الحرب ستنتهي إما بيأس الروس أو باستفحال مشاكل وتفتت الغرب واشنطن تعوض خسائرها وتدعم عملتها على حساب الاتحاد الأوروبي

ثلاثاء, 2022-11-29 14:20

رغم أن الجولة الثانية من الحرب المستعرة في وسط شرق أوروبا قد دخلت شهرها العاشر ابتداء من يوم 24 نوفمبر 2022 تبقى الصورة غير واضحة بشأن المسارات الممكنة خلال الأشهرالقادمة. في بعض أرجاء الغرب وخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا يتحدث السياسيون عن الانتصار على موسكو وإجبارها على الانسحاب من الأراضي المتنازع عليها مع كييف ويؤكدون أن العقوبات والحصار الاقتصادي الغربي على موسكو يؤتي أكله ويزيد من المشاكل التي يواجهها ساسة الكرملين وسيدفع مواطنيهم إلى الثورة. غير أن هؤلاء السياسيين ليسوا متفقين على المدة التي سيستغرقها الصراع العسكري للوصول للنتيجة التي يعدون بها، البعض يتحدث عن أسابيع وآخرون يقولون ان المواجهات المسلحة قد تستمر حتى ما بعد نهاية سنة 2023، وأنها عملية استنزاف يخوضها الغرب ضد روسيا ومن يتحالف معها أو يساندها.

على عكس السياسيين في الغرب وحتى في أكثر الأوساط تطلعا لتكبيد الكرملين نكسة كبيرة، يسجل أن جزء من أكثر القادة العسكريين نفوذا وتأثيرا لا يدعمون فرضية هزيمة روسيا في المواجهة العسكرية الدائرة في وسط شرق أوروبا بل ويذهبون إلى تأكيد عدم إمكانية إخراج الجيش الروسي من الأراضي التي سيطر عليها منذ 24 فبراير 2022 والتي تشكل حوالي 24 في المئة من مساحة أوكرانيا، وينصح هؤلاء بالإسراع بفتح مفاوضات مع الكرملين ووقف إطلاق النار حتى لا تتصاعد الخسائر وأخطار إفلات التحكم في الأحداث والسقوط في فخ التصعيد.

مواقف الطبقة العسكرية غير المتجانسة مع الطبقة السياسية المتحكمة ولدت توترا خاصة في الولايات المتحدة وألمانيا وإلى حد أقل في لندن، ولكن وفي نفس الوقت وجدت تقبلا داخل العديد من الأوساط السياسية والاقتصادية التي لا تساهم بقدر فعال في رسم سياسات العواصم الغربية الأكثر تأثيرا.

داخل المعسكر الآخر أي في روسيا والقوى المساندة لها يسجل أنه وتقريبا منذ بداية المواجهات في 24 فبراير 2022 كان الحديث يتركز على استرجاع الأراضي الروسية التي ضمت إلى أوكرانيا في نطاق التقسيمات الإدارية لدولة الاتحاد السوفيتي حين كانت الأخيرة جزء من هذا الكيان، وهي أراضي يشكل الناطقون بالروسية غالبية سكانها والذين أصبحوا مهددين في ظل الحكم القائم في كييف. وكان هناك تأكيد وتكرار بأن الكرملين يرغم في التفاوض ولا يريد تهديد الناتو ودوله أو هزيمته. مع استمرار الحرب تشدد الموقف الروسي بالحديث عن نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

على بعد حوالي 31 يوما على نهاية سنة 2022، ما هي الحقائق على الأرض التي يمكن أن تعطي استشراقة حول ما قد يأتي.

الوضع العسكري على الساحة شبه جامد بعد استرجاع القوات الأوكرانية مثلث خاركيف ليمان إيزيوم في 11 سبتمبر 2022 البالغ مساحته 3000 كيلومتر مربع ثم مدينة خيرسون التي انسحب منها الجيش الروسي يوم الجمعة 11 نوفمبر 2022 حسبما قالت قياداته للتموضع في مواقع أفضل للدفاع. روسيا وسعت عمليات القصف بالصواريخ والطائرات لتشمل إلى جانب الأهداف العسكرية جزء كبيرا من البنى التحتية خاصة في مجال الطاقة لزيادة عبء الحرب على كييف وداعميها ولكنها لم تصل بعد إلى تدمير محاور الموصلات سواء الطرق أو منشآت السكك الحديدية والقناطر والموانئ وجزء كبير من المطارات وكذلك مراكز الحكومة الأوكرانية ومبانيها الإدارية الأساسية.

رئيس أوكرانيا يرفض التفاوض مع موسكو ويصر على شرط أساسي وهو انسحاب القوات الروسية والعودة إلى خطوط سنة 2014، وفي نفس الوقت يبشر بالانتصار على روسيا عسكريا ويطلب من الغرب المزيد من المعونات العسكرية والاقتصادية مؤكداأن ذلك هو الطريق الوحيد لحماية الديمقراطية في العالم من قوى الشر.

