دخلت الحرب في قطاع غزة شهرها الرابع في وقت اتفق فيه اغلب الخبراء العسكريين والسياسيين سواء في المعسكر المساند لإسرائيل أو المعارض لها دون أن يكونوا بالضرورة مؤيدين للفلسطينيين على أن تل أبيب فشلت حتى الآن في تحقيق الأهداف التي حددتها بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض أعضاء حلف الناتو، أي القضاء على حركة حماس وبقية قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وإعادة السيطرة الإسرائيلية على القطاع سواء نجح أو فشل مخطط تهجير سكانه البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة إلى سيناء المصرية أو أي ارض أخرى في العالم.
الجانب الأقوى في الصراع من حيث المعدات والتقنيات والأسلحة والتعداد البشري والقدرة الاقتصادية تكبد خسائر بشرية واقتصادية وسياسية ضخمة، وإذا كان الجانب الفلسطيني قد قدم تضحيات جسام بفقدان أكثر من 22 ألف شهيد غالبيتهم العظمى من المدنيين مع اكتمال الحرب شهرها الثالث، فإنه نجح في الاحتفاظ على نسبة تفوق 70 في المئة من قدراته العسكرية ومنع الجيش الإسرائيلي من السيطرة على القطاع وفرض عليه في غالبية الأحيان قواعده الخاصة للإشتباك، الأمر الذي جعل كلا من تل أبيب وواشنطن يتراجعان بخجل عن أهدافهما المعلنة ويخفضان توقعاتهما.
أحد علامات تعثر المخططات العسكرية الإسرائيلية محاولات تناسي الضجة التي أثيرت في واشنطن وتل أبيب عن أن عمليةإغراق أنفاق غزة بمياه البحر ستشكل نهاية المقاومة في غزة.
معركة غزة أو طوفان الأقصى ومع توسع جبهاتها إلى جنوب لبنان ومضيق باب المندب وسواحل اليمن الجبلية الوعرة في جنوب البحر الأحمر، والهجمات على القواعد العسكرية الأمريكية في كل من العراق وسوريا، فرضت تحديات جديدة ومتسعة على تل أبيب وحلفائها وكشفت وأظهرت تخوف وتحفظ واشنطن تجاه إمكانية تورطها المباشر في حرب أوسع في منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي واصلت واشنطن تأييدها المطلق للعملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة وسط ضبابية تغطية بشأن حماية المدنيين، تبلورت مواقف كل من موسكو وبكين في الاتجاه المعاكس أي مزيدا من التأييد للفلسطينيين.
تعثر العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة تدفع بعض الأوساط في التحالف المؤيد لتل ابيب إلى البحث عن مخرج عبر توسيع نطاق الحرب لعل ذلك يجلب نصرا على أساس إيمانهم أن المواجهات بين جيوش نظامية تكون في الغالب لصالح الأقوى من حيث نوعية الأسلحة والعتاد.
حرب طوفان الأقصى كشفت هشاشة الاتفاقيات الإسرائيلية مع العديد من الأقطار العربية، ولعل الأكبر منها تلك الموقعة مع مصر "كامب ديفيد" حيث كان ولا يزال ما يسمى محور فيلادلفيا أو صلاح الدين بين مصر وقطاع غزة نقطة ساخنة تهدد في حالة دخول الجيش الإسرائيلي إليها بنشوب حرب مع مصر.
يمتد المحور من البحر المتوسط شمالا إلى معبر كرم أبو سالم جنوبا، بطول نحو 14 كيلومترا، وتقول إسرائيل أنه عبر الأنفاق العابرة للمحور ومن سيناء إلى غزة يتم مد حماس بالأسلحة والمؤن.
معركة غزة وضربات حزب الله اللبناني من جنوب لبنان على مستوطنات الجليل شمال فلسطين المحتلة أجبرت أكثر من 310 الف إسرائيلي على النزوح بعيدا عن خطوط التماس والمواجهة بكل ما يعنيه ذلك من تكاليف اقتصادية وسياسية، بينما اختار حسب مصادر متعددة منها إسرائيلية أكثر من 420 ألف إسرائيلي الرحيل إلى أوروبا أو كندا والولايات المتحدة أما بشكل نهائي أو مؤقت وشلت حركة الهجرة إلى إسرائيل.
