عندما قرأت هذا المقال التبريري، بمعنى المدافع عن رؤية العلامة الشيخ الددو حفظه الله، حول ما قاله في تحديده لمصطلح، "ازناكه"، بمعنى إعطائه معنى خارج المعنى المتداول في الأدبيات التاريخية، ومحاولة تغييب السياسي في عشاب التاريخ المغبرة، كما أراده المفسرون للتاريخ خارج حقله الدلالي في البيئة الاجتماعية، وربطه باتجاه قاده تيار المرحوم " جمال ولد حسن " - في مقالة له في مجلة" الوحدة " في بداية تسعينيات القرن الماضي، ايام كان رحمه الله مقيما في المغرب..
ويأتي ذلك لتعزيز هذا التيار السياسي العرقي، المتبني للأمازيغية، كهوية سياسية، لها امتداداتها الانفصالية في كل من الجزائر، والمغرب، وتونس، و منذ " الربيع الدموي الامريكي" المساند للاسلام السياسي، ارتفعت أصوات في الجبل الغربي في ليبيا مطالبة بالاعتراف بنزعتها العرقية..
ويأتي توظيف النزعة انفصاليا في الاقطار العربية المذكورة لصالح نخبة ضجت بالمضايقات التي قادها لأول مرة "حزب الاستقلال" في المغرب بين أعضائه في مكتب المغرب العربي في مصر قبل استقلال اقطار المغرب العربي، حيث كان للمرحوم " علال الفاسي "موقف مناهض لقائد ثورة الشمال المغربي المجاهد العظيم عبد الكريم الخطابي رحمه الله تعالى..
وكانت مصر الثورة إلى جانب عبد الكريم الخطابي، ولم ينل الصراع العرقي من توجه حركات التحرير المغاربية، الا بعد ذلك، حين حصلت احداث في الجزائر بعد الاستقلال تم تفسيرها في قراءات معينة على أساس الصراع العرقي...
واستندت النزعة الى العرقية الفئوية في المجتمعات العامة في الاقطار المذكورة، وهي ومحاولة اغرائية من جهات عديدة لإيجاد دعاة للرؤى السياسية التي أسست لها فرنسا فريقا أكاديما، وفتحت لها قسما لتعليم لغتها، كمدخل ثقافي..!
وهل كان " السيد محمد الحافظ الغابد" في حاجة إلى تأصيل رؤية العلامة الشيخ الددو، أو توظيفها سياسيا، ليبحث، ويدور، ثم يدور في مربعه، ومن ثم فضل على التبصر، العمى، ليتفل - خارج التفسير اللغوي للشيخ الددو - في الحيز السياسي الذي تجاوز ابعاده الضيقة عن طريق استعراض معلومات متداولة عن علم الانساب، وشرعنة تفسير التاريخ، لاستنطاقه بالجديد من عنده، و أن الذي جاء فيه "شرعة ومنهاجا عقديا" بما يعزز في تقديره الانتماء "الهو - هوية " - الهوية المكبوتة في منطقة الليدو حسب التفسير في علم النفس الاستبطاني - للفئوية في مجتمعنا الحالي، الذي لا يحتاج إلى مزيد من التوترات الأولية للتفكك الاجتماعي على أساس غياب العدالة الاجتماعية، وانضاف اليها الاستظلال الرمادي بمخارج لا تمت بصلة الى معطيات الصحوة في رسالة الاسلام التي عززت العلاقة بين العرب، وصنهاجة فيما كان آخر بطونها " ازناكة" في الجنوب - على رأي ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي - ؟!
وهل كان على الزميل، أن يوغل في التبرير للرجوع إلى مصادره التاريخية، فاستعرض دون ان يربط بين علاقة موضوعه بمعارفه عن منهج الاسناد في علم الترجيح، ليوصل ب"ذيله" - إن كان في الهند، وباكستان، أم في السعودية، واليمن - حبل الوصال لدعوته للرأي العام الوطني لتتبعه على شواطئ الاطلس لا لاحياء علم الاسناد بل لاستناطقه للعرقية، وكأنها ليست من الدعوات التي نهى عنها رسول الاسلام صلوات الله وسلامه عليه.؟!
وإذا كان فينا من هو مولع بعلم الاخبار، فلم يكون انتقائيا في مقاصده من هذا العلم الذي أضافه الزميل إلى علم التوحيد، ولم يتطرق لأصول صنهاجة، وهجرات بطونها من بلاد العرب قبل عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، بينما كان آخرها جراء " سيل عرم " قبل الميلاد بستمائة سنة؟
و لماذا لم يملأ زميلنا ذاكرة قرائه بالهجرات العربية لتعزيز الفتوحات الاسلامية، وقد وصلت إلى مائتي الف في القرون الثلاثة، أو الابعة الأولى للهجرة - على رأي " غوته" في كتابه "ماضي شمال افريقيا"؟!
وما اسباب التقصير عن ذكر دور هجرة قبائل "لمتونة" من اليمن إلى بلادنا على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه - على رأي ابن الأثير - ، ومن بعدهم، هاجر بنو حسان - من الوجه القبلي لمصر - إلى بلادنا على عهد الموحدين الذين حاولوا ان يدفعوا عن دولة الموحدين المصمودية الخطر المهدد لها من إمارة" المرابطون" في الجنوب؟!
ثم ألم تكن ذاكرة الاستاذ محمد الحافظ الغابد، مليئة بالتفسيرات التي قرأ بها الفرنسيون الحرب المسماة ب" حرب شرببة"، وكونها حربا قامت على أساس عرقي - حسب تفسير احد أساتذة التاريخ في جامعة نواكشوط الذي، قدم اطروحته في السلك الأول للدكتوراه في احدى جامعات جمهورية مصر العربية -؟!
وفي الأخير:
لماذا لم نستفد من قوله صلى الله عليه وسلم : " العروبة اللسان " وهذا يؤكد ضرورة فهمها على أنها ليست انتماء عرقيا،؟ وهل التحفظ على العرقية لا يعد مناهضا للعروبة في قوله( ص): "سلمان منا اهل البيت". ؟!
ثم لم يقتصر التأثر بفكر فرنسا السياسي على جوانبه السلبية، والابتعاد عن الإيجابي منها، كحظره لدراسة التاريخ الفرنسي في فترة الحروب التي دارت في فرنسا على أساس الطوائف، والمذاهب المسيحية، وذلك حفاظا على الوحدة الاجتماعية، والدينية، والسياسية..؟!