ما بين الخطب المتضاربة يسجل أن الغرب يتكبد مع مرور الأيام مزيدا من الخسائر الاقتصادية ويشهد تضخما كبيرا ما بين 6 في المئة وحوالي 10 في المئة بينما ينخفض الانتاج ويلوح في الأفق خطر الركود وترتفع مستويات الفقر وتنخفض القدرة الشرائية لكل سكان أوروبا الغربية، وتواجه دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا اختلالا في الموازنات وترتفع أسعار الطاقة بشكل يهدد كل الإنتاج فما بالك بأغلب دول العالم المصنفة نامية. في روسيا لم تظهر سوى تأثيرات قليلة للحصار الاقتصادي الغربي وإن كان هناك في الغرب من يتوقع تأزم الوضعية خلال أشهر.

امتداد أمد الحرب والاستنزاف من تدفق عشرات المليارات من الدولارات من الغرب لدعم كييف أعاد إحياء خلافات أوروبية دفينة حول الحدود الموروثة عن تسويات نهاية الحرب العالمية الثانية وحول شكل العقوبات على روسيا وبشأن من يستفيد أو يحاول الاستفادة من الحرب وسط التحالف الغربي كما أضعف الكثير من الحكومات الغربية. المشكلة الأوضح حاليا في المعسكر الغربي هي بوادر حرب تجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، واتهامات لواشنطن باستغلال حرب أوكرانيا لتدمير الوحدة الأوروبية بوصفها إلى جانب الصين اكبر منافس اقتصادي للولايات المتحدة.

 

العسكريون وسراب النصر 

 

يوم 16 نوفمبر 2022 صرح الجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي بأن نجاح الأوكرانيين في طرد القوات الروسية عبر الوسائل العسكرية هي مهمة صعبة للغاية، مشيرا إلى أن دحر كل قوات روسيا من كامل أراضي أوكرانيا في القريب العاجل يعد احتمالا مستبعدا.

قبل ذلك وخلال شهر مايو 2022 دعا الجنرال مارك ميلي الجيل القادم لإعداد الجيش لخوض حروب مستقبلية قد لا تشبه حروب اليوم، مؤكدا أن السنوات الـ25 المقبلة لن تكون مثل سابقاتها. ورسم ميلي صورة قاتمة لعالم أصبح أكثر اضطرابا، مع وجود قوى عظمى عازمة على تغيير النظام العالمي. 

وأخبر رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الطلاب المتخرجين من الأكاديمية العسكرية الأمريكية في ويست بوينت أنهم سيتحملون مسؤولية التأكد من أن أمريكا جاهزة. وأضاف: "إن احتمال نشوب صراع دولي كبير بين القوى العظمى يتزايد، ولا يتناقص.. مهما كان التقدم الذي تمتعنا به عسكريا على مدار السبعين عاما الماضية، فإنه ينغلق بسرعة وستكون الولايات المتحدة في الواقع أمام العديد من التحديات في كل المجالات الحرب، والفضاء، والإنترنت، والقوات البحرية والجوية والبرية".

وقال إن أمريكا لم تعد القوة العالمية التي ليس لها منازع، مضيفا "يتم اختبارها في أوروبا من خلال العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفي آسيا من خلال النمو الاقتصادي والعسكري الهائل للصين وكذلك التهديدات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، وفي الشرق الأوسط وإفريقيا من خلال عدم الاستقرار.

من جانبه حذر وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن يوم السبت 19 نوفمبر من مخاطر انتشار الأسلحة النووية العالمي إذا انتصرت روسيا في حربها، مشيرا إلى أن بلاده لن تنجر إلى ما وصفها "بالحرب الاختيارية" التي شنها الرئيس الروسي بوتين.

تتحدث بعض مصادر الرصد خاصة في برلين وباريس ومنذ شهر سبتمبر 2022 عن تصاعد الخلاف بين مكونات أساسية في البيت الأبيض والبنتاغون الأمريكي حول سبل التعامل مع الحرب في أوكرانيا ورغم الحرص على عدم كشف هذا الخلاف تسربت البعض من اخباره.

ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" خلال شهر أكتوبر 2022: دخلت الحرب شهرها التاسع وما زالت الولايات المتحدة تحشد قوتها الدبلوماسية والعسكرية لمساعدة كييف في حربها على روسيا، في دعم لافت حظي بتوافق نادر بين الجمهوريين والديمقراطيين، إلا أن أصواتا من الحزبين تعالت في الآونة الأخيرة تطالب بعدم إهمال الدبلوماسية في المقاربة الأمريكية لمنع نشوب صراع أوسع في أوروبا.

