ما هو المشترك بين الوحدة العربية المطلوبة في ادبياتنا، وفي الاستجابة لمطالب المواطن العربي، وفي مواجهة التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء،،،
وبين الأتحاد الأوروبي القائم الآن وهو في عمره الستيني(٦٠ سنة) على الإجراءات التنفيذية لمطالب الرأسمال المتوحش، الباحث عن مصارد الثروات الخارجية، والتحكم في مصائر الشعوب بالتبعية في شتى المجالات، ولو الى حين؟
لعل كثيرا من الوحدويين العرب شبابا، وشيبا، صاروا يقدمون التجارب الناقصة هاته، كالتحاد الأوروبي في الظرفية التاريخية التي تباعدت فيها الآمال العربية من إقامة الوحدة بعد ان كانت قاب قوسين من الانجاز، لذلك نقرؤ في المقالات المعدة للمناسبات، وكذلك في الدراسات الناقصة الإشارة الى الاتحاد الأوروبي بقصد تعزيز خيار الوحدة العربية الموعودة، وتارة لتفعيل مؤسسات الجامعة العربية، و ذلك بوعي، او بدونه، غير انه من عوامل تنفير المواطن العربي الذي أدركت طلائعه الثورية، البون الشاسع بين مشروع التحرر العربي، وبين المشروع الأوروبي المساعد على استعادة نهج الاستعمار الغربي في القرن التاسع عشر ، ولو بمظهر التفاعل المخادع بين الأمم لجلب المصالح المشتركة، ومن هنا تغلبت النوايا الطيبة لبعضنا من اجل التقريب، والترغيب لأي نموذج يعزز الإيمان بضرورة الوعي بقيمة الوحدة العربية. ومشروعها النهضوي للأمة، وربما حصل العكس، كالنفور من دولة الوحدة العربية بهذه الدعاية غير الموفقة لاستمالة المواطن العربي بمظاهر التقدم الاوروبي القائم، لا على أسس الاتحاد بين الأمم الأوروبية الحالي، لأنه حديث العهد، ولعل في مثل هذه التوعية ترويجا للاستلاب الثقافي، وتزييفا للوعي بتقديم هذا النموذج غير القابل للاستمرار، و وغير واضح الأسس الفكرية للاستفادة منه، لتكون قابلة للتصدير خارج أوروبا، وبالتالي فعدم ادراك مكونات الاتحاد، ربما اعمتنا عن تتبع تاريخه القصير، وما عانت منه المجتمعات الغربية التي لم تفهم ، هي الأخرى خططه، ورؤاه التفقيرية للمواطن الأوربي في مقابل اغناء الاثرياء باعتباره مشروعا امبرياليا تقوده العولمة داخليا، كما توجهه للخارج، كذلك..!
وهل العولمة، يمكن أن نكون ضدها، وفي ذات الوقت، نستدعي انجازاتها - في الأتحاد الأوروبي - لاصحابها على حسابنا، وحساب البشرية جمعاء؟!
لأنها مشروع امبريالي، يصادر الثقافات، والهويات الوطنية، والقومية، ويدمر الوعي، إنه مشروع، لفرض الخضوع، الاستسلام منذ قيام، و قبل استكماله بالعملة الموحدة منذ ٢٠ سنة، وهو يستنزف الاقتصادات العربية، وثروات الشعوب الأخرى، من الطبيعية، إلى البشرية في شكل حروب، و هجرات دولية، نظرا لإفقارها جراء النهب المنظم للشركات العابرة للقارات، والمجتمعات، وتفاقمت المشاكل على الافراد، والمجتمعات القروية بعد أن ألغيت الحدود بين القوى النهابة، والأمم الضعيفة المستنزفة مصادر ثرواتها الطبيعية، وكذلك السيطرة على الاسواق التي تستقبل، تستورد، ولا تنتج، وبالنتيجة لا، تصدر.. !
فالاتحاد الأوروبي، رغم تطور مؤسساته من وحدة انتاج الطاقة، وتوحيد الرسوم الجمركية إلى الغائها، وبناء البنيات التحتية للدول المتخلفة، واسعاف الاقتصادات الأوروبية الضعيفة، كاسبانيا، والبرتغال، واليونان، ومن ثم الاستثمار في بناء البنيات التحية لدول أوروبا الشرقية، باستثمارات المصرف الأوروبي..
لكن الاستثمار، ووحدة العملة على أساس الدخل المرتفع للدول ذات الاقتصادات القوية،، كان، ولا زال مصدرا لتدمير الاقتصادات الضعيفة، لذلك عجز المستهلك الأوروبي عن شراء البضائع المسعرة بالأورو.
