الهجوم الإسرائيلي على اليمن لبنة جديدة لصراع أوسع إقليمي وعالمي ... حسم الصراع في الشرق الأوسط وأزمة الغرب أو الإفراط في التمدد

خميس, 2024-07-25 14:38

مع بداية شهر يناير 2024 ويوم الجمعة 12 يناير شرعت القوات البحرية والجوية الأمريكية والبريطانية في شن غارات جوية وهجمات صاروخية على أهداف في اليمن في محاولة لشل العمليات المسلحة للقوات اليمنية التابعة لحكومة صنعاء على السفن الإسرائيلية، ولمنعها من مواصلة فرض الحصار على السفن المتعاملة مع الموانئ الإسرائيلية وحظر عبورها المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وهو الأمر الذي أسفر عن إلحاق خسائر كبيرة بالاقتصاد الإسرائيلي وشل ميناء أيلات بشكل كامل وقطع اتصال إسرائيل بالبحر الأحمر. وبعد بدء الهجمات الأمريكية البريطانية على اليمن وسعت صنعاء لائحة السفن المستهدفة لتشمل سفن الدول التي تشارك في شن هجمات ضدها في هذه المنطقة الإستراتيجية التي تمر عبرها 12 بالمئة من التجارة العالمية.

رغم أن واشنطن حشدت حاملة الطائرات يو إس إس دوايت أيزنهاور (CVN-69) العاملة بالطاقة النووية والبالغ تكلفة بنائها 4.7 مليار دولار أمريكي والتي تحمل على متنها 5 آلاف فرد وأكثر من 82 طائرة زيادة على مجموعتها القتالية والمدعومة بقوات بريطانية ومن حلف الناتو لم تتوقف العمليات اليمنية.

ومنتصف شهر يوليو 2024 اعترف رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية تشارلز براون بأن الأزمة في البحر الأحمر لا يمكن حلها من خلال استخدام القوة العسكرية وحدها ضد حركة "أنصار الله" (الحوثيين) اليمنية.

وصرح القائد الأمريكي متحدثا في المنتدى الأمني ​​السنوي الذي نظمه معهد "أسبن": "سيتطلب الأمر أكثر من مجرد الضربات العسكرية لتغيير الحوثيين. وسيتطلب الأمر أكثر من مجرد جهود مشتركة بين الوكالات الحكومية الأمريكية. وسيتطلب الأمر المزيد من الجهد الدولي للضغط على الحوثيين لوقف ما يفعلونه"، ووفقا له، في هذه الحالة ستكون هناك حاجة إلى شيء "أكثر من مجرد حملة عسكرية".

وفي الوقت نفسه، رفض براون فعليا الدعوة لضرب إيران أو سفن الاستطلاع التابعة لها في الخليج العربي، وأوضح رئيس هيئة الأركان المشتركة أنه ينظر إلى الصورة الأوسع، ويأخذ في الاعتبار جميع العواقب المحتملة، بما في ذلك الدرجة الثانية والثالثة عندما يسمع مثل هذه التوصيات من بعض الدوائر في الولايات المتحدة.

وأضاف: "بمجرد القيام بذلك (اتخاذ هذا الإجراء أو ذاك)، ما هي العواقب من الدرجة الثانية التي تقع على عاتقي كمسؤول عن التفكير بشكل استراتيجي حول الإجراءات التي نتخذها، وحول توصياتنا، وما هي مخاطر المزيد من تصعيد الصراع؟ أو توسيعه".

زيادة على فرض قوات اليمن حصارا بحريا في البحر الأحمر قامت وحداته الصاروخية والطائرات المسيرة إبتداء من العاشر من شهر أكتوبر 2023 أي بعد 72 ساعة من عملية طوفان الأقصى بشن هجمات شبه يومية على إسرائيل خاصة ميناء ايلات، الرقابة العسكرية الإسرائيلية لم تسمح سوى بنشر القليل من المعلومات عن الهجمات اليمنية.

يوم الجمعة 19 يوليو 2024 أصابت طائرة مسيرة يمنية أطلق عليها اسم "يافا، عمارة في تل ابيب قرب السفارة الأمريكية مخلفة خسائر ولم تستطع الرقابة العسكرية الإسرائيلية إخفاء الأمر وهو ما شكل ضربة لمقولة فعالية أجهزة الدفاع الإسرائيلية. وكالة الأنباء الألمانية "د ب أ" علقت بالقول أن وصول تلك المسيرة، إلى وسط تل أبيب بعد قطعها مسافة 1900 كيلومتر وتنفيذها لهذا الهجوم على مقربة من مقر للسفارة الأمريكية دون التعامل معها وإسقاطها أثار مخاوف الكثيرين في إسرائيل وطرح علامات استفهام عديدة بشأن فاعلية أجهزة الدفاع الجوي الإسرائيلية، بل وكذلك حول قدرة إسرائيل على الاستمرار في الحرب متعددة الجبهات، التي تخوضها للشهر العاشر على التوالي.

