1-الحلقة الؤلى : في ذكرى اليوم العالمى للشرطة، تذكرت العشر الأواخر من آخر نفمبر من القرن الماضى حيث دخلت انواكشوط قادما من كيفة على متن سيارة قديمة جدا من طراز قديم جدا اسمه بيجو 504، .... وحتى ازيد الصورة توضيحا، أضيف انها كانت سيارة استاذ في تلك الفترة لاكفيك مؤونة تخيل شكلها .. ورغم ذلك جبت بها ذلك الطريق الذي قد لا يعرف مشقة معالجة اوعاره اليوم الا القليلون من متصفحى هذا المكتوب... مع دخولى إلى العاصمة، تراءت لى إشارة الوقوف الاجباري حيث توجد نقطة امنية للشرطة. اوقفت السيارة في المكان المناسب ثم زدت إلى حيث يقف شرطي التفتيش .... أعارني نظرة تؤذينى من بعيد ثم اتجه نحوى يخطو خطى ثقيلة حتى قاربنى فقال مباشرة بدون تحية وبنبرة متحكمة: "إليَّ باوراقك واوراق السيارة إن كان لكما اوراق".. حمدت الله في نفسى انى وسيارتى كنا كاملين باوراقنا فسلمتها له.. نظر صاحبي في الاوراق فلما لم يجد بها سببا لتعطيلى أراح ناظريه على شكلى وشكل السيارة فلم نعجبه، فالقى اوراقنا في جيوب سراويله ثم اردف : "هذه السيارة ذاهبة إلى الحظيرة (أفُّورية).".. قلت: ولما ذلك؟ قال: "لانها وسخة".. نظرت إلى سيارتى فوجدتها فعلا كما قال وسخة مطينة غبراء، ثم نظرتُ إلى نفسي فو جدتنى مغبرا وسخا مثل سيارتى، ثم نظرت اليه ممعنا فيه نظرى ابحث فيه عن اي سبب للنظافة فوجدته قذرا في شكله يرتدى "دخانة" أحال الوسخ صفرتها من الخارج دكنة كما احال العرق باطنها سوادا فتعجبتُ من امره وقلت له: "يا سيدى إذا كان الوسخ في قانون سيرك معيارا للذهاب إلى الحظيرة كما تزعم فانا وانت ينبغى ان نسبق السيارة إليها." قارضنى ابتسامة ساخرة ثم قال: "اسمعنى جيدا، انا مشغول وليس لدي وقت لاضيعه فيك إذا كانت معك 1200 اوقية ثمن ضريبة المخالفة فهاتها والا فالسيارة ذاهبة إلى حيث قلت لك.." سلمتُ امرى لله فاعطيته المبلغ فاعاد عليَّ اوراقي غير مشكور فقلت له: ألا استحق عليك وصلا." فقال لي: "أي وصل تعنى، الاحسن لك ان تغرب من وجهى قبل ان اغير رايي فيك.." بعد ذلك باسابيع من تلك الواقعة وجدتنى "نظيفا" مُعجبا بنفسى اسوق سيارة "نظيفة" هذه المرة على طريق سريع "نظيف" في ولاية فرجينيا احمل معى عصبة من الدخن قد انتشلتهم من صدمة الانبهار الحضاري فور هبوطي قبل ساعات في مطار انيويرك هاربين من بلاد ذلك الشرطي...متجهين إلى كانتاكى. فبينا نسير على ذلك الطريق بسرعة جنونية اذ انارت وراءنا اضواء سيارة سوداء للشرطة تطالبنا بالتوقف الفوري عن السير فربضت السيارة على منكب الطريق وربضت تلك السيارة ورائي لعدة دقائق قاربنا فيها انا وصحبى ندفع قلوبنا حتى لا تخرج من حناجرنا من شدة الفزع. نزل ذلك الشرطي "النظيف" من سيارته "النظيفة" وقبل ان يغادرها توقف بجانبها قليلا حتى يسوي بدلته "النظيفة" ويتأكد ان ازرارها كلها في مكانها ثم ارسل يده إلى قبعته ليسويها فوق راسه ثم اتجه نحونا حتى وصل إلى باب السائق – انا - فحيانى تحية محترمة اتبعها بابتسامة مُطَمْئِنة ثم قال: "أتدرى يا سيدى لما اوقفتك؟" قلت: لا. قال: ان المشرع في هذا الإقليم من ولاية فرجينيا قضى بان اقصى حد للسرعة على هذا الطريق سبعون ميلا للساعة وقد ضبطك رادارنا وانت تسير بسرعة 85 ميلا للساعة." فلما