في الشهر الرابع للحرب زادت التساؤلات عن مستقبل إسرائيل وموقع واشنطن في منطقة الشرق الأوسط أو ما يعتبره البعض نقطة المركز بالنسبة للعالم.
البيت الأبيض يشكك
أعلن البيت الأبيض يوم الأربعاء 3 يناير، أن حماس ما زالت تملك "قدرات كبيرة" داخل غزة بعد حوالي 3 أشهر من الحرب بين إسرائيل والحركة الفلسطينية.
وصرح الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي: "إن القضاء على التهديد العسكري الذي تشكّله حماس "هدف يمكن تحقيقه" بالنسبة إلى إسرائيل، لكنها قد لا تتمكن من "محو المجموعة من الوجود".
وفي وقت سابق، قال القيادي بحركة حماس محمود المرداوي في تصريح لموقع "القاهرة 24" المصري، إن هناك تخبطا في مجلس الحرب الإسرائيلي والأجهزة الأمنية والاستخباراتية لدى الجيش الإسرائيلي.
وصرح محمود المرداوي بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت يحاولان تصدير مشهد الانتقام والثأر لمقاتليهم ما أوقعهما في تخبط شديد اتضح بعد فترة.
وأضاف: "لا شك أن هذا أسفر عن تراجعهما وإعادة تعريفهما للأهداف العسكرية من وراء العملية".
وتابع المرداوي قائلا: "ومن جانب آخر نرى غادي آيزنكوت الوزيربلا حقيبة في حكومة الحرب الإسرائيلية ورئيس الأركان السابقأقل منهم تمسكا بهذه الشعارات التي يرغبون منها تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية وهو يؤيد وجهة النظر الأمريكية وأهمية تحقيق نجاحات في ملف الأسرى واعتباره أولوية لإسرائيل في هذا الوقت بديلا عن الاستمرار في العملية العسكرية".
هل انتصرت حماس ؟
جاء في تحليل لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني نشر يوم 5 ديسمبر 2024:
الواقع في إسرائيل يقول إن حركة "حماس"، التي تقدم نفسها كحركة مرادفة للنضال الفلسطيني، انتصرت في الجولة الأخيرة في الصراع، بعدما دفعت تل أبيب ثمنا باهظاً في 7 أكتوبر 2023، وما تبعه من خسائر في جنودها واقتصادها وغضب سكانها المتصاعد ضد حكومة بنيامين نتنياهو التي بدأت في الانهيار.
ويضيف موقع "ميدل إيست آي"، أن "حماس" ليست مجرد كيان عسكري، بل إنها حركة نضال الفلسطيني، لا يمكن أبدا قتلها.
ففي 7 أكتوبر، شنت "حماس" عملية جريئة غزت فيها جنوب إسرائيل وسيطرت على عدد من البلدات والكيبوتسات، مما أسفر عن مقتل 1400 شخصا، وهو الهجوم الجوي والبري والبحري الذي يوصف بأنه كان "منسقا بعناية"، وأذهل إسرائيل والعالم.
ويشير إلى أن الهجوم جاء بعد أكثر من عام من التخطيط والتدريب، وتمكن فيه ألف مقاتل من اختراق الدرع الدفاعي الذي تبلغ قيمته مليار دولار، والذي أقامته إسرائيل بشق الأنفس حول غزة على مدى عقد من الزمن أو أكثر.
وأظهر الهجوم للجميع أن كل التكنولوجيا المتطورة في العالم يمكن هزيمتها بواسطة قوة حرب عصابات صغيرة تستخدم تكتيكات المراقبة والتخطيط والاحتشاد في ساحة المعركة، وفق التحليل، الذي يقول إن "حماس" نجحت من خلاله في انتهاك الإجراءات الأمنية التي اعتقد الإسرائيليون أنها غير قابلة للاختراق، وحطم كل الافتراضات التي قدمتها المخابرات العسكرية الإسرائيلية بشأن الحركة الفلسطينية.
