السيد الريسوني جانب الصواب والإعلام “المتحيز” إستغل التصريح لإشعال نار الفتنة و التعصب بين شعوب المغرب الكبير

أربعاء, 2022-08-24 13:51

سألني قبل أيام أحد القراء الأفاضل عن موقفي من تصريح السيد “الريسوني” ، و لم اكن على إطلاع بالتصريح، فرجعت للتصريح و ملحقاته..و التصريح ذاته لو صدر من مسؤول حكومي أو سياسي مغربي لكنت سأدرى أنه من صميم العمل السياسي و الدبلوماسي و طريقة من طرق الضغط و التفاوض، فالسياسة تقوم على المناورة و الضرب أحيانا تحت الحزام بغرض الوصول لحل دبلوماسي، لكن ان يكون هذا التصريح من رجل علم مسلم له مكانة سامقة في العالم الإسلامي، فذلك مجانبة للصواب ، فقد كان أحرى به ان يدعو للوحدة و جمع شمل شعوب المنطقة، و تجاوز منطق الخلافات ضيقة الأفق…

 احترم الرجل و قد قرأت له و له مواقف مشرفة أخرها موقفه الرافض للتطبيع مع الصهاينة،  و لكن هذا التصريح فيه مجانبة للصواب لا اعلم ما الدافع وراءه، فإذا كان العاهل المغربي يدعو في خطابه إلى الوحدة و فتح صفحة جديدة مع الجزائر…و تجاوز الخلافات ضيقة الأفق ..فكيف لرجل علم و رجل له رمزية ان يكون داعيا إلى الجهاد و النفير بإتجاه إخوة في العقيدة و يجمعنا تاريخ و مستقبل مشترك..

و ما أعتقده شخصيا ، بعيدا عن التحيز أو الشوفينية أو الوطنية ضيقة الأفق ، قضية الصحراء مسألة داخلية و حلها الجذري يكمن في التأسيس لديموقراطية حقيقية و في تحقيق تنمية فعلية و سيادة القانون و منع زواج السلطة بالتجارة و ترسيخ مبدأ الجهوية. كنت أود لو تكلم ايضا عن الزحف باتجاه سبتة ومليليه وباقي  الجزر المحتلة من طرف إسبانيا..

فالخلاف مع الجزائر خلاف بين أنظمة و ليس خلاف بين شعوب، و الأنظمة زائلة و الشعوب باقية..خيار الوحدة و التكتل و التعاون بين شعوب المنطقة هو الحل الامثل و الأنفع لتجاوز الأزمات الداخلية و مواجهة التهديدات الخارجية…

شخصيا تلقيت في أكثر من مناسبة  دعوات  للمشاركة في أكثر من ندوة أو مشاركة بقنوات فضائية أجنبية، و عندما يكون موضوع النقاش الصحراء ارفض المشاركة من الأساس أو أختار عدم الجواب لأن ليس كل شيء يقال …

السيد الريسوني جانب الصواب لكن في تصريحاته اللاحقة و ضح الأمر و أزال اللبس، و هنا يلعب الاعلام دور سلبي حقا، الإعلام المتحيز الباحث عن إشعال نار الفتنة، تصريح السيد الريسوني تم بالفعل تحريفه عن سياقه، و لكن هذا التصريح تم استغلاله من قبل الإعلام الفاسد في البلدان الثلاث المغرب و الجزائر و موريتانيا، و أرى أن السيد الريسوني كان عليه إختيار  الصمت، و السكوت في مواطن الفتنة و الشبهات أمر واجب، ففي هذه الحالة لا يمكن أن ندعم طرف ضد طرف فالدم واحد و النزاع بين طائفتين من المؤمنين ، و الله لو ان  هذا التصريح قاله مسؤول سياسي مغربي لما انتقدته، لأن منطق السياسة يختلف عن منطق رجال العلم و الفقه و الشريعة ، و لكن ان يكون التصريح على لسان رجل علم و عالم مقاصد فذلك ما أثار غضبي و قلقي..فمهمة -رجل العلم و المثقف-  الأولى و الأساسية فتح القلوب و  الجمع لا التفريق مصدقا اقوله تعالى: “و اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا “..

والواقع أني لم أرد الكتابة في هذا الموضوع، لأن وجهة نظري تختلف عن ما قاله السيد الريسوني في أن المغاربة على استعداد للزحف، أعتقد أن في ذلك مبالغة لسببين:

 أولا- لأن رابط الأخوة بين الشعب المغربي و الجزائري و الموريتاني قوي جدا إنه رابط العقيدة ، و أعتقد أن أغلبية المغاربة لن يقبل أن يكون في معركة الرابح فيها خاسر..

