اتساع نطاق الموجات الارتدادية لعاصفة طوفان الأقصي.... محاولات لضبط الإيقاع ومنع تخطي الخطوط الحمراء وتجنب حرب إقليمية

خميس, 2024-04-18 05:09

تتراكم الضغوطات التي ولدتها عاصفة طوفان الأقصى التي بدأت في 7 أكتوبر 2023 لتخلق موجات ارتدادية في منطقة الشرق الأوسط وخارجها في نطاق عملية تفاعلية أوسع لإعادة التوازنات الداعمة للإستقرار ليس فقط في المنطقة العربية بل في العالم حيث يتصارع توجهان أحدهما يرغب في الإبقاء على النظام العالمي الأحادي القطب تحت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وآخر يعمل على تعديل النظام القائم -وما يرتبط بقواعده-، منذ العقد الأخير من القرن العشرين والذي مكن ما يوصف بالتحالف الغربي من فرض خياراته على بقية المعمور تحت غطاء شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان ومتفرعتها والتي لا يتم تطبيقها سوى بأساليب انتقائية وعنصرية وتمييزية.

هناك شبه إجماع في مختلف الأوساط السياسية والعسكرية على أنه بعد ستة أشهر من الحرب الإسرائيلية على غزة لم تحقق تل أبيب الأهداف الأساسية المعلنة من الحرب والمتمثلة في القضاء على قادة حماس وتدمير الحركة عسكريا وسياسيا وإفراغ القطاع من سكانه.

يوم الاثنين الأول من أبريل قصفت طائرات حربية إسرائيلية من طراز إف-35 مبنى القنصلية الإيرانية الملاصق للسفارة الإيرانية في دمشق في تصعيد للحرب التي تشنها إسرائيل على خصومها وأصدقاء إيران في المنطقة. القصف أودى بحياة سبعة مستشارين عسكريين من بينهم ثلاثة من كبار القادة الضباط في الحرس الثوري، واعتبر تحديا مباشرا لقادة طهران خاصة وأنه حسب ميثاق فيينا يعتبر هجوما مباشرا على ارض إيرانية.

عدد كبير من المحللين وخاصة في الغرب قدروا أن الهجوم الإسرائيلي كان مدفوعا بهدفين، الأول تحذير طهران من الاستمرار في دعم المقاومة الفلسطينية في غزة والهجمات التي يشنها بشكل مستمر منذ 8 أكتوبر 2024 حزب الله على شمال إسرائيل مما أسفر عن ترحيل كل المستوطنين منها وثانيا السعي لجر إيران إلى مواجهة عسكرية مباشرة وتوريط الولايات المتحدة في تلك الحرب الجديدة وتدمير برنامج طهران النووي والتغطية على تعثر العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وإنقاذ رئيس الحكومة نتنياهو.

طهران توعدت بالرد، خلال الأيام التي تلت الأول من ابريل رجحت أجهزة الرصد الغربية ومنها المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي وشبيهاتها في باريس وبرلين ولندن أن يكون الانتقام الإيراني بواسطة أطراف حليفة لطهران وقد يكون ضد بعثات دبلوماسية إسرائيلية. بناء على ذلك أغلقت تل أبيب تسعا من سفاراتها في دول تعتبر أمنها غير كاف. بعد مرور الأسبوع الأول من شهر ابريل كثر الحديث في واشنطن وبناء على معلومات للمخابرات عن أن الرد الإيراني سيكون مباشرا. في أعقاب ترسخ هذا التقدير بعثت واشنطن وعبر قنوات الاتصال غير المباشرة مع طهران وفي مقدمتها سلطنة عمان بتحذيرات من القيام بعمل عسكري ضد إسرائيل. تفاصيل عملية تبادل التحذيرات التي جرت وحتى يوم السبت 13 ابريل لا تزال غير معروفة إلا أنه كان من الواضح أن طهران ستوجه ضربة مباشرة.

خلال خمسة أيام تبلورت عملية استعداد غربية لمواجهة الهجمة الإيرانية المرجحة، الخطة كانت تقوم على قيام القوات الأمريكية والبريطانية المرابطة في مناطق مختلفة بالشرق الأوسط وقواعد حلف الناتو في تركيا وقبرص بالعمل على اعتراض الصواريخ والمسيرات التي ستطلق من الأراضي الإيرانية نحو إسرائيل والمفترض أنها ستكون أقل من شديدة الخطورة 'Less lethal'. 

عملية ضبط الإيقاع هذه تتم بشكل دوري بين قوى متعادية لا ترغب في تخطي ما يسمى بالخطوط الحمراء أي التي لا ترغب في زمن محدد الدخول في مواجهة مباشرة أو حرب شاملة. 

وقع الرد الإيراني يوم السبت 13 أبريل، ووقف الكثيرون في مناطق كثيرة من العالم مشدودين خاصة من الخوف من إفلات الأمور من التحكم وبدء حرب إقليمية. في الساعات التي استغرقها الهجوم الإيراني وبعدها ظهرت معطيات متضاربة حول الحجم المادي للهجوم ودرجة نجاح الأمريكيين والبريطانيين وغيرهم في اعتراضه وما وصل منه فعلا إلى داخل إسرائيل. المتحدث باسم "الجيش" الإسرائيلي، دانيال هاغاري، ذكر أن إيران أطلقت 350 صاروخا باليستيا ومن طراز "كروز" وطائرة مسيرة، محملة بما يقدر بـ60 طن من المواد المتفجرة. وأكد هاغاري أن إيران أرادت ضرب بنى تحتية استراتيجية، ولذلك نفذت عملية واسعة واستهدفت قاعدة "نيفاتيم" الجوية ولكن هجومها كان فاشلا.