ويلفت إلى أن جهاز "الشاباك" والجيش الإسرائيلي اعتقدا بشكل "متعجرف"، أن "حماس" لديها الكثير لتخسره حتى تتمكن من شن عملية كبرى ضد إسرائيل، أنها كانت مهتمة بالحفاظ على حكمها لغزة أكثر من خوض الحرب، مضيفا: "لقد كانوا مخطئين تماما في ذلك".
لقد أدت إسرائيل وحصارها المستمر منذ 17 عاماً لغزة إلى وصول اليأس إلى سكان القطاع. ويتابع: "لقد كانت تلك الهجمات بمثابة تمرد ضد القدر، وإعلان بأن الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن التكاليف الباهظة، سوف يحارب مضطهديه، رغم أن العالم فقد الاهتمام بفلسطين، خاصة بعد اتفاقيات أبراهام، مع 4 دول عربية أعلنت في السابق ولاءها للقضية الفلسطينية".
وحتى هجوم 7 أكتوبر، كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تتودد إلى السعودية للانضمام إلى الاتفاقيات، "لكن حماس حطمت أحد الإنجازات الإقليمية القليلة التي حققها بايدن".
ويقول التحليل إن الهجوم جعل الفلسطينيون يحتلون مركز الصدارة مرة أخرى، وأجبروا العالم على مواجهة محنتهم، بل والمطالبة بحقوقهم، وذكر الجميع بأن الفلسطينيين صامدون ولن يرحلوا بهدوء.
ويتابع: "كما أدى الغزو الإسرائيلي الدموي، الذي كلف حياة أكثر من 22 ألف فلسطيني (وأكثر من ذلك كل يوم)، إلى تدمير التصورات العالمية عن إسرائيل، فبدلا من أن ينظر إليها على أنها دولة ديمقراطية ومبتكرة تكنولوجية، أصبح العالم الآن ينظر إليها باعتبارها نظاماً متعطشا للدماء ويمارس الإبادة الجماعية".
ما يفهمه العالم
ويزيد التحليل: "نجحت حماس في تذكير الفلسطينيين بأن المقاومة المسلحة، مهما كانت التكلفة، هي كل ما يفهمه العالم".
ومن تداعيات الهجوم كذلك، وفق التحليل، تعزيز حماس يد إيران ومحور المقاومة المساند من طرفها، والذي شن هجمات ضد المصالح العسكرية والتجارية الأمريكية والإسرائيلية، من العراق إلى اليمن.
وتواجه إسرائيل الآن حروبا على جبهتين، في غزة ضد حماس وفصائل المقاومة، وفي الشمال ضد "حزب الله"، وإذا كان ثمة شيء، فهو أن الأخير عدو أشد شراسة من "حماس".
لقد هاجم الجيش الإسرائيلي عمدا الصحفيين الذين كانوا يغطون الصراع، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص - كجزء من جهد منهجي للقضاء على الصحفيين الذين يوثقون الجرائم الإسرائيلية.
كما شن الحوثيون في اليمن سلسلة من الهجمات الصاروخية على السفن المتجهة إلى إسرائيل في الممرات البحرية للبحر الأحمر.
ورغم أن الولايات المتحدة لا ترغب في الانجرار إلى صراع إقليمي طويل الأمد، فإن دعمها الثابت لإسرائيل أدى حتما إلى جرها إلى ما تسعى إلى تجنبه، وإذا كنت لا تريد أن ينجر إليك حليف يسعى وراء اهتمامات لا تشاركه فيها، فيجب أن تجعله على دراية بحدود العلاقة، مضيفا: "رفض بايدن ذلك بتكلفة سياسية".
الرئيس القادم في البيت الأبيض
ويشير التحليل إلى إن دعم بايدن للإبادة الجماعية الإسرائيلية، يقدم احتمالا حقيقيا للغاية بإمكانية إخراجه من البيت الأبيض في عام 2024، واستبداله برئيس لن يدافع عن إسرائيل فحسب، بل سيشجع أخطر مغامراتها العسكرية، في إشارة إلى الرئيس السابق دونالد ترامب.
ويتابع: "كان الهجوم على إسرائيل بمثابة إشعار بأن لا حماس، ولا الفلسطينيين بشكل عام، يؤمنون بوهم حل الدولتين، الذي طالما استمر العالم في دعمه كحل سحري، ولكن حماس كشفت كذبه".
