في ذكرى يوم الأرض في ٣٠ من ابريل ١٩٧٦م، في فلسطين المحتلة

جمعة, 2023-03-31 15:33

لعل الحديث  عن احيائنا لهذه الذكرى المجيدة التي نخلدها كل سنة، ويأتي احياؤها في هذا الشهر المبارك، شهر العبادة، والانتصارات العظيمة التي حددت مصير رسالة الاسلام، وتطور النهضة الأولى  للأمة، ابتداء من البعثة المحمدية..

يطلع القارئ على  البشارة في القرآن الكريم من علم "المستقبليات"  الذي أنبأ  الله به  عن الانتصار على  الصهيونية العالمية التي تشبثت  بمعتقداتها  الأساطير ية الدجلية الخرافية في الدعاية المغرضة، كالانتساب  لقوم بني إسرائيل، وانهم الأمتداد التاريخي العابر للاحقاب، والامم معا،،، دون وعي بحقائق التاريخ، وتحولاته التي طوت صفحات الأقوام  الذين  بأدوا، كما باد " عاد قوم لوط" من الذين  ارسل الله اليهم الرسل فكذبوهم...

 

وهؤلاء الأدعائيون المعاصرون ، رفعوا الأساطير  شعارات، لا هي تشريع، ولا اعتقاد من اليهودية المندثرة  بالتحريف بنص قرأني لا يأتيه الباطل،،،ومن أباطيلهم  الي تشير الى نهاية  (وجودهم التاريخي) باحتلال فلسطين، قلب الوطن العربي بمساعدة الامبريالية العالمية، وذلك أن التحكم في فلسطين، هو تحكم في حاضر، ومستقبل الأمة العربية التي يزيد تعددها على الاربعمائة واربعين مليونا، ومن هنا فلا مستقبل للكيان الصهيوني، لأن الحاضر يؤكد انحصار دوره في تركيم التحديات للدفع بوعي الأمة الى بلورة الحركة العربية،والاسلامية لمقاومة الوجود الاستعماري،  والصهيوني الذي يشكل الواجهة التي لا يخطئها هدف واحد من اهداف التحرير العديدة...!

 

ويستطيع القارئ الكريم خلال تعبده لقراءة القرآن في شهر العبادة، أن يطلع على التفاصيل التاريخية للأسباب الأولية للصراع، وتطور الأحداث، والنهايات الحتمية لكيان الصهاينة،  الأمر الذي يلقي علينا  مسؤولية التوعية بالواجب الديني، والوطني، والقومي، فضلا عن  التصديق  العقدي بما أخبر به سبحانه وتعالى في الآيات التالية من سورة الإسراء في الآيات:( ٥ الخامسة،و ٦ السادسة، و٧ السابعة،  و١٠٤ الرابعة بعد المائة )

ففي الآيات المذكورة، ارجع  المولى سبحانه تعالى اسباب الصراع إلى الفساد الذي قام - ويقوم - به بنو اسرائيل مرتين،  حيث في  الفساد الأول، كان سببا لتفكيك كيانهم الاجتماعي، وفصله عن الديني في هذه الآيات، بينما في الفساد  الثاني،  يعتبر في سياق النص القرآني، عاملا لتجميعهم من - وإلى فلسطين في شكل لفيف، مجموعات من شتى المجتمعات المعاصرة التي لم تستطع ، أن تدمجهم في انظمتها الاجتماعية، والثقافية، والعقيدية،  وهو ما يطلق عليه معاصرا " سوء التكيف الاجتماعي" ، وهذا هو سبب تشجيعهم،  وتهجيرهم بمساعدة قادتهم على مخططات التهجير منذ بداية  الحروب الاستعمارية الحديثة في مطلع القرن التاسع عشر، كالتحالف مع " نابليون بونابارت "، لاحتلال فلسطين، ومصر،  وتكوين مستعمرة في الأولى..

 و في الآيات الأولى من "سورة الإسراء "الإشارة الى تحديد  النهاية  للمفسدين في الوعيد من الله تعالى بانتصار  القوم الذين حدد الله اهدافهم بدخول المسجد  في إشارة إلى تحريره منهم " ليسيئوا وجوهكم وليدخل المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا" الآية ٧ .