في محاولة لإستعادة ما يسمى بقدرة الردع ولتخفيف الضغوطات الداخلية والخارجية على تل أبيب ومنع مزيد من الإسرائيليين من الهجرة إلى الخارج بسبب انعدام الأمن واستمرار الحرب شن الطيران الإسرائيلي هجمات على ميناء الحديدة اليمني يوم السبت 20 يوليو 2024. وسائل الإعلام الغربية وخاصة الأمريكية أو تلك العاكسة لوجهة نظرها غطت الهجوم الإسرائيلي بهالة من التضخيم وتأكيدات عن قدرة تل أبيب ضرب خصومها أينما كانوا، وقد تجاهل هؤلاء أن العملية الإسرائيلية ضد اليمن لا يمكن مقارنتها بالعمليات الأمريكية البريطانية المستمرة منذ سبعة أشهر والتي لم تحقق هدفها.

على بعد 2100 كيلومتر من سواحل اليمن على البحر الأحمر ومضيق باب المندب وبحر العرب، تستعر حرب غزة ولم ينجح الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه وتزداد الضغوط عليه للتوصل إلى هدنة أو تسوية حتى لا ينتهي به الأمر إلى تكبد مزيد من الخسائر في حرب استنزاف لم يتوقعها سوى قلة من الخبراء والمحللين. في نفس الوقت تتبدل التوازنات العالمية لغير صالح تل ابيب ويواجه الغرب أخطارا تهدد استمراره في قيادة العالم.

 

مرحلة جديدة 

 

نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، يوم 19 يوليو مقالا لمحلّل الشؤون العسكرية لديها، عاموس هرئل، يتحدث فيه عن استهداف "تل أبيب" بالمسيرة اليمنية، وكيف سيكون هذا الاستهداف البداية لمرحلة جديدة في حرب 7 أكتوبر:

أعلن اليمنيون أنه من الآن ستكون "تل أبيب" هدفا أساسيالهجماتهم، وبالنسبة لإيران هذه صفقة ممتازة في وقت أُجبرت فيه "إسرائيل" على استغلال مواردها القتالية في ساحات أخرى، من دون التقليل من الخطأ الفادح الذي أدى إلى مقتل أحدهم، التهديد الأخطر للمسيرات ما زال في شمالي البلاد.

استهداف "تل أبيب" بمسيرة متفجرة فجرا (الجمعة) يعكس مرحلة جديدة من الحرب الدائرة بين "إسرائيل" وأعدائها منذ 7 أكتوبر، والآخذة باتخاذ "هيئة حرب إقليمية ومتعددة الساحات"، في الانفجار، قرب مبنى السفارة الأمريكية، قتل شخص وأُصيب 8 من جراء الشظايا.

"تل أبيب" و"غوش دان" سبق أن أصبحتا وجهة لصليات صواريخ حماس في غزة منذ بداية الحرب، لكن مع دخول "الجيش" الإسرائيلي قطاع غزة تراجع كثيرا التهديد على وسط البلاد، فيما حزب الله، الذي يتفادى حتى الآن حرباً شاملة، لم يهاجم جنوبي خط بحيرة طبريا، أما اليمنيون فركزوا حتى الآن على محاولات الإطلاق على منطقة "إيلات".

دماء سكان "تل أبيب" ليست أشد حمرة من دماء سكان "كريات شمونة" و"كيبوتسات" على الحدود الشمالية، التي تتعرض لهجمات بالصواريخ والمسيرات يوميا، إلى جانب جنود "الجيش" الإسرائيلي هناك (غالبية هذه المستوطنات أُخليت من معظم سكانها مطلع الحرب، نظراً لهذا التهديد).

والآن، حقيقة أن الأمر يتعلق باستهداف استثنائي لوسط البلاد أثار اهتماما إعلاميا دراماتيكا، ففي بعض الاستوديوهات وشبكات التواصل الاجتماعي جرى تداول مطلب مزدوج: "إعلان حرب على من يقف خلف عملية الإطلاق الفتاكة"، و"قطع رؤوس المسؤولين عن فشل منظومة الدفاع الجوي، التي لم تفعل".

هذا الصباح تبنى اليمنيون مسؤولية إطلاق المسيرة، التي على حد قولهم كانت من طراز جديد، اسمها "يافا"، وقال المتحدث باسمهم إن المسيرة نجحت بتجاوز منظومات الدفاع الإسرائيلية، وأعلن "إسرائيل" هدفا أساسيا للهجمات من الآن فصاعدا.

منذ بداية الحرب، تتعلّم "إسرائيل" تدريجياً ما تعلّمته غيرها في الحرب الطويلة ضد اليمنيين، فاليمنيون عدو حازم، يصعب ردعه، ويبذلون مساعي عديدة في الحرب النفسية، ويتزودون بسلاح بعيد المدى وتدريجي ذكي نسبيا. 

مطلع الحرب بدأ اليمنيون بمهاجمة السفن في المحيط الهندي والبحر الأحمر، دعما لغزة التي تقصف وعقابا لـ "إسرائيل"، وفعليا، نجحوا بشل معظم حركة النقل البحري عبر البحر الأحمر وقناة السويس وإيقاف مرفأ "إيلات" كليا. 

دفع الغرب، وشركات الشحن الدولية، ثمنا باهظا، فإطالة مسارات الإبحار من الشرق الأقصى إلى أوروبا، حول أفريقيا، رفع التكاليف كثيرا، فيما ردت الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا وغيرها من دول الغرب بمهاجمة عدة أهداف في اليمن، لكنها لم تنجح حتى اليوم بثني اليمنيين أو بإنهاء الأزمة.