كما أن الفلسطينيين لا يتوقعون الكثير من الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، وهم يعلمون أن لا أحد على استعداد لإنفاق رأس المال السياسي اللازم للتغلب على المقاومة الإسرائيلية.
ورغم المكاسب العسكرية المعلنة في تل أبيب، فهي لا تزال تخسر الحرب، وبتكلفة باهظة، وهو مقتل وجرح آلاف الجنود الإسرائيليين.
كما أنه قد يكون من غير البديهي أن نقول هذا، لكن لا توجد طريقة تستطيع بها إسرائيل أن تفوز بالحرب التي بدأتها، وكل ما على "حماس" أن تفعله لكي تفوز هو البقاء.
وكثيرا ما ردد نتنياهو إن هدف بلاده هو القضاء على "حماس"، وقد أضاف بايدن دعمه الخاص لهذا الهدف، ولكنه لن يتحقق على المدى المنظور على الأقل.
ويضيف التحليل: "يدرك القادة الإسرائيليون أن هناك طريقة واحدة فقط للقيام بذلك، وهو القضاء على سكان غزة بالكامل أو طردهم".
ولم تقم وزارة الاستخبارات بإصدار خطة للقيام بذلك من خلال طرد الفلسطينيين إلى صحراء سيناء فحسب، بل سافر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أيضا إلى الشرق الأوسط لعرض الخطة التي أعدتها إسرائيل على مصر والأردن، وهم بدورهم رفضوا ذلك رفضا قاطعا.
ونشر اثنان من أعضاء الكنيست الإسرائيليين في صحيفة "وول ستريت جورنال"، خطة لطرد جميع الفلسطينيين في غزة إلى الدول العربية والإسلامية في المنطقة، لم يتم تلقي ذلك بشكل أفضل أيضا.
ويعلق التحليل على هذه الخطط بالقول: "لن تقضي إسرائيل على الفلسطينيين من غزة مثلما لن تستطيع أن تقضي على حماس، فكل الأحاديث التي يجريها نتنياهو وبايدن هي مجرد ثرثرة ووعود لا يمكن الوفاء بها".
ويضيف: "هذا جزء من مأساة هذا الصراع، فلا أحد يتحدث بوضوح وصدق، ولدى الجميع أوهام مفادها بأن حماس سوف ترضخ بطريقة أو بأخرى، لأنه لا بد من ذلك".
ويتابع: "لكن حماس لا ترضخ، وهي مستمرة في المقاومة، ولا شيء يمكن أن يوقف هذا بغض النظر عن الأكاذيب التي قيلت، التي كلما زادت، كلما قلت ثقة العالم في أي شيء تقوله إدارة بايدن أو إسرائيل".
ويزيد: "حتى لو نجحت إسرائيل في التطهير العرقي لغزة، فإنها لن تنهي الصراع، فحماس ليست مجرد كيان سياسي أو عسكري، بل هي حركة تهدف إلى تعزيز حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، ولا يمكن قتل مثل هذه الحركة، وإنما محاربتها فقط".
ويستطرد: "الحركة لا تزال قادرة على البقاء، وهذا يعني فشل إسرائيل وتآكل رادعها العسكري في مواجهة منافسيها الإقليميين، وهذا من شأنه أن يشجع أعداءها على تكثيف المقاومة المسلحة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، داخل غزة أو خارجها".
ومن التداعيات كذلك، حسب التحليل، هو أن الجبهة الموحدة التي أقامها الإسرائيليون منذ 7 أكتوبر، بدأت في الانهيار، وبات نتنياهو، الذي كان حكمه في حالة من التوتر بالفعل قبل هجوم حماس، في موقف أكثر خطورة.
وأمام ذلك، يفضل نتنياهو محاولة إطالة أمد الحرب لتجنب غضب الناخبين الإسرائيليين، الذين يريد معظمهم رحيله.
الغوص في وحل غزة
أكد الجنرال في الجيش الإسرائيلي إسحق بريك أنه مع مرور الوقت، تبتعد تل أبيب أكثر عن تحقيق أهداف الحرب، وهي القضاء على حركة "حماس" وإطلاق سراح الأسرى المختطفين، وتغوص أكثر فأكثر في وحل غزة.
