منذ أكثر من 60 سنة نالت أغلب الدول الأفريقية استقلالها وأنهت على الأقل على الصيد الرسمي تحكم القوى الاستعمارية القديمة وفي مقدمتها فرنسا واسبانيا والبرتغال وبلجيكا وبريطانيا، ولكن مجموعة كبيرة من تلك الدول المنبثقة من تركة الاحتلال الترابي استمرت بعد ذلك بعقود تعاني من التخلف والفقر وعدم الاستقرار في حين واصل المستعمرون السابقون أو الجدد الذين تسللوا بطرق مختلفة وعبر شركاتهم المتعددة الجنسيات أو بوسائط أخرى الهيمنة على ثروات الدول الأفريقية وجني أرباح طائلة إلى حد الخرافة منها، ولم يطل أصحاب الثروات الأصليين سوى الفتات. القوى الاستعمارية حرصت وهي تتراجع أن تخلف وراءها إرثا من المشاكل المتنوعة كالحدود المصطنعة والأراضي المسلوبة لطرف على حساب آخر كما صنعت أو أحيت صراعات طائفية استفادت منها لتعزيز ما هو مقسم ولتدمير مجتمعات بأكملها وصنع صراعات تمكنت من خلالها العودة بسطوتها وقوتها العسكرية والاقتصادية والسياسية إلى المراكز التي تطمع فيها أو التي أصبحت فيها سلطتها معرضة للتزعزع.
المسجل أنه خلال فترة صراع الشعوب للتخلص من الاستعمار الغربي شهد العالم حركة تآمر داخل كتلة المتآمرين أي بين أقطاب الاستعمار حيث تربصت قوى قديمة وجديدة بالمتراجعين والمنسحبين لتحل مكانهم وبأسلوب مختلف. ولعل تجربة دول ما يسمى بالهند الصينية أي الفيتنام ولاوس وكمبوديا مع الاستعمار الفرنسي ثم الهيمنة الأمريكية التي خلفته أحد أبرز الأمثلة.
يحب البعض وخاصة في الغرب وصف القارة الأفريقية بأنها الأرض الواعدة أو كما يصفها أمريكيون بالغرب الجديد "The new West" تشبيها بالغرب الأمريكي خلال قرون الاستيطان الأوروبي في القارة الأمريكية الشمالية. معظم قارات العالم شهدت تطورات واسعة نحو الأفضل وتقدما اقتصاديا وعلميا وثقافيا ودرجة متوسطة أو جيدة من الاستقرار وإن كان بتكاليف عالية بشرية ومادية، لكن القارة الأفريقية تخلفت إلى حد كبير عن هذا المسار حيث أنه وبإستثناءات قليلة انتشرت الأزمات في بقية دول القارة، من فقر وانعدام أمن ومذابح وتقلبات سياسية بنتائج سلبية واستنزاف موارد.
القارة التي تضم في نهاية سنة 2022 زهاء 1300 مليون إنسان والتي من المنتظر أن يصل تعداد سكانها إلى 3200 مليون نسمة في بداية سنة 2100 تضم أكثر الدول فقرا.
خلال العقود الأربعة الأخيرة من الحرب الباردة وفي ظل الصراع الغربي مع الاتحاد السوفيتي شهدت بعض الدول الأفريقية لحظات انفراج نسبية للخروج من نفق الاستغلال الاستعماري الامبريالي بصوره المتنوعة ولكن الأمر كان مكلفا وشهد صراعات عسكرية وحروبا لم تسمح سوى بتحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي ضئيل.
لا مراء في أن القارة الأفريقية كانت أكثر مناطق العالم تهميشا واستبعادا على طول مراحل العولمة المختلفة حيث ظلت مجرد ضيعة ضخمة أو منجم ثروات لغيرها. ومنذ نهاية الحرب الباردة، وتدشين ما يسمى النظام العالمي الجديد عام 1991 عانت الدولالأفريقية من مزيد من التهميش، بحيث أضحت غير مشاركة في الاقتصاد العالمي، وإنما معتمدة عليه بصورة متزايدة، اتضح ذلك بجلاء من النمو الاقتصادي المتدني للقطاعات الإنتاجية، وزيادة عبء الديون الخارجية، وتدهور الظروف الاجتماعية والسياسية، حتى إنه توجد في أفريقيا وحدها 33 دولة من بين 47 دولة وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأقل تنمية في العالم.
