منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 اتبعت تل أبيب وواشنطن تكتيك التمويه والتضليل فيما يخص جهود التوصل إلى تسوية وذلك على أساس تصورهما القدرة على تصفية المقاومة الفلسطينية في غزة والنجاح في تحقيق حلم إجبار غالبية فلسطينيي القطاع على الهجرة خارج أراضيهم إلى سيناء. ولكن بعدما تجرأ بعض الخبراء والمستشارين الذين يقدمون النصيحة للقادة السياسيين وغيرهم في المعسكر المؤيد لتل أبيب، على التمرد على قاعدة تقديم التقارير المغلوطة والمحرفة التي ترضي وتتجاوب مع تطلعات الساسة وقول الحقائق عن صعوبة أو استحالة القضاء على قدرة غزة على الصمود، اصطدم هؤلاء بالاعتبارات السياسية المصيرية لأشخاص مثل نتنياهو المعرض للمتابعة القضائية داخليا، وساسة في لندن وواشنطن وبرلين أساسا يدركون أن العجز عن إحراز نصر واضح في التحدي الجديد الذي برز في الشرق الأوسط المركز سيفسد كل خطط المحافظين الجدد ويعزز الروابط التي تزداد كثافة بين دول المنطقة مع كل من موسكو وبكين ومن يتحالف معهم في المواجهة الأوسع من أجل نظام عالمي جديد ينهى الهيمنة والأحادية الأمريكية على الصعيد الدولي.
من أسبوع لآخر كانت تصدر تصريحات عن قرب الوصول إلى تسوية وأن هناك نقطة أو اثنتين تنتظران الحل وهكذا تواصلت العملية طوال 13 شهرا، نفس التكتيك يتبع حاليا بالنسبة لوقف النار بين حزب الله وتل أبيب لتمسك البعض في القيادات الغربية بوهم الانتصار في زمن متمدد، ولكن المتغير منذ بداية شهر نوفمبر 2024 هو أنه لم تعد تل أبيب وواشنطن وحدهما من يتبع هذا الأسلوب في التعامل بل غدا لبنان وبلسان حزب الله يمارس المناورة في وقت أصبح فيها المعسكر المعادي في أشد الحاجة لتسوية ولكن دون ربطها بغزة لأنه غير قادر حتى الآن على كسر القدرة العسكرية للمقاومة الإسلامية في لبنان ولأنه أصبح يتكبد في كل يوم يمر مزيدا من الخسائر المادية والبشرية مع إقبال متزايد للمستوطنين في الهجرة خارج المنطقة.
يوم الأحد 24 نوفمبر 2024 سجلت المقاومة في لبنان أعلى عدد عمليات عسكرية في يوم واحد، ضد إسرائيل، في الجنوب، وفي عمق الأراضي الفلسطينية، منذ بداية الحرب، حيث نفذ المقاومون 51 عملية. وقصفت المقاومة كل المنطقة الواقعة جنوب لبنان وحتى تل أبيب وسط إسرائيل، عملا بالمعادلة التي أعلنها الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم بأن الرد على استهداف العاصمة بيروت سيكون بقصف تل أبيب. كما أطلقت المقاومة أكثر من 340 صاروخا في اتجاه المستوطنات والجيش الإسرائيلي، منها نحو 20 صاروخاً نحو منطقة الوسط، وقد دوت صافرات الإنذار أكثر من 500 مرة خلال أقل من 12 ساعة وأجبر حوالي 4 ملايين إسرائيلي على اللجوء إلى الملاجئ حسب الإعلام العبري.
يتبع المعسكر المساند لإسرائيل والمعادي لكل من حزب الله وحركة حماس أساسا ومعهما ما يوصف بمحور المقاومة الممتد من اليمن جنوبا حتى العراق شمالا وبسبب عجزه حتى الأن عن تحقيق الأهداف التي وضعتها حكومة نتنياهو في تل أبيب، تكتيكات متبدلة من أجل إحداث شروخ في معسكر المقاومة. تتركز جهود التفتيت على سوريا حيث تقدر كل من واشنطن وتل أبيب أنه يمكن تدمير التحالف القائم بين دمشق وطهران وحزب الله اللبناني، وتلوح واشنطن وبعض حلفائها من خارج حلف الناتو بالكثير من المغريات تجاه سوريا لخصها وشبهها البعض بعرض الغرب جعل غزة تصبح أفضل من مدينة موناكو الخلابة ولتكون أفضل بقعة في الشرق الأوسط. مقابل تخلى الفلسطينيين عن حقهم في دولتهم المستقلة.
