أما الأول، فقتلته، الإمبراطورية الأمريكية في عواصم الاقطار العربية التي استقلت فعلا، ثم احتلت، فوهنت، واستحالت إلى جثث يواري آخرها الصهاينة في شوارع غزة.
أما الثاني، فهو الذي يولد الآن من رحم "غزة" اثناء احتضارها و"جنين" وباقي مدن الضفة الغربية المحتلة …
وهل من شك في أن الزمن العربي المنتصهين الذي سيتوارى ، لأنه يموت الآن، وليس بموت فجائي، لذلك فالأمة ، ليست مفجوعة بموته، وهناك فرق بين الفجيعة بموت ابريائنا، باعتبارهم قربانا للقتال المجرم قاتل ملايين الاطفال تجويعا في مص، وحروبا في الصومال، والعراق، وليبيا، واليمن، وسورية، والسودان، وفلسطين..
وكانت تلك المآتم، هي التي حجبت - و تحجب - بمناظرها المؤلمة الأفق المبهر بانواره المفرحة برحيل الزمن الأمريكي - الصهيوني الى غير رجعة ..
فقد عاني من سكرات الموت البطيء طيلة الخمسين سنة الماضية، حيث سقطت أثناءها عواصم عربية، واحتلت اقطار، كانت مستقلة، وطرقت الأمة باستقلالها أبواب الحداثة، عندما كانت تقود الاستقلال، تؤسس للتحديث العربي..
واقطارنا العربية التي اسقطتها أمريكا المصهينة بالسياسة، وأخرى بسلاحها، ومن الأولى مصر السادات سنة ١٩٧٣م، ومن الثانية لبنان الطائفية المتصهية ١٩٨٢م، وصومول النظام القبلي المتأمرك في وجه النظام التحديثي سنة ١٩٩٢م، والعراق الذي طرق ابواب التنمية العلمية، لذلك كان لابد من الحرب الامريكية الصهيونية في سنتي ١٩٩١، و٢٠٠٣م. وليبيا ٢٠١٢م التي رميت في حلقة مفرغة من دورات الحروب الاهلية، ما إن تنتهي من جولة قاتلة، حتى تستأنف أخرى..
وهناك اقطار عربية تأسست حديثا، و أسست انظمتها السياسية على تحالف انجليزي - امريكي مع أرباب أسر عربية، هم أصحاب مصالح نفعية، وقد غيبت تلك النفعية وشراهتها، قيم العروبة في نفوسهم ، وتنشأ عليها ابنائهم، واحفادهم ، فكانوا بحق آخر بقايا صعاليك قطاع الطرق في شبه جزيرة العرب،، وذراريهم اليوم، هم وكلاء المشاريع الاحتلالية بامتياز، ولذلك، فلا غرابة أن يتواطأوا مع إجرام العصابات الصهيونية ويقاتلوا معهم، و يناصروا الظلم - على حساب ذوي القربى - في المحافل الدولية ضد ضحايا طلاب التحري، وهو الاحتلال الذي توقفت محركاته النهايئة اعلانا عن نهاية زمنه الذي قتلته الآلة الأمريكية، وهي تحصد ارواح أجساد اطفال غزة ما بعد ٧ اكتوبر ٢٠٢٣م ، ومدن الضفة المقاومة في فلسطين، التي تستولد بمقاومتها - وبتضامن جبهة المقاومة على حد تعبير سيد المقاومة المجاهد الكبير حسن نصر الله في لبنان، و اليمن، ولبنان، والعراق - هذا الزمن العربي الذي، يصرخ، كالمولود معلنا عن حياته بقوة، وإرادة الثوار في هذه المشاهد التراجيدية، بكل ما فيها من الآلام المبرحة لصعوبة إخراج الزمن العربي الموعود، إلا بعملية قيصرية من رحم الوعي العربي الميت من جهة، والمقهور لدرجة افتقاده الإدراك، والإحساس في جسده تحت الاحتلال، ك "غزة هاشم " التي تحتضر، هي الأخرى، بل تناثرت اشلاؤها بجثامين آلاف الاطفال، والنساء العزل، و الكبرياء العربي في محاريب المشافي، ونواصي الشوارع - وهو يستعطف الرحمة من رب الرحمة لا غيره - وتحت المنازل المهدمة بالبراكين الامريكية، وتقدمها التكنولوجي المتوحش، وقيمها " السوبرمانية" التي أبت ان تستانس، إلا بشرعة الغاب..؟!
ومثل أي ولادة بيولوجية، كان للحمل زمنه المؤلم، فكيف انطبق ذلك على هذا الزمن العربي الذي مر بالولادة العسيرة في ٧ أكتوبر، و سيمر لا محالة بأطوار النمو، والنضج، و مراحل الشباب ، والفتوة، ليبدأ البناء الذاتي على أسسه التربوية، وقيمه ، ومثله العليا في إطار خصوصيته الزمنية، وما سيتزامن معها عربيا، ودوليا…؟
وانطلاقا من تأثير العوامل الخارجية، واعتبار حركات التحرر، والاستقلال العربي السابقة، فسرت على أساسيين: العوامل خارجية، وأخرى داخلية، وبالتالي كان الفعل الثوري، والاستقلال الوطني استجابة شرطية، لكنها كانت موجهة باهداف، وغايات نبيلة عليا، ولعل هذا هو الاتجاه العام الذي فسر الدارسون به ردة الفعل التي عبرت عنها " انتفاضة الحجارة ١٩٨٧م." في كل من غزة، ومدن الضفة الغربية المحتلة على التوالي.