في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين تشهد الدول الأفريقية مرة جديدة ضوءا في نهاية النفق يعطيها أملا في تجاوز بعض إخفاقات الماضي، ويعود ذلك مرة أخرى إلى احتداد الصراع بين القوى الكبرى المتشكلة في العالم في نطاق بداية نظام عالمي جديد يقوم على قواعد مختلفة عن تلك التي فرضها النظام الأحادي الذي ساد منذ تسعينات القرن الماضي واعتبرها غير قابلة للتغيير.
يوم الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 حذر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن القادة الأفارقة، من أن الصين وروسيا تلعبان دورا "مزعزعا للاستقرار" في القارة مع تنامي نفوذهما. وذكر أوستن، "أعتقد أن الجمع بين هذه الأنشطة من جانب هذين البلدين، يستحق المراقبة. وبالتأكيد، أعتقد أن تأثيرهما يمكن أن يكون مزعزعا للاستقرار". واعتبر اوستن أن الصين تعزز تواجدها في إفريقيا "بشكل يومي" من خلال تنامي نفوذها الاقتصادي.
وأضاف إن "ما يثير القلق هو عدم تصرفهم دائما بشفافية فيما يتعلق بما يقومون به وهذا يخلق مشاكل ستؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة الاستقرار إن لم يكن قد قاموا بذلك بالفعل".
وذكر أوستن أن روسيا "تواصل بيع أسلحة رخيصة" ونشر "مرتزقة في أنحاء القارة" معتبرا أن "ذلك مزعزع للاستقرار أيضا".
القمة الأفريقية الأمريكية
عقدت في واشنطن يوم الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 ولمدة ثلاثة أيام بحضور حوالي 49 زعيما ورئيسا أو ممثليهم، القمة الأفريقية الأمريكية، كانت هذه هي القمة الثانية من نوعها حيث أن الأولى عقدت في عام 2014 في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما ولم تسفر سوى عن وعود كثيرة، ثم طواها النسيان حتى تجدد الاهتمام بها في عهد الرئيس بايدن.
في واشنطن ذكر رسميا أن القمة تركز على جملة من القضايا العالمية، وتهدف إدارة البيت الأبيض من خلالها أيضا إلى "تضييق فجوة الثقة" التي وسعها إحباط القارة السمراء من السياسات الأمريكية، بحسب مصادر أمريكية متطابقة.
وفي معرض قراءتها للأهداف التي يتطلع الرئيس بايدن لتحقيقها من خلال القمة، قالت وكالة أسوشييتد برس إن الإدارة الأمريكية تهدف إلى "تضييق فجوة الثقة مع إفريقيا، التي اتسعت على مدى سنوات بسبب حالة الإحباط من التزام الولايات المتحدة تجاه القارة".
وأضافت نقلا عن البيت الأبيض أن الرئيس بايدن سيستغل القمة "لإعلان دعمه لإضافة الاتحاد الأفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين (G20)" وحصوله على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.
وتم تركيز المحادثات على فيروس كورونا، وتغير المناخ وتأثير الحرب الروسية في أوكرانيا على إفريقيا، والتجارة ومواضيع أخرى، بحسب مسؤولين في البيت الأبيض.
ونقل البيت الأبيض عن مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية، قولهم عن القمة، إن من "الأهداف التي نأمل في تحقيقها في القمة هي تعميق وتوسيع الشراكة الأفريقية الأمريكية والمضي بأولوياتنا المشتركة، وإيصال الأصوات الأفريقية لمواجهة تحديات هذا العصر بشكل تعاوني، والاستفادة من أفضل ما في أمريكا، بما في ذلك حكومتنا وقطاعنا الخاص ومجتمعنا المدني لرفع وتمكين المؤسسات والمواطنين والدول الأفريقية ".
وأفاد مسؤول رفيع في الإدارة إن القمة هي "فرصة لنا لسماع وتلبية تطلعات الشعوب الأفريقية. هذا هو سبب تركيزنا حقا على ما يريده الأفارقة لأنفسهم ولشراكتنا ولإجراء حوار حول ذلك".
وحول الدول الإفريقية التي لم يتم دعوتها لحضور القمة، قال أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية إن 5 دول لم توجه إليها الدعوة وهي غينيا والسودان ومالي وبوركينا فاسو وإريتريا.
وأوضح أن "هناك 4 دول أحدثت تغييرات غير دستورية للحكومة وإثر ذلك تم تعليقها من الاتحاد الأفريقي، وهي: غينيا والسودان ومالي وبوركينا فاسو".
