
الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 سيكون بداية السنة الثالثة من ملحمة طوفان الأقصى، 731 يوما مرت على مواجهة سيذكر التاريخ عندما يكتب بموضوعية بغض النظر عن النتيجة المرحلية التي ستؤول إليها، أنها الأكثر دلالة في التاريخ الحديث عن قدرة مجموعة صغيرة نسبيا من المقاتلين الذين ينتمون إلى شعب سلبت منه أرضه بتواطؤ عالمي، على مقاومة والصمود واستنزاف عدو متفوق بآلاف المقاييس، ضم ما يصنف على أنها القوة العسكرية والاقتصادية الأولى عالميا وبدعم كامل من دول غربية تحب أن توصف بمجموعة السبع الأكثر ثراء وقوة وتصنيعا، دول تدعي الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، ولكنها تتنكر لميثاق الأمم المتحدة التي كانت هي من واضعيه بشأن حقوق الشعوب المستعمرة في استخدام كل السبل والوسائل لتتحرر، وتغطي دعمها للمستعمر والمعتدي ومرتكب الجرائم ضد الإنسانية والإبادة بإجراءات لفظية لا تترجم عمليا ولكن تستخدم غالبا للخداع والتمويه.
تدين دول أوروبا بخجل وبعد أشهر طويلة جرائم إسرائيل ضد غزة، ولكنها تقدم أعذارا فارغة للتملص من فرض عقوبات على تل أبيب وتستمر في إرسال السلاح وقطع غيار طائرات ف-35 بدعوى أن اتفاقياتها السابقة ملزمة، ويزور مجرمو الحرب المدانين من طرف محاكم دولية أراضيها فلا تنفذ أوامر بإعتقالهم، وفي نفس الوقت لا تستحي من فرض كل العقوبات الفورية في أقل من 48 ساعة على دول غير غربية تتهم بأنها اعتقلت مواطنا غربيا متهما بالتجسس أو سجنت مثليا أو حرمته من ما تسميه حقوقا.
عملية طوفان الأقصى جاءت لوقف استكمال تنفيذ مخططات تصفية القضية الفلسطينية وتوسيع قدرة الغرب عبر إسرائيل على تفتيت دول منطقة غرب أسيا وامتداداتها العربية، حيث أنه بعد سقوط العراق وليبيا وحروب بلاد الشام وفوضى ما سمي بالربيع العربي لم يكن من الممكن الانتظار أكثر وإلا سوف يكتمل المخطط الذي سيضمن خضوع كل المنطقة الممتدة من حدود أفغانستان شرقا حتى سواحل أفريقيا الشمالية على المحيط الأطلسي لنظام استعماري في صورة جديدة وتشرذم وبلقنة مرشحة لأن تستمر عقودا.
طوفان الأقصى جاء في توقيت ومرحلة حرجة في الصراع الدولي حول إنهاء النظام العالمي ذو القطب الواحد الذي فرضته الولايات المتحدة على العالم بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي نهاية العقد التاسع من القرن العشرين، وأصبح هذا الطوفان بكل تفرعاته وإسقاطاته جزء من مواجهة عالمية متعددة المحاور اقتصاديا وعسكريا وجغرافيا من تايوان شرقا ودول وسط آسيا عبر أوكرانيا غربا والمنطقة الآسيوية الغربية وأفريقيا وأمريكا اللاتينية جنوبا.
بعد أن تبين للجميع تعثر الجيش الإسرائيلي رغم الدعم الأمريكي والغربي شبه المطلق في تصفية المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومتر مربع، وتجمد مشروع تهجير سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، تعاظمت لعبة الوساطات والمقترحات الغربية بحثا عن مخرج يحول التعثر إلى فخ يضمن انتصار تل أبيب.
الأمر الذي يثير حيرة العديد من المراقبين هو كيف تحولت واشنطن أحد أطراف الصراع سواء في فلسطين أو أوكرانيا إلى وسيط.
جاءت خطة الرئيس الأمريكي ترامب نهاية صيف سنة 2025 لوقف الحرب في غزة كجزء جديد من مسلسل طويل الحلقات لإنقاذ إسرائيل من الغرق أكثر في وحل غزة عسكريا وإقتصاديا وسياسيا، وسط عزلة عالمية متضخمة وإدراك متصاعد حتى في أوساط الرأي العام الغربي الأكثر انحيازا للروايات الصهيونية بفشل المشروع الاستعماري الاستيطاني من أصله.
لم يحترم الغرب الاستعماري في حلته الأكثر حداثة رغم عقود من التجارب الفاشلة أحيانا والناجحة أحيانا أخرى، التزاماته ووعوده وكان في أغلب الأحيان يتنكر لها، ويعمل على الاستدارة حولها ليعود إلى السعي وراء تحقيق أهدافه، وهذا الوضع شكل درسا للكثيرين خاصة فيما يوصف بدول الجنوب وبناء عليه تبلورت تكتيكات مواجهته.