تلك الأصوات المنادية بالدبلوماسية حلا للحرب التي يخشى العالم توسعها لاقت صدى لدى رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مارك ميلي، الذي أبدى خلال اجتماعات داخلية دعمه المساعي الدبلوماسية لإنهاء الحرب، والضغط على أوكرانيا لتعزيز مكاسبها على أرض المعركة من خلال التفاوض مع الروس.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" برز الجنرال ميلي كأحد أكثر الداعمين للحل السياسي خلال نقاشات البيت الأبيض، ودافع عن رؤيته موضحا بأن هدوء القتال المتوقع في الأشهر المقبلة مع قدوم الشتاء يمثل فرصة للمحادثات بين طرفي الحرب. وحذر ميلي من أن صور الأقمار الاصطناعية تظهر أن الروس يحفرون الخنادق ويؤسسون لخطوط ثابتة عبر معظم الأراضي التي سيطروا عليها استعدادا لفصل الشتاء، مما يعكس أن الانسحاب الروسي من خيرسون، إحدى المدن الأوكرانية الأربع التي احتفل فلاديمير بوتين بضمها، كان تكتيكيا لإقامة موقف دفاعي أقوى.

 

بين رؤيتين

 

مقاربة كبير الجنرالات الأمريكيين لإنهاء الحرب لم تلق تأييدا لدى مستشاري الرئيس جو بايدن، الذين يرون أن الجانبين غير مستعدين للتفاوض، وأن توقف القتال سيمنح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة لإعادة تنظيم صفوفه. ولا يرى مساعدو الرئيس الأمريكي ترددهم حيال المفاوضات متعارضا مع دعمهم المعلن لإنهاء الحرب عبر القنوات الدبلوماسية، فهم يقولون إن الحرب ستنتهي في نهاية المطاف عبر المفاوضات، إلا أن اللحظة لم تحن بعد، ولذلك يجب ألا تظهر واشنطن وكأنها تضغط على الأوكرانيين للتراجع. 

وتجنب ميلي الإعلان عن آرائه حتى لا يظهر وكأنه يضعف موقف الحكومة الأوكرانية التي ترفض المفاوضات قبل تحرير أراضيها من القوات الروسية، إلا أن آراءه لم تبق حبيسة الغرف المغلقة في البيت الأبيض، إذ خرج الخلاف بين أجنحة الحكومة الأمريكية إلى العلن بعد أن أطل الجنرال المخضرم من نيويورك الأربعاء 16 نوفمبر، وقال "اغتنموا اللحظة".

وأتبع ميلي دعوته للتفاوض بين الأوكرانيين والروس بالتأكيد أن القتال وصل إلى طريق مسدود. وأوضح في مقابلة يوم الخميس 17 نوفمبر على قناة "سي أن بي سي" بأن ما يحمله المستقبل مجهول ولا يمكن التنبؤ به، إلا أن هناك فرصا للتوصل إلى حلول دبلوماسية للصراع.

واستشهد ميلي خلال خطابه في النادي الاقتصادي في نيويورك بالحرب العالمية الأولى عندما انخرط الطرفان في حرب خنادق امتدت لسنوات، قتل خلالها الملايين من دون تغيير كبير على الأرض. ووصف مسؤولون أمريكيون وجهة نظر الجنرال قائلين "إن الهدف ليس مكافأة السيد بوتين، لكن ربما يكون هذا هو الوقت الذي يمكن فيه لأوكرانيا وحلفائها العمل على حل سياسي، لأن الحل العسكري قد لا يكون ممكنا في المستقبل القريب".

على رغم أن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان عقد محادثات سرية مع كبار مساعدي الرئيس الروسي لاحتواء الأزمة بحسب تقارير أخيرة، فإن كبار مساعدي الرئيس الأمريكي ومنهم سوليفان لا يبدو عليهم الرغبة في الضغط على كييف. قال سوليفان في وقت سابق إن "الولايات المتحدة لا تمارس ضغوطاعلى أوكرانيا"، مشيرا إلى أن ما تفعله بلاده هو التشاور معها كشركاء، وإظهار الدعم لكييف ليس عبر الخطابات العامة فحسب، ولكن من خلال الدعم الملموس كالمساعدات العسكرية.

 

تعقد الوضع في ميدان القتال

 

كتب محلل في صحيفة اندبندنت ازداد تعقد الوضع في ميدان القتال، لكن مع طول المدة أصبح ما خارج الميدان مهما أيضا. اتسعت الفجوة بين تصريحات القادة الغربيين عن الحرب وبين مواقفهم في الواقع. فبعدما كانت أوروبا تريد استعادة سيادة أوكرانيا، والانتصار على قوى الظلام، كما صرح الرئيس الأمريكي، باتت مشاعر القلق والذعر هي السائدة بسبب تداعيات الحرب على الاقتصاد.