بينما يفرض واقع المعركة نفسه في مجالات عديدة تواجه تل أبيب تحديات متزايدة منها حكم محكمة الجنايات الدولية باعتقال نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، والصراع الداخلي بين الجيش والأجهزة الأمنية والاستخبارية والسلطات السياسية، والتدهور الاقتصادي وفرار رؤوس الأموال والهجرة المضادة التي بدأت حتى دول الاتحاد الأوروبي تخشى من تصاعدها، ونقص عديد القوات العسكرية.
المواجهة الأوسع
يوم 17 نوفمبر 2024 أبدى اللواء في احتياط الجيش الإسرائيلي، إسحاق بريك، خشيته من "وجود محور روسي صيني إيراني يكرس موارد هائلة من أجل إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، ومعها إسرائيل"، مشددا على "ضرورة الاستعداد لذلك".
وفي حديث إلى "القناة 12" الإسرائيلية، وصف بريك "إسرائيل" بأنها "تعيش في عالم آخر"، محذرا من أنها "تعيش على نقطة الوقود الأخيرة" (في دلالة على ضيق الخيارات أمام تل أبيب في حربها).
كما أكد بريك "وجوب فهم الوضع جيدا، وترميم الجيش فورا"، معترفا بأن "إسرائيل لن تخضع حزب الله بالقوة العسكرية"، ما يجعل "التسوية ضرورية، ويجب أن تكون فورية"، بحسب ما تابع.
وأكد إسحاق بريك، وهو مفوض شكاوى الجنود لدى الحكومة سابقا، أن "إسرائيل، مع جيش البر الموجود حاليا، لا تستطيع المواجهة على عدة ساحات بشكل مقبول".
وفي هذا السياق، أقر بريك بأن "إسرائيل لم تنتصر حتى في ساحة واحدة"، هي قطاع غزة، على حركة حماس والمقاومة، محذرا: "نحن نخسر الأسرى، وبعد شهرين، لن يكون أحد مهم حيا".
ولدى حديثه عما يواجهه الجيش على صعد عديدة، أشار بريك إلى "وجود قوات بدأت تفقد القدرات"، بينما "ليس هناك بديل للاحتياط ومن هم في الخدمة النظامية".
مخاطر
جاء في تحليل كتبه كل من كريسبيان بالمر وإميلي روز ونشرته وكالة رويترز يوم الأحد 24 نوفمبر 2024:
يقول محللون ومسؤولون إن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يواجه مخاطر قانونية في الداخل والخارج تنذر بمستقبل مضطرب بالنسبة له وقد تؤثر على مسار الحرب في غزة ولبنان.
وفاجأت المحكمة الجنائية الدولية إسرائيل يوم الخميس 21 نوفمبر بإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ 13 شهرا.
جاءت المفاجأة المذهلة قبل أقل من أسبوعين من موعد إدلاء نتنياهو بأقواله في محاكمته بتهم فساد لاحقته لسنوات وقد تنهي مسيرته السياسية إذا ثبتت إدانته. وينفى نتنياهو ارتكاب أي مخالفات.
ورغم أن محاكمته محليا بتهمة الرشوة أثارت حالة من الاستقطاب بين الرأي العام، تلقى رئيس الوزراء دعما واسع النطاق من مختلف الانتماءات السياسية في أعقاب قرار المحكمة الجنائية الدولية، مما منحه دفعة معنوية في وقت عصيب.
وندد نتنياهو بقرار المحكمة ووصفه بأنه معاد للسامية ونفى الاتهامات بأنه وغالانت استهدفا المدنيين في غزة وقاما بتجويعهم عمدا.
وقال يوناتان فريمان خبير العلاقات الدولية في الجامعة العبرية في القدس “الإسرائيليون ينزعجون بشدة إذا ما شعروا أن العالم ضدهم، فيلتفون حول زعيمهم، حتى لو انهالت عليه سهام الانتقادات”.
وأضاف “لذلك فإن أي شخص يتوقع أن حكم المحكمة الجنائية الدولية سينهي هذه الحكومة، وما يعتبرونه سياسة (حرب) معيبة، سيجد عكس ذلك”.
وصرح دبلوماسي كبير إن من بين العواقب الأولية لقرار المحكمة أن إسرائيل ربما لا تسرع في التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع حزب الله في لبنان أو اتفاق لإعادة الأسرى الذين لا تزال تحتجزهم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة.
