في مقال الكاتب( م. محفوظ) المنشور في موقع " اقلام حرة " بالأمس في اليوم ال ( ٢٩/ ٠٥ /٢٠٢٣م) .
استئناف لموقف سياسي دعائي، يتوسع، ويتبدد بحكم نجاح اردوغان في الانتخابات، اكثر منه قراءة للأحداث التاريخية، والمواقف الموضوعية من الوقائع الحالية..!
ولعل خلفية هذه الكتابات، انها توضح إلى أي حد، كان معظم كتابنا سياسويين، دون توظيف للرتوش الثقافية، وعلى العكس من ذلك، تلك الكتابات الرافدة للثقافة، والواعية سياسيا في الاقطار العربية، والمغاربية الأخرى، وعلى وجه الخصوص في كل من المغرب، والجزائر، وتونس..
بينما نجد معظم كتابنا من هذا اللون - في كتاباتهم في المواقع الالكترونية - لا تعبر عن ثقافتهم الواضحة في حجاجهم، لأنهم اجدبوها - هل لأنهم يكتبون في فصل الصيف ؟ ربما - من خصوبة الثقافة، والإطلالة على شعبها الزاهية، كما في التاريخ الذي استحضره الموضوع الذي تمت الإشارة اليه، دون أن يهتم الزميل المحترم بما للتاريخ من حضور في الموضوع، سيما في علاقة الأمة العربية التي وقع عليها "الاستدبار"، والانحطاط الحضاري، والتخلف الاجتماعي، والثقافي، والتفكيك جراء؛ تحكم القومية التركية تارة باسم النظام السني على عهد السلاجقة، لمائتي سنة، وطورا باسم الخلافة العثمانية لمدة خمسين واربعمائية سنة ..
وليكن للمحتلين الاتراك على العهدين: باسم المذهب السني، والعثماني المتشح بسيفه المسلط على رقاب احرار العرب في ميادين التحرير العامة، كما في دمشق على سبيل المثال، وهو السيف الذي لم تخفيه، ولم تغيبه في فرض سياستها، وهذا يوضح تاريخية الرفض العربي للاحتلال التركي منذ قيام ما يسمى بالخلافة، باستعارة بردة الخلافة النبوية من أمكانها في مقدسات الأمة العربية الاسلامية..
إنه، مجال للتعبير عن استهدافهما - النظامين السلوقي والعثماني - للعرب، وهم اصحاب المشروع الثقافي للنهضة العربية الاسلامية منذ البعثة المحمدية إلى سقوط الدولة العباسية في (١٢٥٢م).
ولعل الكاتب تغافل عن معرفة، وربما بسبب الانحياز، وتأثير الخطاب الدعائي لنظام العثمانية الجديدة.. على تقديم الاسباب التاريخية للثورة العربية الكبرى في سنة ١٩١٦م.على النظام التركي في مرحلة ما بعد " الرجل المريض"، عهد مصطفى اتاتورك جراء الهزائم العسكرية التي توالت على نظام سابقيه منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي..
وقد ارتدت تلك الهزائم سلبا على علاقته بالمجتمعات العربية الواقعة تحت الاحتلال التركي، ونظامه الخلاف المقيت..
ولو اعترض الزميل (م.محفوظ ) على استخدامنا للاحتلال التركي، وان المصطلح متأخر على تلك المرحلة السابقة عليه، غير أن مضمون الاحتلال قائم منذ الإسكندر المقدوني؛ والساسانيين في إيران،..
ومضمون الاحتلال عبرت عنه سياسة" الباب العالي" التي حرمت العرب من أن يكون منهم محافظ لمدينة عربية واحدة على طول فترة الاحتلال التركي لسورية، وفلسطين، ومصر، والعراق؛ وليبيا، وتونس، والجزائر..
او حتى، أن يحظى عسكري من أصول عربية بنياشين، مهما استبسل في الحروب التركية التوسعية، بحيث تمكنه من الحصول على رتبة ضابط، و هذا فضلا عن سلب الخيرات، وارتفاع الجبايات في القرن التاسع عشر، وسياسة التفرقة، والوقوف خلف الحروب الدينية بين المسلمين، والمسيحيين في سورية، ولبنان، وفلسطين، والأردن.. الأمر الذي سبب الهجرات العربية إلى امريكتين: الجنوبية، والشمالية ..!
لهذا، فمبررات الثورة العربية، كانت موضوعية الى هذا الحد، واختزالها في التواصل مع العميل الانجليزي" ماكماهون" ، "لورانس العرب"، يدل على تجاهل - او جهل لا نتوقعه من الكاتب - لقيام، ومن ثم لتاريخ الثورات التي تعبر دائما عن احتقان داخلي، وتراكم للتذمر من الظلم الاجتماعي، والسياسي،، ومن تجمع عناصر وطنية، او قومية تستجيب لمطالب الأمة العامة، وليست خاصة على الأقل لانطلاق الشرارة الأولى للثورات..