وصفة للتفجير
يوم الاثنين 29 سبتمبر 2025 أفادت وكالة أنباء رويترز أن زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية صرح إنه يعتبر إعلان الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن غزة “وصفة لتفجير المنطقة”.
وتعد الحركة، حليفا رئيسيا لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
وجاء في بيان لحركة الجهاد “ما تم الإعلان عنه في المؤتمر الصحفي بين ترامب ونتنياهو هو اتفاق أمريكي-إسرائيلي، وهو تعبير عن موقف إسرائيل بالكامل وهو وصفة لاستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني، وبهذا فإن إسرائيل تحاول أن تفرض عبر الولايات المتحدة ما لم تستطع تحقيقه بالحرب، لذلك نحن نعتبر الإعلان الأمريكي الإسرائيلي وصفة لتفجير المنطقة ".
يوم السبت 4 أكتوبر 2025 انتقد الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني نعيم قاسم، خطة ترامب بشأن قطاع غزة، معتبرا أنها تخدم مشروع “إسرائيل الكبرى”.
كلام قاسم جاء في كلمة متلفزة بثتها قناة “المنار” التابعة لـ”حزب الله” في الذكرى الأولى لاغتيال إسرائيل القياديين نبيل قاووق وسهيل الحسيني.
واغتالت إسرائيل عدة قادة بارزين “في حزب الله” أبرزهم الأمين العام السابق حسن نصر الله، في 27 سبتمبر 2024، بسلسلة غارات عنيفة بصواريخ مضادة للتحصينات استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت، ونبيل قاووق، بغارة على منطقة الشياح بالضاحية في 29 من الشهر نفسه، وسهيل الحسيني بغارة على منطقة في بيروت في 8 أكتوبر من العام نفسه.
ولفت قاسم إلى أن “خطة ترامب عرضت بصيغة أولية على بعض الدول العربية، وبعد لقاءات بين ترامب مع نتنياهو أُدخلت خلالها تعديلات لتناسب إسرائيل بالكامل”.
وأضاف: “أُجريت تغييرات على عدد من نقاطها بما يخدم مشروع ’إسرائيل الكبرى’، الذي تسعى لتحقيقه بالسياسة بعد أن عجزت عنه بالعدوان والمجازر”.
وتابع: “وفق خطة ترامب، عندما تكون الإدارة بيد طرف دولي، وتسلب المسؤولية من أهل الأرض عن إدارة شؤونهم، وحين يؤخذ الأسرى في الأيام الأولى، فما الذي نكون قد حققناه بعد كل هذه المعارك؟”، في إشارة إلى مقاومة الفصائل الفلسطينية لحرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ عامين.
وأردف: “سننتظر الكلمة الفصل من الفلسطينيين، لأن ما طرح هو خطة وليس اتفاقا، ولا يمكن أن يحصل أي شيء إلا بناءً على اتفاق”.
ومساء الجمعة 3 أكتوبر، قالت حماس في بيان، إنها سلمت ردها على خطة ترامب بشأن غزة للوسطاء، معلنة موافقتها على الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات.
كما جددت موافقتها على تسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط) بناء على التوافق الوطني الفلسطيني، واستنادا إلى الدعم العربي والإسلامي.
لكنها شددت في المقابل على أن مستقبل القطاع وحقوق الشعب لا تناقش سوى في إطار فلسطيني.
وتقدر تل أبيب وجود 48 أسيرا إسرائيليا بغزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع بسجونها نحو 11 ألفا و100 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، قتل العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
وفي 29 سبتمبر 2025، أعلن ترامب خطة تتألف من 20 بندا، بينها: الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة، ووقف إطلاق النار، ونزع سلاح حركة حماس.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة، خلفت 67 ألفا و74 شهيدا، و169 ألفا و430 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 459 فلسطينيا بينهم 154 طفلا.
الشيطان في التفاصيل
مساء يوم الجمعة 3 أكتوبر 2025 صرح القيادي في حركة “حماس” موسى أبو مرزوق، إن الحركة وافقت على خطة ترامب بشأن غزة بعناوينها الرئيسية كمبدأ، مؤكدا أن تطبيقها يحتاج لتفاوض.
وشدد أبو مرزوق، أن الحركة ستسلم السلاح للدولة الفلسطينية القادمة، وأن مستقبل الشعب الفلسطيني مسألة وطنية لا تقرر حماس وحدها فيها. وأضاف: “وافقنا على الخطة الأمريكية بعناوينها الرئيسة كمبدأ”. ولفت إلى أن تنفيذها العملي “يحتاج إلى مفاوضات تفصيلية عبر الوسطاء”.