برر لنا سبب توقيفنا طلب منى ان اسلمه اوراق السيارة ورخصتى فاخذ الجميع إلى سيارته ثم عاد الينا يحمل اوراقى وشكلية ضريبة سير ثم قال: "هذه ضريبة اريدك ان توقع عليها هنا اذا شئت، وان شئت الا توقع عليها فذلك من حقك.. والمبلغ الضريبي 90 دولارا ترسلها "شيكا" إلى هذا العنوان قبل هذا التاريخ.. هذا إذا كنت مُعترفا بمخالفتك للقانون... أما اذا كنت غير مُعترف فاحضر إلى جلسة قضائية في هذه الساعة من هذا اليوم من هذ الشهر حتى ينظر القاضى في دعوانا ضدك فيحكم لك او يبرؤك.." وقعتُ له على الاوراق فسلمنى نسختى ثم حيانا تحية وداع ختمها كما بداها بابتسامة مُطَمْئنة وقال: "انتبه لنفسك من الطريق وسر بامان"
2-الحلقة الثانية:
فلما ذهب عنا الروع وجاءتنا البشرى بشرى الخلاص من الشرطي، حمدنا الله كثيرا وواصلنا الطريق إلى ولاية كنتاكى حيث المقر الرئيسي حينها وربما لا يزال لمعظم تجمعٍ للجالية الموريتانيىة في الولايات المتحدة الآمريكية.. في مدينة لويس فيل من كنتاكى كانت توجد دار اسمها "اطْبيزة" لا ادرى من اختار لها هذا الاسم لكنى لم افهم لفرط بلادتى سبب تسميتها إلا بعد لاي عسير حيث اكتشفت انه لا بد لكل وافد جديد إلى تلك البلاد ان "يُطبز" عندها ليبدأ منها إحرامه كما لو كانت مأم حجيجهم او دار ضيافتهم الحرة او خيمة دهك اريد لها ان تقام دعائمها في بلاد الغربة... لم تكن "اطبيزة" دار ضيافة فقط بل كانت عنوانا لمجتمع بدوي لا عنوان له بل لا يفهم في ثقافة العناوين أصلا... مجتمع بلا عنوان هاجر إلى عالم لابد لكل انسان فيه ان يكون معلوم المكان والزمان.. فلم يسعفه في ذلك إلا "أطبيزة". صاحب ذلك العنوان معظم الموريتانيين المهاجرين إلى آمريكا قرابة عقد من الزمن كان بدايتُه تسعينياتِ القرن الماضي.. كانوا يستخدمونه من خارج آمريكا لطلبات التأشيرة في اي موقع من العالم، وكانوا يستخدمونه في داخل امريكا كلها فتجده على رخص سياقتهم وفي ملفات هجرتهم وعند مكاتب محاميهم وعند مؤسساتهم المالية وارباب اعمالهم ومؤسسات تشغيلهم.. كان يقوم على تلك الدار رجالٌ صدقوا المجتمع البيظاني ما وعدوه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، سبقوا الجميع إلى تلك البلاد، فكانوا المرجع الأول والأخير لأي قادم جديد يستوصون به النصائح ويرسمون له الطريق ويساعدونه في الغالب بما يحتاج من دعم مالي او نفسي حتى يقف على قدميه وتستوي عقاربهُ ويستغنى عن المسح شاربه.. ومن اطرف ما وقع لى مع أطبيزة اني ايام "انطبازي" عندها ذهبتُ مع احد اعلامها نقضى شأنا في المدينة وقد كان خرِّيتا عالما بممراتها ومسالكها ويفهم في أغلب إشارات مرورها ومع ذلك لا يكاد يفهم اسمه اذا نُطق بانجليزيتها... وفي عودتنا ونحن نعالج آخر منعرج يؤدى إلى الدار نسي صاحبى ان يؤشر، وكان لسوء حظنا ان سيارة للشرطة وراءنا فاوقفتنا وبعد ان غرَّم صاحبُها صاحبى على مخالفته ساله عن وجهتنا النهائية... فقال صاحبى: "قل له انا ذاهبين إلى "أطبيزة".. فقلت له: "أَوَيفهمُ عنِّى هذا مثلَ هذا؟" فرد عليَّ مُغاضِبا: "انت ما امخليك كثرة الأخبار... كول للراجل ذا الِّ كلت لك".. فقلت للشرطي: يقول صاحبى: "أنا ذاهبان إلى "أطيبزة".. فقال الشرطي: "حسنا، رافقتكما السلامة."