وذكر القنصل العام الإسرائيلي في نيويورك عوفر أكونيس “هذا القرار الرهيب أضر بشدة بفرص التوصل إلى اتفاق في لبنان والمفاوضات المستقبلية بشأن قضية الأسرى”.
وذكر لرويترز “وقع ضرر فادح لأن هذه المنظمات مثل حزب الله وحماس… حصلت على دعم من المحكمة الجنائية الدولية ومن ثم فمن المرجح أن تغالي في مطالبها لأنها تحظى بدعم المحكمة”.
وفي حين رحبت حماس بقرار المحكمة، لم تكن هناك أي مؤشرات على أنها أو حزب الله ينظران إلى هذا القرار كفرصة للضغط على إسرائيل.
إدانة من يدعم إسرائيل
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يوم 22 نوفمبر 2024 مقالا للكاتب نيكولاس كريستوف، يقول فيه إن قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي يدين الولايات المتحدة بسبب تمويلها لـ "إسرائيل" وحمايتها في المحافل الدولية.
وأضاف إن مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية يوم الخميس 21 نوفمبر بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تثير تساؤلات بالنسبة للولايات المتحدة.
إذا كانت المحكمة الدولية تعتقد أن "إسرائيل" ارتكبت جرائم حرب في غزة وانخرطت في سياسة تجويع المدنيين عمدا، فما هو مصدر الأسلحة التي استخدمت؟ وأي دولة حمت "إسرائيل" في الأمم المتحدة ومنعت جهودا أكثر قوة لإيصال الغذاء إلى سكان غزة الجائعين؟ والإجابة بالطبع هي الولايات المتحدة.
في مايو، ندد الرئيس بايدن بطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال، وقال "لا يوجد تكافؤ بين إسرائيل وحماس". ولكن هناك تكافؤ أخلاقي بين طفل أمريكي وطفل إسرائيلي وطفل فلسطيني. وهم جميعا يستحقون الحماية. ولا ينبغي لنا أن نتصرف وكأن هناك تسلسل هرمي في قيمة حياة الأطفال، حيث يكون بعضهم لا يقدر بثمن والبعض الآخر قابلاللتضحية.
إن عمال الإغاثة الذين أجريت معهم مقابلات يتفقون بشكل ساحق على أن "إسرائيل" استخدمت التجويع كأداة حرب. وسوف يكون رد فعل الأمريكيين المتشككين في أوامر الاعتقال هو الإشارة إلى هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023. لكن هذا لا يبرر جريمة الحرب الإسرائيلية، ولا يبرر استخدام "إسرائيل" للأسلحة الأمريكية لتدمير غزة.
لقد أصبحت "إسرائيل" الآن أكثر عزلة من أي وقت مضى، وسوف يكون من الصعب على نتنياهو السفر. ويتعين على الأمريكيين أيضا أن يفكروا في الكيفية التي أصبحنا بها أكثر عزلة، كما انعكس في قرار مجلس الأمن الدولي يوم الأربعاء 20 نوفمبر الداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة. وقد أيده حلفاؤنا، ولكن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض ضده وسانده كل الأعضاء الآخرون 14. وعندما تتورط أسلحتنا في جرائم حرب، فربما حان الوقت لإعادة النظر في السياسة.
المخابرات الأمريكية
وفق صحيفة "نيويورك تايمز " الأمريكية وبتاريخ 20 نوفمبر 2024 أقرت وكالات استخبارات أمريكية بناء على واقع الميدان في الجبهة مع لبنان أن "اتفاق وقف إطلاق النار هو فرصة لعودة المستوطنين"، مع فشل "إسرائيل" في القضاء على قدرات حزب الله الصاروخية.
هذا الاعتراف أتى مع تأكيد مسؤولين أمريكيين أن "إسرائيل" فشلت في القضاء على الصواريخ قصيرة المدى التي يطلقها حزب الله في اتجاه مستوطنات الشمال.
وشدد المسؤولون الأمريكيون على أنه "طالما استمر إطلاق الصواريخ، فإن الحملة الإسرائيلية غير قادرة على تحقيق أحد أهدافها الرئيسية"، وهو "تأمين الشمال حتى يتمكن عشرات الآلاف من الإسرائيليين من العودة"، وفق تعبير الصحيفة.
وأشار المسؤولون إلى أن فشل "إسرائيل" في "الحد من تهديد الصواريخ قصيرة المدى" أدى إلى فرض ضغوط على حكومتها لتبني وقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية "مؤقتا على الأقل".
