هناك جيل جديد في افريقيا …وهذا ما يبدو ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تفطن اليه أوعلى الاقل ما يريد الترويج له لتبرير مراجعة سياسة بلاده ازاء افريقيا و اعتباره ان القارة الافريقية ليست حديقة خلفية لفرنسا , وهو جيل يتطلع الى شراكة مختلفة قوامها الند- للند مع القوى الاستعمارية السابقة و لكن ايضا مع القوى الاقليمية والدولية التي تتنافس كي يكون لها موطئ قدم في افريقيا عنوان السوق العالمية المستقبلية التي يرجح الخبراء أن يكون عدد سكانها ملياري ساكن بحلول 2050 …رقم مغر في حسابات السياسيين و لكن ايضا و هذا الاهم في اولويات الصناعيين لكل احتياجات الشعوب من غذاء ودواء و تكنولوجيا و سلاح و علوم و فن …
في رصيد ماكرون ثمانية عشرة زيارة الى افريقيا و لا ينافسه في ذلك سوى الرئيس الصيني الذي اعتمد سياسة جديدة مع الصين تعتمد زيارة خمسة دول افريقية مطلع كل سنة لخلق المبادرات و الشراكات و البحث عن الفرص الاقتصادية و الاستثمارية و الثقافية الجديدة لغزو القارة بالطرق الناعمة و دون حاجة للقواعد العسكرية او الاجتياحات …
والارجح ان ماكرون الذي أظهر في مناسبات اعلامية عديدة قدرته على الانصات والاصغاء لمخاطبيه و محاوريه من مواطنيه من اصول افريقية ادرك أن التوجهات التقليدية المتوارثة في التعامل مع شعوب افريقيا لم تعد تنفع وانه في زمن العولمة التي تقود العالم هناك ضرورة لاعادة رسم الاولويات في افريقيا مع الحفاظ على المصالح الفرنسية و تجنب تعميق أحقاد الماضي وأن هناك اليوم في افريقيا جيل يمكنه ان يغير واقع القارة و لكن ليس من دون توفر الظروف و المناخ المطلوب و العقليات و الارادة السياسية لاعلان ولادة افريقيا جديدة التي تتحكم في مستقبلها وتفرض احترام العالم لها و تاخذ بيدها ادارة بلدانها و الاستثمار في ثرواتها و طاقاتها الطبيعية و البشرية …
لا نخال ان الرئيس الفرنسي ماكرون تقبل هذه الامر دون احساس بالمرارة وهو يقبل بمراجعة وجود موقع و دور فرنسا في القارة الافريقية التي سبق للزعيم الافريقي سنغورأن اعتبر ان “هناك حبل سري يربط بين فرنسا و بين افريقيا و هو حبل وجودي في تحديد علاقة الام بالوليد” و لكن ربما لم يتوقع سنغوران ياتي وقت يقطع فيه الحبل و تتخذ العلاقات بين فرنسا و افريقيا وجهة مختلفة …
ماكرون أكد بالامس خلال زيارة الى الغابون في اطار جولة افريقية تشمل اربع دول افريقية تشمل كذلك انغولا و الكونغو و الكونغو الديموقراطية ضرورة التواضع في العلاقات مع افريقيا و التزام الحياد و هو اقرار واضح و علني من الرئيس الفرنسي ان هذه العلاقات لم تكن محايدة و بما يعني ان فرنسا كانت تفرض خياراتها على الدول الافريقية لانها بكل بساطة تحتاج للمساعدات الفرنسية في مختلف المجالات … ماكرون اعلن ايضا ان القواعد العسكرية الكبيرة ستتحول الى كليات و جامعات للتدرييب والتكوين والتدريس … الرئيس الفرنسي اعتبر ايضا ان عصر فرنسا افريقيا انتهى …توجه مهم و ذكي ايضا ولكنه لا يعني بالضرورة ان طي صفحة الماضي مع افريقيا مسألة بسيطة لا سيما عندما يتعلق الامر بتغيير العقليات والاذهان والتقليل من ثقل الارث الاستعماري و جروحه النازفة …
منذ توليه منصبه في 2018 قام ماكرون بثمانية عشرة زيارة الى افريقيا و هو رقم مهم في رزنامة الرئيس الفرنسي الشاب الذي لا يبدو ان توجهاته ازاء افريقيا مبنية على خيارات اعتباطية او غير مدروسة او توجهات يمكن ان تسيئ باي شكل كان لمصالح الفرنسيين في مختلف الدول الافريقية التي تحولت الى قبلة قادة العالم و صناع القرار المتنفذين الذين يتدافعون لكسب موقع على الخارطة الافريقية …القارة الافريقية التي تضم خمس و خمسون بلدا و تونس احدها عنوان مغر لمن يدرك قيمة وثراء و تنوع طبيعتها و تعدد عرقياتها ولغاتها و انتمائاتها و جذورها …لهذه الاسباب وغيرها نتوقع ان يتجه ماكرون بعد هذه الجولة الى شمال افريقيا لاعادة تنشيط العلاقات مع المغرب و الجزائر بعد الاهتزازات التي واجهتها و قد اعلن الرئيس الفرنسي عن هذا التوجه وعن حرصه على العلاقات مع الجزائر والمغرب بعيدا عن كل جدل ..
