تحت عنوان كيف ولماذا لم “تتسخ” إسرائيل بالوحل السوري؟، قالت رئيسة تحرير موقع (المصدر) الإسرائيليّ، شيمريت مئير، إنّ الغموض هو أحد الأدوات الرئيسية في صندوق صانع القرار الإسرائيلي، في تعامله مع ما لا يحصى من المحفّزات التي تدفعه إلى التدّخل في الشأن السوريّ، على حدّ تعبيرها.
وتابعت قائلةً إنّه قبل عدة سنوات، شاركتُ في التخطيط للمؤتمر الأول من نوعه في البلاد، بمشاركة شخصيات جادّة ومرموقة من المعارضة السوريّة. كان يُفترض أنْ يكون ذلك بمثابة حدث “الإعلان” عن العلاقات السّرية، وإنْ كانت مكثّفة، والتي تجريها جهات رسمية في إسرائيل مع تلك الجهات التي كانت خلف الحدود لسنوات، على حدّ تعبيرها. وتابعت مئير قائلةً لن نُبالغ بالتفاصيل، ولكن قبل وقت قصير من ذلك الحدث اضطرّ المنظّمون إلى الإعلان عن إلغائه، رغم الأهمية الرمزيّة الكبيرة لمجرّد حدوثه.
ويعود سبب ذلك، كما يمكن أنْ نُقدّر، إلى التدخّل الروسي العميق في سوريّة وعدم الرغبة في الوقوف، تمامًا في هذا التوقيت وبشكلٍ واضحٍ، إلى جانب أولئك الذين يقاتلون الرئيس السوريّ، د. بشار الأسد، حليف الروس. ولفتت إلى أنّه غنيّ عن البيان أنّ المنظّمين، الذين بذلوا جهودًا، دامت سنوات، للعناية اليومية بالمحور الإسرائيليّ-السوريّ، قد عايشوا مشاعر الإحباط العميقة جدّا، والتي يمكن التماهي معها بسهولة. ولكن، في الحقيقة كنت راضية جدًّا. فليس هذا هو الوقت المناسب للتورّط مع فلاديمير بوتين. فالمسائل حساسة جدّا. ومن المفضل عدم الصعود إلى شجرة لا يمكن النزول عنها، فقد نجحت إسرائيل بعد مضي أربع سنوات ونيف منذ اندلاع الحرب الأهلية السوريّة، في عدم التورط فيها، قالت رئيسة التحرير مئير.
وأشارت أيضًا إلى أنّ هذا لا يُصدّق تقريبًا، بالنظر إلى حقيقة أن هذه الحرب تستقطب إليها تقريبًا جميع القوى الكبيرة في العالم، وأنّها تصل أحيانًا حتى الحدود، بل وتنزلق قليلاً وراءها من حين لآخر، وأنّها الحرب الأكثر أهمية للمحور الأكثر معاداة لإسرائيل في المنطقة، محور إيران – بشار – حزب الله، وأنّ هناك جهات كثيرة تحاول جرّها إلى داخلها، حسبما ذكرت.
وأردفت: هذا لا يصدّق أيضًا بالنظر إلى الموهبة الإسرائيلية المثبتة في القفز رأسًا إلى كلّ حفرة في المنطقة، من غزة إلى لبنان. لسبب ما، أثبتت القيادة الإسرائيلية في الشأن السوريّ، وعلى رأسها نتنياهو، يعلون والجيش، مرونة إدراكية والعمل بحذر. وقالت أيضًا إنّه حتى عندما حاول الدروز، وهم إحدى الأقليات القوية والشعبية في إسرائيل، وفي المنظومة الأمنية بشكل خاصّ، جرّ الجيش الإسرائيليّ إلى داخل الحرب، انطلاقًا من القلق على الأقلية الدرزية المهدّدة من قبل المجموعات الإسلامية في سوريّة، فقد نجحت إسرائيل في احتواء هذه الأحداث واستخدام علاقاتها الهادئة مع مجموعات المعارضة من أجل الدفاع عن الدروز.
وكما ذُكر آنفًا، أضافت، فقد وقفت هذه المسألة قيد الاختبار عند دخول الروس إلى الصورة، ولكن كما يبدو فقد كان الهدف هو عدم الدوس على طرفهم في كل ما يتعلق بالحفاظ على حكم بشار الأسد، وخصوصًا في منطقة الساحل، وفي المقابل، التمتع بحرية التحرّك ضدّ تهديدات محدّدة لحزب الله. وبرأيها، هناك اختبارات أخرى متوقعة قريبًا، مع محاولات حسن نصر الله لجرّ إسرائيل إلى الداخل، وربمّا استخدام ذلك كبطاقة خروج من الوحل السوريّ، ومع الصراع المتصاعد بين السعودية وإيران، والذي يُقلل احتمالات اتفاق سياسيّ في سوريّة إلى الصفر. كما أوضحت أنّ هناك أيضًا معارضون لنهج نتنياهو ويعلون، أيْ عدم التدخّل في الشأن السوريّ، ولا سيما، في أوساط أولئك الذين ينمّون علاقات منذ زمن طويل مع المعارضة السورية ويعتبرون بعض أجزائها حلفاء محتَمَلين. سيدّعي أولئك، أضافت مئير، بأنّه قد عفا الزمان على هذا النهج وينبغي صياغة سياسة متماسكة، بطريقة أوْ بأخرى.
وأكّدت مئير: أعتقد أنّ الغموض تحديدًا هو أحد الأدوات الرئيسيّة في صندوق صانع القرار الإسرائيلي، في تعامله مع ما لا يحصى من المحفّزات التي تدفعه إلى الداخل. فضلاً عن ذلك، فإنّ هذا النوع من المرونة الإدراكيّة والاستعداد الأدنى للخضوع لاستفزازات المنظمات التي وصفتها بالإرهابيّة، يُمكن أنْ يكون، ومن المناسب أنْ يكون مطَبّقًا في مناطق أخرى أيضًا.
وخلُصت إلى القول إنّ إسرائيل هي إحدى الدول ذات الصلة القليلة التي لم تتورّط في الوحل السوريّ، مُعبّرةً عن أملها في أنْ يستمر الوضع على هذا الحال.
رأي اليوم