محللون أشاروا أن تقديراتهم هي أن إيران أرادت تعديل معادلة الردع مع كل من واشنطن وتل أبيب وأنها بتبليغها الدول المجاورة العراق وتركيا والأردن وسوريا بأنها ستهاجم بعد 72 ساعة دليل على ذلك زيادة على أن تسبيقها في هجومها استخدام المسيرات التي تحتاج لما بين 6 إلى 9 ساعات للوصول إلى أهدافها على الصواريخ يدخل في نطاق عملية ضبط الإيقاع.

السؤال الذي يطرح الآن هو ماذا سيكون رد تل أبيب التي تريد توريط واشنطن في حرب في الشرق الأوسط والإدارة الأمريكية غير متحمسة لذلك خاصة على ضوء انغماسها في الحربالأوكرانية الروسية والتحديات التي تواجهها في بحر الصين الجنوبي وجزيرة تايوان ومخاطر سنة انتخابات رئاسية يخشى الرئيس بايدن أن يخسرها في شهر نوفمبر 2024.

 

عتبة تصعيد جديد

 

قبل 36 ساعة من الهجوم الإيراني كتبت صحيفة إيزفستيا الروسية:

أدت الضربة الإسرائيلية على البعثة الدبلوماسية الإيرانية في العاصمة السورية إلى رفع مستوى التوتر في الشرق الأوسط إلى الحد الأقصى. وكالعادة، توعدت إيران بالرد، لكنها لم تحدد مكانه أو وقته.

ومن المثير للدهشة أن المشكلة التي تواجه القيادة الإيرانية هي المشكلة نفسها التي تقلق الولايات المتحدة، وهي ضرورة حفظ ماء الوجه والتحرك، وفي الوقت نفسه الحيلولة دون توسع الصراع. كما أن وحدة الأهداف ترجع إلى دوافع مختلفة. فإدارة بايدن، مهتمة بهذا الأمر بسبب الوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة نفسها والحاجة إلى تحقيق التوازن بين التفضيلات الغامضة للناخبين الديمقراطيين.

وفي الوقت نفسه، ترى طهران كيف أن الحملة العسكرية الطويلة وغير المثمرة ضد حماس تستنزف إسرائيل اقتصاديا، وتصعب الحصول على مزيد من الدعم الغربي. وهذا يعني أن تصعيد التوتر ليس ضمن خطط السلطات الإيرانية بأي حال من الأحوال.

ولكن، كما يؤكد الخبراء، فإن حكومة بنيامين نتنياهو مهتمة جدا بهذا النوع من التصعيد. وفي سياق ارتفاع الرهانات، وعدم تحقيق نجاح عسكري كبير، وانخفاض الشعبية والاحتمال الملموس للملاحقة الجنائية، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يزيد واعيا الرهان ويحاول إدخال اللاعبين الرئيسيين على جانبي الصراع في مواجهة مباشرة. ولهذا السبب، سيواصل نتنياهو اختبار "الصبر الاستراتيجي" لخصومه، كما يقول المستشرق أندريه أونتيكوف.

ويجمع معظم الخبراء على أن إيران، رغم الضغوط، ستتجنب القيام بخطوات غير مدروسة، وستتمسك باستراتيجية الضغط المستمر ولكن غير المباشر. في المقابل، لن تتخلى حكومة نتنياهو عن محاولاتها تأجيج الأزمة أكثر.

 

عرض للمعايير المزدوجة

 

يوم الأحد 14 أبريل وفي مقر الأمم المتحدة بنيويورك أكد مندوب روسيا الدائم لدى مجلس الأمن فاسيلي نيبينزيا، أن موسكو حذرت حين تم قصف القنصلية الإيرانية في سوريا، من عدم إدانة الدول الأعضاء للهجوم الإسرائيلي.

وشدد نيبينزيا على أن الاجتماع العاجل الذي عقده مجلس الأمن الدولي بشأن الهجوم الانتقامي الذي شنته إيران على إسرائيل "استعراض للنفاق والمعايير المزدوجة".

وقال: "ما نشهده اليوم بمجلس الأمن عرض للنفاق والمعايير المزدوجة ويكاد يكون مخجلا"، مؤكدا أنه "لو كانت بعثة غربية هي التي هوجمت لكان الموقف مختلفا".

وأضاف: "ما حدث ليلة 14 أبريل لم يأت من فراغ، فالخطوات التي اتخذتها إيران كانت ردا على التقاعس المخزي لمجلس الأمن الدولي، وردا على الهجوم الإسرائيلي الصارخ على دمشق، وليست المرة الأولى التي تتعرض فيها سوريا للقصف المستمر من قبل إسرائيل".

الجدير ذكره، انه في الثالث من أبريل الجاري، رفضت الولايات المتحدة وبريطانيا مناقشة مشروع بيان اقترحته روسيا في مجلس الأمن بشأن الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، وأشارت لندن وواشنطن حينها إلى أنه خلال اللقاء لم تكن هناك وحدة في تقديرات ما حدث.

وفي ذلك الحين ذكرت بعثة إيران الدائمة لدى الأمم المتحدة أنه لو كان مجلس الأمن قد أدان الضربة الإسرائيلية على القنصلية في دمشق وقدم المسؤولون عنها إلى العدالة "لكان من الممكن تجنب حاجة إيران لمعاقبة الجانب الإسرائيلي".

من جانبه أكد النائب الأول للمندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي: أن رفض الزملاء الغربيين في مجلس الأمن منع التصعيد في الشرق الأوسط، يدل على استهتارهم و"عماهم الانتقائي".

وكتب بوليانسكي على قناته في "تلغرام": "مرة أخرى، نجد أنفسنا مقتنعين مجددا بأن استهزاء واستهتار زملائنا الغربيين وعماهم الانتقائي لا حدود له. وها هم الآن لا يتذكرون حتى أنهم رفضوا منع التصعيد بعدم دعمهم مشروع بيان مجلس الأمن الدولي المقترح للصحافة والذي يدين الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية".