في مقابل فشل "إسرائيل"، فقد قال مسؤولون أمريكيون إن "حزب الله لم ينشر بعد بشكل كامل ما بين عشرين إلى أربعين ألف مقاتل" على ساحة القتال، على الرغم من العمليات والكمائن النوعية التي تنفذها المقاومة عند الحدود متصدية لقوات الجيش الإسرائيلي وموقعة خسائر كبيرة في صفوفه.
وأثار ذلك مخاوف المسؤولين الأمريكيين من أن "حزب الله يستعد لشن حملة حرب عصابات طويلة الأمد ضد القوات الإسرائيلية، وخاصة في جنوب لبنان"، وفق ما نقلت "نيويورك تايمز".
آلاف الجنود
تحدثت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية خلال الثلث الأول من شهر نوفمبر، في تقرير للكاتب السياسي بن كسبيت، عن "خوض إسرائيل حربا إقليمية في سبع جبهات. منذ أكثر من عام، خسر فيها الجيش الإسرائيلي ما يقرب من فرقتين، بينما يفتقر إلى آلاف الجنود، حتى قبل إحصاء عدد القتلى والجرحى".
ووسط ذلك تقوم الحكومة بتمرير قانون من شأنه أن "يديم تهربقطاع ضخم (الحريديم)، آخذ في النمو، ولا يخدم على الإطلاق في الجيش الإسرائيلي".
وفي الوقت نفسه، بحسب بن كسبيت، "توسع الحكومة الخدمة النظامية، وتمدد عدد أيام خدمة الاحتياط في السنة بشكل كبير، وترفع سن الإعفاء من الاحتياط، وتلغي الإعفاءات القائمة"، وذلك ضمن إجراءات "تسبب استنزافا وسخطا وزيادة كبيرة في العبء على القلة، التي تخدم في الاحتياط، بينما يتأوه النظاميون تحت العبء المستمر".
وإذ لفت التقرير إلى هذه الخسائر العسكرية، فإنه أشار إلى الأزمات المتداخلة والخسارات المتلاحقة التي تعيشها "إسرائيل"، في الجبهة الداخلية، سياسيا واقتصاديا، بالتزامن مع خوضها هذه الحرب الإقليمية، والتي سببها الرئيسي هو "استمرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في منصبه".
وذكر التقرير أنّه في خضم هذه الحرب، "يبدل نتنياهو وزير الأمن، يوآف غالانت، صاحب الخبرة، واللواء في الاحتياط والعضو في المؤسسة الأمنية منذ أربعة عقود، بالوزير إسرائيل كاتس، منعدم الخبرة، والذي لم يشغل أي منصب وزاري أمني"، بحيث تأتي هذه التغييرات بسرعة، "من دون فترة تعرف أو تدريب للوزير الجديد، وعشية هجوم إيراني قوي، وربما غير مسبوق، على إسرائيل"، بحسب بن كسبيت.
ويحدث كل هذا "في الوقت الذي يتدهور الوضع الاقتصادي بسرعة، بحيث من المتوقع خفض التصنيف الائتماني للمرة الثالثة، في أي لحظة، بينما يرتفع العجز إلى عنان السماء، وتوصي وزارة المالية بإغلاق 5 وزارات حكومية بسبب الأزمة المالية".
فهل تؤدي هذه الإجراءات إلى تحسين وضع "إسرائيل" أم تفاقمه؟ وهل هي مفيدة أم مضرة لها؟.
يجيب بن كسبيت بأنه "لا يوجد شخص محترم في إسرائيل أو في العالم لا يجيب عن هذه الأسئلة"، بحيث إنها بسيطة: "هذه التصرفات تجعل وضع إسرائيل أسوأ، أي أن الحكومة الإسرائيلية تعمل ضد إسرائيل في زمن الحرب".
وأضاف أن "كل ذلك حدث نتيجة سبب واحد بسيط"، وهو "إدامة سيطرة نتنياهو على إسرائيل وتوسيعها"، مشيرا إلى أن "السماح له بمواصلة تنفيذ أعمال من هذا النوع، والتي تسبب لإسرائيل أضراراً دائمة وإستراتيجية، وأحيانا لا رجعة فيها"، نتيجته بسيطة أيضا، ولا مفر منها، وهي أن "نتنياهو هو رئيس وزراء يفعل عكس الحكومة التي يرئسها".
