مبادرة الوطن العربي الإفتراضي تمثّل كيانًا افتراضيًّا موحّدًا وموازيًا للعالم العربي الحقيقي المجزّأ والممثّل باثنتين وعشرين دولة على الأرض. والمبادرة تجسّد الاتّجاه السائد في العالم للاستفادة من الفضاء الإفتراضي كمجال واعد لمواجهة مشاكل الواقع الحقيقي وتحسين ظروفه. ومن المأمول أن تكون الخطوة الأولى في الطريق الصحيح والطويل نحو وطن عربي حقيقي وموحّد.
والمبادرة لا تسعى للتعامل- بأيّ شكلٍ من الأشكال- مع أمور مادّية كالعملات المشفرة أو الأراضي الافتراضية أو غيرها، وليست موجّهة الى أي كيان معيّن أو منطقة جغرافية خاصّة. تمثّل المبادرة في إحدى جوانبها منتديًا فكريًّا عربيًّا، تتيح لمواطنيها الافتراضيين مناقشة والتأثير في قضايا العرب الحيوية بطريقة علمية هادئة، متحرّرين من تعقيدات الفرقة المصطنعة الناتجة عن تناقض مصالح واهتمامات الدول والكيانات المنبثقة عن "معاهدة سايكس بيكو". وتهدف لتشكيل رأي عام عربي يمثّل قاسمًا مشتركًا بين مختلف التوجّهات الفكرية والسياسية والأيديولوجية وضاغطًا باتّجاه الوحدة العربية الطوعية كاتّحاد فيدرالي بين "الإثنتين والعشرين ولاية" التي تمثّل الدول العربية الحالية، ليتحوّل الوطن العربي الإفتراضي الى تجسيد حقيقي على كامل التراب العربي باسم:
الولايات العربية المتحدة
(United Arab States- UAS)
ومن أجل هذا الهدف، لن يتمّ التطرّق الى الاختلافات الفكرية والسياسية والأيديولوجية – مع احترامها- لأنّ الهدف الأساسي هو إقامة الوطن الموحّد وبعد ذلك يُترك شأن طبيعته الدستورية والأيديولوجية لرأي الأغلبية عبر الطرق الديمقراطية. تسعى المبادرة الى ترسيخ حلم الوطن العربي الموحّد في عقول أبنائه -قبل قلوبهم- عبر برنامج إقناع مبني على الحقائق من أجل الوصول طواعية للتجسيد الفعلي على كامل التراب العربي. وتؤمن أنّ الوطن العربي الموحّد ليس غاية بحدّ ذاته فحسب، بل وسيلة لا غنى عنها لتحقيق الأمن والكرامة والحقوق الإنسانية والعيش الكريم لأبنائه!
لا تنتمي مبادرة الوطن العربي الإفتراضي لأي اتّجاه أو حزب سياسي أو حركة فكرية ما، ولا تسعى لذلك! وهي خطّة منهجية لا تمثّل حركة ثورية، وليس في منهجها الدعوة الى مسيرات شعبية أو أي عمل حركي، ولا تحتاج لذلك! المبادرة تهدف الى النشر الممنهج والشامل لثقافة التسامح وقبول واحترام الآخر على مستوى الأفراد في الوطن العربي ونبذ الميل للعنف والعنصرية بكافّة أشكالها. وتسعى لأن يتمتّع مواطنو "الولايات العربية المتّحدة" المأمولة بكافّة الحقوق والواجبات والمساواة التامّة سواء كانوا عربَا أو أقليّات، وتهيّء الفرصة لجميع المهتّمين العرب والمتخصّصين للتعبير عن آرائهم بحرّية حول كل ما يتعلّق بآمال وتطلّعات العالم العربي، ولتطوير حلول إبداعية قابلة للتطبيق للمشاكل المستعصية، بالإضافة لإعداد تصوّرات عملية مبنية على أسس علمية ومنهجية للقضايا المصيرية. المبادرة تُشرك التكنوقراط في وضع تصوّر الحلول للمشكلات الملحّة في العالم العربي، وذلك للاستفادة من القدرات الهامّة لمتخصّصي العلوم التطبيقية في حلّ المشكلات بطريقة علمية ومنطقية بحتة، بعيدًا عن المؤثّرات السلبية للقوى السياسية والاقتصادية المهيمنة.
