على خلفية الاجتماع التشاوري العربي بالرياض الذي ضم الى جانب دول مجلس التعاون الخليجي كلا من مصر والاردن والعراق يبدو أن هناك عرقلة لموضوع عودة سوريا الى جامعة الدول العربية وهذه الاعتراضات بددت آمال وتطلعات لم الشمل العربي التي انتهجتها عدد من الدول العربية للتعامل مع الازمة السورية على اعتبار أن ابتعاد الدول العربية عن سوريا وعدم انخراط سوريا في المنظومة العربية هو جزء من الازمة السياسية التي بدأت منذ عام 2011م والتي أدت الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع غالبية الدول العربية وتجميد عضوية سوريا لدى الجامعة العربية بالاضافة الى اصدار عدد من القرارات الاقتصادية للمجلس الاقتصادي العربي ضد سوريا والتي للاسف اسهمت في زيادة الضغط على سوريا واقصاء الدولة السورية عن النطاق العربي وقد أثبتت التجارب العربية السابقة أن الفراغ العربي عن المشهد جزء يمثل بحد ذاته أزمة عربية لذا يتم تعبئة هذا الفراغ من قبل آخرين، لكن سوريا تمكنت من إدارة أزمتها طوال الأثني عشر عاما رغم الجراح والآلام التي عانى منها أبناء الشعب السوري ولا يخفى أن الازمة السورية كانت دولية الطابع حيث تم تصدير الارهاب العابر للحدود وقد تم تبني عدد من الفصائل الارهابية من قبل بعض الدول العربية والاقليمية لتحقيق أجندة دولية خاصة توازيا مع ما سمي بالفوضى الخلاقة، فكان على سوريا أن تواجه كل ذلك الارهاب وتتحمل تكاليف ذلك الحصار الدولي من أجل بقاء الدولة وقد نجحت سوريا من خلال ثالوثها العظيم الشعب والجيش وأركان الدولة في تجاوز تلك الظروف حيث أدرك الشعب السوري أن سقوط الدولة كان يعني سقوط كل أعمدة الأمان والحياة الكريمة لعقود لاحقة فتحلى بالصبر الجميل وهو ما راهن عليه المخلصين والاحرار من أبناء أمتنا العربية حتى تجاوزت سوريا أزمتها في ملحمة من الصمود الأسطوري بالانتصار على قوى الارهاب. ولسنا بحاجة الى التذكير بحجم المليارات التي صرفت لاسقاط الدولة السورية .
المتغيرات العالمية وصعود قوى دولية أكدت ظهور نظام عالمي متعدد الاقطاب بدأت ارهاصاته تظهر على أرض الواقع وكان أحد افرازاته اتفاق بكين بين الرياض وطهران كل هذه التحولات جاءت مع اقتراب الازمة السورية من نهايتها فكان لا بد من عودة سوريا الى الحضن العربي وعودة العرب الى سوريا وهي أهمية تعني النظام العربي في مسايرة هذه التحولات العالمية وتحقيق تقدم سياسي بعودة سوريا الى الحضن العربي مما يسهم في انهاء الأزمة، اليوم تتجدد بوارق الأمل العربية باتجاه دمشق بعد اثني عشر عاما عجافا، فجاءت كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 فبراير الماضي سانحة انسانية لإقامة جسر اغاثي عربي تجاوز الحصار المفروض على سوريا عبر دبلوماسية خاصة تداخل فيها الانساني مع السياسي ليفرز حراكا عربيا نحو سوريا قلب العروبة النابض .
المنظومة العربية في الغالب ترغب في الاضطلاع بدور عربي يبدأ مع عودة سوريا الى مقعدها بالجامعة العربية وحضورها اجتماع القمة العربية القادمة بالرياض 19 من شهر مايو المقبل وهذا يعني احتضان للشعب السوري الذي عانى باستمرار انتظارا لانفراج سياسي مع الاشقاء العرب ومع تقدم العديد من الدول العربية نحو سوريا واستئناف عواصم عربية جديدة علاقات دبلوماسية مع دمشق يأتي اجتماع التشاوري ليبرز مواقف عربية متباينة وذلك رغم التفاؤل باضطلاع الرياض بدور رئيسي في عودة سوريا الى مقعدها من خلال القمة المقبلة لكن التباينات العربية أبرزت أن هناك اصرارا لدى بعض الدول على أن تبقى سوريا خارج السرب من خلال اعاقة هذه المبادرة العربية، ومع التقدم السوري باتجاه دول مجاورة كانت تسمى دول الطوق العربي إلا أنه يبدو أن هذه الدول ما زالت تتحدث عن القرار الاممي 2254 وكذا الحديث عما يسمى بالعملية السياسية والحديث عن عودة آمنة للنازحين السوريين وكأن سوريا تحتاح الى توصيات دولية لمعالجة أوضاعها، مع التأكيد أن سوريا قطعت شوطا في معالجة هذا الملف الهام واستقبلت أعدادا من اولئك النازحين ولا تحتاج لتوجيهات خارجية، لكن الاشقاء العرب المعترضين على عودة سوريا إنما يعرقلون عملية لم الشمل العربي ويسهمون بإطالة أمد الأزمة، وهو ما يتوائم مع رغبات قوى دولية معادية .
المرحلة اللاحقة في هذا التواصل العربي سيكون من خلال انعقاد اجتماع التشاوري في العاصمة الاردنية عمان وهناك توجه بتشكيل مجموعة عربية مشتركة للتواصل مع دمشق، لكن ينبغي التذكير هنا أن عودة سوريا للجامعة العربية لا تعول عليه الدولة السورية كثيرا فهي تتعامل مع اشقاءها العرب بشكل ثنائي كل” حسب قناعاته السياسية ومدى اقترابه من سوريا وهي ترحب بكل الاشقاء العرب .
خميس بن عبيد القطيطي كاتب عُماني