مخاطر حرب "فيتنام" شرق أوسطية بعد إرسال قوات أمريكية للقتال إلى جانب إسرائيل... طوفان الأقصى والمسيرة نحو نهاية الصراع الوجودي

أربعاء, 2024-10-16 02:42

تطورات سريعة تلون وتصبغ وتغمر أحداث الصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط المركز خاصة بعد صدمة طوفان الأقصى من غزة يوم السابع من أكتوبر 2023، فبعد النجاح الإسرائيلي في إلحاق أضرار بفلسطيني غزة أساسا المدنيين وقتل ما يزيد عن 42 الفا منهم وتدمير 90 في المئة من البني التحتية و 72 في المئة من المساكن، يجد الجيش الإسرائيلي وداعميه أنهم لم ينجحوا في هزيمة المقاومة الفلسطينية في القطاع وعلى رأسها حماس ولم يطلقوا سراح الأسرى ولم يدمروا حركة حماس شعبيا أو سياسيا، بل يقر البنتاغون الأمريكي ونظيره الإسرائيلي أنه في 7 أكتوبر 2024 أي بعد سنة من انطلاق طوفان الأقصى يواجه الجيش الإسرائيلي ومن يسانده من قوات حليفة ومرتزقة بستة آلاف دولار في الشهر قوات فلسطينية قوية في غزة المحاصرة وكأنها في اليوم الأمل من المواجهة.

في الشمال وعلى الجبهة اللبنانية وانطلاقا من يوم 8 أكتوبر 2023 حيث أنشأت المقاومة الإسلامية لأول مرة منذ سنة 1948 منطقة حرب داخل أرض تسيطر عليها إسرائيل وفرضت إخلاء ما بين 80 ألف و 120 ألف مستوطن، لم تنجح تل أبيب ومعها واشنطن ولندن وبرلين أساسا، في وقف الدعم الذي يقدمه حزب الله اللبناني لجبهة غزة، بل والأهم من ذلك أنه وبعد عمليات تفجير4200 من أجهزة "البيجر" في لبنان ووسائل الاتصال اللاسلكية الأخرى، و"النجاح" في قتل عدد من قادة المقاومة اللبنانية وفي مقدمتهم حسن نصر الله، لم ينجح المخطط الإسرائيلي الأمريكي في التخلص من الصراع على الجبهة اللبنانية، بل أنه وعلى عكس أغلب التوقعات واصل حزب الله وبوتيرة متصاعدة عملياته العسكرية في شمال فلسطين في نطاق حرب الاستنزاف التي دشنها منذ أكثر من سنة ووسع عملياته مجبرا أزيد من مليوني إسرائيلي على اللجوء إلى الملاجئ أو بحث تقليد غالبية سكان مستوطنات الشمال والبحث عن مكان آخر للعيش (1.254 مليون إسرائيلي غادروا حتى نهاية سبتمبر 2024، للبحث عن مستقر في بولندا والمانيا وفرنسا وكندا والتشيك والبرازيل واستراليا) مع العلم أن 2.8 مليون إسرائيلي يملكون جوازات مزدوجة.

ثقة جزء من أطراف حلف الناتو في قدرة التحالف الغربي على صياغة وضع موات لإسرائيل في الشرق الأوسط تبدد ولهذا سارعت عواصم غربية في التمرد على التوجيهات الأمريكية فتوقفت عن تسليم السلاح لإسرائيل أو ضغطت بقوة أكبر لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان والبحث عن حل سياسي.

بينما تسير الرياح بما لا تشتهيه سفينة التحالف الإسرائيلية، يتضح للعالم وخاصة دول الجنوب فراغ أسطورة المناعة والقوة القاهرة الإسرائيلية والجيش الذي لا يهزم وتضطر واشنطن لأن تتدخل رسميا بقواتها وجنودها لحماية تل أبيب ومساندتها بعد أن كان ذلك يتم في الخفاء.

عندما زار الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل يوم 18 أكتوبر 2023 بعد 11 يوما على انطلاق طوفان الأقصى كشفت التقارير المصورة للبنتاغون والتي جرت محاولات لتمويهها وجود قوات النخبة الأمريكية "دلتا" في إسرائيل وبرر الأمر أمريكيا بالقول أنها هناك فقط للمساعدة في العثور على الأسرى الذين أخذتهم حماس وليس المشاركة في العمليات القتالية، وفي الأشهر التالية تدفقت المزيد من المعلومات عن مشاركة الطيران الحربي الأمريكي والبريطاني في التجسس على تحركات خصوم إسرائيل في غزة وجنوب لبنان واليمن وسوريا والعراق. وأقامت واشنطن جسرا جويا وبحريا لمد تل أبيب بالأسلحة.