وأشار أبو مرزوق، إلى أن حماس “ستدخل في تفاوض بشأن كل القضايا المتعلقة بالحركة والسلاح”.
وتابع: “على سبيل المثال، كل التفاصيل المتعلقة بقوة حفظ السلام تحتاج إلى تفاهمات وتوضيح”.
وأوضح أبو مرزوق، أن حماس، “ستسلم السلاح للدولة الفلسطينية القادمة، وأن من يحكم غزة سيكون بيده السلاح”.
وشدد على أن “رسم مستقبل الشعب الفلسطيني مسألة وطنية لا تقرر فيها حماس وحدها”، داعيا واشنطن للنظر “بإيجابية لمستقبل الشعب الفلسطيني”.
وذكر أبو مرزوق، أنه “جرى التوافق وطنيا على تسليم إدارة غزة لمستقلين تكون مرجعيتهم السلطة الفلسطينية”.
وأكد أن حماس، “حركة تحرر وطني، وأن تعريف الإرهاب في الخطة لا يمكن أن يطبق عليها”.
وخلال مؤتمر صحفي مع ترامب بالبيت الأبيض، الاثنين 29 سبتمبر، أعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، أنه “يدعم خطة ترامب”، معتبرا أنها “تحقق الأهداف الإسرائيلية من الحرب”.
مقارنة
جاء في تقرير نشرته وكالة رويترز الأمريكية يوم 4 أكتوبر 2025:
ردت حركة حماس، مساء الجمعة 3 أكتوبر، على خطة ترامب لمستقبل غزة، وقبلت الحركة بعض الأجزاء الرئيسية من الخطة، مثل إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيل والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين والمساعدات وجهود إعادة الإعمار ورفض تهجير الفلسطينيين من القطاع.
إلا أن هناك اختلافات واضحة في بيان حماس وخطة ترامب حول إدارة غزة ومشاركة حماس في مستقبل القطاع.
وفيما يلي مقارنة بين بيان حماس وخطة ترامب:
قالت حماس إنها ستفرج عن "جميع أسرى الاحتلال أحياء وجثامين وفق صيغة التبادل الواردة في مقترح الرئيس ترامب ومعتوفير الظروف الميدانية لعملية التبادل".
ولم تحدد ما تعنيه "بالظروف الميدانية". وقالت إنها مستعدة للدخول في محادثات فورا عبر الوسطاء لمناقشة المزيد من التفاصيل.
وتنص خطة ترامب على أن حماس ستعيد جميع المحتجزين "خلال 72 ساعة من قبول إسرائيل علنا بهذا الاتفاق".
وجاء في اقتراح ترامب أنه بعد ذلك، ستفرج إسرائيل عن 250 أسيرا فلسطينيا يقضون أحكاما بالسجن المؤبد، بالإضافة إلى 1700 من سكان غزة الذين اعتقلتهم إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023، بمن فيهم جميع النساء والأطفال. وتقول خطة ترامب إنه في مقابل كل محتجز إسرائيلي تسلم رفاته، ستفرج إسرائيل عن رفات 15 قتيلا من سكان غزة.
*وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب والانسحاب الإسرائيلي:
قالت حماس إنها وافقت على إطار "يحقق وقف الحرب والانسحاب الكامل من القطاع"، ولم يشر بيان حماس إلى أي مراحل مختلفة لانسحاب إسرائيل وقالت إنها ترفض الاحتلال الإسرائيلي.
وجاء في خطة ترامب أن "القوات الإسرائيلية ستنسحب إلى الخط المتفق عليه للتحضير لإطلاق سراح الرهائن". وقالت إنه خلال تلك الفترة، سيتم تعليق الحملة العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي، و"ستبقى خطوط القتال مجمدة إلى حين استيفاء شروط الانسحاب التدريجي الكامل".
*المساعدات وإعادة الإعمار وعدم تهجير الفلسطينيين:
رحبت حركة حماس بحث خطة ترامب على زيادة المساعدات إلى غزة مع عدم الدعوة إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع.
وجاء في خطة ترامب أنه سيتم إرسال المساعدات فورا إلى غزة بكميات تتسق مع اتفاق 19 يناير 2025. كما أنها ستشمل إعادة تأهيل البنية التحتية والمستشفيات والمخابز وإدخال المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض وفتح الطرق. وستدار المساعدات من خلال الأمم المتحدة والهلال الأحمر والمؤسسات الدولية الأخرى بموجب الخطة.
وقالت حماس إنها ترفض تهجير الفلسطينيين من غزة. وجاء في خطة ترامب أنه "لن يتم إجبار أحد على المغادرة"، ومن يرغب في المغادرة سيكون له حرية العودة.
نقاط تبدو فيها حماس على خلاف مع خطة ترامب.
