إن موضوع المقال، يتعلق بزوبعة صيفية التي، كانت حرارتها مرتفعة بالكاد في محاولة - للإلهاء على رأي الزميل شيخنا ولد احمد سلطان - لتجازت المسافات، وذلك لوصل حلقة، ستبقى مفرغة - حتى تجد قراءة واعية للتاريخ، ولو انتقائية - بين الحاضر، وهوامش جزئية في التاريخ، لتسقطها بمثالبها فيما اثارته المساجلات، والتداعيات التي تركتها في وسائل التواصل الاجتماعي في مجتمعنا الذي يحمل قيم الحاضر في وحدتيه الاجتماعية، والسياسية ، ولن يؤثر عليه " السارد" ،" الواعظ"، لأن إشارات الانتقال الاجتماعي، أكثر فاعلية للتطور من العودة الى " قمقم" التخلف" ، ومظاهره في التفكك الاجتماعي، لأن النهوض بملامحه الكاشفة عن عوامل - لا يخفيها الغبار، ولا حتى" الجلاجل " - في التطور، والنمو الاجتماعي، والثقافي، وهي أقوى من التأثير عليها بالمطالبات غير المبررة للنظر الى الوراء، لأن توظيف انتشار التواصل الاعلامي، غير مؤثر لتحجيم قيم الحاضر، أحرى استبدالها بمخلفات الماضي المندرسة..!
و لعنا مطالبين بتجاوز "مرض التاريخ" حسب "نيتشه "، وهو من أهم الفلاسفة الذين اقرؤ لهم، وادعو للقراءة له.
ويتعين علينا تعريف موضوع تلك المساجلات العقيمة ب"مرض التاريخ "، وذلك دفع الفيلسوف الى الدعوة للإبتعاد عن النظر في السلب من التاريخ، لأن " الإفراط في التاريخ، يضر بالحياة، وبالحاضر"، فهلا يحق لنا الدعوة الى تبني هذا التصور، ومبررات هذا الحكم على المساجلات من غير المتخصصين في التاريخ، وعن احياء أصول الأعراق الاجتماعية في مجتمعنا، التي صهرتها وحدات اجتماعية، وثقافية، وتاريخية، سيما أن تلك الدعايات لاستبعاث "العرقية" في التاريخ، لا تغني من شيء عن المعرفة بالتاريخ بصفته وقائع ماضية، وبالتاريخ بالمعنى المعرفي للوقائع، ولا هي كاشفة عن الحقيقة التاريخية بالمعنى المعرفي للآعراف، والقيم، والأداب، او بالمعنى السردي للحوادث التاريخية..؟!
وليس ذلك صدا عن المعرفة بالتاريخ لأن غيابها، هو الذي دفع الى تبني المعرفة اللاتاريخية هذه في المساجلات العقيمة..
لذلك فالحاجة ماسة للكتابات الجادة في " اشكال التاريخ الثلاثة: الأثري، والعاداتي، والنقدي" - حسب تصنيف نيتشه -
وهذه الأشكال الثلاثة، تدعو المهتمين، لتقديم التاريخ للنشء في المجتمع الموريتاني،وذلك لتمثل
١ - " سير الرجال الاقوياء من اجل دعمهم بأمثلة نموذجية من الماضي".
٢- " تاريخ يعتمد تحليلا للأصول".
٣ - " تاريخ نقدي، سيحكم على الماضي ، ويحاكمه مقترحا قيما جديدة ".
ولم يكن هناك اهتمام بالاشكال اعلاه في النبرة العاطفة الدينية بالمندثر من التاريخ، وما يحيل بصلة ما الى هذه الأطر المذكورة اعلاه، لأن مواضيعها تحول دون النبش في الحفر المردومة على المنسي في التاريخ الاجتماعي في المخيال الفئوي - وليس الجماعي العام - الذي قصت قوادمه مع جناحي خياله، لذلك لا يستطيع التحليق في أفق الحاضر، أحرى الطواف في الأقاصي بحثا عن ربوع الماضي، وقد درست معالمه..
ولا يعني ذلك تجاهلا بما كان يوما في الماضي، إذ حملت كتب" الجغرافيين العرب "خلال الوصف الذي قدم ابن حوقل - في القرن الرابع الهجري/ التاسع الميلادي في كتابه " صورة الأرض" - مشاهد من البناء الاجتماعي للمجتمع الحضري في مدينة " أوداغشت ".
وقد عرف تعايشا حضريا، وتفاعلا داخليا، كما مع المجتمعات الخارجية من حوله جنوبا، وشرقا، وغربا في الاسواق المشتركة في المدينة وتبادل الانتاج الزراعي مع جودته في عدة عينات ذكرها المؤرخ، كالقمح، والحنطة، والشعير وغيرها من الحبوب، الامر الذي اظهر معالم النمو الحضري، وبناء علاقات تجارية مع الخارج، ساعدت على ارتفاع سعر " المثقال" ، كعملة مرغوبة لجودتها، وشيوع قيمتها الذهبية، حتى في أسواق القيروان، وبغداد على طول المسافة بينهما..
وكذلك وحدة الثقافة، والمعتقد المشترك، ومن مظاهر التدين كثرة المساجد لتعليم القرآن الكريم للنشء..
كما تطور العمران في وحدة المباني ذات الدورين..
و رغم الوصف الخارجي للوحدة الحضرية، فقد ركز ابن حوقل على الصراع الاجتماعي الحاد بين العرب، والبربر، ولعل ذلك الصراع حال دون التطور في التاريخ - على عكس الرؤية الماركسية للصراع الاجتماعي - الى غاية القرن الخامس الهجري، حيث جاء المرابطون بمشروع النهضة العربية الأولى، ورسخوادعائم مشروعها بنظام سياسي وحدوي، بدعوة دينية اصلاحية، لا علاقة لها بالانتماءات العرقية الضيقة - التي نبش عنها" الواعظ" اليوم - الأمر الذي مهد لوحدة اجتماعية شكلت البناء الاجتماعي الذي قعد له النظام السياسي أبو بكر الحضرمي في كتابه " الإشارة في تدبير الإمارة"..
والسؤال المتعلق بالوحدة الاجتماعية التي اختفت فيها معالم ذلك العرقي، هو ماهي الابعاد الفكرية للتصور النظري للنظام السياسي الذي، هو من جهة تنظير لتشكيل البناء المجتمعي الذي أسسه نظام حكم "المرابطون" في إمارتهم الجنوبية؟
(يتبع)