إن التفاهمات الدولية والإقليمية التي تجري بوتيرة متسارعة أشبه اليوم بقاطرة قادرة على تجاوز كل المشاكل والصعاب، حيث تتواصل اللقاءات والنقاشات، منها المعلنة والغير معلنة، بشأن الأزمة في سورية، وسبل التوصل الى إيقاف الحرب هناك، وإذا ما نجحت هذه التفاهمات في إيقاف القتال، فإن ذلك، سيقود الى تعزيز خارطة الأحداث ومجريات الأوضاع في سورية،
بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب على سورية راهن فيها الكثير على سقوط دمشق، أو حتى محاولة إضعافها، لكن الميدان القتالي أثبت أن سورية خرجت أقوى وأشرس مما كانت عليه، بذلك بات من الواضح تماماً أن مخططات اردوغان -سواء كانت تلك الهادفة إلى إسقاط النظام، أو إلى ضرب وتدمير سورية، أو تفكيكها إلى خطوط طائفية ومذهبية- قد منيت بالفشل الذريع، وبذلك دفعت تركيا ثمناً سياسياً ودبلوماسياً باهظاً لمغامرتها الطائشة في سورية.
في تطور مهم للحرب على الإرهاب تتجه سورية نحو الفصل الأخير من النصر بعد تمكن الجيش السوري بدعم حلفاؤه من سحق الجماعات الجهادية في البلاد، بعد أن ظلت تهيمن على مساحات شاسعة في أنحاء مختلفة من الأراضي السورية، واليوم تشير كل المعطيات إلى صمود الجيش السوري وحسمه المعارك الميدانية، لذلك يبدو الموقف التركي متراجع جداً، وتبدو أنقرة في مأزق كبير، فهي لا تعرف إن كانت تستمر في أفعالها أو تتراجع عن دعمها للمعارضة المسلحة، بمعنى إنه بعد صمود الجيش السوري أمام الحرب الشرسة عليه، ووقوف حلفاؤه معه، فإن الأمور متجهة نحو الحسم النهائي للمعركة، والجيش السوري لن يخرج خاسراً، وبالتالي فإن بعض الدول ولاسيما تركيا ستكون في قمة الإحراج، وعليها أن تبحث عن فرصة لتعيد العلاقات مع سورية، لأنه بدون سورية لا يمكن أن تمر أي ملفات إقليمية تهم المنطقة ، وفي هذا التوقيت، شأنه أن يحدث إنقلاباً في موازين القوى قد يسمح بمرور مرحلة جديدة بما يساعد في خروج المنطقة من أزمتها.
لا شك أن بعض التعديلات في موقف تركيا تجاه سورية قد بدأت، والحديث يدور عن تصحيح المواقف حيث أعلن الرئيس التركي أكثر من مرة عن استعداد أنقرة للنظر في إمكانية التعاون مع الرئيس الأسد، وأعتقد أن لذلك علاقة من جانب أنها تواجه الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، والانتخابات الرئاسية القادمة، بالإضافة إلى الإخفاقات المتتالية التي منيت بها السياسة التركية المكلفة تجاه سورية، فضلاً عما يجري ميدانياً ولا سيما الانتصارات الكبيرة والسريعة من قبل الجيش السوري، هذه العوامل والحسابات مجتمعة تشير إلى أنه من المنطقي والبديهي أن تراجع أنقرة سياستها في سورية، لأنّ الحرب على سورية باتت استنزافاً دون نتيجة وليس ثمة جدوى منها.
على صعيد متصل هناك خطوة جديدة تخطوها تركيا في اتجاه إصلاح ما أفسدته سياتها الخارجية خلال الفترة السابقة، حيث كشف وزير الخارجية التركي ، أن بلاده تبني “آلية قوية” مع روسيا وإيران في مسعى لإنهاء الحرب والصراع في سورية، كما أن تركيا باتت جاهزة الآن لتغيير منهجها إزاء الأزمة السورية، فهي تهتم الآن بأمنها القومي، وما يحصل من تحركات لوحدات حماية الشعب الكردية على حدودها مع سورية يشكل مصدر إزعاج وقلق كبيرين لأنقرة.
مجملاً….. كنت قد أكدت في مقالي السابق، بأنه لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الرئيسي الذي لعبته تركيا سياسياً و إستخباراتياً بالحرب على سورية ولكن الآن وبعد ان فشل المخطط الرئيسي لأنقرة و حلفاؤها في إضعاف سورية وبعد الانتصارات التي يحققها الجيش السوري في الميدان، نتساءل: هل تعتذر أنقرة للرئيس الأسد وتعلن عودة علاقاتهما قريبا؟ وهل تجمد تركيا دعمها ومساندتها للجماعات المسلحة في سورية؟ فالقراءات السياسية تقول أن أردوغان يتخبط ويغرق في المستنقع السوري، وان إقترابه من المعسكر الإيراني السوري الروسي، سيؤدي الى حل مشاكل كثيرة في بلاده، كما ان تركيا مقبلة بشكل أساسي على تغيرات حاسمة وعميقة تجاه الأزمة السورية، خاصة بعد إنسداد الأفق لديها للخروج من مأزقها الذي وضعه أردوغان في وجهها.
أختم مقالي بالقول… لقد آن الأوان أن تستعيد سورية مكانتها ودورها البارز على المستويين الإقليمي والدولي، وتؤكد على أنها لن تسمح لأي طرف بالتدخل في شؤونها الداخلية.
الدكتور خيام الزعبي كاتب سوري