"إسرائيل" يمكنها، من حيث المبدأ، استهداف أهداف يمنية من الجو، والسؤال سيكون ما هي القيمة المضافة لإجراءات إسرائيلية من هذا القبيل، بعد الهجمات الغربية؟ يجب أن توزع "إسرائيل" مواردها القتالية على ساحات أخرى، بعضها تبدو ملحة جدا في الوقت الراهن: الحرب على حماس، وأكثر من ذلك احتمال تطور حرب شاملة مع حزب الله، ومن خلفه إيران والعراق وسوريا.

عقدة أخرى تتعلق بالحاجة للانتباه الأمريكي لتنسيق إجراءات إقليمية، فالسباق الرئاسي الأمريكي دخل مرحلة مصيرية على خلفية مؤتمرات أكبر حزبين، ومحاولة الاغتيال الفاشلة لدونالد ترامب، وأكثر من ذلك انسحاب جو بايدن قريبا من السباق، نظرالعمره ووضعه الصحي، بالإضافة إلى نتنياهو الذي يصر على الذهاب إلى واشنطن الأسبوع المقبل لإلقاء خطاب في الكونغرس، قد يجد هناك رئيسا ربما يكون محجورا لإصابته بكورونا ويدرس الاستقالة عموما، فمن غير الواضح إلى أي مدى يمكن الآن تنسيق إجراءات مع الإدارة، التي تضغط من جانبها على "إسرائيل" للتوصل إلى صفقة الأسرى مع حماس ووقف إطلاق النار في القطاع ولبنان.

 

جميع الاحتمالات واردة

 

يقف خلف استهداف "تل أبيب" بمسيرة، كما اعترفوا في الحال في سلاح الجو، فشل مدو في تشغيل منظومات الدفاع الجوي. ويظهر تحقيق أولي أنه تم رصد المسيرة وهي في طريقها إلـى "إسرائيل"، لكن لسبب لم يتضح بعد لم يفعل الإنذار، لم تشخص المسيرة كتهديد ولم تتم محاولة إسقاطها، في تلك الساعات أسقط سلاح الجو هدفا جويا آخر، حلّق من الشرق إلى "الأراضي الإسرائيلية"، وصباح الخميس أسقط الأمريكيون 3 مسيرات وصواريخ جوالة أطلقت من اليمن شمالا، على ما يبدو في اتجاه "إسرائيل". 

مسار المسيرة التي انفجرت في "تل أبيب" لم يتضح بعد كليا، يرجح أنها دخلت من الجنوب لكن هناك احتمال بأنها سلكت مسارا من الشرق، ربما بالتعاون بين اليمنيين والعراقيين، وفي "إسرائيل" يدرسون أيضا طراز المسيرة ومدى قدرة تسييرها عن بعد، لذلك ما زال من الصعب معرفة إن كانت هناك محاولة استهداف مركزة للسفارة الأمريكية القريبة من ساحة الانفجار.

التوضيح الأولي في سلاح الجو للفشل أشار إلى "خطأ بشري"، ما زال قيد التحقيق، وبعد الكشف، جميع الإجراءات تلزم بتركيز المنظومات ومحاولات إزالة التهديد عبر إسقاط المسيرة، الأمر الذي لم ينجز، وهناك بالتأكيد خطأ فادح جدا أدى إلى مقتل أحدهم وإصابة آخرين، هذا ما لم نأت على ذكر تضرر الشعور بالأمن الذاتي للإسرائيليين.

في الواقع حيال المسيرات بعيدة المدى، كتلك التي يطلقها اليمنيون، سجل سلاح الجو حتى اليوم نجاحات اعتراض عديدة عبر طائرات، مروحيات ومنظومات دفاع جوي، والعقدة الأساس، التي أدت أيضا إلى إصابات عديدة، تتعلق بمسيرات أطلقها حزب الله من لبنان، ذات المدى الأقصر، حيث حلّقت المسيرات ببطء، على ارتفاع منخفض وتركت "بصمة" رادار ضعيفة جدا، ومع ذلك، هذا ليس مبرراً لما حدث الليلة في "تل أبيب".

 

الهجوم على الحديدة استعراضي

 

في العاصمة اليمنية صنعاء أكد قائد حركة أنصار الله، عبد الملك الحوثي، يوم الأحد 21 يوليو، أنّ "العدو الصهيوني اختار أهدافه في الحديدة في سياق استهداف الاقتصاد اليمني". وأضاف إن "العدو لديه هدف آخر، وهو استعراضي من أجل مشاهد النيران والدخان المتصاعد لتصوير ضربته بصورة الإنجاز الكبير". 

وأوضح أن "العدو الإسرائيلي يريد أن يصور لجمهوره الغاضب والخائف من مشاهد النيران أنه حقق إنجازا كبيرا ووجه ضربة موجعة لليمن".

وأشار الحوثي إلى أنّ "العدو أراد الاستفراد بالشعب الفلسطيني في غزة وبنى استراتيجته على ذلك"، لافتا إلى أن "أول ما أثّر على توجه الاحتلال هو جبهة الإسناد في لبنان، التي كان لها تأثير كبير وساهمت في التخفيف عن غزة".

وأكد أن عمليات القوات المسلحة اليمنية "كان لها تأثير كبير على توجه الاحتلال وكانت فاعلة ومؤثّرة على العدو اقتصاديا"، موضحا أن "العمليات المشتركة بين الجيش اليمني والمقاومة الإسلامية في العراق كان لها تأثير مباشر وكبير على العدو".