ثانيا- ما لم يذكره السيد الريسوني أن جزء واسع من المغاربة عندما تم فتح الحدود باتجاه سبتة و مليلية زحفوا نحوها هربا من المغرب لا بغرض تحرير المدينتين المحتلتين من عدو أجنبي، فالبطون الجائعة لا تزحف لمعركة…

لكن رغم خلافي مع السيد الريسوني إلا أني اتفق معه في أن هذا النزاع نزاع مفتعل و هو نتاج لأجندة إستعمارية، و اتفق معه أيضا في أن المنهجية التي تم تبنيها في حل قضية الصحراء كانت خاطئة،  فالدولة المغربية بعد 1975 تبنت مجموعة من السياسات الخاطئة في تعاملها مع سكان الصحراء و في إدارة هذا الملف، و عليها أن تتحمل مسؤولية هذه السياسات الخاطئة ، فقد حاولت منذ البداية تشكيل “نخبة صحراوية”  موالية للرباط، و في سعيها لتحقيق هذه الغاية عملت على إغداق مجوعة من الإمتيازات على النخب المحلية، وهو ما ولد نوعا من الريع، الذي أسهم في إعاقة إيجاد حل نهائي لهذا الملف.. هذا باللإضافة إلى أن الدولة المغربية عملت على تقديم إعانات و دعم غير محدود لسكان الصحراء، و تقديم إعفاءات ضريبية و غير ضريبة لهؤلاء السكان، في حين أرهقت كاهل عموم مواطني المملكة بالضرائب و غيرها ، فكلفة المعيشة منخفضة في عموم الصحراء نتيجة للدعم الذي تقدمه الدولة من أموال دافعي الضرائب لدعم السلع و الخدمات المقدمة لسكان الصحراء، فمثلا لتر الزيت أو علبة السكر أو الشاي أو غيرها من السلع و الخدمات ثمنها في مدن الصحراء هو نصف ثمنها في باقي المدن المغربية، بل إن الطلبة المنحدرين من الأقاليم الصحراوية تمنح لهم الدولة منحا تفوق الممنوحة لباقي طلبة المملكة .. فهناك تعاملا تفضيليا و تمييزيا لسكان الصحراء، فمن المفروض أنهم مواطنيين كاملي المواطنة، و لذلك فينبغي معاملتهم بمثل معاملة باقي مواطني المملكة..

و هذا بنظرنا، السبب المباشر في إستمرار هذا الملف، و سيستمر إلى ما لا نهاية مالم يتم إتخاد إجراءات عملية   وخطوات جدية و جادة ليس في حل و طي ملف النزاع حول الصحراء فقط، و إنما في تبني نظام حكم ديموقراطي و عادل يشمل جميع سكان المملكة، و دون تمييز بين الشمال و الجنوب و الشرق و الوسط…فالحكم الصالح و الديموقراطي، و القطيعة مع إنتهاكات حقوق الانسان، و محاسبة ناهبي المال العام ، و فصل السلط ، و الفصل بين السلطان و التجارة، و العودة لروح حراك 20 فبراير 2011، تعد المدخل الأساسي لكسب ود سكان الصحراء بل كسب ود سكان “سبتة” و “مليلية” التي تحتلهما إسبانيا إلى يومنا هذا…

فمن المؤكد أن نزاع الصحراء لا يمكن حله بالسلاح و لا باعتراف امريكا و غيرها من الدول، و لم نكن في حاجة لتدنيس تاريخ مغرب الموحدين و المرابطين و السعديين باتفاق الذل و العار مع الصهاينة فكل هذه الحلول لن تحسم الملف بل تعمق الأزمة أكثر،  هذا بالإضافة إلى أن  أتباع “جبهة البوليساريو” من الأشقاء الصحراويين خلافنا معهم في الرأي و الموقف، إلا أن ذلك لا يمنع و لا ينفي أننا إخوة  في العقيدة و ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، و إذ ندين موقف “جبهة البوليساريو” و التي سعت إلى التهديد بحمل السلاح ، فإننا ندين كذلك أصوات مغربية و أبواق تدعو إلى استخدام القوة و العنف ضد الصحراويين، و على خلاف الرأي الأول القائل بأن السلاح هو الحل، و الرأي الثاني الذي يدعو إلى الانفصال، و إن كنت أرى أن الحكم الذاتي الموسع هو نوع من الانفصال، على غرار ما حدث في “كردستان العراق” و ما حدث مع “هونغ كونغ” و ” مكاو” في علاقتهما بالصين …فإني أرى أن الحل الأقرب و الأنسب في عصر تتجهه في الدول إلى التكتل مع بعضها، و ليس العكس الاتجاه نحو تجزئة المجزأ و تقسيم المقسم، هو الوحدة و التكتل في إطار أكبر و أشمل هو المغرب الكبير  و النزاع حول الصحراء يمكن حله في هذا الـتكتل الإقليمي، و لنا في تجربة أوروبا خير مثال…