ومع رفض قادة الناتو المشاركة المباشرة في الحرب ضد روسيا، وظهور بعض التململ من تجاوز الدعم العسكري لأوكرانيا الحد المسموح، يخشى ساسة كييف أيضا تلقي طعنة من الأصدقاء عند حلول الشتاء. حرب أوكرانيا تحولت لحرب استنزاف طويلة الأمد، يمكن أن تستمر لسنوات. فالمساعدات السخية التي قدمتها أوروبا لأوكرانيا حالت دون تكبدها هزيمة مهينة أمام روسيا، لكنها في الوقت نفسه ليست كافية لهزيمة روسيا.

هذا الاستنزاف لن يكون لأوكرانيا وحدها، بل للغرب بالكامل من خلفها. سيبدأ من الصعيد السياسي، فالأزمة الاقتصادية التي خلقتها الحرب تستغلها الأحزاب الشعبوية لجذب الناخبين. كما أن استطلاعات الرأي في ألمانيا تشير إلى أن 50 في المئة من الألمان يؤيدون تنازل أوكرانيا عن بعض الأقاليم لصالح روسيا منأجل إنهاء الحرب.

 

تغيير المعالجة الخاطئة للحرب

 

يقول المحلل الأكاديمي الأمريكي الدكتور بول بيلار في تصريحات نشرت بتاريخ 23 نوفمبر 2022:

تطرح الأسئلة المحيطة بالسياسة الأمريكية إزاء الحرب الروسية الأوكرانية أسبابا متعددة للنقاش. فقد دفعت الحرب واشنطن وحلفاءها الغربيين إلى اتخاذ قرارات صعبة ومقايضات لا مفر منها.

ويضيف أنه يتعين أن تقترن الرغبة الجديرة بالثناء لدعم مقاومة أوكرانيا بإدراك أن مصالحها الوطنية ليست مطابقة لمصالح داعميها. ويجب أن تتم موازنة مبدأ عدم السماح بمكافأة العدوان السافر مع خطر التصعيد إلى حرب أوسع نطاقا.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن مساعدة أوكرانيا تنطوي على مقايضات للموارد، وقد يتعارض إبقاء الدول في تجمع مناهض لروسيا مع أشياء أخرى تريدها الولايات المتحدة من البلدان المعنية.

وذكر بيلار، الذي خدم طوال 28 عاما في أجهزة المخابرات الأمريكية، في تقرير نشرته مجلة :ناشونال إنتريست"، إنه على الرغم من أن أي سياسة تتعلق بهذا الأمر ستوفر للمعلقين شيئالمعارضته، فإن أي سياسة ستكون سليمة إذا كانت قائمة على أساس نقاش عام يوظف مفاهيم واضحة وصحيحة للارتباط بين العمليات العسكرية والدبلوماسية في الحرب.

وفي هذا المجال، أظهر النقاش في الولايات المتحدة حول الحرب الروسية الأوكرانية كثيرا من أوجه القصور المتكررة مع تطوره على مدى الأشهر التسعة الماضية.

وأوضح بيلار أن من أوجه القصور في النقاش حول الحرب، المبالغة في رد الفعل تجاه التطورات قصيرة المدى، والمثال على ذلك هو التاريخ البائس لرسالة مفتوحة من 30 عضوا تقدميا في الكونغرس الأمريكي يحثون فيها على إجراء مفاوضات لإنهاء الحرب. وتم الحصول على معظم توقيعات المؤيدين خلال الصيف إلا أنه لم يتم الكشف عن الرسالة حتى أكتوبر. وقد أثارت الرسالة سريعا ردود فعل سلبية، فقال بعض المشرعين، الذين وقعوا عليها بالفعل، إنهم لن يستمروا في دعمها بعد الكشف عنها. لقد كانت النقاط التي شملتها الرسالة صحيحة وقائمة، كما كانت وقت التوقيع عليها، ولكن الأمر الذي تغير هو أن القوات الأوكرانية حققت مكاسب في تلك الفترة.

وبالطبع، كانت المواقف الدبلوماسية بشأن إنهاء الحروب تعكس دائما نتائج أرض المعركة، ولكن هذا النوع من رد الفعل على هجوم ناجح هو نهج قصير المدى في التعامل مع مشكلة طويلة المدى. إن نجاح واستقرار أي اتفاقية سلام تنهي الحرب في أوكرانيا سيعتمدان على درجة حلها للقضايا طويلة المدى، بما في ذلك القضايا التي دفعت روسيا في الأساس إلى اتخاذ قرار شن الحرب. 

ويرى بيلار أن مجرى سير الحروب، بما في ذلك الحرب الحالية، يمكن أن يتغير بسرعة أسرع من إمكانية إتمام مفاوضات السلام. وتظهر الكثير من الحروب ديناميكية عسكرية متغيرة، فبعد نجاح أحد الأطراف في أرض المعركة تأتي عليه فترة يصعب عليه فيها بدرجة أكبر، لأسباب مثل خطوط الإمداد الطويلة أو تعزيز العدو لدفاعاته، تحقيق مزيد من الانتصارات.