تنص خطة ترامب على أن "غزة ستحكم تحت إدارة انتقالية مؤقتة تتولاها لجنة فلسطينية من التكنوقراط والمستقلين سياسيا"، إلا أنها لا تحدد أي فرد فلسطيني أو مجموعة فلسطينية بالاسم للمشاركة في المرحلة الانتقالية.
وتقول خطة ترامب إن اللجنة ستخضع لإشراف هيئة انتقالية دولية جديدة سيرأسها ترامب وستضم أعضاء آخرين، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
وقالت حماس إنها ستوافق على تسليم إدارة قطاع غزة "لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط) بناء على التوافق الوطني الفلسطيني واستنادا للدعم العربي والإسلامي". وكانت حماس قد عرضت في السابق تسليم إدارة غزة إلى هيئة مختلفة.
ولم تعلق حماس على اقتراح نشر "قوة دولية مؤقتة لتحقيق الاستقرار" في غزة بموجب خطة ترامب التي ستعمل الولايات المتحدة من أجلها مع شركاء عرب.
*لا دور لحماس في مستقبل غزة:
قالت خطة ترامب إن حماس "ستوافق على ألا يكون لها دور في حكم غزة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر أو بأي شكل من الأشكال". وجاء في الخطة أيضا أنه ستكون هناك "عملية لنزع سلاح غزة".
فيما قالت الحركة في ردها إن هذا "مرتبط بموقف وطني جامع واستنادا إلى القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة، ويتم مناقشتها من خلال إطار وطني فلسطيني جامع ستكون حماس من ضمنه وستسهم فيه بكل مسؤولية".
ولم يعلق بيانها الصادر يوم الجمعة على نزع السلاح. ورفضت الحركة في السابق مثل هذه المطالب. ولم يعلق بيان حماس على الاقتراح الوارد في خطة ترامب بمنح عفو وممر آمن لأعضاء حماس الذين "يلقون" سلاحهم.
تطابق مع حلم إسرائيل ولكن!
كتب روي شفارتز في صحيفة الغارديان البريطانية يوم 4 أكتوبر 2025: وعود ترامب بالعودة للوضع الطبيعي عرض مغر للإسرائيليين الذين لا يهتمون بمستقبل غزة، لكن إهمال التفاصيل في الخطة يعيق الحلم.
لم يمضِ وقت طويل حتى أصبح "إنجيل" دونالد رسالة يمكن للجميع في إسرائيل قبولها. وخطة العشرين نقطة لإنهاء الحرب الدائرة في غزة، هي كل ما حلم به الإسرائيليون، فأخيرا سيعود الرهائن، بعضهم إلى عائلاتهم، وبعضهم الآخر إلى قبورهم. وستزول حماس، على الأقل كمنظمة حاكمة، وسيعود الجنود إلى ديارهم. ومن المفترض أن “خطة السلام” تعني العودة إلى الحياة الطبيعية.
قد توحي قراءة سريعة للخطة المكونة من صفحة واحدة بأن نتنياهو، وجماعته شاركوا في صياغتها. وفي بعض الأحيان، تبدو أقرب إلى قائمة مطالب إسرائيلية منها إلى تنازلات دبلوماسية. ولعل هذا هو سبب موافقة نتنياهو السريعة عليها. وحتى في ذلك الوقت، تجدر الإشارة إلى أن خطابه قدم نسخة مختلفة قليلا عن الخطة الواردة في الوثيقة المكتوبة، حيث ذكر أنه لا يوافق على دولة فلسطينية أو انسحاب عسكري كامل.
لكن الخطة، التي وصفها ترامب بأعظم إنجاز حضاري، تكشف بعض الثغرات التي تشكل عقبة بالنسبة لحماس. وقد يسعد رفض حماس للخطة نتنياهو لأن ذلك سيتيح له الظهور كشخص يحاول بصدق إنهاء الحرب، والذي سيحظى بمباركة أمريكية كاملة في حال قرر استئنافها. وقد يكون هناك بعدا أعمق للعبة باعتبار أن وقف إراقة الدماء قد يعني انهيار ائتلافه.
وفي حال وافقت حماس على الخطة من حيث المبدأ مع المطالبة بمزيد من التفاوض، يظهر سؤال آخر حول مدى مرونة إسرائيل في ظل الحكومة اليمينية المتشددة التي ترى في أي تنازل مبررا لحل الائتلاف. وفي هذه الحالة سيتم اختبار مدى قدرة الولايات المتحدة على ممارسة الضغط على نتنياهو فعليا، وفي حال فشل هذا الأمر فماذا بعد؟.
لنأخذ البند 17 من الخطة الذي ينص على أنه حتى لو رفضت حماس الاتفاق أو أجلته، فإن إسرائيل ستسلم مناطق “خالية من الإرهاب” إلى قوة دولية. فكيف يفترض أن يحدث ذلك بالضبط؟ كيف ستعمل هذه القوة فعليا في منطقة حرب؟ في الواقع لا توجد إجابات على هذه الأسئلة.