ولفت أنه لم يتم أيضا دعوة إريتريا لـ "عدم وجود علاقات دبلوماسية كاملة معها".
خلال القمة تعهد بايدن بضخ استثمارات بأفريقيا بقيمة 55 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، ودعم منطقة تجارة حرة في قارة تضم 1.3 مليار نسمة وسوقها بحجم 3.4 تريليونات دولار.
داخل التحالف الغربي سجل أن بعض الدول رأت في القمة محاولة من واشنطن للإستفادة من تقلص النفوذ الأوروبي في القارة الأفريقية والحصول على مكاسب لشركاتها والسعي لفرض هيمنة على موارد الطاقة والسلع الإستراتيجية وخاصة اليورانيوم وغيره التي لا تزال تحت سيطرة الشركات الأوروبية حتى الآن.
شريك غير موثوق
كتبت صحيفة Hill الأمريكية يوم الأربعاء 14 ديسمبر 2022 استنادا لخبراء قابلتهم الصحيفة، ستكون المهمة الأكثر صعوبة أمام الإدارة الأمريكية هي أن تثبت للقادة الأفارقة أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون شريكا موثوقا به، وطويل الأمد للقارة.
يقول كاميرون هدسون، زميل مركز واشنطن للدراسات الإستراتيجية والدولية، للصحيفة: "إنهم لا يروننا كشريك يعتمد عليه لأمد طويل، يعتقدون أننا غير موثوقين. مضيفا، "هذه القمة هي بداية محاولة لتغيير هذا الاعتقاد".
من جهته يرى إبنيزر أوبادار، خبير مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، قرار السلطات الأمريكية بعقد القمة تأثر بسلوك العديد من الدول الإفريقية التي لم تدعم موقف الولايات المتحدة في مساعيها المتعلقة بأوكرانيا، "المؤسسة السياسية الأمريكية مصدومة من رد فعل الأفارقة على الصراع في أوكرانيا، يبدو أن هذا يرجع للإدراك بأن كل شيء لم يعد كما كان من قبل".
برأيه، فيما يتعلق بإفريقيا، تعمل الولايات المتحدة في إطار إستراتيجية طويلة الأمد، ترتبط لحد كبير بالحاجة لمقاومة تأثير روسيا والصين في القارة. "لن أصدق إذا قال أحدهم أن هذا لا علاقة له بروسيا. أعتقد أن الولايات المتحدة تفكر على المدى البعيد، وتلوم نفسها كيف سمحنا للصين وروسيا بالحصول على موطئ قدم قوي في القارة. الولايات المتحدة لديها الرغبة ليس فقط بانتزاع الدول الإفريقية وأخذها بعيدا عن روسيا، وإنما هي بحاجة أيضا لاستعادة تعاطفها، وإعادة توطيد المصالح الأمريكية في إفريقيا".
الصين في المقدمة
في العاصمة الالمانية برلين وقبل القمة بأربع وعشرين ساعة جاء في تقرير لوكالة الأنباء الألمانية "دويتش فيله" التي تركز منذ أسابيع على خطط واشنطن لدعم الصناعات الأمريكية على حساب الاتحاد الأوروبي مما ينذر بحرب تجارية بين الجانبين:
يرى مراقبون أنه يتعين على قادة أفريقيا عدم اقتصار مشاركتهم في القمة على الحضور، بل يجب إحداث تأثير. وفي ذلك، قال دانيال أماتي أنيم، كبير الاقتصاديين في "مبادرة السياسة للتنمية الاقتصادية في أفريقيا"، في مقابلة مع DW لا ينبغي أن يكون الأمر يتعلق بقضية المشاركة وحضور القمة فحسب، بل يجب تحديد ما تحتاجه القارة الأفريقية وبعث رسالة مفادها أننا مستعدون للعمل مع الولايات المتحدة". وشدد على ضرورة أن يكون على رأس أولويات القمة التفاوض على إبرام اتفاقيات تجارية عادلة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلدان الأفريقية.
بدوره، أكد مارتن آدات، المتخصص في الشؤون الأفريقية والمحلل السياسي المقيم في العاصمة الكينية نيروبي، على ضرورة ألا يشارك الزعماء الأفارقة في القمة "بهدف التسول"، على حد قوله. وأضاف في مقابلة مع DW يجب أن يدشنوا شكلا من أشكال الشراكة التي تخلق مناخا يربح فيه الجميع".