ومن أوجه القصور في التعامل مع الحرب أيضا، تقليص كل شيء إلى بعد واحد فقط من الأبعاد، حيث يحاول كثير من النقاش تبسيط القضايا إلى مجرد السؤال الذي يبدو بسيطا بشأن ما إذا كان المرء مع أو ضد الدعم الثابت لزيلينسكي وحكومته.

وقال بيلار إنه لا يمكن تقليص الجوانب المتنوعة السياسية والدبلوماسية والمالية والعسكرية للسياسة تجاه الحرب في أوكرانيا في بعد واحد أو موقف واحد. إذ لا يوجد أي تناقض في الدعوة إلى دبلوماسية نشطة تهدف إلى التوصل إلى تسوية سلمية، مع الاستمرار في تقديم مساعدات مادية قوية لأوكرانيا. وفي الواقع، من المنطقي النظر إلى هذه المساعدة على أنها تهدف في الأساس إلى تعزيز الموقف التفاوضي للجانب الأوكراني في أي مفاوضات سلام. وبالعكس، سيكون الأمر متسقا منطقيا، وإن لم يكن بالضرورة أفضل سياسة، أن يتم الجمع بين معارضة إجراء مفاوضات سلام الآن مع خفض الدعم المادي لأوكرانيا، على افتراض أنه يجب الحفاظ على الموارد من أجل مجهود حربي طويل المدى.

واعتبر بيلار أنه أيضا من أوجه القصور في النقاش الخاص بالحرب عدم الاهتمام الكافي بمصالح الطرف الآخر، قائلا إنه ليس من المستغرب أن يركز المعلقون على جانبهم في الحرب أو الجانب الذي يؤيدونه. بالطبع سيكون من اللائق أن يتم التفاوض من أجل إنهاء الحرب عندما يكون مجرى سير الحرب على أرض المعركة لصالح من لهم الحق، ويمكن توقع تسوية سلمية تعكس هذا الوضع. ولكن العدو يرغب في نفس الشيء لنفسه، ورغبة الجانبين في ذلك هي في الواقع وصفة لعدم إجراء مفاوضات سلام، ولاستمرار الحرب إلى ما لا نهاية.

وذكر إن تأخير المفاوضات على أمل تحقيق نجاحات عسكرية مستمرة لا يشكل فقط خطأ في افتراض أن الأداء السابق سيمتد إلى المستقبل، وإنما يعد فشلا أيضا في إدراك أن العدو له نفس الحق في اختيار وقت وشروط بدء المفاوضات. إن مفاوضات السلام تبدأ على الأرجح وتنجح، ليس عندما تسير الحرب بشكل جيد لصالح أحد الطرفين، ولكن عندما تكون هناك حالة جمود مؤلمة للطرفين.

وأشار بيلار إلى آخر أوجه القصور في رأيه، وهو وهم تحقيق الانتصار، مؤكدا أن الحرب الروسية الأوكرانية لن تنتهي بأي شيء يمكن وصفه بشكل شرعي بأنه انتصار لطرف أو للطرف الآخر، على الرغم من الاستمرار في استخدام هذا المفهوم حتى المصطلح.

ويقول بيلار إن كل الحروب تقريبا تنتهي بالتوصل إلى صفقة من نوع ما، أحيانا بشكل ضمني، ولكن من خلال مفاوضات صريحة في كثير من الأحيان وهو ما يكون أفضل. حتى النتائج التي توصف بأنها "انتصار" تنطوي دائما على مثل هذه الصفقة. والاستسلام "غير المشروط" لا يكون حقا غير مشروط. واختتم بيلار تحليله بالقول إن الاستثناءين الوحيدين لهذا الوضع هما عندما تتم إبادة أحد الطرفين تماما أو عندما ينسحب أحد الطرفين تماما بشكل أحادي من منطقة متنازع عليها. ومن الواضح أن الاستثناء الأول لن يحدث في أوكرانيا، ومن غير الواقعي توقع أن يقوم بوتين بالاستثناء الثاني، وهو الانسحاب.

 

انقسام في تحالف الغرب

 

جاء في تقرير نشره موقع اندبندنت يوم 25 نوفمبر 2022: أوردت صحيفة "بوليتيكو" على موقعها الإلكتروني أن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي يهاجمون الرئيس الأمريكي جو بايدن لأسباب تتعلق بارتفاع أسعار الغاز ومبيعات الأسلحة والتجارة ومحاولته استثمار إطالة الصراع لتحقيق مكاسب، في وقت تهدد فيه الحرب في أوكرانيا بتدمير الوحدة الأوروبية. ونقلت عن مسؤول أوروبي بارز، "تتمثل الحقيقة في أنه إذا نظرتم إلى الأمر بهدوء، فإن البلد الأكثر استفادة من هذه الحرب هو الولايات المتحدة لأنها تبيع مزيدا من الغاز وبأسعار أعلى، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأسلحة".

