان ربه، ومنهم من غامر فغُمر ومنهم من اخذ نعجة اخيه (امرأته) إلى نعاجه.. اقول فإذا كان الله عز وجلَّ أجازَ لنا الحديث بكلامه المبين على لسان نبيه الامين عليه اشرفُ الصلاة والسلام، عن اخطاء هؤلاء الصفوة الابرار من انبيائه الكرام الاخيار لنتعلم منها الدروس ونأخذ منها العبر فجاز لنا من باب احرى الحديثُ عن اخطاء بعضِ من نسميهم اليوم بالعلماء لا لشيء إلا لانهم يحفظون بعض المتون معظمها فى احكام الطهارة والنكاح ومراباة الذنوب.
ومن جهة ثالثة أنبه الذين وجهوا ليَّ العتاب مكشوفا او ملغوما، والذين شهروا في وجهي سلاح التهديد من خاصَّتِى وأَحبَّتى، والذين عوت الذئاب تسُبُّنى فاستأنسوا بعَوائها - أنبه الجميع إلى انهم اخطأوا في حقي سامحهم الله لانى ما أردت الذي وسوس لهم الشيطان به..
فَ"الموبقة" لمن ارادها عربية خالصة غيرُها "المُبيقة" لمن أرادها حسانية، على الاقل في المعنى لانك تنعت اخاك اوصديقك فتقول "افْلان فيه المبيق" او "افلان مبيقُ ما يوف" وليس معناه انه يفعل احدى البوائق السبع او غيرها من الكبائر وانما هو مصطلح درج عليه لسان الحسانية يستعمل غالبا في مقام الملاطفة والمداعبة.ُ..
واما بيت الراجز الذى اوردتُ فقد سمعته شخصيا من عالمين في مناسبتين من "مبيق" العلماء لا "موبقهم"، احدهما مات رحمه الله وقد وجب الإمساك عما وبق به.
واما الثانى فلا يزال حيا يبِقُ وهو اليوم احد اشهر علماء البلد وعضو بارزٌ في رابطة العلماء وله شان عظيم.. كان عفا الله عنه قد نزل بى وصحبى ضيفا في مدية الرباط وقد كنا بها جماعة من الطلاب تفرقت طرائقنا قددا بعد ذلك فمنا اليوم من يزاحم ذلك العالم في رابطة العلماء، ومنا القناصلة والسفراء ومنا الصالحون ومنا دون ذلك. أَنَا..
المهم اننا تشرفنا بضيافة ذلك العالم الجليل الذي جاء يناقش دكتوراه دولة فى مقاصد الشريعة الإسلامية، وكانت لنا خادمةٌ مغربية تتعهد منزلنا للنظافة والطبيخ لا تزال بها بقيةٌ من جمال أُنُوثة.. وكُنَّا لفَرط "مُبيقنا" جميعا وأُكَرِرُ "جميعا" قد عودناها على المصافحة..
دخلت علينا المسكينة يوما فبدأت توزع علينا جرعاتنا المجانية من لمسات كفها الناعمة المعتادة، فاثار ذلك ثائرة الشيخ فشتمنا وتمعر وجهه من الغضب وقام يجمع متاعه مهددا بالرحيل عنا.. فعلقنا به جميعا نتأسفُ لما حصل منا ووثقنا له العهود اننا لن نعود حتى سكن عنه الغضبُ واقلع عن الرحيل.. ووقف بعضنا بالخادمة لينبهها الى انه لا سلام ولا كلام وأن لها ما دام الشيخ هنا ان تقول: "لا مساس" فاقتنعت بذلك...
بعد ذلك باسبوع خرجنا من صلاة الجمعة وتخلف عنا الشيخ ل"يطحن" مع بعض امثاله في المسجد.. وعند وصولنا إلى الدار فاجأتنا الخادمة بخبر وقع علينا كالصاعقة..
قالت: "أريتم الفقيه أخاكم الذى منعكم من مصافحتى؟"
قلنا: "ما له؟"
قالت: "‘عندما تذهبون انتم ويخلو بى في الدار، فانه يصافحنى."
نظرنا في امرنا ثم اتفق القوم على الا يكلموه في الموضوع لانه "برَّانِيٌ" علينا جميعا وخطؤنا فيه سيكون محسوبا على قبائلنا وغير ذلك من الترهات العرجاء... لكنى رفضتُ أن التزم لهم بشيء فطلبوا منى أَنْ إِنْ كانَ ولابد من مُفاتحته فليكن ذلك في غيابهم حتى لا يحرجوا به.
فقبلتُ.
فلما آنستُ منه لحظة انفراد قلت له: "أليس من العيب ان تنهى عن خلق وتاتي مثله..؟" قال: "قُلْها وأرِحْنى.." قلت: "إن فلانة تزعم انك تصافحها في غيابنا.." فذلك حيثُ قال لى من جملة ما قال: "وزلة العالم سترها وجبْ.."
مثل هذه الحادثة وغيرها من اخطاء العلماء البسيطة هو ما عنيته بالمبيق وإحالاته الدلالية في لسان البيظان الذى وردت به تدوينتى واضحة..فجزى الله خيرا من كف عن المزايدة على بوائقي..