رغم حالة التفاءل التي أعقبت اتفاق بكين بين الرياض وطهران ومدى تأثيرها الايجابي على ملفات أخرى في المنطقة وخصوصا الملف اليمني الذي يستكمل سنواته العجاف منذ ثورة ٢٠١١م حتى هذه اللحظة مرورا بالمبادرة الخليجية وتنحي الرئيس علي عبدالله صالح بعدها جاء مؤتمر الحوار الوطني وعدة محاولات يمنية للوصول الى اتفاقات سياسية كان من أبرزها اتفاق السلم والشراكة في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م لكن حالة الفراغ الدستوري فرضت نفسها على أرض الواقع وأدت الى تقدم جماعة الحوثي والسيطرة على العاصمة صنعاء ما سمي حينها انقلابا على الشرعية وأدى الى فرار الحكومة الشرعية الى الرياض، وما لبث الأمر حتى أعلنت المملكة العربية السعودية تشكيل تحالف عربي لاستعادة الشرعية في اليمن في ٢٥ مارس ٢٠١٥م، وتواصلت عمليات القتال بين قوات الشرعية وحركة أنصار الله، مما خلف للأسف الشديد عدد من المآسي على اليمن وتفاقم الوضع بفعل الحصار والقصف والقتال المستمر، ثم تقلبت الأزمة في اليمن بين عدة مبادرات ومؤتمرات دولية بدأت من مؤتمر جنيف١ وجنيف٢ ثم اتفاق ستوكهولم في ديسمبر من عام ٢٠١٨م والذي أقر إنهاء القتال في مدينة الحديدة مع انسحاب القوات خارج المدينة واشراف قوات محلية على المدينة والميناء وذلك عبر لجنة تنسيق أممي، مع إيداع جميع إيرادات ميناء الحديدة في البنك المركزي، إلا أن هذا الاتفاق أيضا لم يصمد طويلا، واستمرت المبادرات والمشاورات التي تخرج من بعض العواصم العربية مسقط والكويت وعمان وكلها لم تحقق الهدف المنشود، وفي مارس عام ٢٠٢١م قدمت المبادرة السعودية لوقف اطلاق النار والسماح بإعادة فتح مطار صنعاء وتخفيف الحصار عن ميناء الحديدة للسماح بادخال بعض السلع والبضائع على أن تودع عوائد الميناء في حساب مشترك بالبنك المركزي ثم تبدأ بعدها مشاورات سياسية بين مختلف الأطراف اليمنية، لكن جماعة انصار الله رفضت مبدئيا شروط المبادرة وأعتبرت أن فتح المطار والميناء ثمرة من ثمرات الصمود كما أعلن المجلس السياسي الأعلى للجماعة، وانطلقت الجهود العمانية مجددا بزيارة الوفد العماني الى صنعاء التي وصفها المراقبون أنها فرصة سانحة للسلام في اليمن بعد صراع دام استمر عشر سنوات خلف أزمة انسانية متفاقمة في اليمن الشقيق .
الوساطة العمانية كان ينظر إليها المراقبين بشيء من التفاؤل نظرا لما تحظى به سلطنة عمان من ثقة واحترام من قبل جميع الاطراف باعتبارها كانت نافذة انسانية ورئة كان يتنفس من خلالها أبناء اليمن طوال السنوات الماضية، كما قامت بأدوار انسانية جليلة خلال هذه الأزمة، لكن يبدو أن تزمت الخطاب السياسي اليمني وتعقيدات المشهد السياسي ربما ينسف كل الجهود المبذولة من اجل السلام، والعالم ما زال يترقب حتى اللحظة ما ستسفر عنه هذه الوساطة العمانية التي ارتكزت على وقف شامل لاطلاق النار في اليمن وهدنة مازالت صامدة بمتابعة عمانية مستمرة لكن للاسف الشديد حتى الان لم يحدث شيء على أرض الواقع فلا العملية الانسانية مضت قدما للأمام لتخفيف المعاناة عن أبناء الشعب اليمني ولا الوساطة وصلت الى نقطة التوافق للبناء عليها، وللاسف يبرز في المشهد اليمني خطابا سياسيا متزمتا وتعقيدات تمثل العنوان الأبرز في الازمة .
ما رشح عن زيارة الوفد العماني لم يعلن حتى الآن على أمل إيجاد بصيص من الأمل في سبيل إنجاح هذه الوساطة، ومع كلمات الإشادة بالجهود العمانية إلا أن بعض الإشارات الواردة من اليمن غير مطمئنة بعد توارد بعض التصريحات المتزمته بأن ما لم يتم الحصول عليه بالحرب لن يتحقق بالسلام وهو خطاب حاد للاسف يصدر من مختلف الفرقاء في الازمة اليمنية، وهذه المواقف المتزمته قد تعيد الأزمة إلى مربعها الأول، فهل تنجح السلطنة في اختراق هذا الجمود وانهاء الأزمة في اليمن؟
قال تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ صدق الله العظيم، ولا شك أن الواقع اليمني يشكله أكثر من ٣٠ مليون مواطن يمني وعدد من القوى السياسية لا يمكن فيه اقصاء أحد أو تجاهل بقية أطراف المعادلة اليمنية، والظروف الدولية الراهنة كلها تقتضي الانصياع لصوت العقل والحكمة لانهاء هذه المأساة الانسانية التي يعيشها اليمن، وبالتالي فإن تقديم التنازلات اليوم يعتبر تنازلات الشجعان من أجل اليمن وهي تنازلات من موقع قوة إن تمت .
اليوم من هذا المنبر ندعو جميع الاشقاء في اليمن إلى تحكيم الأمانة الوطنية والمسئولية الشرعية والدينية والانسانية لتقديم ما يمكن تقديمه من أجل اليمن لاتمام هذه الجهود وانهاء المأساة التي تعصف باليمن، فلا بد من قبول الاخر وتخفيف حدة الخطاب وتقديم التنازل من أجل الوطن، نرجو عدم افشال هذه الجهود والوساطة بمواقف متزمته، وهذا الشعب الصابر يستحق من نخبه السياسية تخفيف المعاناة عنه وتحسين ظروفه المعيشية وهذا لن يحدث الا بإدراك هذه المسئولية التي تضعكم أمام الله والوطن والشعب، لذا نأمل اغتنام فرص السلام التي قد لا تتكرر .
خميس بن عبيد القطيطي كاتب عُماني