وسن الكونغرس أكثر من تشريع لمنح 12.6 مليار دولار من الاعتمادات العادية والتكميلية المباشرة من مخصصات وزارة الخارجية والدفاع لإسرائيل للسنة المالية 2024 والسنة المالية 2025. وقبل ذلك، أقر حزمة المساعدات الطارئة التكميلية التي تتضمن مساعدات لإسرائيل بقيمة 14.3 مليار دولار، إضافة لـ3.8 مليارات مساعدات سنوية عسكرية اتفق عليها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وتستمر حتى العام 2028.

نشرت "تايمز أوف إسرائيل" في أكتوبر 2024 نقلا عن تقرير لمشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون الأمريكية أن الولايات المتحدة أنفقت رقما قياسيا لا يقل عن 17.9 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل خلال عام منذ هجوم طوفان الأقصى. وقال الباحثون الذين أعدوا التقرير إن 4.86 مليارات دولار إضافية ذهبت إلى تكاليف الحملة التي تقودها البحرية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن.

في شهر مارس 2024 كشفت صحيفة واشنطن بوست عن أن الولايات المتحدة الأمريكية وافقت على أكثر من 100 صفقة مبيعات سلاح لإسرائيل وسلمتها لها منذ بداية حربها على قطاع غزة في السابع من أكتوبر عام 2023.

وأخيرا ويوم الأحد 13 أكتوبر 2024 قالت الولايات المتحدة إنها سترسل منظومة متطورة مضادة للصواريخ إلى إسرائيل مع قوات أمريكية لتشغيلها، في مسعى لتعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية في أعقاب هجمات صاروخية شنتها إيران. وصرح الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه سيرسل المنظومة “للدفاع عن إسرائيل”.

من جهته ذكر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بات رايدر إن نشر بطارية منظومة الدفاع الجوي الصاروخي للارتفاعات العالية (ثاد) من شأنه أن يعزز نظام الدفاع الجوي المتكامل لإسرائيل.

وأضاف رايدر في بيان "يأتي هذا في إطار التعديلات الأوسع التي أجراها الجيش الأمريكي في الأشهر القليلة الماضية لدعم الدفاع عن إسرائيل".

يقول محللون أن واشنطن أصبحت مع اقتراب سنة 2024 من نهايتها أمام احتمال التورط في حرب على الطراز الفيتنامي في الشرق الأوسط، إضافة إلى بدء سباق على الأسلحة النووية في المنطقة مع قرب إعلان طهران انسحابها من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وإلغاء تحريم امتلاك سلاح نووي.

 

الإستراتيجية الأمنية الأمريكية

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم السبت 12 أكتوبر 2024:

دفعت الصراعات والتوترات منذ السابع من أكتوبر 2023 بالولايات المتحدة إلى قلب العديد من الافتراضات الأمريكية حول كيفية التعامل مع المخاطر والوضع الجديد في الشرق الأوسط.

وفي الواقع الجديد، دخلت إسرائيل في صراعات عسكرية على جبهات متعددة، لتجد نفسها تعتمد بشكل متزايد على الدعم الأمريكي.

وقبل السابع من أكتوبر كانت السياسة الأمريكية تهدف إلى تحويل القوات للتعامل مع خطر الصين وروسيا لكنها واجهت رياحا معاكسة في الشرق الأوسط دفعتها لتغيير المسار، بحسب تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال.

دانيال ديفيس، كبير الباحثين في مؤسسة أولويات الدفاع في واشنطن، يعتقد أن ما حصل من تغيير في السياسة الأمريكية "لم يأت من خطة مدروسة، إذ أن الولايات المتحدة أعطت دعما أعمى لإسرائيل وما تفعله في حروبها، وإسرائيل تتوسع في الحروب لأماكن أخرى، والولايات لا تفعل أي شيء".

ويقول في حديث لبرنامج "الحرة الليلة" إنه "بدلا من أن تضع الولايات المتحدة حاملات الطائرات في أماكن أخرى حول العالم للدفاع عن المصالح الأمريكية تجد أنها وضعتها في الشرق الأوسط بهدف الدفاع عن إسرائيل إذا توسعت الحرب مع إيران".