وفي هذا السياق، لفت إلى طرح القناة الـ13" الإسرائيلية سؤالا في استطلاع رأي هذا الأسبوع، عبر الصيغة التالية، عما إذا كان نتنياهو "يعرض أمن إسرائيل للخطر في ضوء الفضائح الأمنية، ليجيب 52 في المئة بالإيجاب، و7 في المئة فقط بالنفي".
وعليه، خلص بن كسبيت إلى أن "المرء لا يحتاج إلى القضايا الأمنية كي يفهم أن هناك رئيس وزراء سيؤدي استمراره في منصبه إلى إلحاق ضرر استراتيجي بإسرائيل ومستقبلها".
الإرهاق يتفاقم في إسرائيل
أكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في مقال لها يوم الأحد 24 نوفمبر 2024 أن الإرهاق في الكيان الإسرائيلي "يتفاقم من جراء الحرب، مع تزايد عدد القتلى، وتوسع نطاق القتال". وأشارت الصحيفة إلى "تخطيط نحو 80 ألف جندي إسرائيلي إضافي لمغادرة أسرهم ووظائفهم ودراستهم، أو قيامهم بتركها"، من أجل القتال في الحرب التي تشنها "إسرائيل" على كل من قطاع غزة ولبنان.
وعلى نحو متزايد، يختار البعض من هؤلاء الجنود "عدم الالتحاق بالخدمة، الأمر الذي يزيد من الضغوط على الجيش، في خضم حرب إقليمية متوسعة باستمرار".
في السياق نفسه، نقلت الصحيفة عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، نداف شوشاني، ما قاله منتصف نوفمبر، ومفاده أن "أعداد المجندين في الجيش انخفضت بنحو 15 في المئة، منذ الفترة التي أعقبت الـ7 من أكتوبر 2023".
وفي غضون ذلك، تخطط المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي تواجه نقصا محتملا في القوات، لتمديد الخدمة الإلزامية في "الجيش النظامي"، وزيادة الحد الأقصى لسن الاحتياط، في وقت "وصل العديد من الجنود إلى نقطة الانهيار"، وفقا لما أوردته "واشنطن بوست".
الصحيفة نقلت أيضا عن جندي في الاحتياط من القوات الخاصة، شارك في الحرب لنحو 300 يوم خلال السنة الماضية، قوله: "لم نكن نتخيل قط أن حربا ستمتد إلى هذا الحد، وتستمر فترة طويلة"، مضيفا أن عدد عناصر وحدته، المكونة من 12 عنصرا، تقلص إلى 5، بعد رفض 7 منهم الالتحاق.
ووفقا لما قالته المحللة السياسية في "الجامعة العبرية"، جاييل تالشير، فإن "المجتمع الإسرائيلي يقف عند حافة قدرته الاستيعابية"، بفعل "الأزمة الاقتصادية، والثمن الباهظ الذي يدفعه جنود الاحتياط وعائلاتهم، والقتلى والمصابين".
وفيما يتعلق بالشق الاقتصادي، لفت بنيامين بنتال، رئيس برنامج السياسة الاقتصادية في "مركز تاوب للسياسات الاجتماعية في إسرائيل"، إلى أن النمو الاقتصادي في الكيان انخفض بنسبة 2 في المئة عام 2023، ومن المتوقع أن ينكمش بنسبة 1.5 في المئة في عام 2024.
وفي حين كان متوسط عدد العمال الغائبين عن العمل شهرياً لأداء الخدمة الاحتياطية 3200، فإنه ارتفع بين أكتوبر وديسمبر 2023، ليبلغ 130 ألفا، بحيث كان أغلب العمال غائبين تماما، بحسب ما ذكرته "واشنطن بوست".
كما أن "الشركات الصغيرة تغلق أبوابها، والشركات الناشئة تخسر رأس المال، بينما تقوم الشركات الناجحة بالانتقال إلى مكان آخر".
الفرار إلى الأمام
وسعت إسرائيل من غاراتها الجوية على مواقع في سوريا بدعوى أنها نقط إسناد أو إمداد بالسلاح لحزب الله، وحذر بعض الملاحظين من أن ساسة في تل أبيب وواشنطن ولندن وأمام تعثر الجيش الإسرائيلي على جبهتي غزة ولبنان يدعمون فكرة فتح جبهة جديدة ضد سوريا برا وبحرا وجوا وذلك بعد ظهور نتائج ما يصفونه بالإغراءات السياسية لتفكيك التحالف بين دمشق وكل من حزب الله وطهران وموسكو.
جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن: نشرت وسائل إعلام مقربة من الحكومة السورية صور التدريبات السورية الروسية على سلاح "غاربيا".