وأشار الدبلوماسي إلى أن "الإسرائيليين يصعدون بطريقتهم المميزة كما هو متوقع منهم: إسرائيل هي الضحية، والجميع الباقون مذنبون. ومن الواضح أن هذا هو بالضبط السيناريو الذي ستتبعه تكتيكات الغربيين ورعاتهم في اجتماع مجلس الأمن الدولي القادم بعد ساعات قليلة".

وشدد بوليانسكي على أن "العصابة الفرنسية السكسونية النتنياهوية ستبدأ الآن في زعزعة المنطقة، وإلقاء اللوم على إيران في كل الخطايا".

 

معادلة ردع جديدة

 

في انتظار ما ستأتي به الأيام من أحداث، يتركز النقاش حاليا حول الضربة الإيرانية والانتقام الإسرائيلي المفترض.

يوم 14 أبريل صرخ الخبير العسكري اللواء فايز الدويري إن التقييم النهائي للضربة التي وجهتها إيران لإسرائيل غير واضح بسبب تضارب البيانات الرسمية للجانبين، مشيرا إلى أن هذا الهجوم وضع قواعد جديدة للردع والردع المضاد.

وأوضح الدويري -في مقابلة متلفزة- أن حجم وفاعلية الضربة الإيرانية غير واضح حتى الآن، بيد أن طهران "تسعى لإيجاد قواعد جديدة تقوم على الردع مقابل الردع، وأن استهداف أراضٍ إيرانية سيواجه باستهداف أخرى إسرائيلية".

وتعليقا على حديث الجيش الإسرائيلي عن إسقاط غالبية الصواريخ والمسيرات الإيرانية، قال الدويري إنه في حال صحت هذه الرواية فإن هذا يعود إلى امتلاك إسرائيل العديد من منظومات الدفاع الجوي.

ووفقا للخبير العسكري، فإن القبة الحديدية مصممة لمواجهة الصواريخ قصيرة المدى التي يتراوح مداها بين 5 و75 كيلومترا، وقذائف المدفعية، لكنها تستطيع أيضا التعامل مع الصواريخ المجنحة عندما تكون داخل مداها.

وبعد ذلك -يضيف الدويري- يتم الانتقال إلى منظومة "مقلاع داود" ذات المدى المتوسط ثم إلى المستوى الأعلى وهو صواريخ "باتريوت" و"حيتس-2″ ثم حيتس-3″ مما يعني أن إسرائيل فعلت 5 درجات من الدفاع الجوي بينها "حيتس-3" الذي لا يزال قيد الاختبار.

ومع ذلك، فإن الدويري يرى أن تفعيل كافة هذه المنظومات الدفاعية قد يصل لصد 80 في المئة من الأجسام الهجومية وليس 90 في المئة كما تزعم إسرائيل.

وعن الأسلحة التي استخدمت بهذا الهجوم، قال الدويري إن إيران لديها العديد من المنظومات الصاروخية منها كروز والمجنحة، والتي تتطلب نحو ساعتين من أجل بلوغ إسرائيل. وكذلك الفرط صوتية التي لا تحتاج أكثر من 13 دقيقة.

وختم الدويري بالقول إن إيران لم تستخدم صواريخ فرط صوتية في هذه الضربة، وإنها ربما تحتفظ بها لأي عمل قادم إذا ردت إسرائيل على هذا الهجوم.

 

بين روايتين

 

يوم 14 أبريل 2024 نشر في واشنطن التقرير التالي:

بين الحديث عن "صفعة قوية" والتأكيد على "إفشال الهجوم"، تباينت الروايتان الإيرانية والإسرائيلية حول "النتائج العسكرية" للضربة الليلية التي شنتها إيران على إسرائيل، فما تقييم هذا الهجوم من "المنظور العسكري"؟ 

"صفعة موجعة" أم "هجوم فاشل"؟

الأحد، أعلن الجيش الإسرائيلي، "إحباط" الهجوم الذي شنته إيران ضد إسرائيل، مؤكدا اعتراض "99 بالمئة" من الطائرات المسيرة والصواريخ التي كانت تستهدفها.

وكشف الجيش الإسرائيلي أن طهران شنت "هجوما ضد إسرائيل وأطلقت أكثر من 300 تهديد من أنواع مختلفة" منها "صواريخ بالستية وطائرات مسيرة وصواريخ كروز".

لكن على جانب آخر، أكد رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، أن الهجوم بالطائرات المسيرة والصواريخ الذي شنته طهران على إسرائيل ليلا، "حقق كل أهدافه".

ولذلك يوضح الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء دكتور هشام الحلبي، أن كلا من الجانبين لديه "رواية مختلفة"، فإيران تقول إنها "حققت أهدافها"، بينما تؤكد إسرائيل "إفشالها الضربة".

ومن "المنظور العسكري المجرد" ولتبيان ما إذا كانت الضربة قد حققت أهدافها أم لا، يجب "ذكر الأهداف التي تم ضربها وما إذا كانت قد أحدثت الضربة خسائر كبيرة بتلك الأهداف من عدمه"، وفق حديثه لموقع "الحرة". 

ومن جانبه، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد ناجي ملاعب، أن هناك "مغالاة في التقديرات الإسرائيلية والإيرانية لنتائج الضربة".

ويخاطب الجانبان الداخل ويوجه "كلا منهما "رسالة لشعبه بأنه حقق أهدافه بينما الطرف الثاني فشل بامتياز".

وفق "الرواية الإسرائيلية" وقعت أضرار "طفيفة" في قاعدة نوفاطيم، دون أن تؤدي إلى تعطيل عملها وهو ما نشره المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، مرفقا مقطع فيديو للقاعدة.