وفي الحديث الشريف تحديد، تخصيص لمن سيناهض اليهود، وهم القيمون على القدس، و من باكنافها،  جوارها  الجغرافي، والاجتماعي، وعلى اعتبار أن القدس هي مركز فلسطين، لذلك يمكن فهم المعنى، على أساس انه يشمل الوطن العربي كله الذي لا تفصله حدودا طبيعية، ولا تقسمه أمما مختلفة...

 

                                  ٢

 

في ذكرى يوم الأرض في فلسطين المحتلة، وهو يوم 30 من ابريل 1976م. قام عرب فلسطين بواحدة من الهبات الشعبية للتعبير عن مواجهة المحتل الصهيوني، ولم تكن أولى الانتفاضات الجماهيرية لعرب فلسطين،،

ففي قراءتي السابقة لكتاب "ثورة العشرين في القدس وحيفا"، سيجد القارئي تسلسلا  للاحداث خلال مختلف الانتفاضات الشعبية، المدني منها، والمسلح  في كل مدائن، وقرى فلسطين، وهي الانتفاضات التي كانت تربط بين ثورتي ١٩٢٠، وثورة ١٩٣٦م،  ويمكن الرجوع اليها سواء في الكتاب، أم القراءة المنشورة في موقع " موريتانيا ١٣".

ومن حسن حظ الأمة، أن النهضة العربية الحديثة في بعديها الفكري، والتصنيعي انطلقت شراراتها من المراكز الحضارية وخاصة في كل من مدينتي: " حيفا"، و"حلب"، ثم انسعت خريطتها لتشكل باقي المراكز القدس، ودمشق،  وبغداد، وبيروت، والقاهرة، وعمان..

ولذلك كان من الطبيعي أن قامت الثورات الوطنية، والقومية ابتداء من ثورة ١٨٨٢م في مصر، والثورة العربية١٩١٦م. ولم يكن ليحتضن الأخيرة غير المراكز  الحضارية العربية التي تطور الوعي العربي فيها حديثا، ففي كتاب"  أم القرى" لعبد الرحمن الكواكبي، يجد القارئ فيه  بلورة فكرة القومية  لإقامة دولة الأمة، والمبررات لاقامتها،، والغايات المنشودة منها، ومنها اقصاء الدخلاء، سواء اكانوا من العثمانيين" لاستبدادهم"، وتحريفهم لغاية دولة الخلافة التي رفعوا شعارها، دون التمسك بقيم الدين في الدفاع عن الأمة، والحد من الاستبداد التركي خلال " تغلبهم" على حد تعبيره،،

 

ومنذ بداية الاطلاع على نوايا الاحتلال الانجليزي( الانتداب) ومشروعه في تهويد فلسطين، انطلقت الدعوات العربية المناهضة للمشروع الصهيوني، بينما كان على العكس من ذلك سياسة البحث عن مساعدات مالية في مقابل بيع فلسطين لليهود الصهاينة عند " عبد الحميد" في عاصمة الخلافة" الاستانة"، حيث اتفق مع " هيرتزل" -  مؤسس اليهودية  المتصهينة - على المبلغ المالي، ولكن حال دون الاتفاق، أن عبد الحميد أراده نقدا لاستكمال الصفقة، بينما " هيرتزل"، اراد تقديم المبلغ بالتقسيط على مدى عشر سنوات..

لهذا فمن يغالط  العرب بأن العثمانيين، امتنعوا عن بيع الأرض في فلسطين لليهيود، فهو يحتاج الى الرجوع إلى الوثائق التاريخية الصحيحة، كما أن جيش الاتراك انسحب من فلسطين بعد إحدى المعارك في مدينة "غزة". بينما نجد أن فلسطين  أصبحت" تغلو"كالمرجل،  منذ وعد بلفور ١٩١٧م.