المبادرة تستند على أنّ الوضع الجيوسياسي للمنطقة العربية يثبت من الناحية الواقعية عدم إمكانية تحقيق الاستقرار فيها، وبالتالى النهضة الشاملة والدفاع عن مقدّراتها وصيانة حقوق وكرامة شعبها، إلّا بوجود كيان متّحد (اتّحاد فيدرالي كامل). ولهذا نجد القوى العالمية-التي تدرك ذلك جيدًا- تعمل كل جهدها لعرقلة قيام اتّحاد عربي على أسس ثابتة. وحيث أنّ الوضع العربي الحالى المفكّك لا يستطيع مواجهة التحدّيات المصيرية للأمّة العربية، تؤمن المبادرة أنّه إذا اقتنع الشعب العربي بضرورة الاتّحاد - بصورة عقلانية - فلن تستطيع أي قوة خارجية منعه من تحقيق ذلك! وحيث أنّ دولًا مختلفة الأعراق واللغات والثقافات تسعى لإنشاء تكتّلات جامعة من أجل مزيدٍ من القوّة، نجد أنّ العالم العربي يجمعه تاريخ مشترك ولغة واحدة وقومية جامعة ووحدة جغرافية متواصلة. ولذلك تستند المبادرة على حقيقة أنّ العرب أولى بأن يكوّنوا وطنا موحّدًا من كثير من الاتّحادات العالمية مثل الهند والصين وروسيا، التي يتكون كلٌّ منها من العديد من القوميات والثقافات والأديان واللغات المختلفة وعدد سكّان بعضهم أضعاف سكّان الوطن العربي ومع ذلك أوطان موحّدة!
المبادرة تمثّل مسارًا عمليًّا مبنيًّا على مراحل للتنفيذ مع جدول زمني، وتستفيد من مميزات الفضاء الافتراضي لتوحيد العالم العربي على أُسسٍ علمية ومنهجية. مخاطبةً اللّبنة الأولى في الكيان العربي، وهي الإنسان العربي نفسه، ترتكز المبادرة على أساسين رمزييّن (العلم وبطاقة الهويّة) وعلى قاعدة دستورية (الدستور الافتراضي) وعلى خمس برامج عملية، ثلاثة منها تتعامل مع الحاضر واثنتان تحضّر للمستقبل. والمبادرة تستهدف القاعدة الصلبة التي تقف عليها أعمدة التفرّق والانقسام العربي منذ اتّفاقية “سايكس-بيكو” والتي تتمثّل في أمرين أوّلهما غياب- أو تغييب- الوعي الكامل عند الإنسان العربي بالحقائق الجيوسياسية للوطن العربي، وثانيهما الإحباط المتراكم عند المواطن العربي بسبب فشل محاولات سابقة- كانت متسرّعة وارتجالية- للوحدة العربية حتّى أصابه كثيرٌ من اليأس من إمكانية تحقيقها!
الهدف الأساسي التي تقوم عليه المبادرة، إذن، هي معالجة هذين الأمرين -عبر مخاطبة العقل الجمعي العربي بواسطة "برنامج الإقناع" من خلال كشف وبيان الحقائق الخاصة بالوضع العربي من كل الجوانب وبشكل علمي منهجي وملموس، تثبت الحاجة البديهية والملحّة لوجود الكيان العربي الموحّد بشكل عقلاني. وكذلك انتشال عقل الإنسان العربي من حالة الإحباط عبر الدعوة - والحثّ- الى التفكير، حيث أنّ مجرد بدء المرء في التفكير الجدّي في مشكلةٍ ما، هو أوّل الطريق الصحيح والآمن للوصول الى التغيير الإيجابي.