لكن "الرواية الإيرانية" تحدثت عن استهداف كلا من "المركز الإستخباري" الذي وفر المعلومات المطلوبة لقصف القنصلية الإيرانية في دمشق"، و"قاعدة نوفاطيم" التي أقلعت منها طائرات إف-35" لشن الضربة في الأول أبريل، ما تسبب في "إصابتهما بأضرار بالغة والخروج من الخدمة".

ومن جانبه، يشير المحلل العسكري والاستراتيجي، العقيد ركن متقاعد إسماعيل أبو أيوب، إلى نواحي "إيجابية" وأخرى "سلبية" للضربة الإيرانية.

ومن الناحية "الإيجابية" فإيران ردت على الضربة لحفظ "ماء الوجه"، واختبرت بعض الأسلحة والصواريخ ومدى إمكانية وصولها إلى "أهدافها من عدمه"، وفق حديثه لموقع "الحرة".

وعلى الجانب الآخر "خسرت إسرائيل ماديا" تكلفة صد الضربة التي تصل إلى مليار دولار أو أكثر، لكن الأضرار البشرية "غير موجودة"، بينما الأضرار المادية "محدودة"، حسبما يضيف أبو أيوب.

ويتحدث العقيد ركن متقاعد عن "مكاسب إسرائيلية" بتجربة منظومة القبة الحديدية بشكل فعال، في مواجهة "هجوم جوي حقيقي" بعد التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية.

ومن جانبه، يشير العميد ملاعب إلى "وصول بعض الصواريخ الإيرانية لأهدافها في إسرائيل وإطلاق صافرات الإنذار في 750 موقعا في اتجاهات مختلفة على كامل التراب الإسرائيلي".

وشاهدنا في السماء الإسرائيلية "عشرات الطائرات المسيرة"، ما يعني أن رواية الجانب الإسرائيلي بالقضاء على 99 بالمئة من المقذوفات خارج إسرائيل "غير صحيحة"، حسب الخبير العسكري والاستراتيجي.

وعلى جانب آخر، فإن الرواية الإيرانية بوصول 50 بالمئة من المقذوفات إلى أهدافها "غير صحيحة" أيضا، وفق ملاعب.

أما اللواء الحلبي، فيوضح أن حصر الأهداف على الأرض يدل على "عدم تحقيق الضربة الإيرانية خسائر لأهداف ذات قيمة، أو الإضرار بعدد كبير من الأهداف".

وبالتالي ومن وجهة نظر "عسكرية مجردة" فالضربة الإيرانية "لم تحقق أهدافها"، حسبما يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي.

 

لماذا لم تحقق الضربة أهدافها؟

 

"تمخض الجبل فولد فأرا"، هكذا يصف أبو أيوب نتائج "الضربة الإيرانية على إسرائيل"، مؤكدا أنها "لم تحقق النجاح الذي انتظره أنصار إيران".

ويرجع اللواء الحلبي ذلك إلى "العمق الإنذاري الكبير جدا" بين إيران وإسرائيل، والذي وفر وقتا طويلا لـ"تقدير الموقف، واستعداد وسائل الصد والاعتراض للجهوزية، ومعرفة خطوط سير المسيرات والصواريخ لصدها قبل الوصول إلى داخل إسرائيل". 

ويشير إلى أن منظومات الإنذار المبكر الأمريكية بالإضافة إلى الإسرائيلية قد وفرتا "العمق الإنذاري والزمن الكبير للاستعداد العالي وصد الضربة الإيرانية".

ويرى اللواء الحلبي أن "إيران فشلت في تحقيق أهدافها على الأرض"، بسبب "أخطاء عسكرية كبيرة".

ولجأت إيران لـ"الاختيار الأسوأ" عندما بدأت الضربة باستخدام المسيرات والتي لا تتجاوز سرعتها 185 كيلو متر بالساعة، ثم تم إطلاق الصواريخ، وفق الخبير العسكري والاستراتيجي.

وبالتالي منذ ظهور المسيرات الإيرانية في سماء إيران "عرفت إسرائيل" أن الضربة قد بدأت فاستعدت وحلفائها لـ"صد الهجوم"، حسبما يوضح الحلبي.

ويؤكد اللواء الحلبي أن المفاجأة "المبدأ الأهم في الحرب"، وكان يجب بدء الضربة باستخدام "الصواريخ السريعة" وليس "المسيرات بطيئة السرعة".

وما حدث خطأ "عسكري كبير وليس تكتيكي صغير"، وأحد مبادئ الحرب الرئيسية هي "المفاجأة"، وهو ما لم يتحقق في الهجوم الإيراني ما جعل "الضربة الجوية بلا قيمة"، وفق الخبير العسكري والاستراتيجي.

ومن جانبه، يؤكد العميد ملاعب أن الضربة مجرد "تنفيس احتقان إيراني" كان يجب أن يحدث بعد استهدف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق.

 

سؤال مفتوح

 

في السياق ذاته، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إن نطاق الهجوم الإيراني من بين أكبر الهجمات التي شوهدت في الحروب الحديثة، مشيرةً إلى أن قدرة "إسرائيل" على الدفاع عن نفسها من دون مساعدة خارجية هي سؤال مفتوح.

وتساءلت الصحيفة عما إذا كانت "إسرائيل" ستكرر هذا الأداء في ظل حرب شاملة، متحدثة عن درس الولايات المتحدة و"إسرائيل" لإمكانية الرد، بوصفه واقعا استراتيجيا جديدا، أنشأه أول هجوم عسكري مباشر لإيران على "إسرائيل".

ولفتت الصحيفة إلى أن الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن للغاية، ومحدودة الكمية، في حين لم يستهلك الهجوم أكثر من جزء صغير من ترسانة إيران الهائلة من الطائرات المسيرة والصواريخ.

وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن نطاق الهجوم كان أيضا من بين أكبر الهجمات التي شوهدت في الحروب الحديثة، متوقفة عند استخدام وابل "الصدمة والرعب" الروسي الافتتاحي في اليوم الأول للحرب ضد أوكرانيا ما بين 160 إلى 200 صاروخ "كروز" وصواريخ باليستية، ضد دولة تفوق مساحتها مساحة "إسرائيل" بـ20 مرة.

وشككت "القناة الـ13" الإسرائيلية في إمكانية قيام "إسرائيل" بفعل شيء لا يريده الأمريكيون، مشيرة إلى أن الإيرانيين وضعوا معادلة جديدة تقوم على جباية ثمن من "إسرائيل" مقابل أي اغتيال لمسؤولين في دمشق أو لبنان.

ورأى الضابط الأمريكي السابق سكوت ريتر أنه لم يعد بإمكان الولايات المتحدة القيام بأي شي في المنطقة، مؤكدا أن إيران طورت قدراتها وباتت قادرة على إلحاق الأذى بواشنطن.

 

المسيرات في أوكرانيا

 

هناك تفاوت كبير في تقييم نتيجة هجمات 13 أبريل بين الجانبين الإيراني، والغربي الإسرائيلي، ولكن هناك ملاحظة أنه حتى الإيرانيين في حديثهم عن النجاح في تحقيق أهدافهم فإنهم من الواضح أنه يلمحون إلى النجاح كان من نصيب الصواريخ الباليستية أكثر من المسيرات والصواريخ الكروز، والحال نفسه مع إسرائيل.

وبينما نجح أسطول الطائرات المسيرة الإيرانية في اليمن وفي هجوم أرامكو بالسعودية في عام 2019، وجزئياً في أوكرانيا خاصة في بداية الحرب، ولكن أسطول الطائرات المسيرة الإيرانية خاض اختبارا عسيرا يوم السبت في مواجهة الطبقات الأربع للدفاع الجوي الإسرائيلي والأنظمة الدفاعية الأمريكية المنتشرة بالمنطقة مثل باتريوت وإيجاس، والطائرات الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية التي أخذت تقتنص الطائرات الإيرانية المسيرة، خاصة أن هذه القوى كانت على علم تام بموعد إطلاق هذه المسيرات الأمر الذي جعل واقعة السبت عملا استعراضيا يصعب قياس عليه حروب الطائرات المسيرة، رغم أنها أظهرت بالفعل حدود هذا السلاح أمام قوى عسكرية متقدمة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. 

وبصفة عامة، فإن أسطول الطائرات المسيرة الإيرانية واجه السبت مجموعة من أكثر دول العالم تقدما، وأنظمة أكثر تطورا وكثافة من تلك الموجودة لدى أوكرانيا، في عملية تهدف إلى إرسال رسائل أكثر منها معركة حقيقية.

وفي هذا الإطار، وصفت صحيفة The Jerusalem Postالإسرائيلية هجوم أسطول الطائرات المسيرة الإيرانية الذي وصل إلى إسرائيل يوم السبت بأنها حرب سريالية.

 

محدودة أم موسعة؟ 

 

في العاصمة الأمريكية واشنطن يشار إلى أن إسرائيل توعدت إيران بـ"رد غير مسبوق".

"هل انتهى الأمر أم لا؟"، سؤال أثار حالة من الجدل في أعقاب الهجوم الإيراني "غير المسبوق" على إسرائيل، والذي تبعه "توعد إسرائيلي بالرد" في مقابل اعتبار إيران "الأمر منتهيا"، وهو ما يجيب عنه مختصون تحدث معهم موقع "الحرة".

يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي، كوفي لافي، أن "الرد الإسرائيلي قادم لا محالة"، رغم فشل "الضربة الإيرانية وعدم تحقيقها أهدافها".

ورغم عدم تسجيل "خسائر في الأرواح" فلن تسمح إسرائيل لأي أحد بـ"تهديد أمنها القومي"، وسوف ترى إيران "قوة الرد الإسرائيلي" في الوقت والمكان المناسب.

وإسرائيل "ليست وحدها" في مواجهة إيران وهناك الكثير من الدول التي تخشى "خطر النظام الإيراني" وتساند الجانب الإسرائيلي، وهناك المزيد من البلدان التي تنضم إلينا تباعا، حسبما يشير لافي.

وعلى جانب آخر، يؤكد الخبير الاستراتيجي الإيراني، سعيد شاوردي، أن "إيران قد حققت أهدافها وردت على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق".

لكن إذا فكرت إسرائيل في "الانتقام واستهداف المدن والأراضي الإيرانية"، فسوف ترد إيران بـ"شكل أوسع وأسلحة أكثر دمارا وبعدد صواريخ ومسيرات أكبر حجما"، وفق حديثه لموقع "الحرة". 

وإذا سعت إسرائيل "الرد على الانتقام الإيراني"، فسوف ترتكب "خطأ استراتيجيا جسيما"، فلدى إيران "أسلحة متطورة لم تكشف عنها" وقد تستخدمها للدفاع عن سيادتها في مواجهة الجانب الإسرائيلي وحلفاءه، حسبما يضيف شاوردي.

 

كيف ومتى سترد إسرائيل؟

 

تمتلك إسرائيل واحدا من أكبر الجيوش في العالم، لاسيما من ناحية التجهيز العسكري، وتعتمد على "ضخامة قوتها العسكرية"، من أجل الحفاظ على نفوذها في المنطقة، مستفيدة من دعم الولايات المتحدة "ماديا وعسكريا". 

وتحتل إسرائيل المرتبة الـ14 بين أقوى جيوش الأرض، بينما تحل إيران بالمرتبة الـ17 عالميا، وفق موقع "غلوبال فاير باور".

ولذلك يشير لافي إلى امتلاك إسرائيل "عدة سيناريوهات للرد الإسرائيلي"، لكنه يرجح أن تضرب "الداخل الإيراني قريبا"، وقد يتم ذلك بالتعاون مع "دول حليفة".