ففي الوقت الذي تجاوزت فيه أوروبا التي كانت مسرحا لحربين مدمرتين، خلافاتها و تجاوزت جراحها، و أسست لحقبة جديدة من التعاون و التكامل، و خلقت إطارا وحدويا يذيب الوطنيات و القوميات في بوتقة إتحاد أوروبي عابر للحدود، نجد أن البلدان العربية و الإسلامية لازالت تعاني صراعات دموية، و نزاعات حدودية و تفرقةً مصطنعة، تدمر كل إمكانية للوحدة و التنمية والسلم الإقليمي، فأروبا إستوعبت الدرس و حاولت الخروج من دائرة الوطنية و القومية ضيقة الأفق إلى دائرة العالمية ، خاصة و أن الدولة القومية في أروبا أدخلت الأروبيين في دوامة من الدم و الصراع، الذي لم يتمكن أي طرف بحسمه لصالحه، فبعد ان إنتصر الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، و فرضوا شروطا قاسية على ألمانيا المنهزمة، سرعان ما إستعادت هذه الأخيرة عافيتها و حاولت تجاوز أثار إتفاقية الإستسلام، فصعد هتلر للحكم و النازية التي قادت إلى إنفجار حرب عالمية ثانية أكثر دموية ودمارا…

والجدير بالذكر، أن هذا النمط الغربي في الوحدة، أول من أسس بنيانه محمد عليه الصلاة والسلام ، عندما وضع النواة الأولى للدولة الإسلامية في المدينة بعد الهجرة، إذ تم تجاوز منطق العصبيات و الصراع و تغليب منطق التعايش و الإخاء، و هو أمر جاء القرأن الكريم ليؤكده بشكل واضح إذ قال الله  تعالى :  {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات : 13].. و في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران : 103]…

فنجاح الإتحاد الأروبي في إدارة خلافاته السياسية و في صهر أكثر من عشرين قومية في كيان واحد، يدعو إلى التفاؤل بإمكانية توحيد الشعوب المغاربية  في كيان عابر للحدود، يمتلك إرادة سياسية موحدة و يوحد القوى و القدرات و الإمكانيات لتوظيفها في تحقيق التنمية و الحرية و الكرامة لكل المواطنيين على أرضه، و يحمي شعوب المنطقة من “ملوك الطوائف” الذين يحرقون الأخضر و اليابس و يتنافسون فيما بينهم على سلطان و نفوذ وهمي..

لذلك، نؤكد على أن هذا الوضع الشاذ حول نزاع الصحراء لابد له من تسوية ، فاستمرار هذا النزاع غايته منع الوحدة بين دول الإقليم و إعاقة إقامة نموذج تنموي إقليمي خدمة لمصالح إستعمارية، تدرك جيدا إمكانيات هذا الإقليم الإقتصادية و البشرية و الجيوإستراتيجية، خاصة و أن  هذا النزاع لا يخدم مصلحة الجزائر و لا المغرب، فمصلحة  البلدين تتطلب تجاوز خلافاتهما الشكلية، و السعي نحو تطبيع العلاقات بشكل كامل و تغليب جانب التعاون و التكامل بدلا من الخصام و التصادم، و ندعو كلا الطرفين الذين يعترفان بضرورة الحوار و التعاون، أن يتم الابتعاد عن الشكل و التركيز على الجوهر..

و على العموم، نتمنى صادقين أن يتم تجاوز الخلافات الشكلية أنا مغربي و أرفض بشكل مطلق أي إساءة تمس الشعوب المغاربية  ، خلافاتنا ينبغي ان تجد طريقها للحل عبر الطرق السلمية و دون سفك للدماء و تدمير مستقبل شعوبنا المدمر منذ عقود بدعوى الدفاع عن الحدود و مواجهة التهديد الخارجي، التهديد الحقيق الذي يواجه شعوب المنطقة المغاربية هو الاستبداد و غياب الحكم الصالح و نهب الثروات الوطنية و ترسيخ التبعية للقوى الدولية، نأمل من بعض إخواننا في الجزائر أن يستمعوا لصوت العقل و المنطق، دعم جبهة البوليساريو بالسلاح و غيره ضرره أكبر من نفعه، ضرر لكل شعوب المنطقة، و في مقدمة المتضررين الشعب الجزائري ، فما الغاية من تقسيم المغرب؟ و ما المكسب الاستراتيجي الذي تحققه الجزائر من إقامة دويلة فاشلة على حدودها؟ و ماذا لو قام المغرب بدعم حركات انفصالية بالجزائر بحجة دعم مبدأ تقرير المصير ؟ فلماذا لم تدعموا استقلال تايوان و إقليم الباسك و كردستان و الأحواز؟

إهمال تكتل المغرب الكبير فيه مجانبة للصواب، وابتعاد عن أقصر الطرق وأقلها تكلفة وأكثرها نفعا، فمصلحة الشعب المغربي و الجزائري وباقي الشعوب المغاربية، تقتضي تفعيل هذا التكتل على اعتبار أن مثل هذه المبادرة السياسية فيها مصلحة ظاهرة لكل شعوب الإقليم، نظرا لتقارب المستوى التنموي بين الأطراف وأيضا في ذلك تأثير مباشر على استقرار المنطقة وتنميتها، كما أن الاتحاد ألية سياسية فعالة و قادرة على  تجنيب المنطقة النزاعات والثوثرات الحدودية، و كفيل بإيجاد تسوية شاملة للميول الإنفصالية سواءا بداخل المغرب أو الجزائر أو ليبيا، بفعل وجود خصوصية ثقافية أو إثنية.. و الله غالب على أمره و لكن أكثر لناس لا يعلمون..

 

د. طارق ليساوي إعلامي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..