يقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته أمام امتحان داخلي صعب يضاف إلى تحديات الأزمة الاقتصادية التي تنعكس على معيشة الأتراك في ظل معركة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تبدو قاسية.
وضعت السلطة السياسية خطة طوارئ وإنقاذ عاجلة، ودعت المجتمع الدولي للوقوف إلى جانبها، وطلبت الدعم الخارجي لمواجهة آثار الزلزال المدمّر، تنتظر تركيا برامج الدعم المالي واللوجستي لمساعدتها على تمويل خطة إعادة إعمار ما تهدّم، مما يستدعي قرارات من الدول كل بحسب علاقتها بأنقرة والوقوف إلى جانبها ودعمها مالياً لتمويل خططها.
تعقد السويد، الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، مؤتمراً للمانحين في 16 آذار/مارس مع المفوضية الأوروبية. تفضّل تركيا المرور من خلال الاتحاد الأوروبي أو المنظمات غير الحكومية الدولية أو المحلية لكن إن كان جزء من الأموال التي سيتم تحصيلها وسيخصص للبناء سيأخذ وقتاً فهذا يعني أنهم يراهنون على نتائج الانتخابات، عبر حجة الانتظار وتلبية تركيا المعايير الدولية.
تذهب تركيا بعد أشهر ثلاثة نحو تقاطع انتخابي سيحدّد من هو الحزب الحاكم وقياداته، فقد لا يكون الرئيس إردوغان من الفائزين وربما ستكون النتائج لصالح التكتل السداسي.
من الممكن أن تمتنع بعض الدول عن المساهمة بانتظار نتائج الانتخابات عملاً بمصالحها، سيكون لسياسة تركيا الخارجية وعلاقاتها بالدول أثر في تقييم مساعدتها. لذلك ستكون هناك سياسة تركية جديدة بغض النظر عن هوية الفائز السياسية، حيث ستحلّ السياسة الواقعية والبراغماتية حيال من وقف أو سيقف إلى جانبها في محنتها خصوصاً في معركة البناء.
في هذه الأثناء وقّعت تركيا والإمارات العربية المتحدة اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة، سيتم بموجبها إلغاء الرسوم الجمركية عن 93% من المبادلات التجارية غير النفطية بين البلدين، وبذلك تصل قيمة هذه المبادلات إلى 40 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
وكانت الإمارات أعلنت عن تأسيس صندوق استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار في تركيا يركّز على قطاعات الخدمات اللوجستية والطاقة والصحة والأغذية.
فيما عقد الرئيس التركي اجتماعاً مع أمير قطر في الثاني عشر من شباط/فبراير على أثر الزلزال، كذلك فعل رئيس الوزراء الليبي الدبيبة بعدما أرسل وزيرة الخارجية للاطلاع على حاجات تركيا بعد الكارثة.
لا شكّ أنّ الدولتين القطرية والليبية على استعداد كبير للمساعدة وليس من المعلوم إن كان الأمر سيتم في إطار دولي أم في إطار العلاقات الشخصية مع الرئيس إردوغان مما يجعل نتائج الانتخابات أولوية.
المعركة الانتخابية وخلافات طاولة الستة
يؤكد الرئيس إردوغان أن حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية يتمسكان بمواصلة مسارهما وأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستتم في موعدها أي في 14 أيار/مايو. فيما تشهد الطاولة السداسية، أي طاولة المعارضة، خلافاً حول ترشيح كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي سمّته الأحزاب المشاركة لخوض الانتخابات الرئاسية في وجه الرئيس الحالي إردوغان.
بينما ميرال اكشينار، رئيسة حزب "الجيد"، المنشق عن الحركة القومية، والذي يعتبر ثاني حزب في المعارضة، لديها أسبابها لعدم قبول ترشّح رئيس حزب الشعب الجمهوري، ليس فقط لشعورها بأنها الأجدر في تولّي المنصب كونها سياسية قادمة من المحافظين، وتعرف عالم الناخبين المحافظين عن كثب والذين يشكّلون قاعدة تحالف الشعب، بل وبحكم خبرتها بعد أن كانت قد شغلت منصب وزيرة الداخلية ونائبة رئيس الحركة القومية التي يرأسها دولت بهشلي.