يشار إلى أن اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير عام 2021 بهدف إنشاء أكبر منطقة تجارة حرة في العالم. وقد تزامن ذلك مع نمو النفوذ الصيني في أفريقيا خاصة في الشق التجاري والاقتصادي الذي تجاوز المعدل الأمريكي.
وتتربع الصين على عرش التجارة الدولية في أفريقيا حيث بلغ الاستثمار الصيني المباشر في القارة ضعف المعدل الأمريكي فيما باتت بكين أكبر مقرض للقارة السمراء.
وقد كشفت بيانات خدمة أبحاث الكونغرس عن أن الصين أبرمت في عام 2020 وحده اتفاقيات بقيمة 735 مليار دولار مع 623 شركة، فيما بلغت قيمة 800 صفقة تجارية واستثمارية مع 45 دولة أفريقية أكثر من 50 مليار دولار عام 2021.
وأفادت البيانات بأن الولايات المتحدة استثمرت 22 مليار دولار في 80 شركة فقط في أفريقيا خلال نفس الفترة.
وكان لجوء بعض بلدان القارة الأفريقية إلى الصين وروسيا، قد أثار مخاوف الولايات المتحدة التي دعت بلدان القارة إلى توخي الحذر من تعزيز الاعتماد على موسكو أو بكين.
وفي هذا السياق، قال آدات "الصين تفوقت على أمريكا في أفريقيا والآن تحاول البلدان الغربية بقيادة الولايات المتحدة إيجاد طريقة للعودة إلى أفريقيا لتعزيز النفوذ الغربي".
بدورها، أكدت نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشؤون الأفريقية، شيدي بلايدن، على أنه سيتعين على الولايات المتحدة مراجعة موقفها وشراكاتها مع بلدان القارة السمراء. وقالت بلايدن "لقد أخبرنا شركاؤنا الأفارقة أنه لا يجب أن يفرض عليهم الاختيار بين العمل مع الولايات المتحدة أو شركاء دوليين آخرين مثل الصين. ونحن نتفق ونحترم ذلك".
تضارب
تأتي مساعي بايدن لتقريب الدول الإفريقية من الولايات المتحدة في لحظة معقدة، حيث أوضحت إدارته أنها تعتقد أن النشاط الصيني والروسي في إفريقيا يمثل مصدر قلق كبير للمصالح الأمريكية والأفريقية.
وكانت إدارة بايدن حذرت، في إستراتيجيتها الجديدة تجاه منطقة أفريقيا جنوب الصحراء والتي كشفت عنها في أغسطس 2022، من أن الصين التي ضخت مليارات الدولارات في مشاريع الطاقة الإفريقية والبنية التحتية والمشاريع الأخرى، ترى المنطقة كساحة تستطيع بكين من خلالها "تحدي النظام الدولي القائم على "القواعد"، وتعزيز مصالحها الجيوسياسية الضيقة والتجارية، وتقويض الشفافية والانفتاح" حسب الوصف الأمريكي.
وترى الإدارة الأمريكية أيضا أن روسيا، تاجرة الأسلحة البارزة في إفريقيا، تعتبر القارة كبيئة تسمح للأوليغارشيين المرتبطين بالكرملين والشركات العسكرية الخاصة بالتركيز على إثارة عدم الاستقرار من أجل مصالحهم المالية والإستراتيجية.
مع ذلك، أكد مسؤولو البيت الأبيض أن المخاوف بشأن نفوذ الصين وروسيا في إفريقيا لن تكون محور محادثات القمة.
تجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية شعرت بخيبة أمل لأن معظم دول القارة رفضت إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا ولكنها تنفي فرض ضغوط وتتحدث عن تعاون واسع.
السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو ما الذي تغير اليوم في السياسات الأمريكية تجاه أفريقيا والمنطقة وهل بات طريق الاستثمارات الاقتصادية بديلا للحروب بالوكالة التي خاضتها ولا تزال الولايات المتحدة على أكثر من جبهة؟.
يقول المحلل السياسي السوري د. خيام الزعبي انه على مدى سنوات طويلة تدخلت أمريكا عسكريا في مناطق كثيرة وبحجج واهية، وارتكبت خلال ذلك جرائم عديدة لم تتم محاسبتها عليها، بل على العكس من ذلك استمرت في تزكية نيران الصراعات المسلحة في منطقتنا، والهدف حماية مصالحها والسيطرة المطلقة على المنطقة مستخدمة سلاح التهديد بفرض العقوبات على الدول التي تعارضها ولا تخضع لإملاءاتها وسياساتها.