ويتحفظ الضابط السابق بالجيش الإسرائيلي عن ذكر "أدوات إسرائيل للانتقام"، لكنه يقول إن "الرد سوف يكون غير مسبوق ويدرس".

وسوف ترى إيران "القدرة الإسرائيلية "، وإذا فكرت طهران في "الرد على الهجوم المرتقب المفاجئ"، سيتم استهداف "كل ما هو عزيز على النظام الإيراني"، على حد تعبير لافي.

ويؤكد أن "كل ما يحتضنه النظام الإيراني هو هدف مشروع للضربة الإسرائيلية المرتقبة والتي سوف تصيب إيران وما يحالفها بالصدمة".

إيران مسلحة بأكبر عدد من "الصواريخ الباليستية" في المنطقة، وفق مكتب مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية.

وفي يونيو 2023، أزاحت إيران الستار عما وصفه المسؤولون بأنه أول "صاروخ باليستي فرط صوتي من إنتاجها"، حسبما ذكرت وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "إرنا".

ويشير شاوردي إلى "إمكانية استخدام إيران صواريخها الباليستية فرط الصوتية" والتي يمكنها الوصول إلى كافة المدن الإسرائيلية خلال 400 ثانية، ولدى الجيش الإيراني نموذجين تم الكشف عنهما وهما "فتاح 1 و2".

ولذلك ستواجه إسرائيل ومن يدعمها "صعوبات" في التصدي لتلك الصواريخ وسوف تجتاز المنظومات الدفاعية الإسرائيلية وتصل إلى "أهداف حساسة وبنى تحتية داخل الأراضي الإسرائيلية"، وفق الخبير الاستراتيجي الإيراني.

ويمكن للصواريخ فرط صوتية الانطلاق بسرعات تزيد بخمس مرات على الأقل عن سرعة الصوت وفي مسارات معقدة مما يجعل من الصعب اعتراضها.

 

هل تتسع "دائرة المواجهة"؟

 

يحذر شاوردي إسرائيل من "مغبة التصعيد الإسرائيلي"، ويقول إن إيران سوف تستهدف هذه المرة "شبكات المياه والكهرباء، والمطارات، ومنشآت حيوية، ومناطق عسكرية حساسة" داخل إسرائيل.

وإذا توسعت العمليات، فسوف يحدث "ما لا يحمد عقباه"، وقد يتدخل حلفاء إيران مثل حزب الله وحركة الحوثي و"المقاومة الإسلامية" في العراق وسوريا، ويستخدموا "قدراتهم العسكرية" في استهداف إسرائيل من كل حدب وصوب، على حد تعبير الخبير الاستراتيجي الإيراني.

وتشكل الجماعات المدعومة من إيران ما يسمى "محور المقاومة"، وهو تحالف من الميليشيات المسلحة التي تضم حركتي الجهاد وحماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وجماعات مسلحة عدة في العراق وسوريا، وهي بمثابة خط دفاع أمامي إيراني، وتستخدمها إيران لنشر نفوذها في جميع أنحاء المنطقة.

وعبر تلك المليشيات، نجحت إيران في منافسة القوى الإقليمية التقليدية في المنطقة، إذ تدعم "مباشرة أو بطريقة غير مباشرة"، أكثر من 20 جماعة مسلحة، غالبيتها مصنفة "إرهابية" لدى الولايات المتحدة.

ويشير شاوردي إلى أن "أي تصعيد إسرائيلي لنطاق "المواجهة"، سيدفع "إيران وحلفاءها" لاستهدف كافة المدن والتجمعات السكانية الإسرائيلية وسيأتي ذلك بـ"خسائر بشرية غير مسبوقة لإسرائيل".

لكن لافي، يرد على تلك التهديدات قائلا:" أتمنى أن يردوا ونحن ننتظر ذلك، حتى نقوم بضربهم مرة أخرى".

وإيران "ليست قطاع غزة المكتظ السكان"، لكنها هي دولة متسعة المساحة وإعلانها الحرب على إسرائيل سيجعلها "عرضة للمزيد من الضربات القوية الإسرائيلية".

ويوضح أن الجيش الإسرائيلي يستعد منذ سنوات لهذا السيناريو ولديه "خطط مسبقة" للتعامل مع التهديدات الإيرانية، والآن حان الوقت لتنفيذ تلك الخطط.

إذا استخدمت إسرائيل "سلاح الجو" لاستهداف إيران، فالطائرات الإسرائيلية سوف تضطر للمرور فوق أجواء "بعض الدول العربية"، وأي دولة تفتح أجوائها أمامهم "سوف تعاقب" ويتم التعامل معهما كما هو الحال مع إسرائيل، على حد قول شاوردي.

ويؤكد الخبير الاستراتيجي الإيراني أن "أي دولة عربية ستفتح أجواءها للطيران الإسرائيلي، سوف تستهدف بشكل مباشر، وستكون بمواجهة مع إيران والتي (لا تمزح مع أحد بخصوص أمنها القومي)".

ويوجه رسالة لإسرائيل قائلا:"التزموا العقلانية وإلا سوف تتحملوا مسؤولية (إشعال المنطقة بحرب إقليمية وربما العالم بحرب واسعة لا يرغب أحد بها)".

لكن لافي يرد على رسالة شاوردي قائلا: "نحن نأمل أن ترد إيران على كل هجمة إسرائيلية عليها حتى نستمر في مواصلة الضربات عليها".

ولا توجد دولة تقبل "استهداف أمنها القومي وتقف مكتوفة الأيدي"، وسوف ترى إيران "اليد القوية لإسرائيل حتى لا تفكر مرة أخرى في الاعتداء على الأراضي الإسرائيلية"، وفق الخبير العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي.