ولفت الحوثي إلى أن "العدو اعترف بتطوير قدراتنا وبالتكتيكات والتقنيات والوسائل الجديدة التي أثّرت بشكل كبير، وعجز العدو عن إيقافها"، مضيفا أنه "مع استمرار الإبادة في غزة والتجويع اتجه بلدنا إلى التصعيد وتوسيع نطاق العمليات إلى المحيط الهندي والبحر المتوسط". 

وأشار إلى أن "العدو الإسرائيلي مع الوصول إلى الشهر العاشر يحتاج إلى المزيد من الضغط والردع من أجل إجباره على إيقاف عدوانه"، كاشفا أنّ "طائرة يافا مسيرة متطورة بقدرة واضحة على المستوى التكتيكي والتقني، وذات مدى بعيد وقوة تدميرية تفوق أي مسيرة". وأكد أن "وصول المسيرة إلى عمق العدو كان مزعجا جدا له، ومثّل معادلة جديدة ومهمة، وهذا أمر غير مسبوق من خارج فلسطين"، مشددا على أن "استهداف يافا مثل ضربة معنوية كبيرة للعدو، وهذا ما عبرت عنه قياداته".

كما بين أنّ "الطائرة هي تصنيع يمني، وأطلقتها قوة يمنية وليس كما ادعى البعض أنها من تصنيع وإطلاق قوة أخرى"، لافتاً إلى أنّ "البعض لا يطيق الاعتراف بدور اليمن وفاعليته وقدرة الشعب اليمني وتأثير جيشه وقواته المسلحة، لأسبابٍ مرضية".

 

حرب استنزاف

 

ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في تقرير لافت نشرته يوم الاثنين 15 يوليو 2024 إن الجيش الإسرائيلي اعترف ولأول مرة منذ بداية الحرب بنقص كبير في الدبابات والذخيرة لتضررها في المعارك بقطاع غزة.

وأضافت الصحيفة أن اعتراف الجيش الإسرائيلي جاء في رده المقدم إلى المحكمة العليا بشأن التماس تجنيد النساء في قوة المدرعات والذي تم الكشف عنه لأول مرة على موقع "واينت".

وأفاد الجيش بأن هناك العديد من القيود التي ستمنع فتح التجربة بما في ذلك عدم كفاءة العديد من الدبابات.

ووفق المصدر ذاته، قرر رئيس الأركان تأجيل تجربة دمج المقاتلات في تشكيل المدرعات المناورة حتى نوفمبر 2025 بسبب النقص الحاد في الذخيرة والدبابات التي تضررت في القتال الطويل.

وقرر الجيش الإسرائيلي كما تبين وفقا للالتماس، إجراء تجربة للمقاتلات المدرعة القادرة على المناورة ابتداء من أكتوبر 2024 ولكن بسبب قيود الحرب فإنه أجلها إلى نوفمبر من عام 2025.

وأشارت الصحيفة إلى أنها المرة الأولى التي يعترف فيها الجيش الإسرائيلي بأنه فقد دباباته في حرب غزة ويعاني من نقص في القذائف، فضلا عن العديد من المقاتلين والقادة الذين أصيبوا أو قتلوا في المعارك.

كما كشف الرد أن صعوبات موضوعية نشأت نتيجة القتال في قطاع غزة وعلى جبهات أخرى، وخاصة في التشكيل القتالي في الجيش الإسرائيلي.

وجاء في الرد أيضا أنه من غير المتوقع إضافة دبابات جديدة إلى سلاح المدرعات في وقت قريب، وهذا يعني أن كمية الدبابات المتوفرة في سلاح المدرعات ليست كافية سواء للمجهود الحربي أو لإجراء التجارب والتدريب في الوقت نفسه.

وتوضح الصحيفة في السياق أن نطاق الذخيرة والموارد اللازمة لصيانة الأدوات بات محدودا للغاية.

 

توسيع نطاق الحرب 

 

قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق يوم السبت على اليمن٬ ينذر بتوسيع نطاق الحرب في غزة، ويخلق ديناميكية جديدة متقلبة لما أصبح صراعا إقليميا متزايدا في المنطقة.

وحذر القائد الأعلى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط مؤخرا في رسالة سرية إلى وزير الدفاع لويد أوستن من أن العمليات العسكرية في المنطقة فشلت في ردع هجمات الحوثيين٬ وأن هناك حاجة إلى نهج أكثر صرامة٬ على حد تعبيره. 

ومع تزايد قوة الحوثيين في العالم العربي وقدرتهم على ضرب تل أبيب، وتحولهم من جماعة مسلحة محلية إلى تهديد دولي للمصالح الغربية والإسرائيلية، بدأ حلفاء آخرون في التنسيق معهم بشكل أوثق.

وفي الأسابيع الأخيرة، ذكر الحوثيون والميليشيات في العراق أنهم عملوا معاً في إطلاق سلسلة من الهجمات بطائرات بدون طيار وصواريخ ضد الموانئ والسفن الإسرائيلية. 

وقال الجيش الإسرائيلي، الجمعة 19 يوليو 2024، إنه اعترض طائرة بدون طيار إضافية على طول الحدود الشرقية٬ في نفس الوقت تقريبا لهجوم تل أبيب، وأنه يحقق في الصلة بين الحادثين. وتتعاون الجماعات اليمنية والعراقية بشكل وثيق منذ هجوم إسرائيل على غزة في أعقاب السابع من أكتوبر 2023. والآن يخشى الإسرائيليون وحلفاؤهم الأمريكيون من اتساع رقعة الحرب إقليميا بسبب الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدية.