وأضاف: "فهي تحرض دول الخليج على الحرب مع إيران، وتدعم أوكرانيا في الحرب ضد روسيا كما تدعم تايوان تمهيدا للحرب ضد الصين، كما تبنت قيام تنظيم داعش الإرهابي في إطار الرهان على أكذوبة الشرق الأوسط الجديد تحت رايات الإسلام السياسي الموالي لأمريكا، كما حرضت الشيعة على السنة في المنطقة وقسمت العالم العربي إلى مسلمين وغير مسلمين وقدمت الدعم والسلاح والمال للمجموعات الإرهابية في أكثر من مكان، فضلا عن استخدام الأكراد في نهب ثروات الشمال السوري.
واعتبر المحلل السياسي خيام الزعبي ان أمريكا تربعت فوق عرش الفائزين بمليارات الدولارات من خزائننا، ناهيك عن الدماء التي تهدر في معظم الدول العربية كسوريا والعراق واليمن، كما أن صناعة السلاح بأمريكا خلال هذه الفترة شهدت إزدهارا غير مسبوق، وأن أسهم مصانع سلاحها الكبرى لم تزل في إرتفاع بفضل المعارك التي تشهدها منطقتنا العربية، وبذلك تعتبر واشنطن بأن السلاح الأمريكي هو سفيرها الخفي الذي يعمل من خلف الستار على توثيق العلاقات مع الدول الأخرى أو مع حركات انفصالية تدين مستقبلا بالولاء والتبعية لها".
واكد الزعبي إن ما جرى في المنطقة وما يزال هو مصلحة أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى وإعادة ترتيب جديد للمنطقة، فالظاهرة الاستعمارية هي المسؤول الأول والأخير عن معاناة الشعوب العربية التي اتبعت سياسات تعسفية لاستغلال خيراتها وثرواتها وما زالت هذه المخططات سارية المفعول.
عصر تسابق الشراكات
جاء في تقرير نشرته صحيفة الخليج الإماراتية يوم 16 ديسمبر 2022:
قبل يوم واحد من انعقاد القمة الأمريكية الأفريقية، بدأت عروض الإغراءات والمزادات الأمريكية للقادة الأفارقة في مسرحية من الغزل غير المسبوق، بدأت بالإعلان على لسان جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي بوعود أمريكية بتقديم 55 مليار دولار مساعدات للقارة الإفريقية على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ثم الإعلان عن تعيين السفير "جوني كارسون" نائب وزير الخارجية الأمريكية الأسبق للشؤون الإفريقية، ممثلا أمريكياللقارة الإفريقية، في خطوة تؤكد وجود تحول حقيقي في الإدراك الأمريكي لمكانة القارة السوداء ضمن منظومة المصالح والأمن الأمريكيين.
لم يتوقف الأمر على ذلك، بل حرص سوليفان على إظهار أن هذه القمة تختلف عن أية قمة أخرى مشابهة، فهي تضم عددا كبيرا من القادة الأفارقة ومسؤولي المجتمع المدني، ورجال الأعمال، إضافة إلى تمثيل للمرأة والشباب.
سوليفان كان حريصا في ذات الوقت على أن يكشف أن هذا التوجه الأمريكي ليس نابعا من فراغ، بل هو جزء لا يتجزأ من الإستراتيجية الأمريكية وبالذات الجزئية الخاصة بالتحالفات والشراكات الأمريكية عام 2022، حيث أشار إلى أبرز تلك الشراكات الأمريكية التي تأتي الشراكة الإفريقية جزءا منها، وخاصة "القمة الرباعية" و"شراكة الكواد" ثم "قمة حلف الناتو"، ثم "قمة مجموعة السبع" و"قمة مجموعة العشرين" و"قمة أبيك" للتعاون بين دول الهادئ مع جنوب شرق آسيا.