وحتى لو افترضنا أن الاقتراح الأصلي سينفذ بمساعدة من الدول العربية والإسلامية، فلن تكون هذه نهاية الشكوك، بل البداية فقط. وكثير من الشكوك تتعلق بما يسمى باليوم التالي. حيث تعد الخطة بتقديم مساعدات إنسانية كاملة لغزة، بما في ذلك إعادة تأهيل البنية التحتية (الماء والكهرباء والصرف الصحي) والمستشفيات والمخابز، ودخول المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض وإعادة فتح الطرق. إلا أن تخصيص الأموال غائب. ولا تقدم الوثيقة أي تفاصيل عن تكلفة ذلك أو عن الجهة التي ستقدم هذا التمويل.
وينطبق الأمر نفسه على قوة الاستقرار الدولية المقترحة، فأي الدول سترسل قوات؟ وكم عددها؟ ومن ستكون له السلطة الشاملة على هذه القوات؟ وكيف سينسقون مع الجيش الإسرائيلي؟ ومن سيتولى مسؤولية ضمان ألا تصبح غزة ساحة لصراع دول مختلفة، لكل منها مصالحها وأجنداتها الخاصة؟ وأخيرا من سيقدم الضمانات لشعب غزة بأن كل هذا ليس مجرد شكل جديد من أشكال الاحتلال الأجنبي؟ قد تبدو هذه تفاصيل بسيطة، ولكنها ضرورية – إن لم تكن حاسمة – لجعل الخطة أكثر من مجرد نظرية.
ومع ذلك، يبدو أن النقاش العام في إسرائيل لا يكترث إلى حد كبير بمثل هذه الأسئلة. وهذا ليس مفاجئا. فقد تجاهل عديد من الإسرائيليين كارثة غزة منذ بدء الحرب، بما في ذلك الموت الجماعي والتجويع الذي لحق بالفلسطينيين العزل. ومن المنطقي ألا يهتموا بكيفية تقدم غزة. ففي أغلب الأحيان، يبدو للإسرائيليين أن ما يحدث في غزة يبقى في غزة، دون أي عواقب على الطرف الآخر.
وبطريقة ما، تتوافق النهاية المقترحة للحرب مع هذه العقلية. فهناك شعور سائد بأنه إذا مضت الخطة قدما، فستعود إسرائيل ببساطة إلى أيام ما قبل وقوعها. وسيتم نسيان كل ما حدث في غزة، باستثناء هجوم 7 أكتوبر 2023 بالطبع. ولن يكون هناك سبب للاحتجاج ضد إسرائيل عالميا، وبالتأكيد ليس لفرض عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين، أو الدعوة إلى استبعادهم من الأحداث الرياضية الدولية أو مسابقة الأغنية الأوروبية.
قد يبدو بقاء قطاع غزة، في المستقبل المنظور، منطقة مدمرة بلا بنية تحتية تذكر بالنسبة لإسرائيل. كما لا يبدو أن الأمر يهم، إذ سيستغرق سكان غزة وقتا طويلا لإعادة بناء منازلهم والعودة إلى أعمالهم – أو لدفن أحبائهم والحزن عليهم. ناهيك عن احتمالية كشف المزيد من الأهوال إذا أصبحت غزة أكثر أمانا وانفتحت على الصحافة الأجنبية.
في النهاية نادرا ما تُناقش هذه القضايا، وتصبح ككتاب تاريخ تمت إعادته إلى المكتبة وإغلاقه ببساطة.
خطوة تكتيكية
جاء في تقرير نشرته صحيفة إزفيستيا الروسية نشر يوم 4 أكتوبر 2025:
ترى حماس أن إعادة الأسرى خلال مهلة الـ 72 ساعة التي حددها ترامب غير واقعية. وقد صرح مصدر في الحركة الفلسطينية لـ “إزفيستيا” بذلك. وأضاف أن البحث عن جثث القتلى ونقل الأسرى سيتطلبان مزيدا من الوقت والتحضير.
ووفقا للمستشرق كيريل سيمينوف، “لا يمكن اعتبار الاتفاق الذي اقترحه ترامب تسوية حقيقية.
قد توافق حماس على اتفاق ليس من أجل التوصل إلى تسوية، بل كخطوة تكتيكية. فأي وقف للعملية يسهل حياة سكان غزة. ومع ذلك، يجب أن يفهم أن إسرائيل قد تنتهك الاتفاق في أي وقت. ولكي يكون الاتفاق سليما، يجب أن يتضمن إجراءات للضغط على إسرائيل في حال انتهاكه، من قبيل رفض سحب قواتها. وإلا، فإن مطالبة حماس بالوفاء بجميع الشروط المنصوص عليها ستكون غير مناسبة.