 

نصائح لإسرائيل

 

دعا مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون والذي يعتبر من الصقور ضمن مجموعة المحافظين الجدد، يوم الأحد 14 أبريل إسرائيل إلى الانتقام "بشكل حاسم" على الهجوم الإيراني، قائلا إن الضربات التي شنتها طهران بشكل غير مسبوق أظهرت ضعفا أمريكيا وإسرائيليا في التعامل مع التهديدات.

وقال بولتون في برنامج "ذي هيل صنداي" على قناة نيوزنيشن: "أعتقد أنه من الضروري أن تضرب إسرائيل بشكل حاسم، وليس بشكل متناسب". وأوضح "ليس بشكل متناسب، من أجل استعادة الردع".

وانتقد بولتون رد إدارة بايدن على الهجوم، قائلا: "إدارة بايدن قالت لإسرائيل، ليس فقط أننا لن نشارك في الانتقام، بل لا ينبغي عليكم ذلك أيضا لأنه لم يمت أي يهودي".

وأضاف "كما تعلمون، هذا هو نوع الضعف الذي أظهروه أيضا في عدم مهاجمة الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا عند مقتل ثلاثة أمريكيين، رغم 160 هجوماً قام بها هؤلاء المتشددون قبل ذلك".

 

مشكلة النظريات

 

ما بين نظريات فشل الضربة واساليب التفاهم والمسرحيات جاءفي تقرير نشرته صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية يوم 15 أبريل2024: 

أكد الخبير العسكري الصيني وي دون شو أن شن إيران هجوماواسع النطاق بمسيرات انتحارية خلال فترة قصيرة من الزمنيمكن أن يشكل ضغظا حقيقيا على نظام الدفاع الجويالإسرائيلي القبة الحديدية. 

وأشار الخبير لصحيفة "غلوبال تايمز" إلى أنه رغم التقنياتوتصاميم الطائرات المسيرة "الكاميكازي" الإيرانية البسيطةنسبيا، إلا أنها تتمتع بالعديد من المزايا.

وقال: "تحلق الطائرات بدون طيار على ارتفاعات منخفضةباستخدام تكتيكات السرب لتجاوز الدفاعات الجوية للعدو، وهوما يتيح لها مهاجمة الأهداف في المنطقة".

وأضاف الخبير: "بالحديث عن إسرائيل، حتى لو كان نظام القبةالحديدية الدفاعي الخاص بها قادرا على اعتراض الطائراتبدون طيار الانتحارية، فإنه في حال إطلاق عدد كبير منالمسيرات في وقت قصير، فإن نظام الدفاع الجوي الإسرائيليسيواجه ضغوطا شديدة".

كما نوه الخبير أن إيران تمتلك القدرة على تزويد الجماعاتالمسلحة الموالية لإيران في منطقة الشرق الأوسط بمسيراتانتحارية، الأمر الذي يسمح لها باستخدام مواقع الإطلاقالأمامية القريبة من إسرائيل للمشاركة في هجمات منسقة.

وأشار وي دونغ شو إلى امتلاك إيران أيضا صواريخ باليستيةيبلغ مداها حوالي 2000 كيلومتر وصواريخ كروز يصل مداهاإلى أكثر من 1000 كيلومتر، وبالتالي فإن القوة النارية لطهرانيمكن أن تغطي معظم منطقة الشرق الأوسط.

واختتم: "في حال استهداف قواعد سلاح الجو الإسرائيلي، فإنقدرات الهجوم المضاد للقوات المسلحة الإسرائيلية ستضعفأيضا".

 

متاهة التحالفات

 

إذا كانت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية قد تطرقت في تحليلهاللبعد العسكري للمواجهة فإن المحلل السياسي الروسي ألكسندرنازاروف ذهب ابعد من ذلك حيث تناول بالبحث متاهة التحالفاتوالمصالح التي تلعب ادوارا متشابكة في الصراع حيث كتب: 

هل تحارب إيران في نهاية المطاف؟ أين وكيف ومتى؟

كما توقعت، شاهدنا عرضا أظهرت فيه إيران تصميمهاواستعدادها للقتال، في حين أعلنت إسرائيل النصر المؤزر، بزعمأنها أسقطت 99 في المئة من جميع المسيرات والصواريخ دون أنتتكبد أي خسائر.

رسميا، فازت جميع الأطراف، والجميع سعداء، بما في ذلكواشنطن التي تجنبت المشاركة في حرب إقليمية على خلفية تفاقمالوضع في أوكرانيا، وعشية تصاعد الصراع مع الصين. حتىتركيا فازت هي الأخرى، بعد عجزها عن مقاومة إغراء إخبارالعالم أجمع بأن الاتصالات بشأن حجم الضربات والردالأمريكي بين الولايات المتحدة وإيران قد تم من خلالها.

وحده إيمانويل ماكرون بقي منزعجا، بعد أن لاحظ غياب اسمهفي عناوين الأخبار، فأعلن شخصيا أن الطائرات الفرنسية، بناءعلى طلب من الأردن، أسقطت صواريخ وطائرات مسيرة إيرانية. إلا أنه من المثير في الوقت نفسه هو أن فرنسا تشكل تحالفا مؤقتامع إيران في مواجهة تركيا وأذربيجان، اللتين تحاولان إنشاء ممرعبر أراضي أرمينيا. وعدم وجود رد حقيقي من جانب إيران ضدإسرائيل يرجع، من بين أمور أخرى، إلى الاحتمال الكبير لنشوبصراع عسكري جديد حول أرمينيا، يمكن أن تشارك فيه إيران. 

لكن مصالح الأطراف ظلت على حالها، والأهم من ذلك كله أنحاجة إسرائيل الملحة لحرب كبيرة لا زالت قائمة، ما يعني أنناسنشهد قريبا استفزازات ومحاولات جديدة من جانب إسرائيللجر الولايات المتحدة ودول أخرى إلى الحرب. ويختصر بعضالخبراء رغبة إسرائيل في الحرب بدوافع نتنياهو الشخصية فقط،لكن يبدو لي أن هناك إجماعا معينا على هذه القضية بين معظمالقوى السياسية الإسرائيلية، التي ترى في ذلك فرصة تاريخيةللقضاء على التهديد الإيراني. 