الواضح من كل هذه العطاءات الأمريكية غير المسبوقة أنها ليست مجرد "مبادرات أخلاقية" أو "تعويضية" عن سياسات أمريكية شديدة السوء في العقود الماضية نحو إفريقيا، أو أنها لمجرد تطوير التجارة والاستثمار وفتح الأسواق، لكنها وعلى حد قول مسؤول رفيع بوزارة الدفاع الأمريكية تأتي من إطار فهم أن الولايات المتحدة "بحاجة إلى نهج أكثر حداثة للدفاع عن المصالح والحلفاء في إفريقيا في ظل توسع نفوذ كل من الصين وروسيا". وقال هذا المسؤول إن من بين أهداف هذه القمة "تنفيذ إستراتيجية أمريكية جديدة بالاشتراك مع إفريقيا جنوب الصحراء تهدف إلى تحقيق استقرار طويل الأمد، وتعميق العلاقات الخاصة في الأماكن التي تحقق فيها روسيا والصين نجاحا"، موضحا أن هذه الإستراتيجية الجديدة "ستعيد صياغة أهمية المنطقة لتحقيق مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة".
هكذا تتكشف الصورة، فالقمة الأمريكية الإفريقية التي عقدت بعد أيام معدودة من القمم الصينية الثلاث الناجحة التي استضافتها المملكة العربية السعودية يومي الخميس والجمعة (8-9/12/2022): القمة الصينية – السعودية، والقمة الصينية - الخليجية، والقمة الصينية - العربية، والتي نظر إليها أمريكيا على أنها قفزة صينية إلى منطقة ذات أهمية محورية للأمن القوميوالمصالح العليا الأمريكية.
نجاحات تلك القمم الثلاث ووعود الرئيس الصيني شي جين بينغ، جاءت جرس إنذار صيني للولايات المتحدة حول قدرة الصين على احتواء مناطق نفوذ أمريكية، وعلى التوسع في التأسيس لشراكات عالمية واسعة من شأنها إضعاف القدرات الأمريكية في إطار التنافس على زعامة النظام العالمي. جدية هذه التحديات تأتي من أن الصين هي الدائن الأول للدول الفقيرة والنامية، وتستثمر مبالغ طائلة في القارة الإفريقية، وكذلك عززت روسيا وجودها في إفريقيا اقتصاديا وعسكريا، على حساب النفوذ الأمريكي وحلفاء أمريكا الأوروبيين خاصة فرنسا التي تواجه انتكاسات في نفوذها في القارة الإفريقية في الأشهر الأخيرة، بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتهاء العملية العسكرية التي تقودها بلاده في منطقة الساحل.
التوجه الاستراتيجي الأمريكي الجديد لا يستهدف المنافسة فقط مع الصين وروسيا في إفريقيا، بل هو منافس أيضا للسياسات البريطانية والفرنسية التي تسعى هي الأخرى إلى تعميق شراكاتها في القارة الإفريقية، ما يعني أن إفريقيا تعيش هذه الأيام "عصر تسابق الشراكات معها" ويبقى السؤال الأهم: هل هي قادرة على إدارة هذه الشراكات؟.
مَن سيفوز بالمواجهة
جاء في تقرير نشر يوم 5 أكتوبر 2022 على الشبكة العنكبوتية:
مثلما كانت قارة إفريقيا ساحة للصراع بين القوى الأوروبية الكبرى في النصف الأول من القرن العشرين، ولاحقا بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في النصف الثاني منه. أصبحت هذه القارة، ساحة جديدة للتنافس بين أمريكا والصين وروسيا، بالإضافة إلى بعض اللاعبين الأصغر حجما مثل تركيا ودول الخليج العربي.
ومن وجهة نظر أمريكية، تنمو القارة السمراء بسرعة كبيرة بوصفها منطقة تركيز عسكري أمريكي كبير، إلى جانب الأنشطة الصينية والروسية المستمرة في المنطقة. إذ يقول الجنرال جيفري هاريغيان، قائد القوات الجوية الأمريكية في أوروبا وإفريقيا، للصحفيين في ندوة رابطة القوات الجوية لعام 2021: "بينما ننظر إلى إفريقيا، أود أن أوضح لكم أن أكبر قلق لدينا هو كيف نتنافس مع روسيا والصين. من منظور عسكري واقتصادي، يبحث الروس والصينيون عن فرص لتوسيع نفوذهم".
حول ذلك، تقول مجلة National Interest الأمريكية إن الصين على وجه الخصوص لا تعد موردا رئيسياً للأسلحة في إفريقيا فحسب، بل إنها تعمل أيضاعلى توسيع نفوذها الاقتصادي والعسكري في المنطقة بسرعة. في السنوات الأخيرة، أنشأ الصينيون قاعدة عسكرية في جيبوتي على مقربة من الوجود الأمريكي هناك.