المبادرة تهتمّ ببناء الوطن العربي الموحّد في عقول أبنائه أولًا، معتبرةً أنّ البناء في العقول يمثل أقوى وأكثر الأبنية ثباتًا واستقرارًا، وبالتالي ستضعف تدريجيًّا القاعدة الصلبة التي تقف عليها أعمدة التفرّق والانقسام العربي، وستصبح رخوة، وما تلبث أن تبدأ هذة الأعمدة بالسقوط بصورة ذاتية! وستنهار تدريجيًّا كل ركائز وشواهد الانقسام العربي، وحينها سيتّجه الشعب العربي بصورةٍ طوعية لتجسيد وتطبيق الاتّحاد فعليًّا على الأرض.
وحتّى يكون هذا التوجّه آمنًا وغير عشوائي، ستدعمه المبادرة عبر اتّخاذ خطوات منهجية وتدريجية ومحسوبة بدقّة للتحوّل في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية ومؤسّسات الحكم والقضاء والتشريع وغيرها بصورة سلسة عبر برنامج "التحوّل المنهجي والسلس نحو الاتّحاد الفيدرالي". وسيقوم بهذا الأمر خبراء في كافّة المجالات ذات الصلة، معتمدين على مخرجات "نظام محاكاة ذكية لولايات الوطن العربي"، تحت إشراف مجلس الحكماء.
بوجود مسودة دستور إفتراضي وعَلَم ، يحقّ لكل عربي الانتماء إلى الوطن الافتراضي وتثبت جنسيته العربية الأُم، وحجز رقمه القومي العربي الإفتراضي. المواطنون الافتراضيون هم بالفعل جزءٌ من العالم العربي الحقيقي بالإضافة إلى كونهم جزءًا من الوطن العربي الإفتراضي، ومن ثمّ فإنهم سيشكّلون جسرًا بينهم وسيمّثلون قوّة ضغطٍ إيجابية وهادئة على صانعي القرار في العالم العربي الحقيقي لتنفيذ كل ما هو في مصلحة الشعب العربي ومواجهة التحدّيات المصيرية. ستزيد هذه القوّة كلما زاد عدد المواطنين الإفتراضيين المنتمين إلى الوطن العربي الإفتراضي.
الهيئة العليا التي ستشرف على المبادرة هي "مجلس الحكماء" الذي سيتمّ انتخابه من قبل "المواطنين" الافتراضيين. وأُولى مهام مجلس الحكماء هي الإشراف على إعداد "الدستور الإفتراضي" ومن ثمّ سيقوم بالاشراف أيضًا على عملية الانتخاب الديمقراطي "للبرلمان العربي الافتراضي" والذي بدوره سيشكّل اللجان والدوائر المختصّة بعمله حسب الدستور الافتراضي.
لا يقتصر دور المبادرة على إنجاز الوحدة المأمولة بصورة فعلية على الأرض فقط وإنّما تهتمّ أيضاً بطبيعة ومستقبل هذا الكيان النّاشىء. ولذلك فهي تعمل على تطوير نموذج لما سيبدو عليه الوطن العربي في المستقبل "النموذج المستقبلي للوطن العربي" بحيث يجاري التطوّرات المتسارعة في العالم. وطن يُرسم مستقبله كما يأمل مواطنوه، ليس فقط من ناحية توفّر أساسيات الحياة الكريمة للمواطن العربي، وإنما أيضًا توفّر سبل وإمكانات الابداع والطموح وتحقيق الذات. وحتّى إذا كان هذا النموذج المأمول لا يمكن تطبيقه في الوقت الحاضر أو في المستقبل المنظور بسبب الظروف الحالية، فمن المنطقي أن يأمل الإنسان العربي في الوصول إليه في المستقبل بشكل تدريجي بعد أن يتمكّن من تغيير ظروفه إلى الأفضل.
*لمزيد من التفاصيل، يرجى الإطلاع على منصة المبادرة: http://virtualarabwatan.com
وعلى فيديو ندوة "مركز الحوار العربي" في واشنطن للتعريف بها:
https://www.youtube.com/watch?v=nQpOvtByNL8
د. أنور محمد موسى
(غزّة – فلسطين)