لا تتضمن المسودة أي ذكر لمستقبل الدولة الفلسطينية أو أي بنود لإنهاء احتلال الضفة الغربية. في جوهره، لا يحل الاتفاق المشكلة، بل يجمدها فحسب، وعلى الأرجح لفترة وجيزة فقط”.
ووفقا لسيمونوف، تحتفظ المقاومة الفلسطينية بموارد كافية لمواصلة العمليات العسكرية حتى في حال رفض الخيار المقترح. فـ “حماس تستطيع التمسك بغزة وشن حرب على إسرائيل لسنوات طويلة قادمة. الحركة لديها القدرة على المقاومة، ويمكنها توقع تغييرات سياسية مفاجئة في إسرائيل. لذلك، بالنسبة لحماس، لا يغير هذا الاتفاق الوضع جذريا: إذا وافقت، فسيكون ذلك خطوة تكتيكية مؤقتة، وإذا رفضت، فسيبقى موقفها كما هو”.
الفخ الأكبر في خطة ترامب
جاء في دراسة قدمها د. محمد السنوسي نشرت على الشبكة العنقودية يوم 3 أكتوبر 2025:
كشف البيت الأبيض عن وثيقة من عشرين بندا وصفت بـ"خطة سلام"، وقعها الرئيس ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. عرضت الخطة كـ"بداية عهد جديد" لغزة، بوعد وقف الحرب وإطلاق إعادة إعمار واسعة.
لكن قراءة متأنية، في ضوء مئة عام من التجارب والمآسي الفلسطينية، تكشف أن ما يسوق كحل ليس سوى إعادة إنتاج لدورات مألوفة من التنازلات والتفريط: من وعد بلفور (1917)، وقرار التقسيم (1947)، إلى اتفاق أوسلو (1993)، وصولا إلى ما يسمى اليوم "مشروع ترامب". ما يطرح سؤالا جوهريا: ماذا تحمل هذه الخطة في تفاصيلها؟
ماذا تقول الخطة؟
خطة ترامب- نتنياهو تحمل في ظاهرها وعودا براقة: وقف الحرب وفتح طريق نحو السلام. لكن تحت هذه الواجهة الإنسانية، تختبئ بنود تحمل في طياتها مخاطر سياسية جسيمة، حيث يخلط بين الإغراء والتفريط.
• أولا، وقف فوري لإطلاق النار يقدم كمدخل إنساني لوقف نزيف الدم في غزة، لكنه مشروط بخطوات لاحقة تجعل منه هدنة اختبارية لا اتفاقا ملزما، وكأنه اختبار لقدرة الفلسطينيين على الخضوع لشروط جديدة.
• ثانيا، نزع سلاح حماس بالكامل تحت رقابة دولية يمثل قلب الخطة. هنا يتحول سلاح المقاومة إلى "عقبة" يجب تفكيكها، بينما يبقى الاحتلال مسلحا ومحصنا، ما يؤكد أن السلام هنا ليس توازنا وإنما هو استسلام.
• ثالثا، تبادل الأسرى والرهائن يعرض كخطوة إنسانية، لكنه يرسخ تكافؤا زائفا بين آلاف الأسرى الفلسطينيين- كثير منهم اعتقلوا تعسفا- وبين رهائن إسرائيليين، في سياق حرب قائمة، ليصير الأمر تبادلا غير عادل على أرض الواقع.
• رابعا، الانسحاب الإسرائيلي يطرح كمكافأة مشروطة وليس كحق أصيل. أي إخلال فلسطيني بالشروط يمنح الاحتلال حق البقاء، ويحول الانسحاب إلى ورقة ضغط مستمرة بدل أن يكون خطوة نحو التحرير.
• خامسا، إدارة انتقالية عبر "مجلس سلام" دولي تمثل أخطر بند في الخطة، إذ توضع غزة تحت وصاية مباشرة بقيادة أمريكية، بإشراف وجوه بارزة مثل توني بلير، في مشهد يكرر تجارب التاريخ، حيث يتحول "الانتقالي" إلى دائم، ويفتح الباب لفصل غزة عن الضفة، وتفريغ المشروع الوطني من جوهره.
• سادسا، إعادة إعمار كبرى تقدم كـ"جائزة"، لكنها مشروطة. الأموال والمشاريع تدار من الخارج وتستغل كأداة ابتزاز: قبول الشروط السياسية مقابل الإعمار، أو الحرمان منه.
• وأخيرا، الشرط الأخطر يكمن في تهديد ترامب المباشر: الخطة ليست خيار سلام عادل، بل هي إنذار صريح، قبول الشروط يفتح أبواب المساعدات، ورفضها يمنح إسرائيل الضوء الأخضر لاستمرار الحرب بدعم أمريكي كامل.