فهي تعرف طريقة عمل البيروقراطية الأمنية وشاركت في تأسيس "حزب العدالة والتنمية"، إلا أنها تركت الحزب وقتها، معتبرة أنه مجرد امتداد لحزب الرفاه الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان، وانضمت إلى "حزب الحركة القومية" لاحقاً. وبسبب معارضتها لنهج زعيم الحزب، دولت باهشتلي، في تأييد إردوغان أعلنت فيما بعد تشكيل حزب "الجيد".
ترى اكشينار أن كليجدار أوغلو "زعيم بعيد عن الشريحة المحافظة ووقف ضد المحافظين في جميع الانتخابات التي خسرها في السنوات العشر الماضية"، وتعتبر أن رئيس حزب الشعب الجمهوري "علوي وهذا سيبعد عنه المحافظين السنة"، مما سيشكّل عائقاً أمام كسب أصوات سيستفيد منها الرئيس إردوغان، وهي تفضّل دخول الانتخابات مع "زعيم شاب ناجح مثل أكرم إمام أوغلو، الذي يمكنه التأثير في الكتلتين العلمانية والمحافظة بالمعدل نفسه؛ لأن المعارضة ليس لديها مرشح ثانٍ بهذه المواصفات".
وكانت ميرال أكشنار، قد اتُهمت في نهاية العام الفائت بأنها عملت على إثارة خلافات داخل حزب الشعب الجمهوري بعد إجراء حكم السجن الذي صدر بحق رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، مستغلة صدور الحكم الأولي بإدانة إمام أوغلو، لاستثماره في رفع أسهم الأخير بوجه كليجدار أوغلو رغم أن الدوائر القانونية والسياسية كانت تعلم مسبقاً أن الحكم سيصدر بإدانته كإجراء تقليدي.
وكان تصريحها لافتاً في ذلك الوقت خلال احتفال الدعم لإمام أوغلو في غياب رئيس حزب الشعب قائلة إن إمام أوغلو ليس مدعوماً فقط من 16 مليون ناخب في إسطنبول بل من 85 مليون مواطن تركي. في تلميح واضح إلى أنه أصبح فعلياً المرشح المختار للرئاسة، ولا تخفي رئيسة حزب "الجيد "رغبتها في تولي منصب رئيسة الوزراء بعد العودة إلى النظام البرلماني.
في هذه الحالة، هل يمكن أن تنهار الطاولة السداسية بسبب الخلاف بشأن المرشح المشترك؟ لا يتوقّع أن تفرّط المعارضة بصورة التماسك والجدية التي رسمتها في ذهن الناخبين. فالحزبان، الجيد وحزب الشعب الجمهوري، هما عضوان في تحالف الأمة ويتوليان إدارة عدد من بلديات المدن الكبيرة معاً، بما في ذلك إسطنبول.
اكشنار اعترضت على تسمية كليجدار أوغلو، إلا أنها لم تؤكد صراحة انسحابها والنقاش مع حزبها سيفصل بالأمر. وكان رئيس حزب الشعب الجمهوري اعترض على ترشيح منصور يافاش وإمام أوغلو وهما رئيسا اثنتين من البلديات الكبرى، فهو إضافة إلى طموحه في تولي الرئاسة التركية تتويجاً لعمله السياسي يخشى عودة بلديتي أنقرة وإسطنبول إلى حزب العدالة والتنمية في حال ترشّحهما.
تنتظر تركْيا مهام صعبة وتغيّرٌ في العلاقات الدولية والإقليمية بعد الزلزال العنيف الذي ما زالت تردداته قائمة وتحصد جرحى وقتلى وما زالت أعمال الإغاثة تكشف عن أعداد القتلى فيما تقوم المعارضة بالتحضير للانتخابات على وقع الاستفادة من الزلزال ونتائجه، وهو أمر مشروع في السياسة ولا سيما أنّ المعركة حامية والمبادئ المطروحة مع المشاريع يمكن أن تقلب وجه تركيا في حال فاز أي من الأطراف. ليس الداخل وحده من ينتظر نتائج الانتخابات بل الدول الإقليمية والعالمية لما للموقع الاستراتيجي التركي من أهمية.
هدى رزق باحثة في الشأن التركي والإقليمي