وكتب بريك في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية يوم الاثنين الأول من يناير: هناك مواقف في الحرب يجب إعادة النظر في مسار العمل فيها، وهذا بالضبط الوضع الذي وصلنا إليه، واليوم يتضح للجيش أنه في هذه المرحلة ليس من الممكن تحقيق الهدف الذي نسعى من أجله، لقد ذهبنا إلى الحرب للقضاء على حكم "حماس" وقدرتها على مواصلة القتال. ومجرد الاعتراف بعدم وجود نية للدخول إلى رفح، حيث تسيطر "حماس" سيطرة كاملة، لأنها المكان الأكثر ازدحاما في غزة والشرق الأوسط بأكمله، فهناك يعيش مليونا لاجئ في المخيمات، وبيئتهم مكتظة بشكل رهيب، ولذلك من المستحيل مهاجمة هذه المخيمات، وبكلمة واحدة، من المستحيل القضاء على "حماس" هناك التي يختلط مقاتلوها باللاجئين.
وأضاف: "الفشل في القضاء على حكم "حماس" في رفح والفشل في السيطرة على الأنفاق الموجودة تحتها، والتي تعتبر بمثابة الممر الرئيسي للأسلحة من سيناء إلى القطاع، يعني أننا فشلنا في تحقيق المهمة الأساسية التي حددناها لأنفسنا في الحرب، ألا وهي: إسقاط حكم "حماس".
وتابع: "تتمتع "حماس" في رفح بحرية الوصول إلى خان يونس، ومن هناك إلى شمال قطاع غزة عبر مئات الكيلومترات من الأنفاق المرتبطة ببعضها البعض. وحتى لو دمرنا أكثر من ألف عمود (مداخل أنفاق)، فإن لدى "إرهابيي" حماس آلافا أخرى، وبالتالي فإن التدمير الجزئي لا يؤثر فعليا على حركتهم في الأنفاق. ومن هنا فإن استمرار قتال الجيش الإسرائيلي بالشكل الحالي في خان يونس، وفي الأحياء والمدن في وسط قطاع غزة، لا يضيف إلى تحقيق أهداف الحرب. والعكس هو الصحيح، فهذا القتال يكبدنا كل يوم خسائر فادحة، من المتفجرات والأفخاخ التي يزرعونها لنا والصواريخ المضادة للدبابات التي تطلق علينا".
وأكد أن "الوقت قد حان لإعادة تقييم طريقة القتال، أي تغيير النموذج والخروج من التجمعات السكانية الكثيفة، والهجوم الجراحي بالطائرات، المبني على معلومات استخباراتية دقيقة، وبغارات برية".
وأردف: "صحيح أننا لم نحقق أمنياتنا المتمثلة في شل قدرة "حماس"، ولكننا سنمنعها من إعادة تنظيم صفوفها. وهذه هي الخطة التي يتعين على الجيش الإسرائيلي تنفيذها في المرحلة الثالثة من الحرب، وعلى المستوى السياسي والأمني أن يفعل ذلك فورا ويخرج من الكابوس الذي لا فائدة منه".
وأضاف: "يفهم بعض الوزراء وأعضاء الكنيست أن هذا هدف غير واقعي في هذه المرحلة، لكنهم يخشون التعبير عن رأيهم خشية اتهامهم بالإضرار بالروح المعنوية للمقاتلين وبهدف تدمير حماس. وبذلك تنشأ حلقة مفرغة لا مخرج منها، فمن ناحية نواصل القتال بأسلوب قتالي لم يعد مجديا، مما يسبب لنا خسائر فادحة ولا يأتي بالنتيجة المرجوة، ومن ناحية أخرى لم نتحول بعد إلى الأسلوب القتالي المتمثل في الضربات الجراحية بالطائرات والغارات المبنية على معلومات استخباراتية دقيقة، وهو أسلوب سيوفر علينا الكثير من الخسائر ويقدم نتائج أفضل".
