سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح بعد ساعات من اعلان حركة حماس قبول ورقة الاتفاق، اكد ان نتنياهو غير جاد في التوصل الى اتفاق، وانه راغب في مواصلة الحرب، كما ثبت نظرية ان توقيع نتنياهو على الاتفاق يعني توقيعه على دخوله السجن، اذا نفذ وزراء اليمن المتطرف تهديهم بالانسحاب من الحكومة وبالتالي انهيار الائتلاف الحاكم ما يفتح الباب على المحاكمات والمحاسبات التي سوف تفضي بدون ادنى شك الى إدانة نتنياهو ونهاية حياته السياسية.
اللافت ان قادة إسرائيل اعلنوا صراحة ان العملية العسكرية في رفح تهدف الى الوصل لتحقيق اهداف الحرب، والقضاء على أربع كتائب للقسام تتحصن في رفح حسب زعم نتنياهو، واستعادة الاسرى بالقوة، والقضاء على قادة حماس. لكن المسؤولين الأمريكيين قالوا خلاف ذلك و تحدثوا ان إسرائيل ابلغتهم ان العملية محدودة ولا تستهدف اجتياحا كاملا لرفح. لتبرز فجأة قصة جديدة مفادها ان إسرائيل ستسلم معبر رفح لشركة أمريكية ستتولى إدارة وتشغيل المعبر. فأين الحقيقة وما هي اهداف هذه التحركات؟
حتى الان ورغم سيطرة القوات الإسرائيلية على معبر رفح، لا يبدو ان إسرائيل ستقدم في هذه اللحظة على اجتياح كامل لمدينة رفح،على الرغم من انهم يعلنون عن عزمهم القيام بذلك. يعصب تصور ان إسرائيل ستمضي في الاجتياح البري دون موافقة أمريكية، ومع اقتراب الجهود الامريكية مع الوسطاء الاخرين للوصول الى اتفاق هو بالأساس تمت صياغته بين المخابرات المصرية والإسرائيليين اثناء زيارة الوفد المصري الأخير لتل ابيب.
ومن المرجح ان توقيت السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح كان مدروسا بعناية من قبل قادة إسرائيل، فبعد موافقة حركة حماس على بنود الاتفاق، ستكون السيطرة الإسرائيلية على المعبر خارج الورقة التي تمت مناقشتها وموافقة حماس عليها. أي خارج الاتفاق. وهذا سيضع حركة حماس امام خيارين :
الخيار الأول ان تطلب حماس إدراج احتلال المعبر وكيفية ادارته في الاتفاق وتطالب بانسحاب إسرائيل منه، وهذا يعني ان حماس ستحسب موافقتها على بنود الورقة لانها في لحظة موافقتها لم تكن القوات الإسرائيلية قد سيطرت على المعبر، وهذا معناه ان نتنياهو إعاد الأمور الى المربع الأول أي المزيد من المفاوضات وهذا يزيل مفاعيل الصفعة التي تلقها جراء موافقة حماس المفاجئة والتي وضعته في الزاوية، اذ كان عليه ان يوافق ويمضي في الاتفاق مع ما يحمله ذلك من مخاطر على تماسك حكومته وبالتالي عليه شخصيا، او يرفض وبذلك تنجح حماس في تحويل الضغط الدولي والإقليمي نحو إسرائيل باعتبارها الطرف المعرقل للاتفاق وهو ما سيكون له تبعات كبيرة على إسرائيل على المستوى الدولي، وداخل إسرائيل حيث سيصعد أهالي الاسرى متهمين نتنياهو بالتضحية بالأسرى عدا عن زيادة الشروخ والانقسامات داخل النخبة السياسية والعسكرية .
الخيار الثاني امام حماس هو المضي بالموافقة على ورقة المقترحات دون معبر رفح أي مع سيطرة إسرائيلية كاملة عليه، وهذا له اضرار كبيرة على الشعب الفلسطيني في غزة ومستقبل القطاع، بل انه يفرغ الاتفاق نفسه من مضمونه. المضي في الاتفاق ووقف النار مع وجود قوات إسرائيلية على معبر رفح يعني تثبيت امر واقع مستدام. فلا يمكن للمقاومة استهداف تلك القوات لان الاتفاق اذا بدأ سريانه يمنع الاشتباك المسلح. وهذا يعني ان إسرائيل ستكون المتحكمة بدخول المساعدات وخروج الجرحى والمرضى، وحتى بعملية إعادة الاعمار،
واذا كانت احدى تفسيرات بنود الاتفاق تقضي بانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع، فان هذا الانسحاب سيكون في نهاية المراحل، وليس ببدايتها، وقد تستثني إسرائيل المعبر وتطلب اتفاقا منفصلا حوله، على اعتبار ان السيطرة عليه جاءت بعد موافقة حماس على الاتفاق. ما نفهمه من الحركة الإسرائيلية العسكرية الأخيرة خاصة انها أتت بعد موافقة حماس على الاتفاق، ان إسرائيل لم تدخل المعبر وتسبطر عليه لتخرج منه طواعية. وان لهذا التحكم بالمعبر اهداف ليست انيه انما بعيدة المدى والغايات.
من التفسيرات للعملية العسكرية الإسرائيلية في رفح ما يقول ان نتنياهو والإدارة الامريكية اتفقوا على عمل عسكري محدود في رفح إرضاء لليمين الإسرائيلي الذي هدد نتنياهو في حال المضي باتفاق وقف نار مع حماس، وان هذا العدوان يحفظ ماء وجه نتنياهو او قد يكون حفل انتصار وهمي ينقذ نتنياهو من عار الهزيمة كما علق “بن كيسبت” كبير محللي صحيفة معاريف. لهذه التفسيرات وجاهة، ولكن تبقى قضية المعبر تحديدا اكبر من محاولة ايهام، او حفلة نصر وهمي.
الوفود الان كلها في القاهرة حماس وإسرائيل والوسطاء ولن ننتظر كثيرا حتى تنجلي الأمور وتنكشف الأوراق، وان غد لناظره قريب.
كمال خلف كاتب واعلامي فلسطيني