3-الحلقة الثالثة:
أذكر انى نزلتُ بها رابع يوم لى في الولايات المتحدة قادما من ضيافة المهندس عثمان ولد حمَّ في انيويورك.. كما اذكر انى يوم نزلت بها كان بها ما يقارب العشرين من الرجال تختلف اعمارهم ما بين الثامنة عشرة إلى ما فوق الستين. بعضهم مقيم رسمي لا يريم عنها يعمل اغلبُه في مطاعم المدينة، اما بقيتُه فتجارُ حليبِ اطفالٍ حظُهم من الإقامة قليلٌ لكثرة اسفارهم وبحثِهم الدؤوبِ عن ذلك الحليب. وبعضهم عابروا سبيل مؤقتون ينتظرون الحصول على اذن عمل من ادارة الهجرة يخول لهم قرع بوابة سوق العمل في المطاعم. اما البعض الاخير وهو ذلك الصنف الذي انتمى اليه فهو مجموعة من الحائرين او المؤلفة قلوبهم لا يرون في انفسهم استعدادا ولا قدرة على عمل المطاعم ولا يملكون مع ذلك كفاءات تخول لهم طرْق مجالات اخرى. تُضاجعُ السيدة "رَيْلَّه" خيالَهم بالليل وتراهم بالنهار يرمزون رمزا غُباريا فريدا على دفاتر اشبه ما تكون بدفاتر اليهودي. كان صنفى اثقل الثلاثة ظلا على ساكنة اطبيزة. فنحنُ ثقلاء لاننا لا نساهم في الغالب إلا في اثراء القمامة بما نُخلفه من الاوساخ .. ولاننا نخاف من الماء حتى لا "تعزلنا" الأرضُ و"يزدفنا البُرُودُ،" فلا نكترث لرائحة اجسادنا النتنة من تراكم العرق والوسخ عليها ولا نغير لباسنا ولو اراد لنا اللباسُ ذلك لان ذلك يناقض عقلية المؤمن في ثقافتنا.. ونحن ثقلاء لاننا نزهد في كل شيء إلا الطعام فترانا نُصَعِّرُ انوفنا لرائحة الأكل أيِّ أكْلٍ فيسيلُ له لعابُنا ولو هبت علينا رائحته من بيوت الجيران. ونحن ثقلاء لاننا لا نحسن استخدام الحمام فإذا زار احدُنا بيتَ الماء ليقضي حاجته لا يفطن انه دخل بيتا نظيفا لو عثر على مثله في بلاد ذلك الشرطي لاتخذه غرفة نوم. فهو بيت قد عطَّرَهُ ذووهُ وعقَّمُوه للمحافظةِ على راحَتِهم وراحة ضُيوفِهم، وعلقوا به مُلْصَقَاتٍ ظريفةً مترجمةً إلى العربية، من نوع "إذا انْهَيْتَ غرضَك من الحمام، فانتبه له قبل ان تغادره" او "لا تنسى ان تفرغ الماء بعد الإستخدام". ورغم ذلك غالبا ما يعتقد زائرُه منَّا انه في "اوكار" او "مغَّاط" او تحت شجرة اوبمكانٍ "...رخو نجس _ على لغة الشيخ خليل _ ..." فبدل ان يجلس على مقعد المرحاض جلسة حضارية، يرى انه "يتعينُ عليه القيام والإعتماد على رجليه" فينزو عليه بنعليه الوسختين. اما إذا كان دخله للبول الصغير فغالبا ما يَتَبَولُ واقفا غير مكترث بما تطاير من بوله عليه وعلى حافات المقعد وارْضِيَّةِ الحمام... ثم يتحللُ من كلتا الحاجتين غير آبه بما غيَّر به لونَ ماءِ المرحاضِ ورائحتَه عاجزا عن افراغه من ذات بطنه، بحركة لا تأخذ من وقته "الثمين" إلا جزء من ثانية. ثم يخرج على قومه في "شِينَتِه" قبل ان يغسل يديه وياخذ مكانه الثقيل بينهم فإذا حضرت مائدتُهم دفع فيها يده القذرة... كان اهل "طبيزة" جزاهم الله خيرا يرون تلك الطباع السيئة في كل وافد عليهم من بلاد ذلك الشرطي، لكنهم حرصوا دائما على التحمل