وتابع: أعضاء الحكومة من اليمين المتطرف يعلنون ليل نهار أن القتال داخل قطاع غزة يجب أن يستمر بكل قوته حتى هزيمة "حماس"، بينما يتجاهلون الحقائق على الأرض ويعيشون واقعا زائفا. الجناح الراديكالي في الائتلاف ليس مستعدا بأي حال من الأحوال لعقد مناقشة حكومية حول اليوم التالي للحرب، خوفا من اتخاذ قرار يسمح بدخول قوة دولية لإدارة غزة. حسب فهمهم فإن قطاع غزة يجب أن يبقى في أيدي إسرائيل سواء في الجانب الأمني أو في الجانب الإداري المدني حتى نهاية العالم، ومعنى هذا النهج هو أن إسرائيل ستقبل المسؤولية عن مليوني لاجئ، وعن كل كارثة تحل وستقع أزمة إنسانية على أكتاف إسرائيل. وبذلك سنخسر دعم العالم بشكل عام ودعم الولايات المتحدة في الحرب، وسنخسر الحرب التي دفعنا ثمنها باهظا فيها حتى الآن".
وشدد على أن "هذا لا يكفي، فوفقا لنهجهم، ستستمر قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي في البقاء في المناطق الكثيفة السكان في قطاع غزة لسنوات عديدة، وستواجه حرب عصابات مع "حماس"، التي ستستمر في مواجهتنا بالأفخاخ وإطلاق الصواريخ المضادة للدبابات على قواتنا وتسبب لنا خسائر فادحة".
خسائر لا تعوض
جاء في تقارير نشرت بداية شهر يناير 2024 في واشنطن وتل أبيب: أدى طول أمد الحرب فى غزة، واتساع نطاقها، إلى ضرب موسم سياحة "الكريسماس وعطلات بداية العام الجديد وموسم الحج المسيحى" وهو الموسم الذي كان ينعش حصيلة الدخل السياحي لإسرائيل، فضلا عما يحققه من رواج تجارى فيأسواقها ولعموم الإسرائيليين.
وانعكس بؤس الموسم السياحي لعام 2024 بوضوح على حركة السفر الجوى المرتبطة دائما بقدوم السائحين، وكذلك أثر على حركة المطارات الإسرائيلية التي تكبدت خسائر تشغيلية كبيرة، دفعت مسئوليها إلى اتخاذ قرارات قاسية على العاملين في هذا القطاع .
وبصورة عامة.. فمنذ نشوب الحرب في غزة في السابع من اكتوبر 2023 هبطت حركة التشغيل فى مطارات إسرائيل الكبرى و في مقدمتها " بن غوريون الدولي " بنسبة 80 في المئة عن معدلاتها الطبيعية وفقا للتقارير الإسرائيلية .
ويوم 4 يناير.. أخطرت هيئة المطارات الإسرائيلية 600 من موظفيها بأنهم في إجازة مفتوحة "بلا أجر" اعتبارا من يومه ولحين إشعار آخر، وكذلك قررت هيئة المطارات الإسرائيلية تقليص الأجور بنسبة 25 في المئة لعدد 2000 من موظفيها الحاليين وهو العدد الذي يقارب نصف عدد موظفيها الاجمالي.
وقالت الهيئة في بيان لها يوم الخميس ان اجمالي عدد العاملين في الهيئة هو 4600 عامل و انه قد تم استدعاء 1000 عامل منهم للخدمة العسكرية في قوات الاحتياط الاسرائيلية مما اثر على كفاءة و انتظام التشغيل وذلك اضافة إلى 2000 من موظفي الشركة في طريقهم إلى تلقى استدعاءات الانضمام إلى تشكيلات قوات الاحتياط في الجيش الاسرائيلي.
وكشفت هيئة مطارات اسرائيل عن ان معدل الرحلات الجوية التى يستقبلها مطار بن جوريون الدولى حاليا لا يتعدى 100 رحلة يوميا فى مقابل 500 رحلة يوميا فى مثل هذا الوقت من كل عام تقريبا حيث أوقفت معظم الخطوط العالمية رحلاتها من و إلى اسرائيل عبر هذا المطار الهام باستثناء الخطوط السويسرية " و الخطوط النمساوية و الالمانية " لوفتهانزا التى ابلغت بأنها ستستأنف رحلاتها من و الى اسرائيل اعتبارا من 8 يناير 2024 ما لم تتدهور الاوضاع الأمنية فى الاقليم .