ومن المعلوم، أن توحيد السوق العالمي تم في سبعينيات القرن الماضي بعد حرب أكتوبر سنة ١٩٧٣م. حيث كان رد الفعل على الازمة في الطاقة، أن تمت مواجهتها بتوحيد السوق العالمي، والاختلاف القائم في تباين الدخل القومي، المنعكس في أسعار البضائع بين الصين وامريكا، للتحكم في قيمة العملات بتخفيضها المتعمد، وتارة تقوم الدول ذات الثروات الطبيعية، أو ذات المشاريع التنموية الوطنية بدعم البضائع، لتخفيض الأسعار على المستهلكين..
وهذه السياسة غير متبعة في دول الاتحاد، لأنها محكومة بخطط لا تعبر عن المستوى الذي يوضح تراكم الأرباح لدى المستثمرين، جنبا إلى جنب مع تفاقم المشاكل لدى الأوروبيين الذين، وفرت لهم الدول المداخيل التأمينية، فكفلت لهم الحقوق المدنية، كالاسكان، والصحة، والضمان الاجتماعي، والتعليم على حساب دولة الأمة قبل إقامة الاتحاد ، الأمر الذي يشير الى أن مصلحة المواطن الأوروبي، لا ترتبط بإقامة الاتحاد، او تفكيكه..
اما مؤسسات الاتحاد الأتحاد، فهي تعكس مظاهر التشريع في المجتمعات الأوروبية،، فالبرلمان الأوروبي، يوازي البرلمانات في الدول القائمة، وهي برلمانات تجمع المنتخبين من الاحزاب: الليبراليين، والاشتراكيين الماركسيين، والديمقراطيين الاشتراكيين - كمركب من الليبرالية والاشتراكية - والأخير، تحكم احزابه في الدول الاسكندنافية، ومن مظاهر الوعي السياسي، احزاب الوسط من اليمن، والوسط من اليسار، واليمين المتطرف، واحزاب البيئة التي تضم الفلاحين، واحزاب الخضر. واحزاب المسيحيبن الديمقراطيين، كالحزب الألماني الذي حكم ألمانيا لفترة طويلة قبل سقوطه مؤخرا..
وهذه الاحزاب تقودها نخب الطبقات الثلاث: العاملة، و المتوسطة، والبروجوازية، وهي تتبادل الحكم، وتشارك فيه تحت قبب البرلمانات، كما تشارك في التشريع في حدوده الدنيا، بمعنى الإشارة الى الخلل في التشريع للصالح العام، ولا يخضع نظام الحكم إلى مطالب ممثلي الشعب في البرلمان، بقدر خضوعه لسياسة الامبريالية الأمريكية في الوقت الذي يروج الاعلام، ودعاية الاحزاب. أن لا سلطة تعلو على السلطة الصورية للشعوب الأوروبية ، ومن الحقائق المعترف بها، أن التشريع في قانون العمل محكوم بمراعاة مصالح أرباب العمل، والدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية للمواطن، وتشرع في كل موسم في البرلمان الذي يعكس تعايش ممثلي طبقات المجتمع الثلاث : الاثرياء - أصحاب المصانع، والمصارف، والانتاج الصناعي، والزراعي - والطبقة العاملة، ورغم تعلمها، وارتفاع دخل الفرد لدى افرادها، فتبقى الفوارق قائمة، ومؤلمة بينها، وبين كل من الطبقتين المتوسطة، والبروجوازية في المراكز الحضرية الكبيرة والمتوسطة، والصغيرة، كما تستثمر في الضيعات الزراعية..
وما يميز المجتمعات الاوروبية، هو الاستقرار في بنائها الاجتماعي، ونظمها التي جعلت الدولة بمثابة ولي أمر للفرد مهما كان عمره، صغيرا، او كبيرا، وهي عملت على تشكيل وعيه، وولائه لوسائل الضبط العام، فالوعي مقنن، والعلاقات الاجتماعية مقننة، ومؤسسات المجتمع وظيفية، كالأسرة التي اقتصر دورها على الانجاب البيولوجي.
أما التربية، فمذ فترة الرعاية في بداية السنة الثالثة للطفل، و طيلة فترة اهلية الوجوب ، فالتكاليف المادية، والتعليمة، والصحية على حساب الدولة، وتتوسط الأسرة بين الفرد والدولة، كمأجور على رعاية ابنائها، حتى يصل النشء الى اهلية الأداء في ١٨ سنة، بعدها تنقطع علاقة الفرد بأسرته قانونيا، ويتم الانفصال في السكن، وينخرط في مؤسسات الدولة، ان في الجيش الالزامي، او العمل، او التعليم..