ببنودها هذه، تتحول الخطة من مجرد مشروع للإعمار أو وقف النار إلى لعبة سياسية محكمة، ترتدي عباءة شعارات السلام، لكنها في العمق تخفي أدوات جديدة لفرض وصاية طويلة الأمد، وتفكيك المشروع الوطني الفلسطيني.
فهي ليست اتفاقا إنسانيا أو سياسيا عابرا، بل خطوة إستراتيجية لإعادة ترتيب قواعد السيطرة، وإعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني ضمن صيغة جديدة من الوصاية.
من خلال آليات مثل إنشاء إدارة دولية مباشرة لشؤون غزة، وربط الإعمار بشروط سياسية وأمنية، تتحول الوعود الإنسانية إلى أدوات ضغط سياسي، ما يجعل الخطة أكثر من مجرد خطة للإغاثة، بل خريطة طريق لإعادة بناء الواقع السياسي بما يخدم مصالح خارجية على حساب الإرادة الوطنية.
امتداد مدروس لصيغ سياسية تاريخية
إن ما يقدَم اليوم ليس مجرد مقترح لإعادة إعمار أو اتفاق سياسي عابر، بل هو امتداد مدروس لصيغ سياسية تاريخية تكررت عبر عقود، تحمل ذات الأهداف الجوهرية وتقدَم بأساليب جديدة أكثر إقناعا وتعبئة.
هذه الخطة ليست مصادفة ولا تجمعا عشوائيا من البنود، بل هي شبكة من الألغام والأفخاخ الإستراتيجية المصممة بدقة، التي لا تهدف فقط إلى إدارة أزمة عاجلة، بل إلى إعادة إنتاج تجربة طويلة من تهميش الحقوق الفلسطينية وتحويل المشروع الوطني إلى ملف تقني وأجندة مرحلية في طريق الإجهاز عليه وإقباره نهائيا.
كل بند فيها ليس حدثا عابرا، بل حجر زاوية في منظومة متكاملة تسعى لإعادة صياغة الواقع السياسي تحت غطاء جديد: شعارات إنسانية وأمنية تخفي وراءها آليات وصاية طويلة الأمد وتقسيم سياسي جديد.
هذه الألغام ليست سوى أدوات في خطة أكبر، تستهدف تثبيت واقع يشرعن السيطرة ويطيل أمد الاحتلال، عبر سلسلة من الشروط، والتأجيلات، وقرارات يتم تقديمها على أنها حلول إنسانية.
ومن هنا، ينتقل بنا التحليل إلى المرحلة التالية: فك الألغام الكامنة في نص الخطة، حيث تتكشف البنود كأدوات إستراتيجية دقيقة تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الفلسطيني بشكل ممنهج، مع إخفاء تهديدات مباشرة للمشروع الوطني والسيادة الفلسطينية خلف غطاء إنساني وأمني.
وهذه العملية لا تقتصر على إعادة رسم خريطة السيطرة، بل تمس جوهر القضية الفلسطينية بأبعادها السياسية والإنسانية، لتكشف كيف أن هذه الخطة ليست مجرد اتفاق مرحلي، بل هي جزء من مسار طويل يعيد صياغة مستقبل الفلسطينيين برؤية تفرض قيودا على حقهم في تقرير مصيرهم:
لغم "المرحلية"- من وعد مؤقت إلى واقع دائم
التاريخ يعلمنا أن العبارات المؤقتة غالبا ما تتحول إلى قواعد دائمة. من وعد بلفور مرورا باتفاقيات أوسلو، شهد الفلسطينيون كيف تحولت الوعود الإدارية إلى حقائق سياسية تقيد المطالب الوطنية.
اليوم، يقترح المجلس الدولي الانتقالي في الخطة الجديدة نموذجا يبدو مؤقتا، لكنه يحمل صلاحيات تشغيلية وإدارية تكفل الاستمرارية، ما يهدد بخلق فصل إداري وسياسي بين غزة والضفة، وتحويل ما يسمى "مرحلة انتقالية" إلى واقع دائم يهمش وحدة المشروع الوطني.
لغم "تحويل الحقوق إلى بنود تقنية وأمنية"
التاريخ الفلسطيني مليء بمحاولات لتقزيم الحقوق السياسية إلى مسائل أمنية أو تقنية، لتجريدها من جوهرها السياسي. اليوم، يتحول مطلب نزع سلاح حماس إلى شرط أساسي للإعمار، بينما لا يفتح النقاش حول سلاح الاحتلال أو إنهاء آليات السيطرة.
النتيجة: تهميش البعد السياسي للمقاومة، وتقليص الحقوق إلى إدارة أمنية تبقي السيطرة بيد الطرف الأقوى.