كذلك امتدت ازمة النواقل الجوية فى اسرائيل الى مؤسسة " العال " وهى الناقل الرسمي و التي اضطرت الى الغاء رحلاتها على الخطوط من والى اسطنبول و ايرلندا و مرسيليا و طوكيو للحد من خسائر التشغيل منذ نشوب الحرب في غزة .
وفى السياق ذاته، كشف تقرير صادر عن مؤسسة مراقبة حركة بطائق الائتمان المصرفي في اسرائيل "شايا" عن تراجع مخيف في حكم معاملات بطاقات الائتمان والخصم في مدينة ايلات حاليا مقارنة بذات الفترة من بداية كل عام جديد نظرا لكون ايلات هى مدينة سياحية و تجارية في المقام الأول.
يذكر أنه وبتاريخ 20 أكتوبر 2023 صرح مدير صندوق التعويضات في إسرائيل أمير دها إن إجمالي الخسائر التي لحقت بالممتلكات في إسرائيل خلال 11 يوما على بداية حربها على غزة، يبلغ نحو 37.3 مليار دولار.
ومن 7 أكتوبر وحتى 30 منه سجل الشيكل الإسرائيلي أدنى مستوى له أمام الدولار منذ مارس 2009، وأعلن المركزي الإسرائيلي عن حزمة مساعدات لدعم عملته بقيمة 45 مليار دولار.
نهاية شهر ديسمبر 2023 كشفت القناة "12" العبرية، عن حجم الضرر الذي ألحقته هجمات الحوثيين بميناء "إيلات" حيث تراجعت التعاملات بنسبة 85 بالمئة، وعلقت كبرى شركات الشحن البحري حول العالم عبورها من باب المندب.
يوم الخميس 4 يناير 2024 أفادت شبكة "بلومبرغ" الأمريكية بارتفاع أسعار الشحن الفوري للحاويات بنسبة 173 في المئة بسبب عمليات تحويل مسارات السفن في البحر الأحمر.
وكانت المنظمة البحرية الدولية قد أفادت بأن 18 شركة شحن بحري غيرت مسارها حول أفريقيا على ضوء الهجمات على السفن في البحر الأحمر، مشيرة إلى أن تغيير المسار إلى جنوب أفريقيا ومنها إلى أوروبا والعالم ساهم في رفع تكاليف النقل البحري.
وتسبب تحويل مسار السفن من البحر الأحمر إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا بزيادة تكلفة الوقود بشكل كبير، علاوة على زيادة مصروفات لوجيستية أخرى، بسبب طول المسافة والمدة.
حريق إقليمي
اعتبرت صحيفة فاينينشال تايمز البريطانية في تقرير لها يوم 6 يناير 2024 أن العنف المتصاعد في مختلف أنحاء الشرق الأوسط يهدد بجر الولايات المتحدة إلى حريق أوسع نطاقا.
وذكرت الصحيفة إنه منذ أن بدأ الصراع بين إسرائيل وحماس الخريف الماضي، سعى الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تجنب حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط.
ولكن جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي قال: "بالتأكيد نقترب من حرب إقليمية أوسع، أكثر من أي وقت مضى منذ بداية الصراع".
وتابع "يمكن لأي من الأطراف الفاعلة في أحد تلك المواقع أن يدخل في دوامة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، وهو ما قد يكون كافياً لإشعال حرب واسعة النطاق تجلب الآخرين".
وصرح مسؤولون أمريكيون إن سياساتهم تهدف إلى وضع خط فاصل بين الأعمال العدائية والحرب الشاملة.
وصرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية: "سنتصرف بقوة شديدة عندما يتعلق الأمر بأي تهديدات ضد شعبنا أو مصالحنا".
وأضاف "سنفعل ذلك أيضا بطريقة ذكية للغاية لا يحتمل أن تدفعنا إلى العمق في وضع يصب في مصلحة بعض هذه الجماعات الوكيلة (الإيرانية)".
وتريد الولايات المتحدة إرسال إشارة إلى الجماعات المدعومة من إيران، بما في ذلك حزب الله والحوثيين وقوات الحشد الشعبي، مفادها أن التهديدات للأمن الأمريكي في المنطقة لن تمر دون رد.