والسؤال الذي نطرحه للتوضيح للقارئ، هو: ما علاقة نموذج الاتحاد الأوروبي، بالوحدة العربية؟
لعل الجواب الضمني من توضيح، مظاهر الوعي السياسي، والمعيشي، وابنية المجتمعات في الأمم الأوروبية، وتجمع حكوماتها لوحدة مهلهلة لجني المصالح في المجالين: الداخلي، والخارجي، اما الداخلي، فهو ليسطرة الاقتصادات الكبيرة على الاقتصادات الضعيفة داخل الاتحاد، وكل تدمير لاقتصادات المجتمعات، كما حصل في اليونان، والبرتغال، واسبانيا، وايطاليا، الأمر الذي يفسر للقارئ تكرار تدخل قادة الدول الأوروبية، لتقديم اموال، في شكل قروض، وذلك لتأجيل الانفجارات الاجتماعية جراء الأزمات المتراكمة، وان تباعدت الأزمنة بينها في حدود فترة الاقتراض، وبداية الدفع حينئذ، تبدأ الاحتجاجات الاجتماعية، وذلك تعبيرا عن تفاقم المشاكل، ويتم اعادة جدولة المديونيات مرة اخرى بتقديم قروض اخرى في مقابل دفع الأولى..
اما المصالح الخارجية، فهي مرتبطة بمشروع امبريالي، للهيمنة، والاستحواذ على اقتصادات الشعوب،،
لذلك فعلينا ان نستوعب ما يلي:
ان المواطن الأوروبي، مطالبه، مختلفة عدا الضروريات بحكم تحكم الوعي التجاري بشركات الدعاية عن المواطن العربي الذي يسعى للحصول على الضروريات، وكذلك أبنية المجتمعات وأنظمتها العربية، لازالت تتشكل في المجتمعين القروي، والحضري على حد سواء .
ومؤسسات الاتحاد الأوروبي، ليست، الا نموذجا مؤقتا، ولا تعتمد على أسس قابلة للاستمرار، وانما هي خاضعة لمراعاة المصالح الآنية، للفلسفة النفعية _ البراغماتية _ وبالتالي الاتحاد معرض للتفكك. والاسباب راجعة الى عدم الاشتراك في وحدة الغايات، و اللغات، والثقافات، فلكل مجتمع، هو أمة متميزة بتاريخها الخاص عن غيرها من مجتمعات الأمم الأوروبية، ومن المهم النظر الى الاتحاد، باعتباره تتويجا للتقدم الحاصل في المجتمعات، وبالتالي، فهناك اكتفاء حاصل دونه، فلو تفكك، فلن يتضرر منه المواطن، لكن يمكن أن يؤثر سلبا في أرباح المصارف، وشركات الاتصالات، والنقل البري والبحري، وللجوي.
لذلك ظهرت احزاب اليمين، لامتصاص غضب الشارع، وهي تطالب بتفكيك الاتحاد، ونفوذها يتعاظم يوما بعد يوم..
بينما المشروع الوحدوي العربي، يطالب دعاته باستئناف الوحدة التي لها اسس مشتركة ببن مجتمعات الأمة تاريخيا، وجغرافيا، ولغويا، وثقافيا، ودينيا، واجتماعيا، ومصيريا..
فالوحدة مطلب للتحرر، والاستقلال الوطني والقومي، ولبلورة المشروع النهضوي للأمة من أجل إقامة الدولة القومية، كوسيلة للحماية، وللتقدم الاجتماعي في ابعاده الحضارية، ولذلك ف/ساطع الحصري/ رحمه الله وغيره، كتب عن نشاة الفكر السياسي القومي الأوروبي، وتاريخ نشأة الدول القومية، لقيمتهما التاريخية، خلافا لتوحيد الرسوم الجمركية، وسعي الشركات المشرفة على استخراج الطاقة من الفحم، كأساس مهد للاتحاد الأوروبي..
في حين أن الوحدة العربية مطلب لتأسيس الدولة القومية، والانتماء الوطني، والقومي، وحرق المراحل من التخلف إلى التقدم، والدفاع عن مكتسبات الأمة..
وهنا اشير الى ضرورة تقديم مطالب الأمة في تحريرها، والعمل على بناء الانسان العربي، وتوفير العيش الكريم له، قبل تقمص النخب السياسية لمطالب الفئات الاجتماعية نظرا لغياب البناء الاجتماعي القائم على الطبقة المتوسطة، وطبقة العمال، والفلاحين، والطبقة البروجوازية ممثلة في الحركة التجارية في بعض الحواضر العربية الكبرى..
وذلك لتجنب سعي النخب المعلمة الفاسدة من أجل المشاركة في التسيير السياسي بهدف الاستنفاع الشخصي، وليس بهدف الدفاع عن حقوق افراد الفئات الاجتماعية، فالديقراطية مطلب، ولكن يخضع لاسلكية الأولويات، ومنها إقامة نظم مستقلة، والحرر من التبعية، وتشكيل أنظمة المجتمع على أسس حديثة،،وليس القفز على هذه، ببرلمان، يجمع الانتهازيين من طيف قبلي وجهوي، وفئوي، وحزب بهدف الاستنفاع الشخصي..