وغض البصر حتى لا تَشُوكَهم شوْكةُ الضيف او يصدر منهم ما يعكر صفوه... خرج احد المدخنين يوما فترك الباب الرئيسي مفتوحا فدخل علينا قط للجيران قد الف الآدميين وبينا يتمسح على القوم اذ اراد احدُ ثقلاء المرحاض به مكرا فنهاه شيخٌ من اهل الدار منبها إلى انه حيوانٌ اليف لا يشكل خطرا. بل قد يكون الخطر في إيذائه لان الحيوان في هذه الارض له حصانته كالانسان. وله قوانينه كالانسان. وله شرطته كالانسان. ثم اردف تقريظا مفصلا ودقيقا عن منافع القطط ومضارها وانتهى الى انها مفطورة على خاصة عجيبة لا يشاركها فيها إلا بعض الناس، ثم سكت.. فقال له ذلك الثقيلُ: "وما هي يا شيخنا". فقال الشيخ: "لا فائدة فيها، ستعرفها يوما ما" ضرب الزمن بعد ذلك ما ضرب ثم نزل بي ذلك الشخص ضيفا في مدينة "سنسيناتى، أهايو" بعد خمس سنوات من تلك الحادثة، واسترشد عن بيت الماء فارشدته. وبعد ان قضى وطره تعقبته فإذا هو لا يزال يحمل معه تلك العداوة السيئة للمراحيض، فعزمتُ على تنبيهه... فسألته عن ذلك الشيخ من اهل "اطبيزة" متى عهده به؟ فقال: "لا أذكر".. قلت: "أتذكر يوم القط"؟ قال: "واي قط؟" قلت: "قط الجيران الذي كدت تمكر به لولا الشيخ فلان"؟ قال: "أذكر". قلت: "اتذكر أن الشيخ يومها ذكر ان القطط مفطورة على خاصة عجيبة لا يشاركها فيها الا بعض الناس..." قال: "أذكر" 4-الحلقة الرابعة
قلت: "أما وانك لم تفهم إشارة الشيخ حتى الآن لقد اراد ان يقول: "إن القطط إذا أرادت المذهب ثم انتهت منه وَارَتْ مذهبها". فهِمَ الرجلُ قصدى فَهَمَّ بى ولم يفعل وكاد وليته في نفسه مكر بى ثم تورم من شدة الغضب وانتفخت اوداجه واحمرت عيناه وسارع إلى نعله ومتاعه وهو يتمتمُ فِيَّ الشتائمَ .. بعد ان قضيتُ ايام الإحرام في "أطبيزة" جاءنى الاستاذ سيدى احمد ولد حبيب ورحل بى عنها إلى حي آخر من احياء المدينة كان يسكنه في شقة مريحة يُحسَدُ عليها... أدرك سيدى احمد عدم رغبتى فى العمل بالمطاعم، فاقترح عليَ السفر إلى مدينة شيكاجوا العظيمة للحصول فيها على رخصة سياقة ثم أعود بعد ذلك وانظر في شانى.... فسألته لماذا شيكاجو، وليس الويس فِيلْ؟ فقال لي: "إن الويس فيل قد عكَّر جوَها البيظانُ." قلتُ: "كيف؟" قال: كان بها مكتب يقوم بتلك الخدمات فكثروا عليه يحملون نقس العنوان "عنوان اطبيزه" ونفس الإسم كلمة "ولد" و"نفس تاريخ الميلاد 1/1.. واختر انت السنة التى تعجبك" ... فشكُّوا في امرهم واغلقوا في وجوههم تلك الخدمة فعليك بشيكاجو فانهم لم يهتدوا عليها بعد.. أخذتُ بنصيحته فطِرتُ إلى شيكاجو صبيحة الغد أحمل معى عنوان فلسطيني وسيط يقوم ببعض التسهيلات والدعم اللوجستي للحصول على رخص السياقة كَأَنْ يُرِيَك عيِّنَةً من اسئلة امتحان الرخصة واجوبتها ويوفر لك سيارة تقودها اثناء الامتحان التطبيقي، مقابل مائتي دولار نقدا مسبقا.. أخذنى ذلك الفلسطيني نفس اليوم في سيارته ليعلمنى بعض مبادئ السياقة واشارات المرور ثم أعادنى إلى الفندق لياخذنى