رغم أن التدريبات التي تجريها روسيا لضباط وعناصر الجيش السوري ليس جديدة على المسرح الميداني لسوريا، إلا أنها أخذت خلال الأشهر الثلاثة الماضية شكلا جديدا يقوم على تعليمهم آلية "اصطياد" الطائرات المسيرة واستخدام بقية الأسلحة اللازمة لـ"الحرب الإلكترونية".
سلاح "غاربيا" كان أبرز تلك الأسلحة، بحسب صور ومقاطع فيديو نشرها صحفيون سوريون وشبكات إخبارية بكثرة عبر مواقع التواصل، ودائما ما كان يظهر فيها مجموعة من الضباط الروس وبمحيطهم آخرون من جيش السوري. وبيد الطرفين "بندقية سوداء" لا تشبه مثيلاتها الكلاسيكية.
ويقول خبراء دفاع وباحثون سوريون لموقع "الحرة" إن التدريبات الروسية بشكلها الجديد والحالي تندرج دوافعها ضمن "مسارين".
وبينما يتعلق الأول بتحول التكتيكات العسكرية في محيط المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية لواشنطن في شمال سوريا، يرتبط الثاني بما فرضته الحرب الروسية في أوكرانيا، مع أنها ساحة بعيدة.
وتعلن وزارة الدفاع الروسية منذ سنوات وباستمرار عن تدريبات ومناورات مشتركة مع الجيش السوري، وكان آخرها في القاعدة العسكرية الضخمة بمدينة طرطوس الساحلية.
ومنذ بداية عام 2024 ازدادت التهديدات العسكرية التي كانت تتعرض لها مناطق الفصائل المسلحة في شمال سوريا.
أما فيما يتعلق بسلاح "غاربيا" فيوضح محلل الدفاع في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في بريطانيا، فابيان هينز أنه عبارة عن "بندقية تشويش"، تفقد اتصال "المسيرة" بوحدة التحكم الرئيسية الأساسية (مطلقها)، كما تستطيع تجميدها في مكانها أو نقلها إلى "نقطة بداية". والأخطر في هذا السلاح هو أنه في إمكانه وفي ظروف جوية معينة حظر إشارة GPS التي تستخدمها الطائرات الإسرائيلية لإطلاق صواريخها على أهداف في سوريا من خارج مجالها الجوي. ويشير محللون أنه بالإضافة إلى البندقية "غاربيا" نشرت روسيا قواعد دفاعات إلكترونية في المنطقة. ويوضح الباحث السوري في مركز "جسور للدراسات"، وائل علوان أنه من الملاحظ أن روسيا تفاعلت بشكل كبير جدا مع الشكل الجديد للحروب في العالم، التي تعتمد على التطور الرقمي والأساليب الجديدة للقتال عن بعد وأهمها "المسيرات".
سراب
تحدث تقرير نشر في واشنطن يوم 19 نوفمبر 2024 عن جهود أمريكية لقلب توجهات سوريا وتحالفاتها وهو أمر اعتبره عدد كبير من المحللين الغربيين بمثابة الجري وراء السراب، وهو نمط تفكير لا يزال حيا في بعض الأوساط الغربية رغم النكسات التي لحقتهم في مناطق كثيرة من العالم.
جاء في التقرير: تحمل الزيارتان الأخيرتان لمسؤولين إيرانيين اثنين إلى العاصمة السورية دمشق والثالثة التي أجريها وزير الخارجية السوري، بسام صباغ إلى طهران في طياتها عملية "تسليم واستلام رسائل"، استنادا لما كشفت عنه وسائل إعلام، وبناء على التوقيت أيضا.
وفي وقت تغيب التفاصيل الدقيقة لفحوى تلك "الرسائل" يرى خبراء ومراقبون تحدثوا لموقع "الحرة" أن التحركات الإيرانية الأخيرة فيما يتعلق بسوريا لافتة، ومن الواضح أنها ترتبط بـ"خشية ما باتجاهين"، لاسيما أن الحكومة السورية ورئيسها بشار الأسد "بات تحت الضوء كورقة رابحة بين محورين".
وترتبط طهران بدمشق منذ سنوات بـ"علاقة استراتيجية"، أكد عليها وزير الخارجية، بسام صباغ، من العاصمة طهران، يوم الثلاثاء 19 نوفمبر، قائلا في مؤتمر صحفي إنه "أجرى مباحثات إيجابية وتبادلا مثمرا للآراء، بسبب تعزيز التعاون في كافة المجالات".