وأعرب رسميون أوروبيون في السر والعلن عن قلقهم من الغضب المتزايد في أوروبا حيال الدعم الذي تقدمه أمريكا للغاز والطاقة في أراضيها، فيما ترتفع أسعارهما في القارة العجوز، "مما يهدد بتدمير الصناعة الأوروبية.

واستطرادا، وصف مسؤول بارز في الاتحاد الأوروبي ذلك الوضع بأنه "منعطف تاريخي"، مضيفا أن الضربة المزدوجة الناجمة عن تعطل التجارة بسبب ذلك الدعم الأمريكي وارتفاع أسعار الطاقة، تخاطر بتأليب الرأي العام ضد المجهود الحربي والتحالف عبر المحيط الأطلسي. وبشكل كبير، تتأثر التجارة بين ضفتي الأطلسي لأن أسعار الطاقة المرتفعة في أوروبا، بسبب شراء الغاز من أمريكا، تؤدي إلى ارتفاع في أسعار السلع الأوروبية، مما يضعف قدرتها على المنافسة. ووفق المسؤول الأوروبي نفسه، "على واشنطن أن تدرك أن الرأي العام يتغير في عدد من دول الاتحاد الأوروبي".

وقد دعا جوزيب بوريل كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، واشنطن إلى الاستجابة للمخاوف الأوروبية.

وفي الأسابيع الأخيرة تمثلت أكبر نقطة توتر بين ضفتي الأطلسي في الإعانات والضرائب الخضراء التي يطبقها بايدن، خصوصاأن بلدانا أوروبية كثيرة عادت إلى الاعتماد على الفحم الحجري، مما يرفع تلك الضرائب عليها، بالتالي ترى بروكسل أن ذلك التصرف من بايدن يؤدي إلى ميل التجارة في شكل غير عادل بعيدا من الاتحاد الأوروبي، ويهدد بتدمير الصناعات الأوروبية. وعلى رغم الاعتراضات الرسمية من أوروبا، لم تظهر واشنطن حتى الآن أي علامة على التراجع.

وفي سياق متصل، أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أن ارتفاع أسعار الغاز الأمريكي ليس "وديا". وكذلك دعا وزير الاقتصاد الألماني واشنطن إلى إظهار مزيد من "التضامن" والمساعدة في خفض كلف الطاقة. وأعرب وزراء ودبلوماسيون مقيمون في دول أوروبية أخرى عن إحباطهم من الطريقة التي تتجاهل بها حكومة بايدن ببساطة أثر سياساتها الاقتصادية المحلية على الحلفاء الأوروبيين.

وفي المقابل، وضع النزاع المتزايد حول قانون بايدن للحد من التضخم، المكون من حزمة ضخمة من الضرائب والتدابير المناخية والرعاية الصحية، المخاوف في شأن حرب تجارية عبر المحيط الأطلسي على رأس جدول الأعمال السياسي مرة أخرى. وكان من المقرر أن يناقش وزراء التجارة في الاتحاد الأوروبي ردهم، الجمعة 16 نوفمبر، في وقت يضع فيه المسؤولون في بروكسل خططا لإنشاء صندوق للدعم الطارئ في حال توسع الحرب، بغية إنقاذ الصناعات الأوروبية من الانهيار.

وفي ملمح مغاير، شدد مسؤول أمريكي على أن تحديد أسعار الغاز للمشترين الأوروبيين يعبر عن قرارات تتعلق بآليات السوق، ولم يأت نتيجة لأي سياسة أو إجراء للحكومة الأمريكية. وبحسب الموقع، اعتبر ذلك المسؤول الأمريكي أن الشركات الأمريكية شكلت موردا موثوقا وشفافا للغاز الطبيعي بالنسبة إلى أوروبا.

 

تفتيت الاتحاد الأوروبي

 

نقلت "بوليتيكو" عن مسؤولين أوروبيين، أن الحجج الأمريكية ليست جديدة، لكنها لا تقنع الأوروبيين على ما يبدو. "تبيع الولايات المتحدة لنا غازها بسعر مضاعف يساوي أربعة أضعاف "سعره في أمريكا". 

لقد أصبحت الطاقة الأرخص ميزة تنافسية ضخمة للشركات الأمريكية أيضا، إذ باتت تلك الشركات تخطط لاستثمارات جديدة في الولايات المتحدة، أو حتى نقل أعمالها الحالية بعيدا عن أوروبا إلى المصانع الأمريكية. ومثلا، خلال الثلث الثاني من نوفمبر، أعلنت شركة "سولفاي" الكيماوية المتعددة الجنسيات أنها ستختار الولايات المتحدة بدلا من أوروبا كمركز لاستثمارات جديدة، في أحدث سلسلة من إعلانات مماثلة صدرت من شركات صناعية عملاقة في الاتحاد الأوروبي.