في اليوم الموالى الى مكتب الشرطة.. حصلتُ على رخصتى بسهولة لان اجراءاتها لم تكن معقدة ثم رجعت الى الويس فيل.. كان بالمدينة مؤسسةٌ شهيرة فى وسط البيظان تدعى "بَاشْمَانْ" وهي شركة لقرض السيارات كانوا قد اكتشفوا انها تسهل على الناس امتلاك سيارات مقابل تسديدات زهيدة تتراوح ما بين مائة وخمسين إلى مائتي دولار شهريا، فاتجهوا اليها على بكرة ابيهم لانها لا تُعَطِّلُ حينَها سيارة عن حاملِ رخصةٍ، فامْتَلَكُوا منها جميعُهم. كانت هذه الشركة رابعَ اربعِ جهات انخدعت بالتعامل المالي مع الموريتانيين قبل ان يظهروا على حقيقتهم ثم ندمتْ كلُّها على ذلك فيما بعد، كالبنوك وشركات تامين السيارات وفلسطينيٍ كريمٍ يدعى ابا زكرياء.. اما "باشمان" فقد اكتشفتْ انها مخدوعة بهم عندما اصبح التقاعس عن تسديد مستحقاتها عليهم امرا شائعا فاصبحت إدارتها تُحرِّرُ كمًّا هائلا من الرسائل التذكيرية غير مسبوق في تاريخها، موجها إلى زبنائها من مستخدمى عنوان "أطبيزة" تطالبهم بقضاء تلك المستحقات دون جدوى. ذلك ان اغلب الموريتانيين تقاعس عمدا عن الاستجابة لانه قد تَثَقَّفَ حول تلك الديون وعلم ان الشرطة والقضاء لا يحق لهما محاسبته ولا عقابه في حالة امتناعه عن الوفاء بعقوده مع تلك الشركة إذا زعم انه مفلسٌ او غير قادر، فالشركة هي المسؤولة الاولى عما حل بها لانها اعطت سياراتها بطيب خاطر وليس امامها إلا أن تبتلعَ أحدَ الأَمَرَّيْنِ: فإما ان تقوم بسحب سياراتها ان قدرت عليها وذلك امر صعب لان اغلب مالكيها قد استعملوا عنوانا لا يسكنون فيه. وإما ان تلجأ إلى تحويل ملف مديونها لمكتب من مكاتب الإئتمان ياخذ على نفسه مهمة متابعته مقابل نسبة مما سيجنيه لها، ولن يجني شيئا. وخارج الالحاح علي المديون، لا يستطيع ذلك المكتب ان يفرض عليه القضاء ولا ان يُلْحِقَ به ضررا فوق حرمانه من الاستفادة من اي قرض في المستقبل لانه سيُشِّهرُ به لدى جميع مؤسسات القروض والائتمان على كافة التراب الامريكي ويسِمُ اسمَهُ بعلامة حمراء تفيد انَّ له سوابقَ غيرَ مُشجِّعةٍ لا تؤهله للحصول على القروض حتى يطَّهَرَ ويتوب من ذنبه توبة لا تَنْصحُ في قوانين ذلك المكتب إلا بعد انقضاء سبع سنوات من اللعنة... وكانت "باشمان" تقترح على زبنائها تامين سياراتها عند شركة تامين تدعى "كانتاكى فارم بيرو"، ولذلك كانت جميع سيارتها المملوكة جزئيا من طرف الموريتانيين مؤمنةً عند تلك الشركة.. وعندما ايْقنَ البيظانُ ان تلك الشركة لم يبق امامَها أمامَ خرقِهم لمعاهدتها إلا ان تسحب ما قدرت عليه من سياراتها، لجأوا إلى طريقة فريدة في الخداع لم يسبقهم إليها أحدٌ من العالمين على ما اعتقد وهي تحطيمُ السيارات في الحوادث المُفْتَعَلَةِ كي يستفيدوا من تعويضات شركة التامين فتخسر بهم المسكينةُ كما تخسرُ بهم المسكينةُ "باشمان" فيكونوا قد ضربوا عصفورين بريئين بحجر ظالم. وفي اطار تحقيق هذه العملية شاعت طريقتان فعالتان: أولهما ما كان يعرف عندهم