الظاهرة التي نلفت النظر هم موقف الغرب بصفة عامة من أي مشكلة يكون العرب أن المسلمون طرفا إليها .. هناك تبدو “الصليبية”، الحقيقية، سافرة الوجه بارزة الأنياب مشروعة المخالب.
وهذه هي الحقيقة المرة التي يتجاهلها أبناء الأمة العربية بسذاجة البدوي التائه في الصحراء، والتي لم تنجح صورها المتعددة منذ ثورة الشريف حسين في مكة إلى يومنا هذا (وبدون الحديث عن التاريخ القديم وحملات قلب الأسد) في غرس روح الأقلية عند أمتنا وفي إقناعها بأن الغربي لن يكون يوما الصديق الصدوق، والخل الوفي، أو حتى .. العدو الشريف، والخصم النزيه.
القضية أساسا هي صراع حضارتين وصلت الأولى إلى عنفوان شبابها ونضجه، وتطمح في أن يستمر الشباب، وأن تبقى لها اليد العليا في هذا العالم. وحضارة أخرى ترنحت إلى الكهولة، ولكن جمرات حية مازالت تحت رمادها .. تنذر بدورة جديدة من دورات الزمان.. تتحول فيها الكهولة إلى طفولة ثم إلى شباب يافع ونضج واكتمال.
ومعنى هذا كله أن الغرب كان ولا يزال وسيظل العدو الرئيسي للوطن العربي وللعالم الإسلامي، وهي عداوة يرضعها الطفل، وتغذيها الأم، ويتعهدها الأب، ويرعاها رجال المال والكهنوت.. وهي مزيج من الكره والاحتقار والخوف والتعصب الديني.
هنا تبدو سذاجة أولئك الذين يطلقون اسم الصداقة والأخوة والود على موقف لدولة أوربية يتجاوب ومصالحنا لأنهم ينسون تاريخا طويلا في مقابل لحظات، ويتناسون عنصر المصلحة الاقتصادية أو السياسية الذي يتحكم في تصرفات سادة الغرب.
وهنا تبدو ضعة أولئك الذين يملأون صفحات المجلات والصحف العربية بالورود ينثرونها على موقف لكاتب أو سياسي غربي يناصر فيه قضيتنا.. وأقول.. الضعة لأن الصورة الوحيدة التي ترتسم أمامي وأنا أتحدث عنهم هي صورة كلب السوق.. تكفي قطعة عظم تلقيها له لكي يلعق يدك متناسبا كل الركلات التي وجهتها له.
وإذا كان “فرويد” يعزو جل التصرفات الإنسانية إلى الغريزة الجنسية الكامنة، فإنني أقول أن في أعماق كل غربي غريزة اسمها كره العرب، بل هي جزء من دمه كالكرات الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية.
ومهما كانت الأقنعة ومهما تبدلت المواقف فالحقيقة هيَ، هيَ، والدوافع هيَ هيَ.. نحن أمة تمثل حضارة.. تقف وحدها في الميدان، وكل الذين يمدون لنا يدا لا يفعلون ذلك “لله .. في سبيل الله”.
هناك حسابات دقيقة ومصالح مرتجاة، ومخرج بارع وممثلون قادرون على انتزاع الضحكات من جمهور البسطاء ” .. ماضغي التبغ وتجار الخدر .. “.
ولهذا قلت أن الطريق الوحيد لهذه الأمة هو غرس الأقلية في نفوس أبنائها، لكي يتصرف كل منهم بشعور المنتمين إلى الأقليات .. بالترابط المتين بل .. وبالتعصب المطلق لكل ما تمثله أمته، وبالإدراك الواعي لحقيقة الصراع الحضاري بين الشرق والغرب.
وإذا كنت أسمح لنفسي بالحديث في هذا الموضوع الشائك فلأنني أومن بأن المقاومة الفلسطينية هي رأس الحربة في صراعنا الحضاري – كأمة – ضد الغرب الذي اتخذ من إسرائيل رأس جسر لوجوده على أرضنا، ونقطة ارتكاز لوثوبه علينا والفتك بنا.
وإذا كنت من الذين ينادون دائما بحرية العمل الفدائي وبوجوب تكامل الكيان الفلسطيني، فإن هذا لا يعني على الإطلاق أن نترك لكل من هب ودب فرصة استعمال اسم المقاومة للتشدق في المجالس، أو ارتداء زيها للتبختر في شوارع بعض العواصم العربية أو استغلال صفتها للاستعراض على الصفحات الملونة لصحف متلونة.
ولقد ارتزق الكثيرون من قضية فلسطين، وتاجر الكثيرون باسمها، وزايدوا وناقصو .. ولكن الشعب العربي لم يخدع وطالب دائما بأن توضع القضية في إطارها الصحيح .. إطار شعب طرد من أرضه يريد العودة وإطار جغرافي لوطن ليس من حق أحد أن يأخذ منه شبرا.
ولقد خاب أمل الشعب العربي في كل الذين تصدوا لاسترجاع الأرض السلبية، وبقى أمل واحد .. هو المقاومة الفلسطينية، ويدي على قلبي، فلست أتحمل خيبة أمل أخرى.
نُشر هذا المقال في مجلة المجاهد الجزائرية يوم 8 مايو 1970، أي منذ أكثر من 43 سنة، وأعيد نشره تذكيرا لمن لم يتعظوا بالجحود الذي عرفه شاه إيران في نهاية أيامه.
الدكتور محيي الدين عميمور كاتب ومفكر ووزير اعلام جزائري سابق