في الوقت نفسه، أظهرت واشنطن نيتها الثابتة، حتى في حالةنشوب حرب بين إيران وإسرائيل، بعدم تجاوز دفاعات إسرائيل،وعدم قصف إيران مباشرة. في ظل هذه الظروف، ترى ما هيالطرق التي يمكن لإسرائيل اتباعها لتحقيق هدفها؟ في رأيي أنهدف إسرائيل يمكن تحقيقه، ولكن عبر عدة مراحل.

 

مراحل حرب

 

أعتقد أن الحرب المخطط لها مع إيران هي قضية وجودية بالنسبةلإسرائيل، والهدف النهائي لها هو تدمير إيران، بما في ذلكباستخدام الأسلحة النووية، إذا لم ينجح الأمر بدونها. ومع ذلك،فمن أجل الرد النووي، من الضروري اندلاع حرب واسعة النطاقبالأسلحة التقليدية، أو بالأحرى دمار واسع النطاق داخلإسرائيل نفسها. 

في رأيي المتواضع، تظل قدرة إيران على إلحاق أضرار غيرمقبولة بإسرائيل باستخدام ترسانتها الصاروخية محل شك، بمافي ذلك بعد الضربة الأخيرة.

لكن الأهم من ذلك هو ضرورة استفزاز إيران ودفعها إلى مثل هذهالضربة الصاروخية الضخمة، بحيث يتعين على إسرائيل، منأجل ذلك، أن تلحق بإيران ضررا غير مقبول. وهذا أمر صعببسبب البعد الجغرافي للدولتين وعدم وجود حدود مشتركة. كما أنإسرائيل لا تمتلك طيرانا استراتيجيا، بالتالي فإن شن حربواسعة النطاق مع إيران بالأسلحة التقليدية أمر ممكن فقط فيحالتين:

الحالة الأولى هو ما إذا كان لدى إسرائيل مطارات بالقرب منإيران. وللقيام بذلك، من الضروري إما جر دول الخليج العربيإلى الحرب، أو ضمان مشاركة الولايات المتحدة، أو تحقيق اشتباكعسكري مباشر بين إيران وأذربيجان (حول أرمينيا).

وتتعاون أذربيجان بالفعل بشكل وثيق مع إسرائيل، حيث تزودهابالنفط، وتشتري الأسلحة منها. والرفيق أردوغان، وبرغم إداناتهالصاخبة لإسرائيل، يتاجر هو الآخر مع إسرائيل، ومن غيرالمرجح أن يمنع ظهور الطائرات الإسرائيلية لدى أذربيجان، إذاكانت نتيجة الحرب هي إنشاء ممر إلى آسيا الوسطى.

وكما نرى، فإن محاولات إسرائيل المستمرة لجر الولايات المتحدةإلى حرب مع إيران تواجه مقاومة شديدة من واشنطن. مقاومةقاسية للغاية لدرجة أنها تعيق حتى رد إسرائيل على الهجومالإيراني عليها.

لكن واشنطن سترحب بالحرب في منطقة القوقاز، لأنها ستجرإيران إلى الحرب، وتخلق جبهة إضافية لروسيا، وتحيد النشاطالمفرط للرئيس التركي في مناطق أخرى. ومن غير المرجح كذلك أنتعترض واشنطن أو تستطيع أن تمنع إسرائيل من المشاركة فيهذه الحرب، ما سيتيح لها فرصة توسيع رقعة الحرب إلى مستوىيسمح باستخدام الأسلحة النووية.

الحالة الثانية التي يمكن أن تخلق ذريعة لضربة نووية إسرائيليةضد إيران، هي غزو بري واسع النطاق لإسرائيل من قبل إيران أوبمشاركة إيران.

وهذا يتطلب استفزازا كبيرا جدا، على سبيل المثال، تصفية غزةبالكامل، وبدء تطهير الضفة الغربة أو تدمير الأماكن الإسلاميةالمقدسة أو إبادة جماعية واسعة النطاق للفلسطينيين.

ويبدو أن الفلسطينيين قد يصبحون الضحايا الرئيسيين لتبادلالضربات الإسرائيلية الإيرانية، أو بالأحرى ضحايا فشل هذهالمحاولة الإسرائيلية لتوسيع رقعة الحرب.

وبالإضافة إلى تكثيف جهود الغرب كله للتحريض على الحرب فيأرمينيا، فإننا نشهد بالفعل استعدادات إسرائيلية لتكثيف العمليةفي غزة، والتي يبدو لي أنها ستحدث الآمن بمرارة أكبر ودم أكثر،بهدف إثارة رد فعل حقيقي من "محور المقاومة".

ولا أفكر بعد في استخدام أراضي دول الخليج العربي، لأن هذاهو الخيار الأقل احتمالا. ولن يصبح ذلك ممكنا إلا بعد جرالولايات المتحدة إلى حرب مع إيران، بمعنى أن ذلك وارد الحدوثفقط بعد وقوع أي من السيناريوهين الموضحين أعلاه، وسيكونأمرا زائدا عن الحاجة.

لكن بالطبع، فإن السؤال الرئيسي في المرحلة الراهنة هو: كيفسيقاتل إيمانويل ماكرون في نفس الوقت مع إسرائيل ضد إيرانفي الشرق الأوسط، وضد إسرائيل بالتعاون مع إيران فيأرمينيا... ومع ذلك، فالسياسة الحديثة أمر معقد ومربك، وهذهالأمور أصبحت تحدث كل يوم.

 

عمر نجيب

[email protected]