قد لا نبالغ اذا اعتبرنا أن تونس اليوم في حاجة لتنقية ما شاب علاقاتها مع عدد من الدول الافريقية بعد الازمة غير المسبوقة في التعاطي مع المهاجرين الافارقة جنوب الصحراء على خلفية تصريحات رئيس الجمهورية التي غابت عنها الديبلوماسية و التي اثارت حملة من الانتقادات و الادانات للدولة التونسية بما يعني أنه سيكون من الديبلوماسية و الحكمة بعد الذي حدث ان تتجه الخارجية التونسية الى اصلاح ما يستوجب الاصلاح و لم لا الاعداد لجولة افريقية لاستعادة ثقة و موقع تونس في الاتحاد الافريقي الذي كان بلادنا بين مؤسسيه..
تونس لا يمكن ان تكون عنصرية و فيها غنى اشهر المطربين في ستينات القرن الماضي الراحل علي الرياحي “حبيبتي زنجية “و على ارضها ايضا جمعت تونس مؤتمر شعوب افريقيا لدعم الدول الافريقية في مواجهة الاستعمار و لا ننسى حتما ان حكمة الزعيم بورقيبة و صواب الديبلوماسية التونسية في حينها جعلت الدول الافريقية تقتدي بتونس في مختلف القرارات و عمليات التصوين في الجمعية العامة للامم المتحدة بشهادة ديبلوماسيين و سفراء تونسيين و افارقة لان دولة الاستقلال اسست لجسور الثقة مع دول القارة الافريقية و هو ما نفتقده اليوم ..
اذ لم يسبق ان اصدر الاتحاد الافريقي بيانا بهذه الحدة في حق تونس رغم تحركات وزير الخارجية نبيل عمار و رغم دعوته السفراء الافارقة واجتماعه بهم في مقر الخارجية التونسية و هو ما يعني ان هناك مشكلة و ان الخطاب الرسميعليه ان يدرك ذلك و ان يحدد الاسباب و يسعى لتطويق الازمة وعلاج ما فسد..و اول ما يستوجب اعادة النظر العلاقات مع المغرب التي لا يمكن ان تظل مقطوعة الى ما لا نهاية .. قناعتنا انه لو كانت الديبلوماسية جاهزة لامكن اجهاض هذا البيان في حق تونس بدعوة من المغرب و الجزائر و موريتانيا و ليبيا و لكن هذا لم يحدث للاسف …
و لا يمكن لتونس ان تفقد شركاءها من افريقيا او اوروبا او امريكا لاي سبب كان وان حدث سيتعين تحديد الاسباب و تجاوز ذلك …
واذا كانت فرنسا بتاريخها الاستعماري الدموي الثقيل تجرأت على مراجعة ما يستوجب المعالجة و اتجهت نحو تصويب الاخطاء فان تونس قلب افريقيا النابض و جسرها الى العالم اولى بطي هذه الازمة في اسرع وقت ممكن تجنبا لمزيد الازمات التي لا نحتاجها مع القارة السوداء ماما افريكا التي لا يمكن الا ان تكون تونس جزءا منها …
اسيا العتروس كاتبة تونسية