لغم "الإغراء الاقتصادي مقابل التفريط السياسي"
هذا اللغم هو أخطر ما في الخطة، لأنه يعيد إنتاج مقايضة تاريخية: وعود بالازدهار مقابل التنازل عن الحقوق.
منذ وعد بلفور، مرورا بمشاريع تنمية مشروطة بإسقاط الحقوق الأساسية، وصولا إلى اتفاق أوسلو الذي جعل السلطة الفلسطينية مرتبطة بالتمويل الدولي مقابل تجميد القضايا الجوهرية، اليوم، تقدَم خطة ترامب-نتنياهو بوعد بـ"ريفيرا جديدة" وإعمار شامل، مقابل نزع سلاح غزة وإخضاع إدارتها لهيئات دولية، أي أن أبسط حقوق الفلسطينيين تُحول إلى أداة ابتزاز سياسي.
النتيجة المتوقعة: اقتصاد هش، تبعية مطلقة، وقضايا التحرير والسيادة في الهامش.
لغم "تأجيل القضايا الجوهرية"
تأجيل القضايا الكبرى إلى "مرحلة لاحقة" كان ولا يزال وسيلة لإطالة أمد الاحتلال وإعادة تشكيل الواقع. اتفاقيات سابقة مثل أوسلو جسدت هذا التكتيك، واليوم تكرره الخطة بصياغة أكثر إغراء، مع ترك الملفات الجوهرية معلقة بلا سقف زمني أو ضمانات.
النتيجة: إعمار بلا سيادة، وقف نار بلا حل للصراع، وتحويل المرحلة الانتقالية إلى غاية في ذاتها، ما يكرس فقدان المشروع الوطني.
لغم "الوصاية الدولية والتنظيف السياسي"
الاقتراح بتشكيل مجلس دولي لإدارة غزة ليس إلا وصاية جديدة بصيغة معاصرة. هذا المقترح يطرح نفسه تحت شعار الحياد والتقنية، لكنه يشرعن إقصاء القوى الفلسطينية، ويمنح القرار للجهات الخارجية.
النتيجة: تحويل إدارة غزة إلى كيان خاضع، معزول عن الإرادة الوطنية، وفصل إداري يهدد وحدة المشروع الوطني الفلسطيني.
لغم "التهديد بالعنف كأداة تفاوض"
التاريخ الفلسطيني مليء بالتجارب التي استخدمت القوة لفرض شروط سياسية، واليوم تتكرر نفس المعادلة بشكل أكثر وضوحا: الخطة تقدَم مع إنذار صريح بأن أي رفض سيقابَل بدعم عسكري كامل.
النتيجة: إحكام منطق الإذعان بالقوة، وتكريس فكرة أن السلام ممكن فقط عبر الخضوع، وليس عبر حقوق عادلة.
لغم "التقسيم الإداري والاهتراء الوطني"
كل خطة على غرار هذه تستهدف في الجوهر تفتيت المشروع الوطني عبر تقسيم الشعب والأرض. منذ مشروع "روابط القرى" مرورا بالحكم الذاتي، كان الهدف هو تحويل الفلسطينيين إلى كيانات محلية بلا سيادة. الخطة الجديدة تكرر ذات النهج: إنشاء إدارة منفصلة لغزة يخدم مصلحة الاحتلال ويكرس الانقسام، ما يضعف أي أفق لوحدة وطنية حقيقية.
في المحصلة، يقودنا هذا التحليل إلى استنتاج أساسي يمكننا من إدراك الفكرة الجوهرية وراء هذا المشروع، وفهم أنه ليس مجرد اتفاق مؤقت، بل خطوة مدروسة في إستراتيجية طويلة الأمد لإعادة صياغة الواقع الفلسطيني والتحكم بمساره.
الفكرة الجوهرية: تحديث الأدوات لتستمر المشكلة
الفكرة الجوهرية التي تبرز من خلال الخطة هي أنها ليست مجردَ اقتراح لحل نزاع محدد، بل تحديثا متقنا لأدوات إدارة القضية الفلسطينية، وليس إلغاءها أو حلها.
التقنية الحديثة التي تقدمها الخطة، هي: مجلس دولي لإدارة غزة، مشاريع إعمار ضخمة، تسويق إعلامي ذكي، أسماء دولية بارزة تمنح الخطة غطاء مظهريا جديدا، لكن الجوهر السياسي يبقى ثابتا: إدارة القضية بدل إنهائها، تأجيل قضايا المصير، وتحويل الحقوق الأساسية إلى شروط أمنية.
هذه الأدوات الجديدة ليست إلا واجهة لنسق طويل من الخطط التي جرى من خلالها إطالة أمد الاحتلال وتحويل النكبة إلى مأساة مستمرة.
الخطوة التالية هي أن نرى الخطة كجزء من إستراتيجية أوسع لإعادة ترتيب الشرق الأوسط.
عمر نجيب