ويشرح ديفيس أن استخدامه مصطلح "الدعم الأعمى" لإسرائيل سببه "حملات الاستقطاب التي تحصل في الداخل الأمريكي، حيث جماعات الضغط تعاقب سياسيين إذا ما انتقدوا إسرائيل، وهناك مكافآت لمن يدعمونها، وإذا لم تكن "داعما لإسرائيل يتم وصمه بأنه معادي للسامية وداعم لحماس، ولا أحد يريد هذا الأمر".

ويرى ديفيس المشكلة أن الولايات المتحدة "تنفق الكثير على الذخائر في الشرق الأوسط، ونرسل معدات عسكرية لأوكرانيا، وهو ما يتسبب بالضغط على مخازن الأسلحة الأمريكية، ويجعل هناك حاجة لنشر القوات الأمريكية في أماكن لا يوجد لنا فيها مصالح، ولا تمكننا من الرد إذ هوجمنا في أماكن أخرى".

وأضاف إن "القيادة السياسية أو العسكرية لم تقدم أدلة أنها تتخذ خطوات لتصحيح المسار وإعادة التوازن لحماية المصالح الأمريكية طويلة الأمد".

ويؤكد ديفيس أن ما يحدث على الصعيد العالمي، "يدفع بتقارب الصين وروسيا ولهم مصالح كبيرة بالشرق الأوسط"، محذرا من التقارب العسكري والاقتصادي الذي يحدث بينهما.

 

البحر الأحمر 

 

مع ازدياد التهديدات اليمنية في البحر الأحمر، تتحرك السفن الحربية الأمريكية لمواجهة الهجمات المتتالية التي أربكت خطوطا حيوية للشحن البحري.

وسرد تقرير تحليلي نشرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية مؤخرا كيف أصبحت أحداث السابع من أكتوبر العام الماضي نقطة تحول في السياسة الأمريكية.

وأشار التقرير إلى أن أحداث السابع من أكتوبر لم تؤد فحسب إلى حدوث تحول في التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط مع مواجهة إسرائيل لحماس، ثم حزب الله، ثم إيران عدوها اللدود، بل أشعلت كذلك سلسلة من الأحداث التي أثرت على حياة عدد لا يحصى من الأشخاص، وأطلقت العنان لاضطرابات سياسية على بعد آلاف الأميال على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.

يأتي ذلك وسط ترقب الرد الإسرائيلي على الضربات الصاروخية التي شنتها إيران على إسرائيل بداية أكتوبر 2024، وسط تصريحات إسرائيلية تؤكد حتميته، وأخرى من طرف إيران تبدي استعدادها للمزيد، على الرغم من "استعدادها للسلام" بحسب ما قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الأحد 13 أكتوبر، خلال مؤتمر صحفي في بغداد أشار خلاله كذلك إلى أن الولايات المتحدة تعرض حياة جنودها "للخطر من خلال نشرهم لتشغيل أنظمة الصواريخ الأمريكية في إسرائيل".

وكانت نائبة المتحدث باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، قد قالت أول شهر أكتوبر "سيتم تعزيز عدد محدد من الوحدات المنتشرة حاليا في منطقة الشرق الأوسط... والقوات التي من المفترض أن يحل دورها في الانتشار للحلول مكانها ستعزز الآن".

وأضافت "تشمل هذه القوات المعززة طائرات مقاتلة من طراز إف-16 وإف-15إي وأيه-10 وإف-22 والعناصر المرتبطين بها". 

وأوضحت في وقت لاحق أنه سيتم بالتالي نشر "بضعة آلاف إضافية" من العناصر في المنطقة. وأعلنت القيادة المركزية الأمريكية أن 3 أسراب إضافية من طائرات حربية وصلت إلى المنطقة، لتضاف إلى سرب كان موجودا أصلا.

 

نصر أو هزيمة

 

جاء في تقرير نشرته وكالة رويترز يوم 12 أكتوبر 2024:

بعد دبلوماسية مكثفة على مدى أسابيع بهدف وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله استقرت الولايات المتحدة على نهج مختلف تماما هو ترك الصراع الدائر في لبنان يأخذ مساره.

وقبل أسبوعين فقط طالبت الولايات المتحدة وفرنسا بوقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوما لدرء غزو إسرائيلي للبنان لكن هذه الجهود تعثرت بسبب اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وبدء العمليات البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان في الأول من أكتوبر والغارات الجوية الإسرائيلية.

والآن تراجع المسؤولون الأمريكيون عن دعواتهم لوقف إطلاق النار بدعوى تغير الظروف.

وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في مؤتمر صحفي قبل أيام "ندعم إسرائيل في شن هذه الهجمات بهدف تدمير البنية التحتية لحزب الله حتى نتمكن في نهاية المطاف من التوصل إلى حل دبلوماسي".

ويعكس هذا التغيير في المسار التضارب في الأهداف الأمريكية المتمثلة في احتواء الصراع المتنامي في الشرق الأوسط وفي الوقت ذاته إضعاف حزب الله المدعوم من سوريا وإيران بشكل كبير.

ومن المؤكد أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستستفيدان من إلحاق الهزيمة بعدو مشترك هو حزب الله غير أن تشجيع الحملة العسكرية الإسرائيلية المتوسعة ينذر باندلاع صراع يخرج عن السيطرة. 

وصرح جون ألترمان المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تريد أن تؤدي الحملة الإسرائيلية إلى إضعاف قدرات حزب الله بيد أن عليها أن توازن بين ذلك وبين احتمال "خلق فراغ" في لبنان أو إشعال فتيل حرب إقليمية.

وأضاف أن نهج واشنطن يبدو كما يلي: "إذا لم تتمكن من تغيير النهج الإسرائيلي، فمن الأفضل أن تحاول توجيهه بطريقة بناءة".

وفي ظل عدم إحراز تقدم في محادثات وقف إطلاق النار غير المباشرة بين إسرائيل وحماس على مدى أشهر، بدأت إسرائيل في سبتمبر تكثيف حربها ضد حزب الله. 

وصرح آرون ديفيد ميلر المفاوض الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط إن واشنطن ليس لديها أمل يذكر في تقييد إسرائيل وإنها ترى فوائد محتملة في العملية.

وأردف "أحدثت بكل تأكيد زخما ربما رأت فيه الإدارة هذا الاعتقاد (فلنجعل من الضرورة فضيلة)"، مضيفا أن من المرجح أيضا أن المسؤولين الأمريكيين يحتفظون بأفضلية لمحاولة الحد من الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي نفذته طهران بداية شهر أكتوبر.

وقالت مصادر أوروبية مطلعة إنه لا توجد اليوم أي محادثات ذات مغزى لوقف إطلاق النار، وأضافوا أن الإسرائيليين سيمضون قدما في عمليتهم في لبنان "لأسابيع إن لم يكن لأشهر". وذكر مسؤولان أمريكيان لرويترز أن ذلك قد يكون الإطار الزمني. 

وبالنسبة لواشنطن، قد تجلب الحملة الإسرائيلية فائدتين على الأقل.

الأولى، هي أن إضعاف حزب الله قد يحد من نفوذ طهران في المنطقة ويقلل التهديد على إسرائيل والقوات الأمريكية.

وتعتقد واشنطن أيضا أن الضغط العسكري قد يجبر حزب الله على وضع السلاح وتمهيد الطريق لانتخاب حكومة جديدة في لبنان من شأنها أن تهمش الجماعة اللبنانية التي تلعب دورا كبيرا في لبنان منذ عقود.

وصرح جوناثان لورد المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) والذي يعمل الآن في (مركز من أجل أمن أمريكي جديد) في واشنطن إن ذلك سيكون صعب المنال.

وأضاف لورد "من جهة، يشعر كثير من اللبنانيين بالانزعاج الشديد من وجود حزب الله في لبنان. لكن في الوقت نفسه... يجري فرض هذا التغيير على لبنان عن طريق حملة عنيفة للغاية".

وصرح مسؤولون أمريكيون، بداية أكتوبر، إن الهدف النهائي هو تطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 الذي كلف قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بمساعدة الجيش اللبناني في الحفاظ على منطقة حدوده الجنوبية مع إسرائيل خالية من الأسلحة أو أي مسلحين بخلاف التابعين للدولة اللبنانية.

ويقول المسؤولون الأمريكيون إن المحادثات مع الأطراف لتحقيق هذه الأهداف يمكن أن تتم في ظل استمرار القتال على الرغم من تحذير محللين من أن الصراع يزيد بشكل كبير من خطر اندلاع حرب أوسع نطاقا، خاصة وأن المنطقة تنتظر رد إسرائيل على الضربة الصاروخية الإيرانية.

وبعيدا عن احتمال اندلاع حرب قد تجر الولايات المتحدة، هناك مخاوف من أن يتحول لبنان إلى غزة أخرى.

ورغم هذه المخاطر يرى ألترمان الذي يرأس حاليا برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن من غير المرجح أن تنجح الدبلوماسية في وقف القتال في أي وقت قريب.