اما كون الثورة العربية الكبرى، فشلت في توحيد العرب، فقد تدخلت عوامل اخرى بعد ذلك، لم تكن قائمة حينها، وهذا لا يبرر وجودها، وتغلبها على العرب فيما لاحقا، غير ان الموقف عند هذه النقطة، هي من جهة التشفي في العرب، يا اتباع أردوغان من ابناء الأمة العربية،،،
ليقول للسذج من اصحاب الوعي الاسلامي الأممي أن الثورة العربية على النفوذ التركي، لم يكن مبررا، ولكن على أي أساس: اجتماعي، وثقافي، وقومي، وتاريخي.؟!
ومن الأمثلة على فشل الثورات في التاريخ الحديث، كالذي حصل مع الثورة في فرنسا بعد تجربتها الاشتراكية خلال ستة اشهر؛ حيث تجمعت عليها الجيوش الأوروبية، وقضت على نظام الثورة الفرنسية لأن تجربتها، كانت ستقضي على الملكيات : الالمانية، والهولندية، والانجيزية..
ولنا مثال عربي سيبقى يؤرخ للاستقلال العربي، وللحداثة، و لمشروع النهضة العربية، كالثورة العربية في مصر في ١٩٥٢م. التي نجحت لمدة ١٨ عاما، وافشل مشروعها التحرري، والنهضوي كلا من:
١ - نظام حكم السادات، ومشروعه الاستسلامي..
٢ - والاحتلال الصهيوني، الذي يمثل القاعدة المتقدمة للامبريالية الأوروبية..
٣ - والامبريالية الامريكية...
٤ - والانظمة العميلة في الوطن العربي..
فهل من الموضوعية تقييم الثورة، ومسيرتها المظفرة بقيادة حركات التحرر العربي، والافريقي، وهي صاحبة التجربة الوحدوية بين مصر وسورية، والتي رأت في الوحدة هدفا، أسمى من أن يفرض بقوة السلاح، وإنما يجب الاستجابة له حين، يصل مرحلة الضرورة بتعاظم الوعي الجمعي المطالب بالوحدة..
اما بخصوص موقف القوميين من نظام حكم الزعيم التركي اردوغان، المطالب، هو الآخر مجددا باستعادة العثمانية في دعوة آثمة، يقودها مستندا الى نفوذ احزاب الاسلام السياسي في اقطار الوطن العربي من اصحاب الوعي الأممي،،، لأن زعيمهم أردوغان، يجاهر باحياء المشروع النهضوي التركي على حساب مشروع النهضة العربية، والدولة العربية الواجدة،، وقد شرع في احتلال أجزاء من القطربن العربين: العراق، وسورية،، !
والسؤال الذي يرد في هذا المجال، هو : لماذا تجنب الكاتب ( م. محفوظ)، هذه الأبعاد التوسعية للمشروع الأردوغاني، وحاول التعمية عليها بالتعليق على العداوة بين نظامي اردوغان، وبشار الأسد، دون ان يتطرق الى احتلال اجزاء من سورية ؟!
ثم ألا يعكس هذا الموقف المتواطئ للكاتب على احتلال الاتراك لأرض العرب مهما كان النظام الذي، يحكم هذا النظام ، أو ذاك، مدى تغلغل الدعاية التركية، وتبنيها لاسباب مداهنة، اكثر منها وعيا ناضجا لتقييم الاحداث الحالية..؟!
ولعل ذلك، لا يختلف عن تجاهل الكاتب للحقائق الموضوعية، الثقافية، والجغرافية، و التاريخية تفرض استقلال العرب،، ومنها الاسباب الداخلية في تركيا، ذلك أن ثورة الاتراك على النظام في تركيا، كان في العشرية الأولى من القرن العشرين، وسبقت قيام الثورة العربية الكبرى في ١٩١٦م. إذ أن الثورة العربية الكبرى ، كانت على عهد مصطفى اتاتورك الذي أسقط عرش السلطان عبد الحميد..!
ومن الاسباب التي يتعلل بها المنطق الأردوغاني، ورهطه من الأشياع المتحزبين، للا مشروعية خروج العرب في نظري قائدهم، على الاحتلال التركي، مهما كان نظام الحكم اسلاميا، او علمانيا، وهي لا تختلف في شيء عن نظرته الحالية للأكراد،،!
وهذا وعي احتلالي، يوازي الاحتلال الصهيوني، ولعله من المواقف المشتركة التي وطدت العلاقة بين الكيانين: الصهيوني، والتركي في عدم اعترافهما بالأمة العربية، وباحتلال أجزاء من اوطانها..!
ولا غرو أن قامت علاقة بين الكيانين الاحتلاليين التركي، والصهيوني على حساب المعتقد الديني للاتراك الذي كرر الإشارة اليه الكاتب، وللوجود العربي في وطنهم من الوطن العربي..!
واخيرا - وليس آخرا - :
هل سيتحفنا الكاتب المحترم (م. محفوظ) بما لا يعرفه القراء عن تاريخ تركيا، وعلاقات الصدام الحضاري معها حاليا، وكذلك مبررات دفاعه غير المبرر، عن مشروع الأمة التركية على حساب وعي الكاتب العروبي السابق ؟!