وفي مايو 2022، حذرت واشنطن من تزايد نفوذ الصين في إفريقيا ما يهدد المصالح الأمريكية في المحيط الأطلنطي، إذ قال الجنرال ستيفن تاونسند، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم"، إن بكين تتطلع إلى إنشاء ميناء بحري كبير قادر على استضافة غواصات أو حاملات طائرات على الساحل الغربي لإفريقيا، مضيفا أن الصين تواصلت مؤخرا مع دول تمتد من موريتانيا إلى جنوب نامبيا، عازمة على تأسيس منشأة بحرية. وإذا حققت ذلك، فستتمكَن الصين من مركزة سفن حربية في أسطول بحري ممتد عبر المحيط الأطلسي وكذلك المحيط الهادئ.
ويذكر الجنرال تاونسند: "الصينيون يتفوقون على الولايات المتحدة في بلدان معينة في إفريقيا. وستؤدي مشروعات الموانئ والبنىالتحتية والمساعي الاقتصادية واتفاقياتها وعقودها إلى توغل صيني أكبر في المستقبل. وهم يقدمون رهانات آمنة وكبيرة في إفريقيا".
وفي عام 2009، تجاوزت الصين الولايات المتحدة في موقع أكبر شريك تجاري لإفريقيا، وبحلول عام 2015، وصلت تجارة الصين مع إفريقيا إلى 300 مليار دولار، وفقا لمقال من المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية بعنوان "السعي وراء حلم الصين عبر إفريقيا: خمسة عناصر لإستراتيجية الصين في إفريقيا".
ويؤكد المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية إن الكثير من طموحات الصين التي تركز على إفريقيا يمكن وصفها من منظور نوع معين من الإمبريالية الاقتصادية، بالنظر إلى النطاق الهائل للمشاركة الصينية في المنطقة بأشياء مثل النفط الخام والمواد الخام وواردات الموارد الطبيعية من المنطقة. كذلك تواصل الصين تنفيذ العديد من مشاريع البناء في 50 دولة إفريقية.
هل تراجعت أولوية إفريقيا؟
حاليا، يتولى حوالي 6500 جندي أمريكي متمركزين في إفريقيا عملية تدريب قوات الحلفاء المحلييين، وإجراء مجموعة من مهام مكافحة الإرهاب والسعي لتوسيع الأمن الأمريكي وسط حالة عدم الاستقرار والتهديدات الأمنية والتدخلات الأجنبية المحتمل أن تكون ضارة بالمصالح الأمريكية، كما تقول مجلة ناشونال إنترست.
لسنوات عديدة، كانت إفريقيا مكانا رئيسيا للجهود الأمريكية المستمرة لمكافحة التمرد وعمليات مكافحة الإرهاب، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح من الواضح بشكل متزايد أن القارة الإفريقية هي مجال تركيز مهم ضروري لمنافسة القوى العظمى.
ويقول الجنرال جيفري هاريغيان إنه إلى جانب العديد من المطالب التشغيلية الأوروبية الملحة، فإن وزارة الدفاع الأمريكية والقوات الجوية لم تنسيا إفريقيا، وتحاولان "كشف تلك الأشياء الشائنة بطبيعتها وإعادة تأكيد التزامنا تجاه شركائنا الأفارقة"، وذلك حسبما قال المسؤول العسكري الأمريكي.
وبحسب المجلة الأمريكية، ربما ترسل الولايات المتحدة مقاتلات شبحية من طراز إف-35 إلى القارة الإفريقية لمهام الردع والتشغيل المشترك بين الدول الحليفة أو لغرض إضافة وجود "قوة عظمى" أكبر للوجود الأمريكي في القرن الإفريقي. وربما لا تكون هناك حاجة إلى وجود قوة برية كبيرة، بل يكفي زيادة المراقبة على ارتفاعات عالية أو زيادة دوريات فرقة عمل القاذفات أو أنواع أخرى من تدريبات الاستعداد لحرب القوى العظمى.
خلال الحرب الباردة، أنفق الاتحاد السوفييتي مليارات الدولارات على مساعدات عسكرية لحلفائه الأفارقة، إلا أن انهيار الحكم الشيوعي في أوائل التسعينيات أجبر روسيا على التراجع عن دورها الواسع على الساحة العالمية.