 

الانتقال إلى مرحلة جديدة

 

صحيفة هآرتس الإسرائيلية٬ ترى أن "النتيجة الناجحة للضربة على اليمن٬ على بعد حوالي 1700 كيلومتر من إسرائيل٬ تبعث برسالة حول القدرات العسكرية بعيدة المدى للقوات الجوية الإسرائيلية إلى المنطقة بأكملها وخاصة إلى إيران، التي تسلح وتمول الحوثيين"٬ كما قال نتنياهو. ومع ذلك، فمن المتوقع أيضاً أن يؤدي ذلك إلى محاولات انتقامية للحوثيين ضد أهداف إسرائيلية بشكل خطير٬ وقد تزيد هذه الاشتباكات من خطر اندلاع حرب متعددة الجبهات وأكثر حدة في المنطقة برمتها.

ونفت الولايات المتحدة التقارير التي تفيد بأن إسرائيل نسقت معهاقبل الضربة على ميناء الحديدة، لكنها قالت إنها كانت على اتصال منتظم مع إسرائيل منذ غارة الطائرات بدون طيار في تل أبيب. وأضاف البيت الأبيض أنهم "يعترفون بالكامل بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس"٬ على حد تعبيرهم.

بحسب هآرتس٬ سبقت الضربات الإسرائيلية في اليمن استعدادات مطولة من قبل القوات الجوية الإسرائيلية، التي استعدت لاحتمال ضرب اليمن منذ أن أطلق الحوثيون لأول مرة طائرات بدون طيار وصواريخ على إسرائيل في بداية الحرب.

وتقول الصحيفة إن إسرائيل تتوقع أن ينتقم الحوثيون بمحاولة إطلاق صواريخ وطائرات بدون طيار على جنوب وربما وسط إسرائيل. وسيتطلب هذا التهديد المتزايد من الجنوب المزيد من التغييرات والتحسينات في أنظمة الدفاع الإسرائيلية ضد الطائرات بدون طيار. وحتى يومنا هذا، يبدو أن هذه هي نقطة ضعف سلاح الجو الإسرائيلي خلال الحرب، لكن الفجوات تتعلق بشكل خاص بإطلاق طائرات بدون طيار قصيرة ومتوسطة المدى من الحدود اللبنانية إلى منطقة الجليل شمال إسرائيل.

وقال أندرو تابلر، المدير السابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض٬ لصحيفة "وول ستريت جورنال": "بدأ الحوثيون من قاعدة منخفضة ولكن كانت لديهم طموحات إقليمية وحتى عالمية". وأشار إلى أن هجوم الطائرات بدون طيار في تل أبيب يمثل إنجازا كبيرا للجماعة حيث تواصل استهداف أعدائها بفعالية.

وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن ارتفاع وتيرة المواجهة بين الحوثيين وإسرائيل٬ يوسع نطاق التهديدات التي تحتاج إسرائيل إلى احتوائها، خصيصاً أن جيشها منهك بالفعل بسبب الحرب ضد حركة حماس، والمواجهة مع حزب الله على الحدود مع لبنان، والاضطرابات في الضفة الغربية.

ورغم أن ضربة الحوثيين بعيدة المدى من اليمن لتل أبيب قد يكون من الصعب تكرارها حسب الصحيفة، فإنها تعطي الزخم للحوثيين في وقت يشعر فيه المسؤولون الغربيون بالقلق إزاء طموحات الجماعة وقدرتها على إحداث الضرر وكذلك حجم تنسيقها وعلاقاتها مع إيران.

 

السلاح النووي

 

يأتي تبادل الضربات بين إسرائيل والحوثيين وسط قلق متزايد في الغرب وفي إسرائيل بشأن المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يوم الجمعة 19 يوليو 2024 إن الوقت اللازم لدى إيران لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية٬ هو "على الأرجح أسبوع أو أسبوعين". وهذا هو التقييم الأكثر إثارة للقلق الذي أصدرته الولايات المتحدة على الإطلاق، على الرغم من أن إيران ستحتاج أيضا إلى تكثيف برنامجها للأسلحة (أي تركيب رأس حربي نووي على صاروخ باليستي) للحصول على سلاح نووي قابل لضرب الأهداف البعيدة نسبيا.

 

أزمة الغرب أو الإفراط في التمدد

 

يرى محللون أن الأزمات السياسية والاقتصادية المتصاعدة في الغرب خاصة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تخيم على مستقبل إسرائيل التي لا يمكنها الاستمرار سوى بدعم أمريكي أوروبي.

موقع "Counterpunch" الأمريكي "الضربة المضادة" نشر مقالا للكاتب والدن بيلو يوم 18 يوليو 2024 جاء فيه:

سواء سميت "الأزمة المتعددة"، حسب ما وصفها المؤرخ والأستاذ في جامعة كولومبيا آدم توز، أو "عصر الكارثة"، كما أطلق عليها المفكر الماركسي المتميز أليكس كالينيكوس، فلا ريب، أن الجميع يحيا في زمن تصدع أسس النظام العالمي المعاصر، الذي يجد نفسه وجهاً لوجه مع مقولة المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي قبل أكثر من نصف قرن بوصف زمنه وهو مناسب للوقت الحالي أيضا، "العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد لم يولد بعد، وبينهما عصر الوحوش".