وعلى الرغم من الخلافات حول الطاقة، بحسب "بوليتيكو"، أعلنت واشنطن عن خطة دعم صناعي بقيمة 369 مليار دولار بهدف مساندة الصناعات الخضراء. واتخذت الخطة شكل "قانون خفض التضخم" Inflation Reduction Act. وسرعان ما شعرت بروكسل بالذعر الكامل، "لقد غير قانون خفض معدل التضخم كل شيء"، وفق دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي الذي أضاف، "هل لا تزال واشنطن حليفتنا أم لا؟". ينظر الاتحاد الأوروبي إلى "قانون خفض التضخم" بشكل مختلف. وبحسب مسؤول من وزارة الخارجية الفرنسية، فإن التشخيص واضح، ويتمثل في أن الدعم الأمريكي المقدم وفق ذلك القانون المتعلق بالتضخم، ليس سوى "إعانات تمييزية من شأنها أن تشوه المنافسة". وقد ذهب وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لوميير إلى حد اتهام الولايات المتحدة بالسير في طريق الانعزالية الاقتصادية التي تنتهجها الصين، وحض بروكسل على تكرار هذا النهج. ووفق كلمات لوميير، "يجب ألا تكون أوروبا آخر من يسلك الطريق".

وبحسب الموقع نفسه، ثمة غضب متصاعد وراء الكواليس حيال الأموال المتدفقة إلى قطاع الدفاع الأمريكي. وحتى الآن، شكلت الولايات المتحدة أكبر مزود للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، إذ قدمت أكثر من 15.2 مليار دولار من الأسلحة والمعدات منذ بداية الحرب. وقدم الاتحاد الأوروبي حتى الآن نحو ثمانية مليارات يورو من المعدات العسكرية إلى أوكرانيا، وفقا لبوريل. وفي المقابل، أشار أحد كبار المسؤولين في عاصمة أوروبية إلى أن إعادة الامتلاء إلى مخازن بعض الأسلحة المتطورة قد تستغرق "سنوات" بسبب مشكلات في سلسلة الإمداد وإنتاج الرقائق الإلكترونية. وقد تغذت هذه المخاوف من أن صناعة الدفاع الأمريكية يمكن أن تستفيد أكثر من الحرب.

وبالفعل، يعكف البنتاغون على وضع خريطة طريق لتسريع مبيعات الأسلحة، مع تزايد الضغط من الحلفاء للاستجابة إلى الطلبات المتزايدة على الأسلحة والمعدات. وقد سمعت "بوليتيكو" من دبلوماسي آخر في الاتحاد الأوروبي أن "الأموال التي يجنونها من الأسلحة" يمكن أن توصل الأمريكيين إلى خلاصة مفادها أن القول بأن كسب "هذه الأموال كلها يأتي من الغاز" قد يكون "أكثر من اللازم بعض الشيء" بمعنى أنه يمكن لأمريكا أن تربح أيضا من بيع الأسلحة إلى الأوروبيين. وبالتالي شدد ذلك الدبلوماسي الأوروبي على أن خفض أسعار الغاز يمكن أن يساعد في"الحفاظ على توحيد آرائنا العامة"، والتفاوض مع بلدان ثالثة في شأن إمدادات الغاز. وأضاف الدبلوماسي نفسه، "ليس من الجيد، لجهة السمعة، إعطاء الانطباع بأن أفضل حليف لكم يحقق بالفعل أرباحا ضخمة من مشكلاتكم".

كشفت صحيفة "فاينانشيال تايمز" الأمريكية إلى أنه وفقا لتحليل شركة "غلوبال كوموديتي انسايت" للتقارير المتعلقة بالأرباح للربع الثاني والثالث من عام 2022 العام، بلغ الربح الصافي لشركات النفط والغاز المدرجة في البورصة العاملة في الولايات المتحدة 200.24 مليار دولار.

 

امتصاص

 

في 25 يناير 2022 وقبل شهر ونصف من اندلاع الحرب في شرق أوروبا أتمت مؤسسة RAND تقريرا لوكالة الأمن القومي والمخابرات المركزية الأمريكية. وقد تمكن قراصنة الانترنت من الحصول عليه، ونشروه على الويب. الوثيقة التي سماها القراصنة بـ "إنقاذ أمريكا وإضعاف ألمانيا"، تقول في نص واضح إن الوضع في أمريكا لن يصمد من دون موارد مادية ومالية من الخارج. وهناك مصدران فقط للحصول على هذه الموارد. الصين أو الاتحاد الأوروبي. لكن الصين ذات سيادة عالمية، خلاف الاتحاد الأوروبي، الذي هو مجرد هيئة سياسية. وإلى جانب ذلك، فإن الاقتصاد الصيني مرتبط بالاقتصاد الأمريكي ولا يمكن فصلهما بسرعة. امريكا بفضل الحرب وقوانينها تسحب الاموال والاطر من أوروبا.