لكن اليوم، تواجه أمريكا معضلة تمدد النفوذ الروسي في إفريقيا وإن كان أصغر حجما من الصيني، فبعد ثلاثة عقود تقريبا من انهيار الاتحاد السوفيتي، يحمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على عاتقه مهمةَ إعادة بناء نفوذ موسكو الدولي في الشرق الأوسط وإفريقيا، وتعتمد الحملة، في جزء منها، على بناء تحالفات مع دول نامية خارج القنوات الرسمية، غالبا من خلال وكلاء مثل متعهدي شركات أمن خاصة وشركات تجارية ومستشارين.
ويتزامن النشاط الروسي في القارة مع تراجع دور الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في تلك المناطق. وتتمثل مساعي روسيا لممارسة النفوذ السياسي في إفريقيا عبر شركات الأمن الخاصة مثل "فاغنر" التي بدأت تدور أحاديث عن انتشارها في مالي والساحل، وذلك بعد تدخلاتها في ليبيا وإفريقيا الوسطى. وتحقق موسكو مساعيها كذلك عبر الشركات التي تسعى للوصول إلى موارد إفريقيا مثل النفط والذهب والماس، وفقاً لمسؤولين أوروبيين.
وحازت شركة روسية مؤخرا على عقد للتنقيب عن الذهب في السودان، وذلك حيث يشرف متعهدون تابعون لها أيضا على تدريب قوات سودانية، وفقا لوزارة الخارجية الروسية ومسؤولي الأمن الأوروبيين.
وفي أكتوبر 2019، سافر 43 رئيسا إفريقيا إلى منتجع سوتشي الروسي لحضور قمة "روسيا إفريقيا" الأولى. وعقد القادة تشابكات مع شركات حكومية روسية عاملة في مجالات الدفاع والتنقيب عن الغاز والنفط، واشتروا ما قيمته 12.5 مليار دولار من السلع والمعدات الزراعية الروسية، وعقود المصافي والسكك الحديدية، ومنذ ذلك الحين تتعزز علاقات الكرملين بأفريقيا.
موسكو وبكين
يوم الجمعة 16 ديسمبر 2022 أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن تصريحات واشنطن خلال القمة الأمريكية الأفريقية تدل على أنها غير قادرة على الحوار المتكافئ والمنافسة النزيهة. وجاء في بيان للخارجية الروسية: "انتبهنا إلى التصريحات الكثيرة المعادية لروسيا والصين، التي أدلى بها المسؤولون الأمريكيون أثناء قمة الولايات المتحدة وإفريقيا". "مرة أخرى تظهر واشنطن أنها غير قادرة على الحوار المتكافئ والمنافسة النزيهة، وتصريحاتها بشأن حرية الخيار للدول الإفريقية دليل على ازدواجية المعايير".
وأشارت بهذا الصدد إلى مشروع القانون الأمريكي حول "التصدي للأنشطة الخبيثة لروسيا في إفريقيا"، مضيفة أن هذا المشروع "ينص على المعاقبة الجماعية على أي تعاون مع روسيا".
وأكدت أن "مثل هذه القيود على الحريات السياسية والاقتصادية الأساسية تدل على المنافسة غير النزيهة وفرض الأجندات الغربية على الدول الأخرى بفظاظة".
وأضافت أن "روسيا متضامنة مع الأصدقاء الأفارقة الذين يتخذون موقفا مستقلا، وقبل كل شيء بشأن الوضع حول أوكرانيا، على الرغم من الضغوطات الضخمة من الغرب، بما في ذلك التهديدات بقطع الدعم المالي".
في بكين أعلن المتحدث باسم الخارجية الصينية، وانغ ون بين، في إفادته الصحفية، أن الولايات المتحدة يجب أن تحترم رغبات شعوب الدول الأفريقية فيما يتعلق بتنمية التعاون الدولي.وأضاف: "إن دعم التنمية في أفريقيا مسؤولية مشتركة للمجتمع الدولي، ويسعدنا دائما أن نرى تنوع الشركاء الأفارقة، ونرحب أيضا بالمجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، لإيلاء المزيد من الاهتمام وزيادة الاستثمار في أفريقيا، والقيام بتعاون حقيقي متبادل المنفعة في أفريقيا".
كذلك أعرب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الصينية عن أمله في أن تكون الولايات المتحدة منفتحة بشأن تعاون الدول الأفريقية مع جميع الدول.
وقال الدبلوماسي: "يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية احترام رغبات شعوب القارة الأفريقية، واتخاذ إجراءات ملموسة للمساعدة في تنمية أفريقيا بدلا من تشويه سمعة الدول الأخرى ومهاجمتها، ما يثير ضجة بلا معنى بهذا الصدد".
عمر نجيب