وأضاف "يرى (رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن كل رهاناته تؤتي ثمارها، وأعتقد أن من الصعب على إسرائيل أن تشعر في هذه اللحظة بأنه يتعين عليها أن توقف ضغوطها (العسكرية)".

 

فوز ليس سهلا 

 

يوم 12 أكتوبر 2024 تحدثت شبكة "سي أن أن" الأمريكية في تقرير لها عن "صعوبة تحقيق إسرائيل الفوز في الحرب الدائرة ضد لبنان"، مستشهدة بتصريحات لجنود كانوا يقاتلون في الجنوب ضد غزة، الذين يصفون الحرب بأنها "مختلفة تماماً" عسكريا وجغرافيا.

وفي التفاصيل، أشار تقرير الشبكة إلى أن "مستوى المقاومة من جانب حزب الله فاجأ العديد من المراقبين"، بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة ضده".

وقال العديد من جنود الجيش الإسرائيلي الذين يقاتلون حاليا في لبنان لشبكة الـ"سي أن أن"، إن "التضاريس الجبلية المفتوحة، حيث يوجد الحزب في الداخل، تجعل العملية صعبة".

وصرح جندي إسرائيلي خدم عدة أشهر في غزة، فيما يقاتل الآن في جنوب لبنان، إن "الحرب على طول الحدود الشمالية مختلفة تماما عما شهده في غزة". 

وأوضح أن "التحدي لا يكمن في أن حزب الله مجهز بشكل أكبر، أو لديه المزيد من التدريب"، بل إن "التحدي هو التحول في الرأس من أشهر من القتال في منطقة حضرية مقابل القتال في منطقة مفتوحة"، مشيرا إلى أن المناورات الأساسية حتى - بما في ذلك الطريقة التي يتحرك بها الجنود في الطابور، مختلفة تماما".

على الورق، ذكرت "سي أن أن" أن "الجيش" الإسرائيلي "يتفوق على مقاتلي حزب الله، من ناحية امتلاكه أسلحة أكثر تطورا، وعددا أكبر بكثير من القوات، وشبكة استخبارات قوية"، في حين أن "هذه المزايا لا تعني الكثير في نوع القتال الدائر في تلال جنوب لبنان، حيث لا تعد الأسلحة المتفوقة ذات أهمية كبيرة"، وفق ما أكده الجندي الإسرائيلي الذي تحدث مع الشبكة الأمريكية.

 

العملية البرية

 

وفي السياق، قال دانيال سوبلمان، خبير الأمن الدولي في "الجامعة العبرية" في القدس، إن "إسرائيل خاضت تجربة مماثلة في حرب عام 2006 مع حزب الله"، حيث كان الأخير "يواجه أقوى جيش في الشرق الأوسط، وكانت هناك مئات الغارات الجوية الإسرائيلية يوميا، والمدفعية، وجميع القدرات التي يمكن أن يقدمها الجيش الحديث والمتقدم"، لكنه (حزب الله)، "لم يهزم".

وأضاف أنه "طوال الهجوم الإسرائيلي بأكمله، كان حزب الله قادرا على إطلاق مئات الصواريخ على إسرائيل يوميا".

وتابع سوبلمان أنه "بعد الفشل الذريع في عام 2006، أمضت إسرائيل ما يقرب من عقدين من الزمن في التحضير لمواجهتها المقبلة مع حزب الله"، حيث "كان الافتراض هو أن الحرب المقبلة ستكون معه، وليس مع حماس"، فربما "لم يتخيل أحد على وجه الأرض سيناريو على غرار ما حدث في السابع من أكتوبر". 

ولفت سوبلمان إلى أن "التوقعات في أن تكسب إسرائيل هذه الحرب من دون أن تدفع ثمنا باهظا لا تنطبق على حرب الشوارع".

وأضاف أن "إسرائيل تقاتل على أرض يعرفها حزب الله بشكل أفضل بكثير"، وأن الحزب "مصمم على إلحاق أكبر عدد ممكن من الخسائر بالجيش الإسرائيلي".

وأردف: "إنهم (مقاتلي حزب الله) متحصنون في منشآت تحت الأرض ويلعبون لعبة دفاعية"، مردفا أنه "لا يهم كم تقتل منهم، ففي حرب العصابات يفوز الجانب الذي يفرض تراكما مستداماللتكاليف". 

وأشار إلى أن ذلك "هو بالضبط ما حدث في عام 2006، عندما لم تتمكن إسرائيل من تحقيق نصر حاسم على الرغم من قدراتها المتفوقة".