بالمقاولة... وهي ان يكون المرء غير جرىء على القيام بالعملية فيُقاوِلُ غيرَه من سفهاء البيظان ومترفيهم في المدينة مقابل 500 دولار يتولى عنه مهمة القيام بالحادث فيأخذ سيارته ليضرب بها سيارة اخرى او حائطا او شجرة ضربة لا تبقى منها ولا تذر. عندها يدفعُ له التامين مبلغا يفوق في الغالب قيمتها فإن شاء قضى لباشمان نصيبها وبقى له بعد حق المقاوَل ما يصلح شانه، وان شاء قضى المُقاوَلَ وآثر نفسه بالبقية... اما الطريقة الثانية فهي ان يرى في نفسه الجراة على القيام بالعملية وهنا تختلف الاساليب من شخص إلى شخص فمنهم من يحرص على ان ينتظر الفرصة المناسبة فيظل يتتبع عورات السائقين حتى يقيض الله له سيارةً يقودُها مخمورٌ او مغمورٌ فيتربص به حتى يصدمه صدمة قاضيةً لا يتحمل من مسؤوليتها شيئا امام التأمين والشرطة.. ومنهم من يشترى ادوات هدم وتحطيم رهيبة كالمعاول والفؤوس الصغيرة فاذا قرر التخلص من سيارته خلا بها فاوجعها ضربا قبل ان يحرقها او يتركها بخلاء ثم يبلغ عنها انها سرقت. فتعثر عليها الشرطة بعد ذلك حيث تركها فتعود عليه بتقرير غالبا ما يحكى أن سارقها كان ذكيا لانهم لم يجدوا بها بصمة اخرى غير بصمات صاحبها... ومن اطرف ما شاع في تلك الايام ان احدى الجرائد المحلية نشرت ان سيدة تسكن حيا هادئا خرجت ضحوة يومٍ صائفٍ تحسو بقية قهوة لها في حديقة منزل لها يُطل من مسافة غير بعيدة على الطريق السريع فرأت شخصا يُناطح بسيارته شجرةً ليوهنها فلم يُضرها واوهى سيارتَه.. فاخبرت عنه وظلت تراقبه حتى خرج وبيده جواله ليخبر عن نفسه بانه وقع في حادث فاذا بالشرطة تداهمه وتقول له إن متصلا لم يذكر اسمه اخبر انك كنت تناطح هذ الشجرة فما مشكلتك معها؟ فاشار اليهم انه لا يعرف الإنجليزية.. فطلبوا له مترجما يفهمُ عنهُ، فقال: "قل لهم انى اخذتنى سنة وانا اسوق ولم افق منها إلا عند جذع هذه الشجرة" فصدقوه، ثم تبين بعد ذلك انه كان احد الاخوة البيظان.. ومن ذلك كذلك ان احدهم بصُر يوما بعجوز في الثمانينات من عمرها تقود سيارة على طريق خال فتبعها ليصطدم بها ففطنت به فزادت من سرعتها فزاد من سرعته خلفها فغيرت الخط إلى اليسار فغيره إلى اليسار فراغت إلى اليمين فراغ إلى اليمن فرات امامها اشارة الضوء حمراء فحرقتها فحرقها خلفها ثم تجاوزها فلما استوى امامها اوقف سيارته فجاة حتى تصطدم بها سيارتُها من الخلف... اما هي فأظنها لم تقد سيارة بعد ذلك واما هو فقد نال تعويضا اتخذه راسمال رحل به لينميه في افريقيا.. هكذا تضررت من افعال هؤلاء شركةُ بَاشْمَانْ و"كانتاكى فارم بيرو" للتأمين كما تضررت "أطبيزة" ومن ورائها كل من يتضمنُ أسمهُ كلمة "ولد" وكل اسمائنا تتضمنُها... كان السيد الطيب ولد بيهيم مدَّ الله في عمره يمتلك سيارة من سيارات "باشمان" وكان قد علم انى جئتُ احمل معى بقية زاد مُسافر يقارب الفي دولار فطلب منى ان اشترك معه في تجارة الحليب هو بسيارته وانا بذلك المبلغ... فرضيتُ...يتواصلُ.....