كل هذا يحمل صورا واضحة عن انهيار هيمنة الولايات المتحدة على العالم، ولا بد من سبر أغوارها وأبعادها المتعددة الأسباب، وأهمها التوسع العسكري المفرط والعولمة، وأزمة النظام السياسي والأيديولوجي الليبرالي، ومناقشة كل شأن من بينها بشكل مستقل.

لطالما أشار الإفراط في التوسع إلى إحداث فجوة بين طموحات القوة المهيمنة وقدرتها على تحقيق هذه الطموحات، كأنّهما صنوان لبعضهما بعضا، بمجرد أن يقع الأول حتى يقع الثاني. أو كما يعتقد المؤرخ بول كينيدي الذي استخدم مصطلح الإفراط في التوسع، على أنه ظاهرة عسكرية في الأساس تمارسها القوة الإمبراطورية المهيمنة. لكن الولايات المتحدة اليوم متعثرة وأصبحت بعيدة كل البعد عن أن تكون القوة الأحادية التي كانت عليها قبل ربع قرن من اليوم، أي في العام 2001، حين قام أسامة بن لادن بالهجوم على برجي مركز التجارة العالمي بهدف استفزاز التوسع المفرط للإمبراطورية الأمريكية، من خلال إرغامها على القتال على عدة جبهات في العالم الإسلامي، والتي قد تستلهم شعوبه من تنظيم "القاعدة" نموذج التمرد و"الجهاد". ولكن، بدلا من إشعال الثورة، أشعل تصرف أسامة بن لادن الاشمئزاز والاستنكار بين أغلب المسلمين. وكان من الممكن أن يكون الهجوم على الولايات المتحدة بمنزلة فشل ذريع لتنظيم بن لادن، لو لم ينظر الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش إلى الحدث باعتباره فرصة لاستخدام القوة الأمريكية لإعادة تشكيل العالم كانعكاس لسيطرة القطب الواحد الذي تتمتع به واشنطن. لكن، في الحقيقة، ابتلع بوش الطعم الذي أعده أسامة بن لادن وأدخل الولايات المتحدة في حربين لا يمكن الفوز بهما في أفغانستان والعراق. وكانت النتائج مدمرة لقوة أمريكا وهيبتها.

خلال المناظرة التي جرت في شهر يونيو 2024 بين دونالد ترامب وجو بايدن، أشار ترامب إلى الهزيمة في أفغانستان باعتبارها أسوأ إذلال تتعرض له الولايات المتحدة على الإطلاق. مع أن ترامب ميال إلى المبالغة، ولكن كانت هناك عناصر حقيقية في تصريحه هذا.

وعلى حد تعبير المحللة في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية نيللي لاهود، إن "هجمات 11 سبتمبر الشهيرة تحولت إلى نصر باهظ الثمن لتنظيم بن لادن الذي نجح في إحداث تغيير عالمي مؤثر في السياسة الدولية لعقد من السنوات بعد ذلك".

 

العولمة ومواقع التجارة والصناعة

 

السبب الرئيسي الثاني لتفكك مكانة الولايات المتحدة المهيمنة، هو العولمة النيوليبرالية. فقبل 30 عاما، تصور رأس المال للشركات الأمريكية خلال إدارة بيل كلينتون، أن العولمة من خلال التجارة والاستثمار وتحرير رؤوس الأموال ستشكل رأس الحربة في هيمنتها الكبرى على الاقتصاد العالمي. ولكن "وول ستريت" وواشنطن كانتا مخطئتين، فقد صارت الصين المستفيد الأكبر من العولمة، بينما كانت الولايات المتحدة واحدة من ضحاياها الرئيسيين.

لقد أدى تحرير الاستثمار إلى تدفق مليارات الدولارات من رأس المال من الشركات الأمريكية إلى الصين للاستفادة من العمالة الرخيصة، في مقابل نقل التكنولوجيا، طوعا أو قسرا، الأمر الذي ساعد الصين على تطوير اقتصادها بشكل شامل. كما جعل تحرير التجارة، الصين المصنع الأكبر للعالم، وتزود السوق الأمريكية بشكل أساسي بمنتجات رخيصة. وقد ساهم كل من تحرير الاستثمار والتجارة في نزع الصناعة من الولايات المتحدة وخسارة ملايين الوظائف في هذا القطاع، والتي انخفضت من 17.3 مليون في عام 2000 إلى نحو 13 مليون وظيفة الآن. وقد تفاقمت الآثار الضارة لنزع الصناعة على الاقتصاد المالي الأمريكي، بجعله فائق الربحية في مقدمة الاقتصاد، ويؤدي إلى انخفاض الضرائب وإلى توزيع غير عادل للغاية للدخل والثروة.

لقد تبادلت الصين الأماكن مع الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي. أصبحت الصين الآن مركز تراكم رأس المال العالمي وقاطرة الاقتصاد الدولي. ووفقا لحسابات صندوق النقد الدولي، شكلت الصين 28 في المئة من إجمالي النمو في جميع أنحاء العالم من عام 2013 إلى عام 2018، وهو أكثر من ضعف حصة الولايات المتحدة. وما يجب التشديد عليه هو أنه في حين اتبعت الولايات المتحدة سياسات نيوليبرالية لإعطاء العنان الكامل لقوى السوق، فإن الصين حررت قطاعات اقتصادية بشكل انتقائي، مع توجيه قوي للدولة الصينية في العملية، وحماية القطاعات الاستراتيجية من السيطرة الأجنبية، والمطالبة بقوة بالتكنولوجيا المتقدمة من الشركات الغربية في مقابل العمالة الرخيصة.

ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال أكبر اقتصاد في العالم من حيث القيمة الدولارية، فإن الصين أصبحت الآن أكبر اقتصاد في العالم وفقاً لمقاييس أخرى، مثل تعادل القوة الشرائية لمعظم السكان، في حين أنّ 11.5 في المئة من الناس في الولايات المتحدة يعيشون في فقر شديد، في حين أنّ 2 في المئة فقط من سكان الصين فقراء حسب تقارير البنك الدولي.

لا شك أن الصين واجهت تحديات في سعيها للوصول إلى قمة الاقتصاد العالمي، ولكن التنمية، كما يشير الخبير الاقتصادي ألبرت هيرشمان، هي عملية غير متوازنة بالضرورة. والأزمات التي تواجهها الصين هي أزمات نمو، مقارنة بالأزمات التي تواجهها الولايات المتحدة، والتي هي أزمات انحدار.

 

الحرب الأهلية المسلّحة

 

لقد ساهم التوسع العسكري المفرط وتأثيرات الاقتصاد النيوليبرالي ليس فقط في الاستياء السياسي ولكن أيضاً في الاضطرابات السياسية في الولايات المتحدة، حيث أصبح أحد الحزبين الرئيسيين، الحزب الجمهوري، رأس حربة السياسة اليمينية المتطرفة أو الفاشية التي تغذيها العنصرية والمشاعر المعادية للمهاجرين والخوف والانحدار في الوضع الاقتصادي بين الأمريكيين البيض. وقد أصبحت السياسة مستقطبة بشدة، ويحذر البعض من أن تقود إلى حالة من الحروب الأهلية بحكم الأمر الواقع. باختصار، أصبح النظام السياسي والأيديولوجي للديمقراطية الليبرالية الآن في خطر جسيم، حيث يحذر العديد من الليبراليين والتقدميين من أن خطة ترامب 2025 ستؤدي إلى إنشاء دكتاتورية فاشية، وهم غير مخطئين، وهذا ما تؤكده أيضاتصريحات الزعيم الأيديولوجي لأقصى اليمين في الولايات المتحدة ستيف بانون.

أما اليسار التاريخي ففي حالة انهيار كامل. فهم يركزون دائماعلى انتقاد الضوضاء وليس الإشارات التي ترسلها حركة "ماغا" المؤيدة لترامب، التي تقوم على التطرف اليميني، وأعضاؤها مقتنعون أنّهم يناضلون من أجل الجمهورية، بأساليب غير معقولة أبدا ولا يبحثون عن التنازلات، "نحن نبحث عن الفوز"، كما يقولون.

لقد أصبح فوز ترامب برئاسة ثانية مؤكدا، مع وجود احتمال قوي بأن يتحول فوزه إلى حرب أهلية مسلّحة بين الأمريكيين. والواقع أن محاولة اغتيال ترامب منذ أيام، أيا كان منفذها، قد تكون خطوة كبرى نحو العنف الجامح الذي صوره فيلم "الحرب الأهلية" للمخرج البريطاني أليكس غارلاند.

 

أزمة النظام الدولي الليبرالي 

 

لقد كانت واشنطن حارسة النظام الدولي لوقت طويل، ومع الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها الولايات المتحدة، دخل أيضاهذا النظام في أزمة عميقة في المحددات الرئيسية لما يتم وصفه بالنظام الدولي الليبرالي، وهي زعامة الغرب الجماعي للعالم المدعومة بالقوة العسكرية الأمريكية، والنظام المتعدد الأطراف الذي يعمل كغطاء سياسي لرأس المال الغربي، والذي يشكّل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية دعائمه الأساسية، ومن بعده تأتي الأيديولوجية التي تروج للديمقراطية على النمط الغربي باعتبارها النظام السياسي الوحيد المقبول والمتاح.

مع ذلك، يواجه النظام الليبرالي الآن مشكلة على جبهتين، على الجبهة الدولية، حيث يفقد مصداقيته وشرعيته بين دول الجنوب العالمي، التي ترى أن النظام المتعدد الأطراف مصمم في الأساس لإبقاء دولهم وشعوبهم تحت السيطرة الغربية. أما على صعيد الداخل الغربي، فالديمقراطية تشكل المنصة لصعود أقصى اليمين في أوروبا والولايات المتحدة على حد سواء. وإذا وصل هؤلاء إلى السلطة في الولايات المتحدة وفي الدول الرئيسية في أوروبا، فالنظام الدولي سوف يستمر على الأرجح في التبجح وتأكيد التفوق الاقتصادي، ولكن مع تبني نهج أكثر أحادي الجانب من العولمة، وأكثر حمائية داخلية بدلا من استخدام مجمع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، لتحقيق الهيمنة. لكن، من المؤكد أن أقصى اليمين سوف يتخلّى عن النداء المنافق لتعميم الديمقراطية الليبرالية كنموذج لبقية العالم.

 

اتجاه نحو الحرب 

 

تقول الصين إنها لا تسعى إلى إزاحة الولايات المتحدة عن زعامةالعالم. ولكن بالنسبة إلى النخبة الأمريكية، فإن الصين قوةمتطورة عازمة على إزاحتها عن زعامة العالم. وفي عهد إدارة جوبايدن على وجه الخصوص يتجلى الأمر في تصميم الولاياتالمتحدة على استخدام تفوقها العسكري لحماية مكانتها باعتبارهاالقوة الأولى المهيمنة. 