ولا تعرف حتى الآن حدود الحملة الإسرائيلية القائمة في لبنان وما إذا كانت ستتخذ منحى أكثر شراسة في سوريا، على صعيد الضربات التي باتت تستهدف أبرز المناطق الحيوية وسط دمشق، كحي المزة.
وكذلك الأمر بالنسبة للموقف الذي ستتخذه دمشق بناء على التهديدات التي تستهدفها، وما إذا كانت ستظل متمسكة بعلاقتها "الاستراتيجية" مع طهران، خاصة على الشق الأمني والعسكري أو قد يتخذ مسارات أخرى.
وطالما سلطت تقارير غربية وعربية الضوء على هذه المسارات محللة ومشيرة إلى احتمالات إمكانية ابتعاد الأسد عن التحالفمع إيران.
ويوضح الأكاديمي السوري، خليل أن تركيز "الاهتمام" على الأسد في المنطقة الآن لا يرتبط بقدراته العسكرية.
ويقول خليل: "الأسد الآن في مرحلة التفاوض في ظل المساومات الإقليمية التي تحاول تشكيل المشهد الأمني في المنطقة".
ويضيف أن "موقعه الجيوسياسي أعاده كورقة رابحة لمحورين دخلا في مرحلة كسر ظهر لا كسر عظم. الأول يتلقى الضربات بينما يتشكل المحور الثاني حديثا، للقضاء على المعادلة الأمنية السابقة القائمة على التنافس الإيراني الإسرائيلي في المنطقة" حسب الوصف الأمريكي.
حلم حالة معقدة
سراب آخر يجري خلفه الغرب حيث جاء في تقرير نشر في واشنطن يوم 15 نوفمبر 2024:
في مؤتمر صحفي عقده قبل أيام وضع وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، الهدف المتعلق بمنع حزب الله من جلب الأسلحة إلى لبنان من سوريا كـ"مبدأ أساسي" يجب أن يبنى عليه أي اتفاق لوقف إطلاق النار، ورمى الكرة في ملعب موسكو، معتبرا أنها "قادرة على المساهمة بشكل فعال في تحقيق هذا الهدف".
حديث ساعر بشأن ما تتوقعه إسرائيل من روسيا جاء بعد زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية، رون درمر إلى موسكو، ناقش فيها بحسب وسائل إعلام عبرية أدوارا مهمة يريد المسؤولون الإسرائيليون أن تلعبها موسكو، وتتمثل بالضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، لمنع نقل الأسلحة الإيرانية لحزب الله عبر أراضيه.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست"، الخميس 14 نوفمبر، عن مسؤول إسرائيلي قوله إن اقتراح وقف إطلاق النار يدعو موسكو إلى منع حزب الله اللبناني من إعادة تسليح نفسه عبر الطرق البرية السورية، وفي غضون ذلك كشف ذات المسؤول عن زيارة أجراها مسؤولون روس إلى إسرائيل في 27 أكتوبر 2024 "لمناقشة ذات الخطة".
بتدخلها عسكريا في سوريا بعد عام 2015 فرضت موسكو واقعا جديدا سياسيا وميدانيا، وكان للدعم اللامحدود الذي قدمته لدمشق دور في حرف دفة الصراع ومنع انتصار الغرب.
لم يتأخر الرد الروسي على ما قاله ساعر، وفي تصريحات نقلتها وكالة "ريا نوفوستي"، أعلن مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف أن منع وصول السلاح لحزب الله من سوريا "ليس جزءا من التفويض الروسي العسكري في البلاد".
ويعتقد الباحث السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن أن التصريحات الروسية ورغم أنها تذهب باتجاه مختلف عن إسرائيل في العلن يختلف الواقع عند التطرق إلى "مضمون" وأهمية الخطوات الحاصلة بين الجانبين.
ويتابع الباحث الإسرائيلي: "ندخل في فترة دولية جديدة (وخاصة بعد فوز دونالد ترامب). ولهذا تسعى إسرائيل للتنسيق مع روسيا"، كما يعتبر أن موسكو "مطلعة على النوايا الإسرائيلية وتدعم ذلك"، وأن التنسيق بينهما سيكون له "دور في الترتيبات المستقبلية للمنطقة".
ويمكن القول إن التصعيد الذي يجري في المنطقة قد يخدم مصالح روسيا إذا تمكنت موسكو من استثماره، وفقا لحديث مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "حرمون" للدراسات المعاصرة، الدكتور سمير العبد الله.