لكن محللين قالوا إن التحدي يتمثل في أن القيام بذلك سيؤدي حتما إلى تصعيد الأعمال العدائية.
دوامة تصعيد
وذكر مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جون ألترمان: "الرهان هو أن القوة المحدودة تمنع الحاجة إلى قوة أكبر، لكن هناك احتمال أن تتورط في دوامة تصعيدية".
وقبل وقت قصير من حلول العام الجديد، أسقطت سفينة عسكرية أمريكية صواريخ حوثية مضادة للصواريخ الباليستية استهدفت سفينة ميرسك.
وهاجم الحوثيون السفينة مرة أخرى في اليوم التالي، باستخدام الزوارق السريعة بهدف واضح هو اختطاف السفينة أو إغراقها.
وردت المروحيات الأمريكية بإطلاق النار على الزوارق السريعة التابعة للحوثيين، مما أدى إلى إغراقها ومقتل أفراد طاقمها.
واجتمع بايدن بفريق الأمن القومي الخاص به في يوم رأس السنة الجديدة لدراسة الخيارات بما في ذلك الرد العسكري على الوضع في البحر الأحمر. فقرر أولا جمع الحلفاء لتحذير الحوثيين من مخاطر استهداف الحركة التجارية مرة أخرى.
وحذرت الولايات المتحدة و11 دولة أخرى الأربعاء 3 يناير من أنه إذا لم توقف الجماعة المتشددة المتمركزة في اليمن هجماتها على السفن التجارية، فإنها ستضطر إلى التحرك.
لكن يوم السبت، أسقطت المدمرة يو إس إس لابون طائرة بدون طيار تابعة للحوثيين في المياه الدولية بجنوب البحر الأحمر بالقرب من "سفن تجارية متعددة"، وفقًا للقيادة المركزية الأمريكية.
وبحسب شخص مطلع على الأمر، كانت إدارة بايدن تدرس ما إذا كانت ستصنف الحوثيين منظمة إرهابية، وهو التصنيف الذي رفعه الرئيس في عام 2021 كجزء من جهوده لإنهاء الحرب في اليمن.
وقال الحوثيون إنهم سيواصلون هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن طالما واصلت إسرائيل هجومها العسكري في غزة.
وأفاد مسؤولون عسكريون إن الحوثيين هاجموا السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن 25 مرة منذ ديسمبر 2023.
وأطلقت الولايات المتحدة عملية "حارس الازدهار" شهر ديسمبر للمساعدة في حماية مصالح الشحن التجاري في المنطقة.
وقدمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا خمس سفن حربية، ومن المتوقع أن ترسل الدنمارك واليونان سفنًا إضافية في الأسابيع المقبلة.
وذكر السكرتير الصحفي للبنتاغون، اللواء بات، "كما فعلنا منذ الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر، ستستمر وزارة الدفاع في الاستفادة من وضع قوتها الجماعية في المنطقة لردع أي دولة أو جهة غير حكومية من تصعيد هذه الأزمة خارج غزة".
وقال مسؤول عسكري أمريكي إنه حتى يوم الجمعة 5 يناير 2024، وقع ما لا يقل عن 121 هجوما على القوات الأمريكية في العراق وسوريا.
ووصفت الولايات المتحدة جميع الإجراءات التي اتخذتها في الشرق الأوسط بأنها دفاع عن النفس.
وبينما تدرس واشنطن توجيه ضربات موجهة للحوثيين، يشعر بعض مسؤولي الإدارة بالقلق من أن القيام بذلك قد يعرض للخطر الجهود المبذولة للتوصل إلى حل طويل الأمد للصراع في اليمن.
ووصف بايدن إنهاء الحرب هناك باعتباره أولوية مهمة في السياسة الخارجية، وأشارت الإدارة إلى وقف إطلاق النار الذي ظل صامدًا بشكل أو بآخر في اليمن منذ ربيع 2022 باعتباره إنجازا مهما.
ويصر مسؤولو الإدارة أيضاً على أنهم يعملون على منع امتداد الحرب بين إسرائيل وحماس إلى لبنان المجاور حيث اعتبروا أن النجاح الحاسم كان في منع إسرائيل من مهاجمة حزب الله في لبنان.
عمر نجيب