لقد ذكر المؤرخ العربي " البرت حوراني" - في كتابه عن تاريخ الشعوب العربية - بعض العوامل التي أدت إلى انتفاضة الحجارة، وهي: تنامي الوعي الرافض للاحتلال الصهيوني في فلسطين، والنمو الديمغرافي للوحدة الاجتماعية في فلسطين المحتلة ١٩٦٧م.، والتوغل الصهيوني، وإمعانه بالتنكيل، والتعذيب للفلسطينيين داخل السجون، وخارجها في الشوارع والمساجد، والكنائس، وانتزاع الممتلكات بما فيها المنازل الخاصة، والمزارع، وارتفاع فائض الضرائب داخل المراكز التجارية في المدن الكبرى التي اختل دورها الوظيفي، كالقدس، والخليل، و بيت لحم..!
لذلك كانت انتفاضة الحجارة ردة فعل على عديد العوامل ، ومنها الوضع العربي في " ثباتية الحالة المزمنة للنظام العربي، والهشاشة التي تشكل المشترك بين تلك الأنظمة ".( البرت حوراني ...)
لهذا جاء التحليل مصيبا في النظر إلى حركات المقاومة الفلسطينية الحالية، باعتبارها أنها حاملة لمشروع تحرري شكلته رؤى تيارات انتفاضة الحجارة، وقادة الفكر في مراكز التعليم في مدينة غزة، ولأن الأطفال الذين، حملوا الحجارة بايديهم، وتلقوا الرصاص بصدور عارية..هم من اخرجوا بها المحتلة من مدينة " غزة"، وروضوا بها وحشية المحتل في مدن الضفة.. هؤلاء هم القادة الثوار الذين ألهبوا مشاعر العرب من المحيط الى الخليج، وفجروا الوعي التحرري للشبيبة المعاصرة ، وكووا الوعي الصهيوني ، قال نائب رئيس الجهاد الاسلامي "الهندي": "هؤلاء هم أطفال الأمس الذين دفنوا آباءهم"، وعانوا الكثير من القهر في سجون المحتل، فولد لديهم التضحية بالفعل المقاوم الذي تجاوز المرجعيات السياسية المحافظة، بل المتخلفة عن مطالب المجتمع والأمة.. وتجاوزها بالفعل المقاوم الذي يستشرف المستقبل فلسطينيا فحسب، بل عربيا، وعالميا،، ومن هنا نفهم لماذا هذه الحشود العسكرية الامبريالية من أجل هزيمة الوعي المقاوم، لأن انتصار الأمة، هزيمة كونية للغرب الامريكي المتصهين، وبالعكس، فإن وقعت هزيمة الأمة في فلسطين، سيبقيها إلى ما شاء الله على سرير الموت السريري..
أما الحاضنة العربية، بل الحواضن العربية لقوى هذه المقاومة بعيد انتفاضة الحجارة، فقد كانت حواضن عديدة ، ومن الطبيعي أن استحضر علاقة التأثير الإيجابي خلال مشاهداتي، وما سمعت من زملائي عن مظاهر الرعاية، والمساعدة لأبناء فلسطين من الشبيبة التي خرجت فلسطين للالتحاق بالجامعات، ومواصلة تعليمهم، والرجوع الى فلسطين لاستئناف المقاومة على جبهتي: المحتل، و المشروع الاستسلامي " أوسلو"، وهنا يسجل للتاريخ دور كل من النظامين العراقي والليبي السابقين، حيث كنت حينئذ في ليبيا، وشاهدت الاستقبال الأخوي الحميم من طرف القائمين على الجامعات الليبية لكل من قدم من أبناء فلسطين، وكذلك حصل الحال في العراق، كما قال لي زملائي من أساتذة الجامعات العراقية أثناء الحصار الإجرامي على العراق في أواخر التسعينيات..
أما في سورية ، فلعل القاصي، والداني، يعرفان، أن كل مؤسسات التعليم في سورية مفتوحة لاستقبال أبناء الأقطار العربية وفي جميع مراحل التعليم، وفي مختلف التخصصات؛ أما الفلسطيني، فله خصوصيته من جهة المساواة مع إخوته السوريين في الحقوق والواجبات، احرى التعليم، وهذا من المبادئ التي دفع - ويدفع - النظام ثمنها، وكذلك أبناء سورية الشقيقة..
ومن عوامل التأثير العربي على حركات المقاومة في فلسطين، تمثلها لمشروع الانتصارات التي حصلت بتبني الثورة في إيران ونظامها، وقادتها العسكريين للمقاومة العربية في فلسطين، وهو التبني الاستراتيجي الذي تدافع به الثرات عن نفسها في مجالها القريب الذي يزاوج بين الوعي الوطنية، والوعي التحرري، وهو امتداد لاستراتيجية الثورات العربية ابتداء من مصر عبد الناصر، وهواري بومدين، وصدام حسين، ومعمر القذافي - رحمهم الله جميعا - في مساعدتهم لحركات المقاومة ،، فضلا عن الإسناد الحاصل بين حركات المقاومة العربية الاسلامية حاليا وخوض المعركة المصيرية بعد طوفان الأقصى بابعادها في :
# - لبنان في مواجهة الاحتلال الصهيوني..
# - والعراق في مواجهة الاحتلال الأمريكي..
# - واليمن في مواجهة حرب الثماني سنوات، ثم في فلسطين فضلا عن مشاركة النظام العربي في سورية الذي ما زال مصمما على خوض معركة تحرير فلسطين، ولو بالتحالف المبدئي مع قادة حركات المقاومة الفلسطينية التي تقود المشروع التحريري الذي، كانت فلسطين، وستبقى قاعدته على الرغم من أنها محتلة من البحر الى النهر، وكأنها تحقق نبوءة شاعرنا على شواطئ الاطلس العربية في قوله، " و من
الظلم تولد الحريات ".