في مثل هذا اليوم من العام 1086م، وعلى هذا السهل الممتد شمال الأندلس على ضفاف وادي يانة (Guadiana) حيث يعانق النخيل أشجار الزيتون قرب مدينة باداخوز (Badajoz)، على بعد أمتار قليلة من الحدود الاسبانية البرتغالية، وتحديدا حيث أقيمت بالخمسينات من القرن الماضي قرية (Sagrsjas)، دارت واحدة من أكبر معارك التاريخ الإسلامي وأكثرها ضراوة ومفصلية هي معركة الزلاقة بقيادة الأمير اللمتوني يوسف بن تاشفين، التي وطدت وجود المسلمين بالأندلس وأخرت سقوطها لأربعة قرون لاحقة.
خاضها ابن تاشفين بشعاره الخالد "لا غالب إلا الله"، وعلى قاعدة النصرة " وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِى ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَٰقٌ ".
وقد حرصت خلال السنة الماضية أن أزور المكان، للوقوف حيث يمكن أن تتخيل رجالا من صنهاجة هجروا مضاربهم بين البحر والنهر على جمال يحدوها الفجر، وهم يعبرون بها البحر شمالا لتحدث تفوقا نوعيا في معارك كان الرغاء فيها بمثابة السيف.
كنت محاطا برفيقين في هذه الرحلة أحدهما "خوليان" ابن مدينة طليطلة التي كانت أول مدينة مسلمة تسقط بيد ألفونسو وكان سقوطها جرس الإنذار الذي أجبر ملوك الطوائف على استنصار المرابطين، أما الثاني فكان "الشيخ أحمد" القادم كما ابن تاشفين من آزوگي.
وكانت كذلك فرصة لاستذكار صفوة الصفوة من صنهاجة والقادة العظام من أبناء هذه الأرض الذين تركوا بصماتهم خالدة في تاريخ الأندلس ومعاركها كأبي سليمان داوود بن عائشة وسير بن أبي بكر وأبي عبد الله محمد بن الحاج اللمتوني وآخرين..
ولأن الأمم العظيمة قادرة دائما على تحويل جراحات الماضي إلى جسور تواصل للحاضر، فإن رسائل الزلاقة اليوم تعني مزيدا من الجهد لتعزيز وشائج القربى والتواصل مع إسبانيا وشعب الأندلس تحديدا لاستثمار كل نقاط التلاقي والتباين التاريخي إيجابًا وعلى كل الصعد.