وعليه، "تثير فكرة الغزو البري الكبير قلقا، حيث لا تزال ذكريات الحرب الأخيرة محفورة بالنسبة إلى إسرائيل"، بعدما "انتهت إلى طريق مسدود بعد 34 يوما".

 

حالة تأهب قصوى

 

إلى ذلك، التوقع هنا واضح، فإذا انتهى الأمر بـ"إسرائيل إلى إرسال المزيد من القوات إلى جنوب لبنان، فقد تصبح الحرب دموية.

الثلاثاء، أعلن "الجيش" الإسرائيلي أن وحدات من أربع فرق تقاتل الآن في جنوب لبنان. وإذ لا تكشف القوة عن أعداد قواتها، فيعتقد أن كل فرقة تتكون من نحو 10000 إلى 20000 جندي. 

وفي ضوء ذلك، يقبع الآن "مستشفى زيف في الشمال في حالة تأهب قصوى"، حيث علقت العمليات غير العاجلة، وطُلب من الموظفين التفكير في التبرع بالدم عند الحاجة، وتم نقل جميع المرضى لتحت الأرض".

وفي السياق، أفاد مدير المستشفى، سلمان الزرقا، لشبكة "سي أن أن"، بأن هناك "تدفقا مستمرا للجنود المصابين الذين يأتون إلى المستشفى منذ بدء العملية البرية، حيث استقبل المستشفى أكثر من 100 جندي في الأيام القليلة الأولى فقط".

 

البحث عن مخرج

 

بينما تظهر تل أبيب وواشنطن ما تقدران أنه تصرف يعكس ثقتهما في النصر تجرى تحركات تعكس جهودا لإبقاء باب التفاوض مفتوحا أو منع زيادة تمرد دول أوروبية وفي مقدمتها فرنسا على توجهاتهما.

يوم الأحد 13 أكتوبر، قالت هيئة البث الإسرائيلية، إن الجيش الإسرائيلي لم يشن أي هجوم على العاصمة اللبنانية بيروت منذ ثلاثة أيام.

وأوضحت الهيئة، في نشرتها الإخبارية المسائية أن الجيش لم ينفذ أي هجوم "بناء على توجيهات المستوى السياسي". وأضافت أن آخر غارة شنها سلاح الجو كانت الخميس 10 أكتوبر. 

في الوقت ذاته، قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن "الرئيس الأمريكي بايدن طلب من رئيس الوزراء نتنياهو الحد من الضربات في العاصمة اللبنانية وذلك عندما تحدث الاثنان الأسبوع الماضي".

يوم الأحد 13 أكتوبر حث وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، نظيره الإسرائيلي يوآف غالانات، على التحول إلى المسار الدبلوماسي في لبنان، وضمان سلامة وأمن قوات "اليونيفيل" الأممية والجيش اللبناني.

وذكر بيان للبنتاغون أن "أوستن أجرى اتصالا مع غالانت، أعرب خلاله عن تعازيه بمقتل الجنود الإسرائيليين في هجوم بمسيرة نفذها حزب الله اللبناني".

وقال الجيش الإسرائيلي الأحد إن هجوما بطائرة مسيرة شنته جماعة حزب الله اللبنانية على قاعدة عسكرية قرب بلدة بنيامينا في شمال إسرائيل أسفر عن مقتل أربعة جنود وإصابة سبعة آخرين بجروح بالغة و46 آخرين، وفقا لما نقلته وكالة رويترز.

يذكر أن وكالة "بلومبرغ" الأمريكية كانت قد كشفت يوم 10 أكتوبر عن طرح الرئيس الأمريكي بايدن على رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو حزمة بدائل عن توجيه ضربة عسكرية لإيران، تشمل عقوبات اقتصادية مشددة ضد طهران. وأضافت أن بايدن حذر إسرائيل من مهاجمة المواقع النووية الإيرانية، في الوقت الذي يخشى فيه المسؤولون الأمريكيون من أن تؤدي الضربة على البنية التحتية للطاقة الايرانية إلى زعزعة أسواق الطاقة العالمية وتدمير شبكة الطاقة الإسرائيلية عندما ترد طهران.

وحسب وكالة رويترز حثت دول الخليج العربي الولايات المتحدة على منع إسرائيل من قصف المواقع النفطية الإيرانية خشية أن تتعرض منشآتها النفطية لإطلاق نار.