وقامت المناهضة للجيش الانجليزي و للهاجرين الصهاينة، واشترك في معارك الشرف اهل المدن، وأهل القرى معا،،كما اشترك فيها هل فلسطين، واخوتهم في لبنان، وسورية، والاردن، ومصر، وخير مثال على ذلك أن عز الدين القسام رحمه الله تعالى من مدينة حلب، واستشهد في جنين، وكما تطوع للحرب آلاف من الشبيبة العربية في مختلف الاقطار العربية، وكان منهم المدنيون، والعسكريون الذين ترك بعضهم الخدمة في الجيوش النظامية، و ذلك للاتحاق بالثوار في فلسطين في حرب ١٩٤٨م. وكمثال على ذلك مجموعة الضباط، وضباط الصف، والجنود،، وكان من الضباط  الذين تطوعوا، وارسلوا لقيادة المعارك  في فلسطين جمال عبد الناصر  رحمه الله تعالى، وهو القائد المعروف في الوثائق الصهيونية بقائد الكتيبة العسكرية المصرية التي قاتلت ببسالة منقطعة النظير طيلة ستة اشهر، حتى أعلن عن الهدنة " الخدعة" من طرف الأمم المتحدة - ولم تستسلم  الكتيبة، ودافعت  عن " الفالوجة" من نواحي القدس..

       

                                 ٣

 

كانت الانتفاضة في يوم ٣٠ من ابريل ١٩٧٦م. هي انتفاضة مليونية بحجم سكان فلسطين التاريخية، الذين يقدمهم الاعلام الصيوني، والعربي المتصهين باسم " عرب ٤٨"، وعلى الرغم من كونها انتفاضة مدنية غير مسلحة، فقد  قمعها الصهاينة بالحديد والنار، واستشهد فيها المدنيون، ولكن دماءهم، كانت ثمنا للنضال المتنامي في فلسطين، وهو يرسم منحنى تصاعديا من قاعدته الشعبية في كل فلسطين، وثوار العرب من خارجها..

وليس هناك  من تخلف بوعيه الوطني، او القومي، حتى يشكل  انحرافا عن خط الثورة، حتى تحرير فلسطين من البحر،  ومدنه إلى النهر حيث مدائن الفضة الغربية..

 

ولكن ذلك لا يغيب الحقائق المؤسفة عن دور الخونة الذين قادوا المشروع التسووي، الخياني لطموحات الأمة في تحرير فلسطين،  والاستقلال العربي عامة الذي انكفأ بتاثير  اتفاقيتي : " كامب ديفيد"، وأوسلو"  أوسلو" ، وطابورهما المناهض لأهداف  الأمة في  التحرير بالمقاومة المسلحة  الممتدة منذ مائة سنة، ويزيد،، 

بمعنى ان ليس القيمون على " أوسلو " الخيانية، هم المجرمون، فحسب في هذه الأمة، بل سبقهم أمراء الحروب الأهلية، ووكلاء الامبريالية لمملكة الشر الأمريكي، واذنابها في أوروبا الاستعمارية، المهزومة في كل حروفها التاريخية..

 

و اليوم انتقلت المقاومة العربية في فلسطين من مرحلة  الانتفاضات الشعبية المدنية إلى  المقاومة المسلحة، بقيادة  الشبيبة العربية المقاتلة  في شوارع مدن فلسطين، وواقصاها المبارك ،ولكن المؤامرة في فلسطين، تستدعي تصويب الوعي في الأمة، وذلك من اجل المشاركة في معركة تحرير  فلسطين، هو الذي يمكنوالأمة من تحرير كل قطر عربي، ومعظمها تحت الاحتلال العسكري، او الاستسلام من طرف الوكلاء..!

 

والسؤال الذي يطرح موضوعيا، نظرا للمفارقات القائمة،  هو:

هل  تحرر فلسطين، الوطن العربي، ومجتمعاته،  او على العكس من ذلك، فإن تحرير مجتمعات الأمة  العربية، هو الذي يساعد على  تحرير فلسطين الواقعة تحت الاحتلال باشكاله المختلفة..

سؤال يظهر مدى التراجع في تاريخ نضال الامة الى ماقبل حركات التحرر العربي في خمسينيات القرن الماضي، حيث نقرؤ في فلسفة الثورة لجمال عبد الناصر ،  أن رجوعه من حرب ٤٨، كان بدافع تحرير مصر في  سبيل تحرير فلسطين..؟!

د / شيب ولد أباتي