ويوضح العبد الله لموقع "الحرة" أن معظم السيناريوهات تبدو في صالح الروس، من منطلق أنهم يستطيعون لعب دور الوسيط بين إسرائيل وإيران (بحكم العلاقة)، ويكونون طرفا ثالثا بينهما، لاسيما في منطقة الجنوب السوري.
وفي سيناريو آخر يتمثل بإضعاف إيران في سوريا سيعود ذلك أيضا بالمصلحة والفائدة على روسيا، وفقا للباحث السوري.
باب المندب
يوم الجمعة 15 نوفمبر 2024 كتبت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية:
تَلقى العمليات التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية، ضد حاملات الطائرات والسفن الأمريكية، أصداء واسعة في الولايات المتحدة، وخصوصا بسبب تأثيرها. وأضافت المجلة، إن اليمنيين شنوا مؤخرا هجوما كبيرا على مدمرتين تابعتين للبحرية الأمريكية أثناء عبورهما مضيق باب المندب، عبر طائرات من دون طيار وصواريخ، لافتة إلى أن "هذا الحادث يسلط الضوء على نقاط الضعف في الأسطول البحري".
وأعلنت القوات المسلحة اليمنية، الثلاثاء 12 نوفمبر، تنفيذها عمليتين عسكريتين استمرتا ثماني ساعات، شاركت فيهما القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير. العملية الأولى استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية "أبراهام"، الموجودة في بحر العرب، بعدد من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة. والعملية الثانية استهدفت مدمرتين أميركيتين في البحر الأحمر، بعدد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.
وأكد محلل الأمن القومي في المجلّة، براندون جيه ويتشرت، أن الأهم هو تقييم وكيل وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون المشتريات والإمداد، بيل لابلانت، الذي أكد أن "ما تمكن اليمنيون من تحقيقه، من خلال هجماتهم بالصواريخ والطائرات من دون طيار، كان غير مسبوق".
وفي الإطار ذاته، صرح لابلانت إنّ "اليمنيين يستخدمون أسلحة متطورة بصورة متزايدة، بما في ذلك صواريخ يمكنها القيام بأشياء مذهلة".
وذكرت المجلة بما قاله الكاتب في مجال الدفاع والأمن القومي، هاريسون كاس، في مادة نشرها في المجلة، عنوانها "اليمنيون اقتربوا من ضرب حاملة طائرات نووية أمريكية بصاروخ"، أكد فيها أن تقريره الأولي، في الصيف الماضي، أظهر أن حاملة الطائرات الأمريكية "دوايت د. أيزنهاور" تعرضت لخطر شديد في أثناء القتال ضد اليمنيين، وأنها فشلت في اعتراض صاروخ باليستي يمني مضاد للسفن، وصل حينها إلى مسافة قريبة جدا من حاملة الطائرات.
وذكرت المجلّة أنه "بعد فترة وجيزة، سحب الأمريكيون حاملات طائراتهم المعرضة للخطر بصورة واضحة إلى ما وراء الأفق، خشية تدمير تلك الحاملات باهظة الثمن والمكشوفة على ما يبدو". وبدلا من ذلك، "لجأ الأمريكيون إلى سفنهم الحربية السطحية الأصغر حجما، مثل المدمرات".
وأشارت المجلّة إلى أن تقرير "أكسيوس"، فضلا عن تقارير سابقة، في وقت سابق من هذا العام، في "بيزنس إنسايدر"، تظهر أن "هذه القدرات والسفن معرضة للخطر بصورة كبيرة في مواجهة هجمات اليمنيين".
ورأت أن الحقيقة تظهر أن "ما يواجهه أسطول الحرب التابع للبحرية الأمريكية، في مواجهة اليمنيين، هو لمحة أولية عن نوعية الشدائد التي تنتظر البحرية الأمريكية في حالة نشوب صراع مع الصين".
وأكدت المجلة أن "ما يفعله اليمنيون يظهِر للعالم نقاط الضعف الخطيرة التي تعيب أسطول البحرية الأمريكية عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الصواريخ الباليستية المضادة للسفن".
وبحسب المجلة، فإن المشكلة الأكبر ستظل قائمة، وإن "اليمنيين أظهروا الطريق لتعقيد استعراض القوة البحرية الأمريكية، والآن يستعد أعداء أمريكا الأكثر تقدما، وخصوصا الصين، لاستخدام هذه الاستراتيجيات على نطاق أوسع ضد البحرية الأمريكية إذا اندلعت الحرب بين الصين والولايات المتحدة".
عمر نجيب