وذكرت "رويترز" إن "دول الخليج العربي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ترفض أيضا السماح لإسرائيل بالتحليق فوق مجالها الجوي لأي هجوم على إيران كجزء من محاولاتها لتجنب الوقوع في مرمى النيران المتبادلة، وقد نقلت ذلك إلى واشنطن".

وأفاد مسؤول إيراني كبير ودبلوماسي إيراني لـ"رويترز" بأن "طهران حذرت خلال اجتماعات في أكتوبر المملكة العربية السعودية من أنها لا تستطيع ضمان سلامة منشآت النفط في المملكة الخليجية إذا حصلت إسرائيل على أي مساعدة في تنفيذ هجومها".

 

الأفول 

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة اللبنانية بيروت يوم 6 أكتوبر 2024:

من تحولات "طوفان الأقصى" في الغرب، انكسار شبه الإجماع الأمريكي على دعم إسرائيل المطلق، ودخول هذه المسألة نطاق الاهتمام العام، وغدت ولأول مرة معارضة سياسات الإدارة الداعمة لتل ابيب قضية رأي عام واسع في عام انتخابي حرج.

ونظرا إلى دعم إدارة بايدن ومشاركتها في حرب الإبادة، فقد يخسر الديمقراطيون الانتخابات القادمة بعد أسابيع، ويعود الرئيس السابق دونالد ترامب والجمهوريون إلى البيت الأبيض، بما يستتبع ذلك من تطرف وفوضى واضطرابات تمس الدولة العميقة الأمريكية وسياساتها والنظام الدولي بأسره، ومآل حرب أوكرانيا.

تظهر خريطة أصوات ناخبي الحزب الديمقراطي وزنا نسبياهاما لجناحه التقدمي والشباب بين 19 و26 عاماً والعرب والمسلمين، وصعوبة حصول أي مرشح ديمقراطي على الأصوات اللازمة للفوز بالبيت الأبيض، بالسياسات نفسها لإدارة بايدن الشريكة في الإبادة الجماعية الدائرة في فلسطين ولبنان. وما لم تعلق المرشحة الديمقراطية، كمالا هاريس، شحنات أسلحة الإبادة إلى "إسرائيل"، سيفوز ترامب غالباً بالانتخابات؛ لأن الناخبين المسلمين والعرب والتقدميين في الولايات المتأرجحة لن يصوتوا للحزب الديمقراطي ولا للحزب الجمهوري بقيادة ترامب المسكون بطاقة صراعية هائلة، ولن يتردد في تسعير الحروب الباردة وإذكاء الصراعات الساخنة.

يرجِح مراقبون، في الحالتين، أن تتراجع مكانة الولايات المتحدة كإمبراطورية، ما لم يستيقظ شعبها كما فعل خلال الستينيات. لقد توقع كثيرون هذا التراجع وحذروا منه منذ زمن، لكن سرعة التدهور مذهلة، ما يفاقم مخاطر اندلاع حرب عالمية لإنقاذ الإمبراطورية، وهي فرصة خاسرة في سياق انتشار أسلحة الدمار الشامل عالية التقنية.

 

مؤشرات 

 

لا تقتصر مؤشرات التدهور الأمريكي على سوء أداء نظام الرعاية الصحية، ووفاة 1.2 مليون شخص ونيف خلال وباء كوفيد-19، و35 تريليون دولار ديون حكومية، بعضها لدول كالصين واليابان استدينت لخوض حروب جماعات الضغط، وتريليونات أخرى ديون الأفراد والشركات، وأعلى تعداد مساجين في العالم، يتجاوز مليوني أمريكي خلف القضبان. واستيلاء قيادة على حلف الأطلسي تدفع نحو حرب عالمية.

لقد كشفت حرب أوكرانيا عن تراجع التصنيع والإنتاج نتيجة الاقتصاد النيوليبرالي الذي نقل المصانع إلى الخارج، وعجزت أمريكا وحلف الأطلسي عن إنتاج أسلحة وذخائر كافية لأوكرانيا. كذلك شهدت العقود الأخيرة زيادة حادة في معدلات الوفيات في أمريكا لتتجاوز بكثير معدلاتها في روسيا، وتفاقم حالات الانتحار وجرائم القتل، وسيادة العدمية الإمبراطورية وهوس مزمن بالحروب الأبدية.

كما تكشف وهم ديمقراطية النظام السياسي، ديمقراطيون وجمهوريون يتبادلون المقاعد ويتداولون السلطة، بينما تدير النظام فعليا جهات فاعلة متنفذة غير منتخبة: نظام الاحتياطي الفيدرالي يديره مصرفيون أثرياء، وجماعات ضغط كاللوبي الصهيوني، ومليارديرات يتبرعون بمئات الملايين لمرشحي الرئاسة والكونغرس من كلا الحزبين المتنافسين، لضمان أمن "إسرائيل" ومصالحهم الشخصية.