ولعل البعض، يستحضر دور الاتحاد الأوروبي في تبنيه لقيم الديقراطية، لكن هذه الديقراطية مشروطة، مقيدة ، فهي مطلب للحفاظ على التوازن الداخلي في كل مجتمع اوروبي على حدة، وليست أداة للتحرر، والتقدم بمعنى، لم يكن الهدف منها تحرير المجتمعات الأخرى، وإنما تبعية أنظمة الحكم في الدول للغرب الاستعماري، وذلك لتركين زوايا خطوط التبعية السياسية، و الاقتصادية، والثقافية في ابنية النظم السياسية العربية وغيرها الخاضعة بحكم ولاء" الوكلاء" من قادة الحكم في افريقيا، والوطن العربي..!
بينما مشروع الوحدويين القومي، هو مشروع تحرري، يسعي لمواجهة المحتلين، والتبعية السياسية، والثقافية، والاقتصادية..
والمواطن العربي، يطالب بالعدالة الاجتماعية ضرورة، لأنها توفر له العيش الكريم، واعادة بناء المجتمع وفق تقسيم عمل جديد، أساسه التخطيط المتوازن في الرفع من الطاقة الانتاجية عبر توسيع مجالاتها بالاصلاح الزراعي الذي، لا تقدم لمجتمع عربي بدونه، إذ هو، يمكن من التطور، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبناء المواطن العربي بالتأهيل في مراحل التعليم، وتطور التنمية العلمية، والنظام الصحي..
وتعزيز الهوية باستئناف المشروع الثقافي العربي في مجاليه: التراثي القابل للتفاعل مع الحاضر، والتحديث الذي يستجيب لمطالب نظم المجتمع، وتفعيل دورها، وعصرنة النظام السياسي، وقيادته لها، نحو التحديث، وليس انقياده لها للبقاء عشرات السنين في زوايا التخلف الاجتماعي، وبالتالي السياسي..
ولعل السؤال المهم ، هو: هل مؤسسات البرلمان في اشكالها القائمة في:
موريتانيا،
المغرب،
تونس،
ليبيا،
الأردن،
الجزائر،
مصر،
السودان
لبنان،
سورية،
العراق،
الكويت،
اليمن
جيبوتي،
الصومال
بالإضافة الى تاريخ الاحزاب القبلية، والجهوية، والطائفية، والإثنية..
أكرر، هل يمكن أن تستجيب لمطالب المجتمعات العربية في فرض التحديث، والحقوق المدنية، والسياسية؟
لا، طبعا، لأن ممثلي الاحزاب القبلية، والاعيان، والتنظيمات الاسلامية، والاحزاب الحاكمة، والطائفية، والإثنية، غير مؤهلة بوعيها التجزيئي، وعجزها عن تقديم برامج ذات مطالب عامة، يمكن فرضها على الحكومات تحت قبب البرلمانات العربية، حتى تربط بين عدم الاعتراف بتلك الحكومات، ويين الاستجابة للمطالب المجتمعية، والتفاعل معها في خدمة الوطن والمواطن،، لأن هذا الرهط من النواب، تقتصر مطالبه على ادخال الكهرباء، والماء، وفتح مدرسة اعدادية، وهي مطالب جزئية لمنطقة النائب، وهذا يعبر عن قصور في وعيه السياسي،، كما لا يستند النواب الى حراك سياسي منظم ، له ظهير قائم. يتناسى خلافات في معارضة وطنية ذات قيم مشتركة، للدفاع عن الحق العام، وعن حقوق المواطن المدنية، والسياسية، والحقوقية، والالتزام المسؤول لطرح قضايا الفرد، و حماية مؤسسات المجتمع، و الدفاع المشترك عن الثوابت الوطنية، كوحدة المجتمع العامة، والدفاع عن الحوزة الترابية، والحرص على النظام السياسي الجمهوري على سبيل المثال،،،
وإذا كانت الاحزاب القبلية الموصوفة اعلاه، وهي قاصرة في الوعي، و عاجزة عن طرح مطالب عامة، فلا يتوقع أن يطرح احد اعضائها فكرة، ان لا سلطة للحكومة، أو للرئاسة العليا، تعلو على سلطة الشعب.
وهنا نتساءل، هل يمكن إيجاد نائب بلا ظهير برلماني، سيعرض نفسه للسجن، كما تعرض له/ محمود عباس العقاد/ رحمه الله حين رفع صوته تحت قبة البرلمان المصري في بداية القرن العشرين، بأن " سلطة الشعب فوق سلطة الملك"..؟
.