في مواجهة هذا الخطر تعتزم ألمانيا وفرنسا تكثيف التعاون في مجال التقنيات الرئيسة المهمة استراتيجيا. جاء ذلك في بيان وقعه روبرت هابيك وزير الاقتصاد الألماني وبرونو لو مير نظيره الفرنسي في العاصمة الفرنسية باريس يوم 22 نوفمبر، وهذه التقنيات تضم تقنية الهيدروجين وتصنيع خلايا البطاريات والاقتصاد الصحي. كما تعتزم الدولتان إضافة إلى ذلك العمل على إعداد رد أوروبي قوي على قانون مكافحة التضخم الأمريكي.

من جانبها قالت قناة "CNBC" إن الاتحاد الأوروبي، شكل "جبهة موحدة" لمعارضة المبادرة الأمريكية، وذلك خوفا على صناعته، ووصف الاجراء الأمريكي بأنه تمييزي ضد منتجات مماثلة مستوردة من دول أخرى.

وصرح المفوض الأوروبي للسوق الداخلية، تيري بريتون، إنه لا يستبعد اتخاذ إجراءات جوابية إذا لم تعيد الولايات المتحدة النظر في هذه التدابير.

فشل

فشلت العقوبات لأنها لم تستطع إجبار بوتين على الانسحاب، وسبب الفشل هو أن جزءا كبيرا من العقوبات لم يكن إلا "ضحكا على اللحى" من جهة، ولأن روسيا أعادت توجيه صادرات النفط والغاز إلى دول أخرى من جهة ثانية، وهنا لا بد من التذكير أن العقوبات موجعة للطرفين، ولكن وجود آثار سلبيةمؤثرة كان شكليا وأن ما روجت له وسائل الإعلام أكبر بكثير من حقيقته والأمثلة كثيرة، فبعد بداية الحرب أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أنه سيعاقب روسيا من طريق وقف واردات النفط الخام الروسي، ولكن كندا لا تستورد النفط الخام الروسي. وأعلن رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون أن بريطانيا ستوقف واردات النفط الروسي ولكن في نهاية العام وحاليا يجري بحث التمديد، وأعلن الرئيس بايدن رسميا أنه تم طرد البنوك الروسية من نظام "سويفت"، وتبين أنه تم طرد بنوك روسية محلية بينما لم تتأثر أغلب البنوك الكبيرة. 

وأعلنت شركة "شل" أنها لن تشتري النفط الروسي، ولكن قراءة متأنية للبيان الصحافي على موقع الشركة يبين أن المقصود هو الشراء في الأسواق الفورية وليس العقود، وأعلنت شركات نفط وخدمات نفطية انسحابها من روسيا ليتبين في ما بعد أن انسحابها يعني عدم القيام باستثمارات جديدة، وأوقفت شركتا " فيزا" و"ماستركارد" عملياتهما في روسيا، ليتبين في ما بعد أن أي بطاقات مسحوبة على بنوك روسية لا تعمل خارج روسيا، ولكن لا مشكلة في استخدامها داخل روسيا إطلاقا.

وأقر الاتحاد الأوروبي قانونا يمنع الشركات الأوروبية من دفع ثمن الغاز بالروبل الروسي كما طلب بوتين، إلا أن الكل يعرف أن هناك لعبة يمارسها الجميع كل يوم، الشركات الأوروبية تدفع ثمن الغاز لبنك شركة "غازبروم" المستثنى من العقوبات باليورو أو الدولار بحسب العقد المبرم مع الشركة ويتوافق مع متطلبات الاتحاد الأوروبي عدم الدفع بالروبل، إلا أن بنك "غازبروم" يرفض إعطاء إيصال بتسلم الدفعة لأنها يجب أن تتم بالروبل لتستوفي المطلب الروسي، فيقوم البنك بتحويل الدولار واليورو إلى روبل ثم يضعها في حساب كل شركة لدى البنك بالروبل، وهي حسابات فتحتها الحكومة الروسية للشركات الغربية من دون موافقة الشركات، ثم يتم تحويل المبالغ بالروبل من حساب الشركات إلى حساب شركة "غازبروم"، وعندها تحصل الشركات الأوروبية على إيصالات بتسلم المبالغ.

قرار دول "مجموعة السبع" بوضع سقف سعري للنفط الروسي، وطريقة تطبيقه لن تحيد عن تاريخ العقوبات فهو مجرد لعبة جديدة، لأنه غير قابل للتطبيق فروسيا ستبيع فقط لمن يشتري بسعر تحدده هي.

 

عمر نجيب

[email protected]