 

نظام مختل

 

يدرك الناس الآن بشكل متزايد أن ما يسمى "نظام العدالة" مختل، ويخدم الأثرياء والأقوياء. تصدر محاكم المستوى الأدنى على الأفراد السود أحكاما قاسية، بينما تبرئ القتلة العنصريين البيض، في حين يسمح المستوى القضائي الأوسط باستمرار فساد الأثرياء، أمثال شيلدون أديلسون وحاييم سابين وروجر ستون وليز ويكسنر، وصولا إلى المحكمة العليا التي يسيطر عليها الجمهوريون، وقد قضت بأن تصرفات الرئيس أثناء وجوده في منصبه لا تخضع لقانون أو ملاحقة قضائية.

حتى حرية التعبير المنصوص عليها في التعديل الدستوري الأول، ومحاولات مقاطعة دول مارقة مثل "إسرائيل"، دولة الإبادة الجماعية ونظام الفصل العنصري، محظورة الآن بالقانون في ولايات أمريكية عديدة ولوائح فيدرالية. تدور هذه الحرب على الحقيقة والعدالة في الغرب بالتوازي مع حرب إبادة جماعية فعلية على أهل فلسطين ولبنان وغيرهم، لإخلاء الأرض والموارد التي تطمع فيها الإمبراطورية من سكانها الأصليين.

رغم كل شيء، فإن النظام الدولي الإمبريالي لا يمضي بالطريقة التي خطط لها. كانت خطط صهاينة المحافظين الجدد في التسعينيات تتضمن استراتيجيات تنبأت بحدث مثل 11 سبتمبر 2001، يساعدهم في تأمين "قرن أمريكي جديد" يعيد اجتياح العالم، وغزو العراق المخطط له مسبقا، وإعادة تجزئة منطقتنا واحتلالها واختراقها.وقد أتت جميعها بنتائج عكسية. فإيران والصين وروسيا تتحدى واشنطن، في شأن الحرب الاقتصادية والعقوبات غير القانونية على إيران وسوريا، وربطت بين اقتصادياتها وتعاونها العسكري وأكثر.

في سياق متغيرات عديدة، قد يفوز ترامب بالانتخابات، لكن هذا لن يؤدي إلا إلى تسريع زوال القوة الأمريكية. يلاحظ أن اللوبي الإسرائيلي يريد فوز ترامب لإكمال هداياه لـ"إسرائيل" وتحصين اللوبي ضد القانون وخارج التدقيق. وسيفعل ترامب ودائرته أي شيء للفوز، بينما لا يسمح للجمهور الأمريكي بسماع كل الحقائق، وتتلاعب به شبكات الإعلام الكبرى ووسائل التواصل الاجتماعي للتصويت لصالح الأقل شرا، بناء على بروباغندا الخوف، وقد أنفِقَت مئات الملايين على إعلانات المرشحين. بدورها، ستقوض استمالة هاريس للوبي الإسرائيلي ودعمها الإبادة الجماعية، أي وجود تقدمي "وهمي" في الحزب الديمقراطي، الذي عمل جنبا إلى جنب مع الجمهوريين لعدم قيام أحزاب أخرى.

تكمن خطورة ما بعد الانتخابات الأمريكية في أن تشن الولايات المتحدة وحلفاؤها حربا عالمية للحفاظ على النظام الأحادي القطبية وهزم الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران وتعزيز المشروع الإسرائيلي، وحسم صراعه مع شعب فلسطين بتهجير أهل غزة والضفة وتصفية القضية. 

غدت الولايات المتحدة تشبه إمبراطورية رومانية متهالكة، تعاني إفراطاً في الإنفاق العسكري، وعدم المساواة، واستياء داخليا. ولإبقاء العالم في صفها، ومنع دائنيها من المطالبة بديونهم، يتعين عليها كإمبراطورية (متهالكة) التلويح بعصا غليظة.

يكرر العالم الخطأ نفسه في قراءة وضع الاتحاد السوفياتي خلال السبعينيات، مع توسع تدخله العسكري، أي إساءة تفسير توسع النشاط العسكري الأمريكي كمؤشر على قوة متزايدة، في حين أنه قناع لإخفاء التراجع والأفول.

 

عمر نجيب

[email protected]