ولهذا السبب يجب عدم الاستهانة بخطر الحرب بين الولاياتالمتحدة والصين، وهذا هو السبب في أن غرب المحيط الهادئيشكل برميل بارود الآن، وهو أكثر سخونة وخطرا بكثير من الحربالجارية في أوكرانيا، حيث تتواجه الولايات المتحدة وروسيا منخلال حلفائهما، بينما المواجهة في المحيط الهادئ هي مباشرةبين واشنطن وبكين.

لدى الولايات المتحدة عشرات القواعد العسكرية التي تحيطبالصين من اليابان إلى الفلبين، بما في ذلك القاعدة العائمةالضخمة التي يمثلها الأسطول السابع. والآن، أصبح بحرالصين الجنوبي مليئا بالسفن الحربية المتنافسة التي تقومبتدريبات بحرية. ومن بين الزوار الأحدث السفن من فرنساوألمانيا، حليفتي الولايات المتحدة اللتين تم جرهما بعيدا من منطقةالتغطية التقليدية لحلف شمال الأطلسي لاحتواء الصين. ومنالمعروف أن السفن الحربية الأمريكية والصينية تلعب لعبة"الجبن"ــ تتجه كل منهما نحو الأخرى ثم تنحرف في اللحظةالأخيرة. وقد يؤدي خطأ في التقدير لبضعة أقدام إلى تصادم، مععواقب لا يمكن التنبؤ بها. والمخاوف من أن يكون بحر الصينالجنوبي الموقع التالي للصراع المسلح المثير للذعر. 

وفي ظل غياب أي قواعد لحل الصراعات، فإن الشيء الوحيدالذي يمنع الحرب هو توازن القوى. لكن أنظمة توازن القوىمعرضة للانهيار، وغالبا ما تكون النتائج كارثية، كما كانت الحالفي عام 1914، عندما أدى انهيار توازن القوى الأوروبي إلىالحرب العالمية الأولى. ومع قيام واشنطن بحشد اليابان وكورياالجنوبية والفلبين وخمس فرق عمل حاملة طائرات تابعة للبحريةالأمريكية وحلف شمال الأطلسي وتحالف "أوكوس" المؤلف منأستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، الذي تم إنشاؤه حديثافي إطار المواجهة ضد الصين، يقوي من فرص حدوث تمزق فيتوازن القوى في شرق آسيا أكثر فأكثر ويصعد من احتمالالصدام الكبير.

 

انتقال الهيمنة أم جمودها

 

يقول البعض إن تحول الإمبراطوريات إلى الهيمنة، سواء كانسلميا أم بالحرب أمر لا مفر منه. ولكن، من الممكن مقاربةموضوع الهيمنة من زاوية أخرى، بالتحديد في حال غياب الهيمنةكما حدث عقب الحرب العالمية الأولى، حين فقدت الدول الأوروبيةالغربية الضعيفة القدرة على استعادة هيمنتها العالمية التي كانتتتمتع بها قبل الحرب، في حين لم تكن الولايات المتحدة مندفعةنحو تأكيد تزعمها السياسي والأيديولوجي المهيمن.

وفي ظل الفراغ أو الجمود في الموقع المهيمن، ستظل العلاقات بينالولايات المتحدة والصين بالغة الأهمية، ولكن مع عدم قدرة أي منالطرفين على إدارة الاتجاهات بشكل حاسم، مثل الأحداثالمناخية المتطرفة، وتزايد الحمائية، وتدهور النظام المتعددالأطراف الذي وضعته الولايات المتحدة خلال أوجها، وعودةالحركات التقدمية في أمريكا اللاتينية، وظهور تحالفات محتملةلتحل محل النظام الدولي الليبرالي المتعثر.

إن صناع السياسات، المحافظين والليبراليين على حد سواء،يرسمون هذا السيناريو لتأكيد لماذا يحتاج العالم إلى قوة مهيمنة،حيث يدعو المحافظون إلى جبروت أحادي الجانب لا يتردد فياستخدام التهديد والقوة لفرض النظام، بينما يفضل الليبراليونجبروتا يتحدث بلطف، ولكنه يحمل عصا غليظة.

لا شك أن أزمة الهيمنة الأمريكية الحالية لا تقدم الفوضى بقدر ماتقدم الفرصة. ورغم الأخطار الكبرى التي تنطوي عليها، فإنجمود الهيمنة أو الفراغ في موقعها يفتح الطريق إلى عالم حيثيمكن أن تكون القوة أكثر لامركزية، إذ يمكن أن تكون هناك حريةأكبر في المناورة السياسية والاقتصادية للدول الأصغر حجماوالأقل امتيازا أكثر حيوية خاصة لدول الجنوب العالمي الطامحةإلى بناء نظام عالمي متعدد الأطراف فعلا من خلال التعاون بدلامن فرضه من خلال الهيمنة الأحادية أو الليبرالية المشوشة. 

نعم، إن أزمة الهيمنة الأمريكية قد تؤدي إلى أزمة أعمق، ولكنهاقد تؤدي أيضا إلى فرصة للعالم، مهما كان "عصر الوحوش" قاسيا.

 

 

عمر نجيب

[email protected]